خصخصــة المفاوضات وخصخصة الكركونات!

مصباح الغفري

الحوار المتمدن-العدد: 657 - 2003 / 11 / 19 - 05:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

     أيها التجار والمقاولون ، أيها المناضلون ، هذا زمن الإنفتاح بعد الإنغلاق ، زمن الأرباح بعد الإملاق ، أنتم عماد الوطن وأئمة حرية السوق ، إنها فرصة تاريخية لكم لتحقيق الإزدهار عن طريق الخصخصة ، كل شيء للبيع ، الإدارة القومية للإقتصاد الحر تدعوكم لإغتنام هذه الفرصة التي كنتم تحلمون بها ، تقدموا للحصول على تراخيص لافتتاح المنشآت الخاصة ، لدينا تراخيص جاهزة وبأسعار لاتنافس لإفتتاح مرافىء " شرعية " لعمليات التهريب ، رخص لإفتتاح مخافر وكركونات وأقبية للتحقيق الخاص ، رخص لافتتاح أجهزة أمنية مع السماح باستيراد جميع أدوات التحقيق من سياط وخيزرانات ومولدات كهربائية معفاة من الرسوم .
من شاء أن يحيا سليماً من أذى النظام العالمي الجديد فعليه بالخصخصة ، فالدولة أيها السادة " تاجر سيء " جداً ، أما التاجر فهو الذي يعرف من أين تؤكل أكتاف الناس و أعطافهم و أكبادهم أيضاً . وقد أدركت " القيادات التاريخية  "  بحكم " تخصصها " بقراءة المستجدات هذه الحقيقة ، ومن هذه النظرة الثاقبة لأولي أمورنا نصرهم الله ـ وجميع نظراتهم  ثاقبة ومرعبة وتشعر المنظور إليه بزوال النعم  ـ  إنبثقت نظرية الخصخصة ، وتولى العلماء والمفكرون الذين يشغلون مناصب أمنية وثقافية ، وجميع المشتغلين بحرفة " الصفن " ، وضع الأسس العلمية لعملية بيع القطاع العام لمن يرغب بالشراء ، الأسعار متهاودة جداً ، والمناقصات ترسو تلقائياً وبشكل عفوي على أبناء المسؤولين التاريخيين وأصهارهم وأقاربهم حتى الدرجة الثانية عشرة ، أو على شركائهم من التجار والمقاولين ، فلتزغرد جماهير العمال والفلاحين وصغار الكسبة من الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم ، وليرقص الجميع في الشوارع والحارات والساحات العامة لأمتنا الخالدة التي اختصها الله من دون أمم الأرض بخصائص تؤهلها لخصخصة كل شيء . 
     بادر يا أخي فوراً ودون أي تأخير إلى تقديم أوراقك إلى أي ماسح أحذية من ماسحي أحذية المسؤولين أو أبنائهم أو أصهارهم أوزبانيتهم أو جلاديهم أو ممن يعمل في المهنة كمستجد ، أليست قراءة المستجدات هي علم العلوم في هذه المرحلة التاريخية التي تمر فيها أمة الفياغرا ؟ وإذا وفقك الله وتعرفت إلى واحـد من  مرافقي " سائق أو حاجب مولانا " فسيأتيك الرزق الوفير من حيث تدري ومن حيث لا تدري !
     لا احتكار بعد اليوم لأي شيء ، التهريب " الشرعي " حق لكل مواطن من الذين لم يقولوا" لا " حتى في تشهدهم ، لا محسوبية لأي كان ، الدفع عداً ونقداً ، لا تقبل الشيكات حتى ولو كانت مصدقة من تشيز مانهاتن بانك ، إدفع بالتي هي أحسن حتى يدفع الله عنك البلاء ، لا مركزية وروتين في ظل حرية السوق ، التعهدات والإلتزامات  والمقاولات هي كلمة السر في ظل التحولات الإجتماعية العميقة كبئر لاقرار له ، والواسعة كذمة قائد تاريخي ، والبراقة كشعارات الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي والتقدم و الإشتراكية !
     وبما أن ذلك كذلك ، وبما أنني أنا العبد الفقير إلى الباري عز وجل أبو يسار الدمشقي القنواتي أدركت حكمة أجدادنا الذين كانوا أول من أطلق شعار : إذا جن ربعك فعقلك لا ينفعك ، فقد قررت وأنا بكامل الأهلية القانونية والشرعية أن أضع رأسي بين الرؤوس منتظرا أقرب الأجلين ، وهذه أوراقي الثبوتية لكي أحظى برخصة إفتتاح " كركون " خاص !
     لاتتعجبوا أيها القراء الكرام ، فالمخفر اليوم هو " تجارة لا تبور " والوطن مقبل في الألفية الثالثة على إنجازات كبرى بعد مفاوضات السلام ، والمخفر مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا يخرج في جميع المسيرات الشعبية وهو يهتف من أعماق القلب :
        بالروح … بالدم … نفديك يا … !
نعم أيها السادة ، المخفر الخاص هو مهنة المواطن العربي الصالح في الألفية الثالثة لميلاد السيد المسيح رسول السلام ، وهي مهنة لا تحتاج إلى رأس مال كبير ، يكفيك أن تكون من المقربين من أحد أبناء المسؤولين أو صديق له حتى تحصل على الترخيص ، بناء المخفر ليس مشكلة كما تظنون ، فلدينا أراض واسعة ، مواد البناء يمكننا الحصول عليها من الذين سنحقق معهم بعد انتهاء الكركون وافتتاحه رسميا ، ولن يخرج أحدهم من مخفرنا التاريخي قبل أن يوقع على وثيقة تثبت أنه قبض كامل مستحقاته وبعد أن يدفع لنا تكاليف التحقيق معه وأجرة الإقامة لدينا فمخفرنا العتيد ليس الصليب الأحمر !
     تبقى مشكلة وسائل التحقيق ، ونحن نريدها وسائل حضارية تنسجم مع عصر العولمة والكومبيوتر وخطوط التوتر العالي ، وهذه الأدوات سنستوردها عن طريق الشركات المخصخصة وسنحاسبهم في المخفر !
     شيء واحد لاتزال حكوماتنا الرشيدة تحتكره ، لازال مؤمما ، هو مفاوضات السلام ، ويبدو أن أرباح هذا القطاع ضخمة جدا بحيث لاتزال الدولة ولا يزال قادتنا التاريخيون يرفضون خصخصتها ، لذلك أرى أن على جميع القوى والفصائل والميليشيات الوطنية و التقدمية ، رفع شعار خصخصة المفاوضات ، وقل اعملوا فسترى واشنطن وتل أبيب ولندن عملكم !

                                          

#مصباح_الغفري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات