أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - تقادم أحزاب الأممية الثالثة الشيوعية















المزيد.....


تقادم أحزاب الأممية الثالثة الشيوعية


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 10:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بعد أن قاد الحزب الشيوعي العراقي كوادره إلى مذبحة رمضان 1963 نتيجة لاسترشاده بأفكار خروشتشوف التحريفية المتهالكة وإغفاءته في ظل سلطة عسكرية هشّة، سياستها الوحيدة هو الاستئثار بالسلطة، مما مكن عصابة أخرى من ذات الطبقة، من البورجوازية الوضيعة، تساعدها الأذرع الاستخباراتية للدول الإمبريالية، من سحق سلطة قاسم ثم قتل واغتيال آلاف الشيوعيين. بعد تلك الثورة المضادة تقول طبائع الأشياء بأنه يتوجب أن يقوم حزب شيوعي آخر مختلف غير ذاك الحزب الذي خان الثورة إنطلاقاً من حكمة لينين التي تقول بأن الحزب الشيوعي يخون الثورة مرة واحدة فقط.

لكن من أجل أن يقوم في العراق كما في أي بلد آخر حزب شيوعي آخر يستجيب لمنطلقات ماركس كما في " البيان الشيوعي، المانيفيستو 1848" ولشروط لينين والكومنتيرن الواحد والعشرين (1919) لا بد أولاً من القيام بنقد تجربة الحزب الشيوعي العراقي وخيانته للثورة فيما بين(1959 ـ 1962) والتضحية بالآلاف من كوادره المخلصة دون ثمن وبغير سبب، وهو النقد الذي لا مبرر غيره لبناء حزب شيوعي آخر مختلف؛ فمن أجل أن تبني حزباً شيوعياً نقياً وخالصاً من كل العيوب على المرء أولاً أن يتعرف مليّاً على أخطاء وعيوب الحزب "الشيوعي" السابق. أما الشرط الثاني فهو التأسيس النظري الصحيح الواعي غير المنحرف المسلح بقواعد الماركسية اللينينية، فبناء حزب شيوعي حقيقي يتطلب قادة على درجة عالية من الوعي بالعلوم الماركسية بمختلف أركانها، والعلوم الماركسية ليست علوماً سهلة أبداً بل صعبة معقدة طالما أنها علم الحياة بكل تعقيداتها وبمختلف تجلياتها.

الرفاق الذين أقاموا حزباً شيوعياً آخر " مختلف " بدأوا بداية غير شيوعية وغير ماركسية. حتى اسم حزبهم ينطوي على خلل غير مقبول. فأن يقال " الحزب الشيوعي العمالي " فذلك يعني أن هناك شيوعية غير عمالية وهذا ليس صحيحاً فالشيوعية هي قضية العمال وحدهم دون سواهم. ولئن قصد بناة الحزب تمييز حزبهم الجديد عن الحزب القديم فكان عليهم كي يكونوا أمناء مع أنفسهم ألاّ يعترفوا بشيوعية الحزب القديم، بافتراض أنها شيوعية غير عمالية، وهو ما يشي به اسم حزبهم، والشيوعية هي الشيوعية، إنها مجتمع بلا عمال وبلا أي طبقة أخرى.

الخلل في اسم حزبهم خلل شكلي لا قيمة له مقارنة بالخلال في منطلقاتهم الفكرية المفتقدة لكل المعايير الماركسية اللينينية. فالأمين العام للحزب الشيوعي العمالي يقرر فيما يقرر أن للثورة شقين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي وما حل بثورة أكتوبر هو أنها فشلت بتحقيق شقها الإقتصادي بعد أن نجحت في شقها السياسي. لا أدري من أين جاء الأمين بمثل هذه الفذلكة المغايرة تماماً لمنطق المادية الديالكتيكية التي هي طينة البناء الماركسي. فالنقيض المتصارع مع نقيضه المرافق له في الوحدة الواحدة لا يتجزأ بكل الأحوال. الألكترون المتصارع مع البروتون في الذرة لا ينشطر إلى نصفين. الثورة هي الثورة تنجح كوحدة واحدة وتفشل بذات الوحدة. لم يكن بين البلاشفة فريق سياسي وآخر اقتصادي. لا يجوز تبرير موقف سياسي كموقف الحزب الشيوعي العمالي وأمينه العام بابتسار مقولات وابتداع قواعد لا وجود لها في علم الديالكتيك. لئن كان مثل هذا الابتسار أو الابتداع هو المبرر الوحيد لهكذا موقف فيترتب حالتذاك مراجعة الموقف نفسه بغرض تبديله كيلا يقحم الأمين نفسه في الابتداع أو الابتسار.

يدعي الأمين العام ل "الحزب الشيوعي العمالي" أن التيار القومي الروسي والتيار الذي قاده ستالين عمل كلاهما على إجهاض الثورة وحالا دون انتقالها إلى نمط الإنتاج الإشتراكي !! ليس في مثل هذا الإدعاء أخطاء فاضحة فقط بل إنه الضلال المبين إيّاه، ضلال مبين يضلّه أمين عام لحزب شيوعي!! الإشتراكية أيها الأمين ليست نمطاً من أنماط الإنتاج أو علاقات إنتاج ثابتة ومستقرة، إنها في الحقيقة " اللانمط " أو غياب أي نمط من أنماط الإنتاج التاريخية. الإشتراكية وكما ظل لينين يكرر هي " محو الطبقات " بما في ذلك طبقة العمال البروليتاريا. ومحو الطبقات يعني تماماً محو أنماط الإنتاج الخاصة بكل طبقة من هذه الطبقات. الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً مستقراً بل هي مرحلة عبور قصيرة نسبياً، تقوم الثورة الإشتراكية خلالها بداية بإلغاء طبقة الرأسماليين ومعها نمط الإنتاج الرأسمالي وتتقدم الثورة فتلغي طبقة البورجوازية ومعها نمط الإنتاج الفردي البورجوازي ثم تتقدم أكثر فتلغي طبقة الفلاحين ونمط الإنتاج الزراعي الفردي ذي الطابع البورجوازي وقبل النهاية تلغي الطبقة الوسطى المتخصصة في المهن والأعمال الإدارية بما في ذلك شريحة الإنتليجنسيا وأخيراً طبقة البروليتاريا ويتحول المجتمع إلى مجتمع غير طبقي متحرر من تقسيم العمل والعمل المأجور ومن النقد ويصبح الإنتاج الإجتماعي بلا نمط على الإطلاق يتحقق تلقائياً بالتعاون الطوعي من قبل جميع أفراد المجتمع. دكتاتورية البروليتاريا لا تلغي نمطاً من الإنتاج لتحل محله نمطاً بديلاً آخر من أي نوع أيها السيد الأمين !

لا أعرف كيف يجيز هذا الأمين لنفسه أن يتحدث عن تيار قومي ستاليني عمل على إجهاض الثورة والإحتفاظ بالإنتاج البورجوازي. لعل الأمين العام لا يعرف بأن ستالين ليس روسيا بل جيورجياً مات وهو يتكلم الروسية بلكنة جيورجية. صحيح أنه كان " متعصباً " للقومية الروسية، كما توجّس لينين، لكن ذلك التعصب ما كان إلا بسبب أن الروس تخصيصاً كانوا دائماً طليعة القوى الإشتراكية، بل إن الروح الشيوعية هي أحد عناصر التكوين النفسي الروسي. ولعل ما يشير إلى هذا هو رفض ستالين القاطع لأن ينسب الإنتصار على النازية لنفسه بل للشعب الروسي تحديداً. ولتبيان ضلالة الأمين العام نعود إلى تاريخ الإتحاد السوفياتي تفصيلاً...

في العام1922 وبعد أن استمرت روسيا في معمعان الحـرب لثماني سنوات صعبة أكد لينين على أن الشـعوب السوفياتيـة " تبيت على الطوى "، فكان أن وضع لينين السياسة الإقتصادية الجديدة ( النيب NEP ) بعد أن تحقق من فشل السياسة الإقتصادية الإشتراكية التي انتهجها الحزب الشيوعي غداة الثورة. السياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) أتاحت للفلاحين الإتجار بمنتوجاتهم الزراعية بموجب قوانين السوق الرأسمالية كما تطلبت تعاون الدولة مع الرأسمالية العالمية في إعادة بناء الصناعات التي هدمتها الحرب وقد وصف لينين تلك السياسة الإقتصادية الجديدة بأنها " تراجع استراتيجي " بل وهزيمة للإشتراكية أمام الرأسمالية، لكنه بنفس الوقت حذر الشيوعيين من الاستسلام لمثل هذا التراجع (خطاب لينين لدى اختتام الحزب مؤتمره العاشر في مارس 1921) مع كل ذلك يزعم الهاربون من صفوف العمل الشيوعي اليوم بأنه لو بقي الحزب الشيوعي السوفياتي متمسكاً بتلك السياسة لما حدث ما حدث بالمعسكر الإشتراكي .. لعمري هذا صحيح فلو استمر البلاشفة بالتراجع، كما وصف لينين، لوصلوا إلى العام 1913 وليس إلى العام 1929 ، لعادت روسيا قيصرية إمبريالية ولم تتقدم إلى الإشتراكية. في العام التالي، 1922، وقع لينين مريضاً ولم يعد قادراً على العمل فكان أن انتدب ستالين ليقوم بأعماله.

نعود لحكايات أمين " الحزب الشيوعي العمالي " وقد حكت أن القوميين الروس والستالينيين عـادوا بعد لينين إلى الإحتفاظ بالإنتاج البورجوازي. ـ عجبي من مثل هكذا تقوّلات لما فيها من جهالة وتجنّي على الواقع وعلى التاريخ !! ما سجله التاريخ هو العكس تماماً مما يدعيه هذا الأمين غير الأمين. الخلاف العميق المتفجر الذي كان بين ستالين واللجنة المركزية من جهة، وبين نيقولاي بوخارين ورئيس الوزراء آنذاك ألكسي ريكوف من جهة أخرى في وقت مبكر، تركّز في مسألة واحدة وهي استمرار الحزب في الأخذ بالسياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) كما طالب الثنائي بوخارين وريكوف وليس الإستغناء التدريجي عن (النيب) والإنتقال إلى السياسة الإقتصادية الإشتراكية كما أصرّ ستالين ومعه أعضاء اللجنة المركزية الآخرون ومنهم تروتسكي وزينوفييف وكامينيف. كان شعار بوخارين الأثير في العام 1925 .. " أيها الفلاحون اغتنوا بأنفسكم " وهو ما يعني أنه حق للفلاحين أن يستغلوا الطبقة العاملة في السوق " الحرّة ". في العام التالي 1926 وقد عاد مستوى الإنتاج العام إلى ما كان علية في العام 1913 قبل الحرب قررت اللجنة المركزية برئاسة ستالين البدء في الاستغناء عن أنظمة (النيب). وفي العام 1928 قرر الحزب خطة التصنيع الكثيف في الخطة الخمسية الأولى في التاريخ الروسي، والعالمي أيضاً، (1933-1928) وفي العام التالي 1929 قرر الحزب إلغاء الزراعات الفردية والإنتقال إلى الزراعة التعاونية وما رافق ذلك من تعويم ملكية الأراضي. التيار الستاليني ـ كما يصفه دائماً أعداء الاشتراكية السوفياتية بعد تروتسكي والتروتسكيين وهو في الحقيقة الإجماع في الدفاع عن اللينينية ـ هو الذي نجح على الأرض في التوقف عن الأخذ بالسياسة الإقتصادية الجديدة (النيب) التراجعية، أي التسليم بمنهج الإقتصاد البورجوازي، والإنتقال إلى الأخذ بالسياسة الإقتصادية الإشتراكية. مشروع التصنيع الكثيف ومشروع تعويم ملكية الأرض وتحويل الفلاحة الفردية إلى فلاحة تعاونية هما الإجراءان الأساسيان اللذان اعتبرهما أعداء الإشتراكية قبل أنصارها الأساس التاريخي العريض للتحول الإشتراكي، واللذان يستحيل الرجوع عنهما (irrevocable) وما زالت آثارهما تشكل عقبات حقيقية على طريق رسملة روسيا وهو حلم أعداء الإشتراكية الذي لن يتحقق. ومن المفروض أن يكون الأمين العام لأي حزب شيوعي قد قرأ كتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " الصادر في العام 1952 وقد احتوى على المناقشات المطولة الحامية في قيادة الحزب حول إلغاء طبقة الفلاحين التعاونيين (الكولخوز) إن بقرار سلطوي واحد كما طالب مولوتوف ومجموعة من أخصائي الإقتصاد الزراعي أم بإجراءات تدرجية خلال عدة سنوات كما رأى ستالين. تلطيخ صورة ستالين وهو ما يشارك به الأمين العام للحزب الشيوعي العمالي ماكينة الإعلام الرأسمالي الإمبريالي يتأتى فقط من قيادة ستالين للتيار اللينيني البولشفي في الإتحاد السوفياتي الذي وحده كان يعي جوهر الإشتراكية وهو محو الطبقات. ومحو الطبقات، كما على الأمين أن يدرك، هو في موسوعة الحقوق البورجوازية من الجرائم! لقد وجه الحزب الشيوعي بقيادة ستالين ضربات ساحقة إلى طيف عريض من البورجوازيات المتباينة ما بين 1925 و1938 ونجح بالتالي في التقدم بعيداً على طريق عبور الإشتراكية.

ما يدهشني حقاً هو أن رجلاً يحمل قي جيبه كتاباً لماركس يصف الأعمال الجلّى التي قام بها الحزب على طريق عبور الاشتراكية ما بين 1924 و 1938، يصفها بالقول .. أن هذا ما " مكن البرجوازية الروسية من استعادة زمام المبادرة بعد بضع سنوات وترسيخ منهج رأسمالية الدولة في الوقت الذي كان العمال يتجادلون فيه حول ”التعلم من البرجوازية“ وانتهاج ”طريق التطور اللارأسمالي في العام 1924". يدهشني هذا ليس لأن من كان يقول بوجوب الاستمرار بتطبيق السياسة البورجوازية هو الثنائي بوخارين ـ ريكوف، أعداء التيار الستاليني، حتى تم اعدامهما في العام 1938 لاتصالهما بهتلر، وليس أيضاً لأن الصبغة العامة للإجراءات التي قام بها الحزب بقيادة ستالين ما بين 1925 و 1930 هي إلغاء الطابع البورجوازي لمعظم الإنتاج الإجتماعي في الإتحاد السوفياتي ، بل يدهشني قبل هذا وذاك أن أميناً عاماً لحزب شيوعي لا يعرف أياً من المبادئ الأولية لنظام الإنتاج الرأسمالي. بل وحتى لو سلمنا جدلاً بما يقول سعادته أن نظام الإنتاج الذي كان في الإتحاد السوفياتي هو "رأسمالية الدولة" فلنا حالتئذٍ أن نسأل الأمين عن طبيعة تلك الدولة التي تملكت أدوات الإنتاج؟ هل كانت " دولة ستالين " دولة الطبقة الرأسمالية ؟ أم الطبقة البورجوازية؟ أم دولة البروليتاريا؟ لا يجوز الإدعاء بأن دولة ما تقوم بالمحافظة على نظام الإنتاج الرأسمالي ما لم يكن في المجتمع طبقة رأسمالية ذات نفوذ تشكل القاعدة الأساس لتلك الدولة، فهل شكل الحزب الشيوعي السوفياتي طبقة رأسمالية برأي سعادة الأمين؟! ولو كان تيار ستالين بورجوازياً ينتهج رأسمالية الدولة، كما يزعم سعادته، لوافق على اقتراح هتلر في العام 1939 أثناء محادثات مولوتوف ـ روبنتروب القاضي باقتسام بريطانيا العظمى وسائر مستعمراتها في العالم مناصفة بين ألمانيا والإتحاد السوفياتي!! أما إذا ما كان الأمين يقصد فائض الإنتاج القومي الذي تعود السيطرة عليه للدولة فإن ذلك الفائض كان ينفق كاملاً على التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وهو المهمة الأساسية لأي دولة اشتراكية، ولم ينفق منه أي جزء مهما كان ضئيلاً على رفاه قادة الحزب. لقد تضاعف حجم الطبقة العاملة وحجم الصناعات في الإتحاد السوفياتي عشر مرات خلال عشر سنوات فقط 1928 ـ 1938.

نلفت انتباه القوّالين برأسمالية الدولة السوفياتية إلى أن الإنتاج الرأسمالي هو إنتاج بضاعي. وعناصر الإنتاج البضاعي الجوهرية هي : السوق، وقانون القيمة، والعمل المأجور إلى جانب امتلاك أدوات الإنتاج ورأس المال بصورة شخصية بالطبع ـ والمالك هنا هو الدولة بزعم هؤلاء القوالين. السوق وهي القاعدة التي يقوم عليها النظام الرأسمالي لم تكن موجودة على الإطلاق في الإتحاد السوفياتي بعد رحيل لينين أو فيما بعد 1926. كانت الدولة توزع كامل الإنتاج الوطني بموجب خطة موضوعة سلفا ولا يعرض أي جزء منه للبيع في السوق. الروبلات التي كانت توزع على الشغيلة لم تكن أكثر من بطاقات تموينية تحدد نصيب الفرد من المواد التموينية. قانون القيمة الرأسمالية فقد كل نفوذه في الدولة السوفياتية باستثناء مساعدة الدولة كدالة في تحصيص وتوزيع الإنتاج الوطني. فقدت السلعة صنميتها في الاتحاد السوفياتي والتي هي خاصيتها الأساسية في السوق الرأسمالية. لقد جرى مبادلة سلع أساسية مثل الخبز واللحم والحليب والملابس الشعبية وأجور السكن بأقل من كلفتها (الرأسمالية) كثيراً.

الأمين لا يجهل أبجديات النظام الرأسمالي فقط بل يجهل تماماً أبجديات الشيوعية أيضاً ـ أقول الشيوعية وليس النظام الشيوعي لأن الشيوعية ليست نظاماً على الإطلاق وليست من نظم الإنتاج. يقول الأمين .. "المجتمع الشيوعي القائم على أسس غير الاستغلال وهي التكافل الاجتماعي وعلى أساس الحرية والرفاه والمساواة لكل أفراد المجتمع ". الشيوعية في الحقيقة لا تشبه مثل هذه الصورة البورجوازية بكل ألوانها التي يتصورها الأمين العام. في الشيوعية تغيب الدولة تماماً وتغيب معها كل القوانين والأنظمة والتعليمات وفي هذه الحالة لن يكون الناس بحاجة إلى " التكافل " ولا إلى " الحرية " ولا إلى " الرفاه "؛ كما تنتفي نهائياً فكرة المساواة إذ ليس في الشيوعية أية حقوق كيما يكون معها كلام عن مساواة مزعومة بين الأفراد، كما يسيء العامة الظن. ليس في الشيوعية أية مواثيق إجتماعية. وليس هذا غريباً كما يعتقد البعض، فالقلب يروّي جميع أعضاء الجسم بالدم ويتم ذلك بالطبيعة ودون مواثيق أو كفالات، يقوم القلب بذلك وفقاً لوظيفته الطبيعية وبالمثل يقوم الأفراد في المجتمع الشيوعي بوظائفهم الطبيعية وبالغياب التام لأية قيود أو شروط ومحددات غير طبيعية.

يبدو أن السيد الأمين العام ل " الحزب الشيوعي العمالي " لم يدرس تاريخ المشروع اللينيني دراسة وافية ومفيدة فقال .. إن "اعلان النظام الاشتراكي ( دكتاتورية البروليتاريا ) هو ما فعله البلاشفة في العام 1917". الحقيقة هي عكس ذلك تماماً فالبلاشفة لم يعلنوا لا الإشتراكية ولا دكتاتورية البروليتاريا في العام 1917. ففي صبيحة انتفاضة أكتوبر دعا لينين كل الأحزاب البورجوازية ومنها حزب الكاديت الرجعي، حزب كبار الفلاحين، للاشتراك في حكومة الثورة؛ وفعلاً اشترك في حكومة لينين ثلاثة وزراء من حزب الإشتراكيين الثوريين، حزب البورجوازية الذي قبض على السلطة في ثورة شباط 1917 البورجوازية، وهو الحزب الذي بعد خمسة أشهر فقط (مارس 1918) أعلن الحرب على الشيوعيين كما أنه هو من دبر محاولة اغتيال لينين (1921) التي عجلت في رحيله (1924). في المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي في آذار1921 اتخذ الحزب القرار بالشروع في تطبيق الإشتراكية بمعارضة تروتسكي والجناح المتعاطف مع الفوضويين. وفي نهاية المؤتمر صرح لينين قائلاً .. " لقد أصبحت الشيوعية بعد المؤتمر القضية المركزية للطبقة العاملة في العالم كله " وهو ما يعني أن قرارات ذلك المؤتمر التاريخي هي التي أعلنت الثورة الإشتراكية على مستوى العالم وليس قبل المؤتمر.

ما يدعو للسخرية والضحك في آن واحد هو دعوة الحزب الشيوعي العمالي إلى ثورة اشتراكية في العراق. حين قال لينين أنه سيبدأ الثورة الإشتراكية من روسيا القيصرية كونها الحلقة الأضعف في سلسلة مراكز الرأسمالية العالمية وجد أوساطاً اشتراكية واسعة من الأممية الثانية، بل وقسم من البلاشفة، تستهجن ذلك أشد الاستهجان على الرغم من أن 20% من مجمل الإنتاج الروسي كان إنتاجاً رأسمالياً وأن روسيا القيصرية كانت تشكل سدس مساحة اليابسة وسكانها أكثر من 120 مليون نسمة. فأي حلقة هو العراق ليقيم فيه الحزب الشيوعي العمالي ثورته الاشتراكية؟ ثمة ألف عائق وعائق أمام تحقيق مثل هذه الدعوة الاشتراكية الشعبوية وليس أولها أن الإنتاج في العراق ليس في مستوى الإنتاج الرأسمالي وهو الشرط الذي اشترطه ماركس للقيام بالثورة الإشتراكية. كان ذلك ممكناً مع بداية ستينيات القرن الماضي حين لم يكن من مناص أمام عصابة خروشتشوف سوى حماية الثورة والمساعدة في بناء الإقتصاد الإشتراكي في العراق. أما اليوم فحتى الإتحاد السوفياتي المنحرف قد غدا خبراً لكان.

دعوة الحزب الشيوعي العمالي لثورة اشتراكية في العراق ليست أقل إثارة للسخرية والضحك من سكوت الحزب الشيوعي غير العمالي المطبق على مسألة الاشتراكية. نتفق مع هذا الحزب أن الإشتراكية لم تعد على أجندة العالم في الزمن المنظور على الأقل، لكن ما لا نتفق معه فيه هو مبررات احتفاظه باسم "الشيوعي"، فما معنى حزب شيوعي بلا شيوعية؟ تشكلت الأحزاب الشيوعية في طول العالم وعرضه استجابة لنداء الأممية الثالثة في العام 1919 ومن أجل استكمال المشروع اللينيني في إنجاز الثورة الإشتراكية العالمية. أما اليوم وبعد أن لم يكن هناك أممية ثالثة وبعد أن انهار مشروع لينين ولم يعد له أثر يذكر فما الداعي لبقاء مثل هذا الحزب باسم الحزب الشيوعي ؟!

وآخر شطحات الأمين هي ابتذاله الماركسية وتحويلها إلى ما هو ليس أكثر من موقف سياسي، فيقول حفظه الله .. " إن الطبقة العاملة هي اليوم 5 مليارات من البشر بينما البرجوازية هم بضعة آلاف مع جيوشهم وقواهم القمعية الذين يحكمون بالحديد والدم. البشرية اليوم هي كلها تقريبا طبقة عاملة وهذا ما يميزنا تاريخيا عن زمن ماركس ". مسكين أنت يا ماركس ! لو كنت تعلم أن وارثيك سيكونون على شاكلة الأمين العام للحزب الشيوعي العمالي لكنت وفرت عمرك ولم تكتب ما كتبت. السيد الأمين يرى البشرية كلها اليوم من البروليتاريا وأن نفراً من الرأسماليين يستغلون مليارات العمال ويسومونهم صنوف العذاب. ورغم ذلك فإنه يرى ميّزة في ذلك! لا تجزع يا ماركس فالرجل يعد العدة اليوم لينقضّ غداً على قلاع الرأسمالية العالمية فيطيح بها وتنتصر الثورة الإشتراكية في العالم كله وهو ما عجزت يا كارل المسكين عن تحقيقه!! ـ ليعذرني القراء فقد زُجّ بي في دائرة السخرية.

الأرقام والوقائع لا تسعف الأمين العام للاستغراق في حلم ليلة صيف. تراجع الإنتاج الرأسمالي مع بداية سبعينيات القرن الماضي وانكمش تبعاً لذلك حجم الطبقة العاملة نسبياً لدرجة خطيرة إذ لم تعد مساحتها في المجتمع أكثر من ثلث مساحتها في بداية القرن الماضي. ويشكل حجم الطبقة الوسطى اليوم أربعة أمثال حجم الطبقة العاملة في مجتمعاتها. وتراجعت نسبة الطبقة الرأسمالية تراجعاً خطيراً أيضاً وقد اتجه معظم الرأسماليين إلى توظيف أموالهم في المضاربات المالية الأمر الذي يدفع بالنظام الرأسمالي إلى الإنهيار.

كيما يمتثل قادة الشيوعيين والماركسيون صدق وأمانة ماركس وإنجلز ولينين وستالين للبروليتاريا العالمية، وهي الطبقة المهزومة اليوم، يتوجب عليهم ألا يضللوا طبقة البروليتاريا ويقودوها إلى مواقع يتمكنوا منها هذه القيادات من مفاوضة قادة الطبقات المعادية لبيع دماء البروليتاريا مقابل مغانم شخصية. قادة الأحزاب الشيوعية الذين يلمسون لمس اليد بأن الثورة الإشتراكية لم تعد في الأفق بعد أن باع المرتدون والتحريفيون في القياد السوفياتية الثورة الإشتراكية اللينينية للبورجوازية الوضيعة في الطبقة الوسطى، يلمسونه ومع ذلك يواصلون تحشيد فلول البروليتاريا في أحزاب يقودونها إلى مواقع تفاوضية!! أو إلى مواقع هم لا يعرفونها في أحسن الأحوال، لكن ليس إلى ثورة اشتراكية بالطبع. أليس هذا عين الخيانة؟! كان لماركس رؤية للثورة، وكان لإنجلز رؤية أخرى ثم كان للينين رؤية ثالثة مختلفة عن سابقتيها تمثلت بنظرية الحلقة الضعيفة، وهي الرؤية الوحيدة التي تحققت على الأرض ثم انهارت قبل أن تكتمل. لكن أحداً اليوم لا يمتلك أية رؤية تقول بأية ثورة اشتراكية. فأي مبرر يظل لبقاء الأحزاب الشيوعية وهي التي استدعى إقامتها المشروع اللينيني الذي أرساه المؤتمر العام العاشر للحزب في العام 1921؟ ما معنى أن تقوم أحزاب شيوعية بلا شيوعية؟ حتى وإن كان ذلك بفعل الاستمرارية طالما أنه ينطوي على تضليل للبروليتاريا !!

الأمانة للماركسية اللينينية وفكر البروليتاريا يقتضي من قادة الأحزاب الشيوعية الماثلة حتى اليوم والتي لا يمتلك أي منها شروط الحزب الشيوعي اللينينية الواحد والعشرين، وبحدها الأدنى البرنامج الشيوعي، يقتضي منها أن تفك أطرها ليتشكل بدلاً عنها اتحادات تضم سائر المنتمين إلى الفكر الماركسي ريثما تتبلور رؤية جديدة لقيام ثورة اشتراكية عالمية. الفرق الكبير بين الإتحاد والحزب هو أن الإتحاد لا يمتلك برنامجاً (Platform) يحدد الإستراتيجية والتاكتيك مثلما هو شرط أولي للحزب. أي من الأحزاب الشيوعية الماثلة اليوم لا يمتلك مثل هذا البرنامج. تشكيل الاتحادات لتضم مختلف الذين يحملون الفكر الماركسي يعفي الشيوعيين من مسألتين خطيرتين أولاهما التشظّي والأخرى البرنامج الخاص بالإستراتيجية والتاكتيك. برنامج الاتحادات المقترحة سوف لن يهتم ألا بقضية واحدة هي نشر الوعي الماركسي وهو ما قصّرت فيه بشكل فاضح أحزاب الأممية الثالثة، ومن المعلوم أن الوعي الماركسي هو شرط مسبق للثورة الإشتراكية.




#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الحوار المتمدن - بين التغيير والإصلاح
- الدولة ما بعد الحديثة
- خطاب إلى أحد منتحلي الشيوعية - رزاق عبود
- أي دولة، في أي فلسطين ؟
- على هامش الفلسفة
- معزل المتثاقفين
- متى تستحق الإشتراكية ؟
- أوجب واجبات الشيوعيين
- ليس من السهل أن تستمر ماركسياً حقيقياً !!
- ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟!
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟ (2) الديموقراطية الشعبية
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟
- نداء للكريمين: مروّه وهاشم
- اليسارية مجهولة الهويّة
- بين اللينينية والستالينية
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (3)
- العداء الكاذب لأميركا ولإسرائيل
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (2)
- في نقد ماركس
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية


المزيد.....




- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - تقادم أحزاب الأممية الثالثة الشيوعية