التلقيب في الإسلام...6...؟

مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

سار محمد مع باقي الصحاب مهاجرين وأنصاراً على النهج عينه في خطة
(التلقيب) ومن المتعذر إن لم يكن من المستحيل حصر الألقاب والملقبين بها ولا هو من هدف هذا البحث ، ومن ثم نكتفي بضرب أمثلة لتقديم الدليل على صحة الفكرة التي خرجنا بها من دراسة علاقة محمد بالصحابة وكيف أنه وظّف(اللقب)كأداة لرياضتهم وتطبيعهم وقولبتهم بقالب الإسلام وبصمهم بخاتمه، ولذا فإن إحصاء عدد منْ حظي بالألقاب منهم وحصرها(=التلقيب) فهما نافلة أو زيادةلاموجب لها واختلفت بواعث محمد في(التلقيب) كما تنوعت الوسائل التي شكلها في ذلك : فمرة يكون الدافع هو مكافأة الفئة القليلة التي ذاقت العذاب والنكال لانضوائها تحت رايته واتباع دينه الذي دعا إليه فلا أقل من أن تحظى بلقب يبلّ معها ريقها النشف (106) ويأسو جراحها التي ما زالت آثارها واضحة على جسومهم .
1- عمـّـــــار :
- ( ماخـُيّر عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما )(107).
- ( من حديث علي ّبن أبي طالب-ر- : جاء عمار يستأذن النبي-ص- يوماً فعرف صوته ، فقال: مرحباً بالطيّب ، المطيّب)(108) . علاوة على الحديث المشهور ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ).
وقوله لعمّار خاصة:
- ( تقتلك الفئة الباغية يا عمار)(109) . وهو ممن نال (صك دخول الجنة):
- ( عن أنس عن النبي-ص- أنه قال: اشتاقت الجنة إلى : عليّ وعمّار وسلمان وبلال _ر- )(110) .
2- بـــــــلال :
- ( حدثنا قتادة عن القاسم بن ربيعة عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله-ص-: نعم المرء بلال وهو سيد المؤذنين)(111) .
وهو أيضاً ممن ضمن لهم محمد دخول الجنة ، ورد ذلك في أكثر من حديث :
- ( روى أبو هريرة أن النبي-ص- قال لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دق نعليك بين يدي الجنة)(112)
- ( أخبرنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أصبح رسول الله-ص- فدعا بلالاً فقال : يا بلال بما سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي)(113) . والخشخشة حركة لها صوت .
- ( روى ابن القاسم عن مالك قال: بلغني أن رسول الله-ص- قال لبلال: إني دخلت الجنة فسمعت فيها خشفاً أمامي قال: والخشف الوطء والحس، فقلت: من هذا ؟ قيل بلال، فكان بلال إذا ذكر ذلك بكى) (114)و(115) .
ومن حديث سابق أخبرنا محمد أن بلالاً ممن تنتظرهم الجنة في شوق ولهفة . وفي الحديث الآتي يوصي محمد زوجة بلال ألا تغضبه وأنها إن فعلت حبطت جميع أعمالها وأن بلالاً صادق لا يكذب:
- ( عن امرأة بلال أن النبي-ص- أتاها فسلم فقال: ثمّ بلال؟ فقالت: لا، فقالت: فلعلك غضبت على بلال، فقالت : لا ، إنه يحبني كثيراً فيقول(= راوي الحديث) : قال رسول الله-ص- لها: ما حدثك عني بلال فقد صدّق، بلال لايكذب ، لا تغضبي بلالاً، فلا يقبل منك عمل ما أغضب بلالاً)( 116).
3- صُهيب :
لم يعذّب كبلال وعمّار ولكنه ضحى بماله عندما عزم على الهجرة من مكة إلى يثرب، هذه التضحية لابد أن يقابلها محمد بقدر من التحية الطيبة المتمثلة في منحه لقباً وكنية:
- ( روى عن النبي-ص- أنه قال: صهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة)( 117).
- ( قال صهيب : وأما اكتنائي بأبي يحيى فان رسول الله –ص- : كناني بأبي يحيى فلن أتركها)(118).
4- أبو ذر الغفاري :
من السابقين الأولين ، قيل أنه رابع أو خامس منْ أسلم وكان يفتخر أنه في وقت من الأوقات كان(ربع الإسلام)، وهو إن لم يكن قد أوذي بسبب ذلك إلا أن صلابته في دينه وتمسكه به أدهشت محمداً؛ فأبو ذر آمن مبكراً ثم عاد إلى مضارب قبيلته غفار وعاش بين أفرادها عاضاً بنواجذه على دينه ولم يهاجر إلى يثرب(المدينة) إلا بعد وقعة الخندق وهذا الثبات النادر على العقيدة لا يدعه محمد دون مكافأة سخية من اللقاب:
- ( عن عبدالله بن عمرو قال: سمعت رسول الله-ص- : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر)(119) .
- ( عن أبي هريرة قال :قال رسول الله- ص - : ما أظلت الخضراء ولا أفلت الغبراء في ذي لهجة أصدق من أبي ذر)(120)و(121).
- (روى عن النبي- ص- أنه قال أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده وبعضهم يرويه : من سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر)(122) .
- وفي رواية أخرى ( أبو ذر يمشي في الأرض في زهد عيسى بن مريم)(123) .
5- سلمان الفارسي:
نحن أمام شخصية بالغة الثراء والتعقيد ولا نقصد الثراء المادي بل الروحي الذي تمثل في البحث عن الحقيقة والتعطش إلى المطلق ، طوفت على عدد من العقائد والملل وعلى الديانتين الإبراهيميتين السّاميتين الأخريين(= اليهودية والمسيحية ) ثم استقرت أخيراً على الإسلام تفضيلاً له عليهما جميعهما.
هذا الموقف حمده محمد لسلمان الفارسي فمنحه لقب (سابق الفرس) .
- ( عن أبي هريرة أنه قال: قال ناس من أصحاب رسول الله- ص -: يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا بتا ثم لم يكونوا أمثالنا؟ وكان سلمان يجنب رسول الله- ص – قال: هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لناله رجالُ من فارس(124) .
وتقديراً من محمد لسلمان لاختياره الإسلام وتفضيله على سائر الأديان والعقائد ( قيل إنه طوّف على أربعة عشر ديناً وقرأ كتبها) منحه صك براءة من العذاب:
- ( عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله – ص – إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان)(125) .
وكان عليُ يقول: سلمان منا آل البيت(126) وفي رواية أخرى نسب هذا القول إلى محمد نفسه(127).
ومن أثر تجوال سلمان على العقائد والملل والنحل المختلفة تراكمت لديه ثقافة دينية طويلة وعريضة وعميقة وثرّة :
- ( سئل علي عن سلمان ، فقال: عًلِمَ العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزف)(128) هذه شهادة واحد من علماء الصحابة وكان يقال في حقه (باب مدينة العلم) وهي بذاتها تقطع بغزارة علم الفارسي سلمان الديني وإحاطته بما لا يحصى من العقائد والمذاهب الدينية، وهذا يفسّر لنا علّة الجلسات الطويلة بل البالغة الطول التي كان يختلي فيها محمد بسلمان في الليل حيث لا يزعجهما أحد :
- ( قالت عائشة : كان لسلمان مجلس من رسول الله بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله )(129)و(130) .
من ناحية : هذا خبر موثق بعد أن أطبق عليه مصدران من أوثق المصادر التي كتبت عن الصحابة ( أسد الغابة والاستيعاب) ومن ناحية أخرى فإن ناقلة الخبر أو راويته هي عائشة أصغر زوجات محمد وأجملهن وأحبهن إلى قلبه وهي تصرح بأن الفارسي أوشك – في ليلتها المخصصة لها- أن يغلبها ويتأثر بمحمد دونها في الجلسات الطوال التي كانا يعقدانها في هدأة الليل وبعيداً عن المشاغل وسائر الصحاب وما ذاك إلا لأن الفارسي يحمل في صدره كنزاً معرفياً عقائدياً لا يُقدر بثمن وكان محمد شديد الحرص على الإطلاع على هذا الكنز الثمين .
ونال عدد من المهاجرين القرشيين حظاً من الألقاب :
- ( عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله – ص -: إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ومنزلي ومنزل إبراهيم تجاهين في الجنة ومنزل العباس بن عبد المطلب بيننا مؤمن بين خليلين) (131) .
- ( قم قال رسول الله- ص - : أبشروا أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسول الله) 132).
- ( نعم ترجمان القرآن أنت) مخاطباً عبد الله بن العباس بن عبد المطلب .
- ( قال ابن عباس قال لي رسول الله – ص-: نعم الترجمان أنت ودعا لي جبريل مرتين)(134) .
- ( نعم عبد الله وأخو العشيرة: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلّه على الكفار والمنافقين)(135) .
- ( ذُ كر عن رسول الله قال: خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أقسمه بالسوية وأعدّله في الرعية)(136)و(137) .
وزيد وإن لم يكن قرشياً إلا أنه كان في عدادهم فهو قرشي بالولاء إذ أنه في بداية الأمر كان عبداً لخديجة أولى زوجات محمد فأهدته إليه فتبناه فكان يقال (زيد بن محمد) فلما حرّم التبني ، اعتبر مولاه لأن القاعدة أن (الولاء لمن أعتق) ، (ومولى القوم منهم ) وكان محمد يحبه كثيراً حتى كان يقال عنه (الحبّ) وكذلك أحب أسامة بن زيد فكان يقال له(الحِبّ بن الحِبّ) وعيّنه قائداً على آخر سرية يجهزها وكان فيها عدد من أكابر الصحابة وأعيانهم مثل عمر بن الخطاب جعلهم مقودين لأسامة ولم يكن قد بلغ العشرين من عمره .

(106)في مختار الصحاح : أرض نشِفة بيِّنة النَشَف إذا كانت تنشف الماء أي تشربه . (107) الجامع الكبير للسيوطي ص 2238عدد/18-ج/3(108) الاستيعاب – مج/3-ص 1138(109) قال الترمذي : حديث حسن صحيح
(110) الاستيعاب- مج/3- ص 1138 (111) من أحاديث الأحاد (112) من المغنى لابن قدامة – مج/2 ص 181 (113) أسد الغابة مج/1 ص 245(114) الاستيعاب- مج/1 ص 180 (115) ... كان لبلال المضمونة له الجنة – رأي في مسألة تقسيم أراضي السواد لم يرُق لعمر فدعا على بلال فلم يُحل عليه الحول ومات في طاعون عمواس. فكيف يجوز لمبشَّر في الجنة أن يدعو على من ضمن دخول الجنة بالهلاك لمجرد الاختلاف بالرأي.
(116) الجامع الكبير للسيوطي عدد/181- ج/3.(117) الاستيعاب – ابن عبد البر- مج/2- ص 729. (118)أسد الغابة – مج/3 –ص 39
(119) ذات المرجع مج/1 ص 357 (120) الاستيعاب – مج/1 ص 255
(121)في تحفة الأحوازي وابن ماجه وفي الطبقات الكبرى وفي حلية الأولياء . (122) الاستيعاب- مج/1- ص255(123) أسد الغابة مج/1 ص 357.(124) الجامع الكبير ص1258- عدد 10 – ج /3. (125) أسد الغابة مج2- ص420. (126)المصدر نفسه والمجلد والصفحة
(127) لم تشفع شهادة علي أو محمد لسلمان أنه من آل البيت في الإصهار إلى عمربن الخطاب فقد خطب إحدى بناته ولكن لم يتوفق له ذلك! لماذا ؟لأن العرف الاجتماعي الذي كان سائداً قبل الإسلام وانتقل إليه والذي يتمثل في أن
( الأعجمي لا يتزوج العربية وغير القرشي لا يتزوج قرشية)- هذا العرف كان أقوى وأمضى من تلك الشهادة التي فهم عمر بن الخطاب(حين رفض المصاهرة)أنها شهادة معنوية لا تذهب إلى أكثر من تطييب خاطر .
(128) أسد الغابة مج/2 –ص 420 (129) المصدر نفسه والمجلد والصفحة
(130) الاستيعاب مج/2- 636 (131) أسد الغابة مج/3 –ص 166
(132) كتاب المغازي ج1 – ص 290 (133) جمع الجوامع ع/25 ج/4 ص 3118 .( 135) جمع الجوامع ع/25 ج/4 – مجمع البحوث الإسلامية قاهره ط/1 1416هـ/1995م . (136) كتاب السير الكبير – ص 221-
(137) زيد بن حارثة هو الوحيد من الصحابة الذي ذ ُكر بالاسم في القرآن عندما قصّ زواج محمد بزينب بنت جحش.
من كتاب شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة مؤلفه خليل عبد الكريم

#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات