أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان الظاهر - الحلة في الذاكرة (12) / عرباين الحلة















المزيد.....

الحلة في الذاكرة (12) / عرباين الحلة


عدنان الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12 - 02:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


للعرباين في مدينة الحلة تأريخ عريق ضارب في القدم . لا أتكلم عن مراحل دخول السيارات الأجنبية ذوات الإحتراق الداخلي العاملة بوقود البنزين لأسواق العراق ، إنما أتكلم عن بدايات أربعينيات القرن العشرين ثم خمسينياته فأوائل الستينيات . الملاحظ أن َّ هناك علاقة تناسب عكسي بين عدد السيارات العاملة وعدد العربات المستخدمة لنقل الناس داخل المدينة الواحدة . فكلما إزداد عدد السيارات إنخفض عدد العربات [ العرباين ] . في الحلة أربعة أصناف من العرباين تتباين في الحجوم والتصميمات حسب ما تؤدي من وظائف وخدمات .
أولاً / عرباين نقل الركاب داخل مدينة الحلة / يجرها حصانان
تتحرك عربة هذا الصنف على أربع عجلات الأمامية منها صغيرة المحيط والقطر أما الخلفية فأكبر من الأمامية قطراً ومحيطاً . وتتكون من هيكل رئيس مخصص لجلوس الزبائن يستوعب عدداً من المسافرين يتراوح بين 4 ـ 5 في الأحوال الإعتيادية. هذا الجزء مغطى بظلّة واقية متحركة أماماً وخلفاً تبقى مفتوحة صيفاً فينكشف الراكبون . أما شتاءً فيتم سحبها حتى تغطي المقصورة الرئيسة فقط لا تتعداها مشكلة قوساً يساوي تقريباً ربع محيط دائرة . أما الجزء الخاص بسائق العربة ( العربنجي ) فيتميز بوضع خاص . فيه مكان لجلوس السائق أعلى من بقية أجزاء العربانة الأخرى ، ثم إنه مكشوف صيفاً وشتاءً فلا ظل ٌّ يحمي العربنجي من شدة حرارة أجواء صيف العراق ولا ظلة تقيه برد وأمطار الشتاء . فحاله ليس بأفضل من حال حصانيه البائسين . يمسك الحوذي ( العربنجي ) في يده عادةً سوطاً طويلاً يلطم به جانبي حصانيه بين آونة وأخرى كوسيلة لحثهما على الإسراع في الجري . كيف يجري حصان جائع يكدح أكثر من إثنتي عشرة ساعة ً في اليوم بما فيه من جروح وكلوم ودبرات من أثر قرع سياط الحوذي ثم آفة القراد الملتصق بجلده وكفله [ مؤخرته ] يمتص دون هوادة دمه وهوفي الأصل قليل جرّاء سوء التغذية . كنا في طفولتنا نلهو ونلعب ونخدع الحوذية ونتنقل مع العربات هنا وهناك مجاناً لا في داخل العربة وإنما نقتعد تختة خشبية تقع آخر العربة من خارجها لا أعرف سر وجودها ولا ما تؤدي من وظيفة هناك . كنت ومجموعة أصدقائي من الأطفال مسرورين بهذه التنقلات المجانية حتى ... إنتبه العربنجية للعبتنا وما يكتنفها من مخاطر على حياة الأطفال الضاحكين على الذقون فكيف ردت العربنجية ؟ وضعوا أسلاكاً شائكة خلف عرباتهم بحيث تعذر الجلوس على تختة الخشب إياها التي كنا نلتجئ إليها في تجوالاتنا مع العربات جيئة ً وذهاباً . ملاعين عربنجية ... أذكياء عربنجية ... سرسرية حوذية ! كان الخط الحيوي الرئيس لحركة هذه العربات هو الخط الذي يربط مركز المدينة المقابل لمركز شرطة الحلة بمحطة القطار البعيدة نسبياً عن مركز المدينة بحسابات ذلكم الزمان . حين كنت أزور مدينة الحلة في سبعينيات القرن الماضي هالني قلة عدد ما رأيت من هذه العرباين . لكني لم أُدهش إذ لاحظت كثرة وجود سيارات التاكسي الصغيرة التي كانت تنافس العربات التي ولى عصرها وزمانها . لاحظت أنَّ سائق السيارات القديم السيد ( عبيدة الربيعي / من سكنة محلة السنية في وسط الحلة سابقاً ) يدير مكتباً لتشغيل مجموعة من سيارات التاكسي فقلت واللهِ إنَّ الحلة بخير . سلام الله على عرباين زماننا البسيطة ... لا تستهلك بنزين ولا تحتاج إلى مكائن إحتراق داخلي أو خارجي ولا إلى مخدات مغناطيسية ولا إلى تأمين وإطارات كاوجك ... إلخ . لا أدري مَن كان يصنع ولا أين كانت تصنع تلك العرباين . لمما يلفت النظر حقاً أنه برغم بساطة هندستها وتركيبها لم يُسجلْ في كل تأريخها في الحلة ـ على حد علمي ـ حادثٌ مؤسف من قبيل التصادم أو إنقلاب العربة الذي يؤدي إلى سقوط قتلى أو جرحى أو ما شابه ذلك . أمان أمان مطلق وتلك نعمة فضيلة كبرى .
ثانياً / عربات الحمولات الخفيفة / عربات يدفعها رجلُ
تتحرك هذه العرباين عادة ً على عجلتين صغيرتين فقط ( جروخ ) تشغلان مكاناً يقع في مؤخرة العربة . لها حوض منخفض مستطيل الشكل بجدران قصيرة واطئة يدفعها رجل واحد ماشياً وراءها يسميه أهل الحلة [[ حمّال ]] . تنقل هذه العرباين للناس ما يبتاعون من سوق الخضار والعلاوي الكبيرة من حمولات الرقي والبطيخ وأقفاص الطماطة أو بعض أكياس السكر والرز المحدودة العدد . عربات عملية ليست كبيرة بحيث إنها قادرة على الولوج حتى في الأزقة والدرابين الضيقة .
ثالثاً / عربات يجرها حمار واحد فقط
هي وسط بين الأولى والثانية من حيث الهندسة والتركيب لا من حيث ما تؤدي من خدمات . فهي أصغر مساحة ً من الثانية وإن كانت مثلها مستطيلة مسطحة دون حواجز جانبية . على أن أطرف ما فيها وما يميزها أنها وإنْ كانت كالثانية تتحرك على عجلتين صغيرتين لكنها تقاد من قبل حمار صغير مؤدب [ ميزاكط ولا يعنفص ولا يضرب زواج ] يوجهه سائق يتخذ عادةً هيئة الوقوف ماسكاً بكلتا يديه سيرين من الجلد ينتهيان بلجام معدني يخترق فم الحيوان للسيطرة ودقة التوجيه . من أكثر هذه العربات شهرة في الحلة واحدة يملكها شاب هو الآخر من قطنة محلة السَنية يكاد منظره يصدع الصخر حين يمر بعربته في الشارع الرئيس : يقف خلف حماره في عربته كقائد عسكري أتى ظافراً من معركة حاسمة فيضج الناس بالضحك لأنَّ هذا القائد الظافر أكبر حجماً من حمار عربته وأكثر وزناً منه بمرتين في أقل تقدير !! تنقل هذه العربات بشكل أساسي أكياس السكر والرز والطحين من محلات البيع بالجملة إلى محلات البيع بالمفرد أو تنقل أكياس الحنطة والشعير من البيوت أو الدكاكين إلى المطاحن في منطقة باب المشهد .
رابعاً / عربات بيع الشلغم والدوندرمة / يدفعها صاحبها بيديه
كانت هذه العربات كثيرة الشيوع في مدينة الحلة لأنها عملية جداً وصغيرة الحجم وسريعة الحركة وسهلة التنقل وخفيفة الوزن فهيكلها خشب . أكبر مزاياها أنها قابلة للتكيف حسب المطلوب منها من خدمات تؤديها صيفاً أوشتاءً . ففي الشتاء تنقل الشلغم المطبوخ بالدبس لبيعه في الشوارع وأمام مداخل المقاهي ومكانها المفضل هو مداخل المدارس . وتنقلب صيفاً إلى عربات لبيع الدوندرمة وأمكنتها صيفاً كأمكنتها شتاءً : أمام المقاهي وأبواب المدارس . كان الأشهر من بين باعة الشلغم الشتوي والآيس كريم الصيفي شخص إسمه ( كاظم بربوك ) . يليه آخر إسمه ( جودي ) . ثم كان هناك السيد ( جواد المجدور ) الذي كان يدور ويقطع الشوارع حاملاً على رأسه صينية غريبة المحتويات صممها بحيث تكوِّن مثلثات يملأ كل مثلث بحلوى كثيفة خاصة مختلف ألوانها موحدة الطبيعة والتركيبة والمحتويات يسميها ( علوجة أو علجة ) . يأتيه أحدنا حاملا عشرة فلوس ونطلب منه علوجة بلون معين نختاره نحن لا هو فيغرس سكيناً مثلث الرؤوس في المثلث ذي اللون الذي طلبناه ويخرجه مع ما علق به من هذه العلكة ثم يأمرنا أن نفتحَ أفواهنا فيدخل سكينته فيها ثم يقول : إطبقْ فمك وتمسّكْ بالعلكة قوياً بين أسنانك (( فك حلكك ... سد حلكك ... أخرط العلجة بسنونك )) ... لذا أطلق الحلاويون على هذه الحلوى وصاحبها وصفاً ممتعا ساخراً هازلاً هو (( خرطه بسنك )) . هذا يكفي لمعرفة أنَّ المقصود هو جواد المجدور وحلواه المتعددة الألوان المفردة الطبيعة والمذاق والتركيب ... خرطه بسنك ...
كما أفاد نفر ٌ آخر من الباعة من هذه العربات ولكن لبيع (( الأبيض وبيض )) أو (( صمون وعنبة )) أو بعض أنواع الزلابية الرديئة وسواها من الحلويات الرخيصة كحلاوة التمر (( المدكوكة )) أو (( الدهينية )) وما إلى ذلك .
من أشهر الباعة المتجولين الذين لا يحتاجون إلى عربات أيا ما كانت هم صنف آخر من الكسبة الكادحين أذكر منهم باعة القهوة الراجلين صيفاً وشتاءً على رأسهم السيدان كريم عبدان درويش والد كريم وتلميذي محمد ( الدكتور في الفيزياء فيما بعد ) ثم إبراهيم العزاوي والد الزميل خليل العزاوي. كما أذكر بائعاً جوالاً آخر إسمه محمد الذهب أو أبو الذهب الذي كان يبيع اللبن صيفا يحمله بسطلين ثقيلين منادياً عالياً ( جلاّب يا لبن ) أي بارد جداً . وفي الحلة في سالف الزمان رجل آخر معروف يتجول في الشوارع حاملاً على رأسه صينية كبيرة ملأى بالبورك المحشو بالكرفس مع قليل من آثار لحم مفروم . وأشهر بائع كبة في الحلة هو السيد أيوب أبو أموري والدبابة إبنته البدينة . كان يتخذ مقراً له في مقهى تقع في وسط الحلة في شارع المكتبات أظن أن إسمها مقهى وادي أو عباس وادي وكانت هذه المقهى مركزاً لتجمع مجاميع الراقصين من الرجال ( الشعارين ) وبعض آلات عزفهم معلقة في واجهة المقهى . ومن هناك يتوزعون على مناسبات الأفراح والأعراس وختان الأطفال ويوزعون رزقهم بينهم بعدالة دقيقة ( مشاعية بدائية ) .
لا يفوتني ذكر نوع آخر من العربات كان بعض الأطفال المدللين من قبل ذويهم يزودونهم بها للهو والتسلية تُسمى ( عرباين جروخ صجم ) . تتكون من تختة خشبية صغيرة واطئة تكاد تمس الأرض تكفي لجلوس الطفل عليها وتتحرك على عجلتنين صغيرتين خلفيتين وأخرى أمامية في وسط الواجهة تماماً فيها مقبض يمسكه الطفل بقوة لتوجيه مسار العربة .
ثم جاء عهد الدراجات الهوائية فإنقرضت عربات الصجم وبقيت باقي أنواع العربات .





#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين أبو بشير ... رجل الجبال ؟ مَن يدلني عليه ؟
- الحلة في الذاكرة (11) / شخصيات طريفة
- ماهان وعشتار والمتنبي ( سوريالزم !! )
- الحلة في الذاكرة (10) / شقاوات وباعة التبغ
- الحلة في الذاكرة (9) / ثانوية الحلة للبنين
- الحلة في الذاكرة (3 ) / أصدقاء وزملاء قدامى
- الحلة في الذاكرة (8) / الحلاقون والطب الشعبي
- مدينة الحلة في الذاكرة (7) / مواكب عزاء عاشوراء
- مدينة الحلة في الذاكرة (6) / حمامات ومقاهي الحلة
- مدينة الحلة في الذاكرة (5) / مهن نسائية ورجالية
- مدينة الحلة في الذاكرة (4) / الوضع الثقافي
- صارم مضى ... شموس باقية ... حازم يأتي
- المتنبي وكرد الحلة
- صارم / شموس / حازم ... إلى السيدة دينا سليم ، راهبة بريزبن
- المدافعون عن قتلة العراقيين / يا ضباط العراق حاكموا العميل س ...
- ورابعهم المتنبي (2) / إلى وهيب وهبة... صاحب المجنون والبحر
- والمتنبي رابعهم (3) / إلى سامية وهبة ... سيدة اللقاء
- إلى مَن يهمه الأمرُ ...
- سياحات خيالية (5) / ليزا وسعاد
- صور غابت وذابت في الشموس


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان الظاهر - الحلة في الذاكرة (12) / عرباين الحلة