أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (22)















المزيد.....


قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (22)


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2119 - 2007 / 12 / 4 - 11:32
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


تنويه
ورد خطأ مطبعي في تاريخ تصريح الرفيق عزيز محمد لمجلة "الوسط" الصادرة في لندن، فالتصريح كان في عام 1997 وليس في عام 1979، ولم يعد الرفيق عزيز في وقته السكرتير الأول للجنة المركزية. ورد هذا الخطأ في الحلقة العشرين من هذا المسلسل وفي الهامش رقم واحد. إن الخطا المطبعي ورد في كتاب الرفيق عزيز سباهي الثاني، ص447، هامش رقم 21، مما إقتضى التنويه.

إنتكاسة ثورة 14 تموز
73

يتناول الكاتب عزيز سباهي، في الفصل العشرين من الجزء الثاني من كتابه، الصراعات في المكتب السياسي للحزب الشيوعي بالإرتباط مع محاسبة الكتلة الرباعية في ايلول 1962، هذه الكتلة التي وصفت بالإنتهازية واليمينية والذيلية والتصفوية...الخ، وتحت عنوان: "صراعات في القمة". لقد فضّـلت إرجاء تناول هذا الموضوع وعدم إستباق الأحداث، لكي يكون القارئ ملماً بالأمور التي ستجري علي أساسها تلك المحاسبة. ولذلك سأتناول الفصل الحادي والعشرون والمعنون "مرة أخرى في غمار العمل السري".

يعتبر الشيوعيون بأن ثورة تموز الوطنية الديمقراطية قد إنتكست منذ صيف 1959. وكانت بداية ذلك عندما جاهر عبد الكريم قاسم بعدائه للحياة الحزبية في 30 نيسان من العام المذكور في حفل إتحاد نقابات العمال، كما مر بنا. فالحياة الحزبية ركن أساسي في النظام الديمقراطي، ولا يمكن تصور وجود الأخير بدونها. كان عداء قاسم للحياة الحزبية السليمة ثابتاً، وعندما كان يضطر على التراجع عن موقفه هذا فإنه يلجأ الي المناورة أو تشويه تلك الحياة بدون تردد، ولا يتوان عن إثارة الحزازات بين الأحزاب. وقد جره هذا العداء الى مضايقة ومحاربة أكبر حزب سياسي مساند له، ألا وهو الحزب الشيوعي العراقي. ووصل به الأمر قبل سقوطه الى عدم وجود أي حزب سياسي يمكن أن يسانده ويجري تغييراً في موازين القوى لصالحه جراء نهجه العسكري والفردي واللا ديمقراطي في الحكم. ولم يقتصر إرتداد قاسم عن الأهداف الديمقراطية لثورة تموز فحسب، وإنما شمل إرتداده مجالات مختلفة. فمنذ صيف 1959 وحتى سقوط النظام كان الخط البياني للثورة في نزول مع تموجات صعوداً ونزولاً ضمن الخط ذاته.

منذ منتصف 1959، شن قاسم حملته للتضييق على الحقوق الديمقراطية التي إنتزعتها الجماهير في نضالاتها الواسعة وبات الشيوعيون في القاعدة الحزبية وأصدقاؤهم يتعرضون للإعتقالات. وقد أعتقل في الفترة بين 19 تموز و12 آب 1959 مئات الشيوعيين وأنصارهم. وجمدت فعالية "المقاومة الشعبية"، وألغيت "لجان الدفاع عن الجمهورية". وأغلقت وختمت مكاتب الإتحاد العام لنقابات العمال. وسُرح ما لايقل عن 1700 ضابط إحتياط، ومن بينهم كل الضباط الإحتياط من الدورة الثالثة عشرة التي حظي الشيوعيون بنفوذ واسع بين صفوف أفرادها (1).

شجّع عبد الكريم قاسم، كما مر بنا في الموضوع المرقم 43، في سياق محاولته لعزل الحزب الشيوعي عن الجماهير الفلاحية، عراك الزكم ـ نائب رئيس الإتحاد العام للجمعيات الفلاحية (وطني ديمقراطي) ـ على تشكيل هيئة مؤسسة، غير قانونية، منافسة للإتحاد العام للجمعيات الفلاحية الذي كان برئاسة الكادر الشيوعي كاظم فرهود. وأخذت هذه الهيئة تمنح الإجازات للجمعيات الفلاحية متجاوزة بذلك على صلاحية الإتحاد العام المنصوصة في قانونه المجاز من السلطات. ولأن الخطة المذكورة لم تحقق النجاح المطلوب، أصدر عبد الكريم قاسم في ايلول القانون رقم 139 لسنة 1959، والذي يعطي حق إجازة الجمعيات إلى أجهزة الإدارة الحكومية المحلية، التي قلما كانت تتسم بالنزاهة، لاغياً بذلك صلاحية الإتحاد العام الذي لم يكن قد مرعلى صدور قانونه أربعة أشهر. وطالب القانون الجديد الجمعيات المجازة سابقاً أيضاً بإستحصال إجازاتها من جديد من الأجهزة الحكومية. وقد رفضت هذه الأجهزة إجازة أكثر من ثلاثة آلاف جمعية يقودها شيوعيون أو أنصارهم بأعذار مختلفة.

وتوقفت الحملة ضد الحزب مؤقتاً على أثر محاولة البعثيين الفاشلة لإغتيال عبد الكريم قاسم. ففي مساء 7 تشرين الأول 1959 إطلقت النار عليه وهو في سيارته في شارع الرشيد ــ رأس القرية، وأصيب بجروح في يده وكتفه. وقد أدان الحزب الشيوعي المؤامرة فوراً في مقال إفتتاحي لجريدة "إتحاد الشعب" في صباج اليوم التالي، وقد أعيد فيه لعبد الكريم قاسم لقب "إبن الشعب البار". وسمع منه وفد الحزب، الذي زاره في المستشفى للتهنئة على سلامته وتطمينه من جانب الحزب، معسول الكلام والوعود، ولكنه لم يف بها بعد خروجه من المستشفى (2).

وعلى أي حال، فقد إرتفعت معنويات الشيوعيين والجماهير المحيطة بهم على أثر الحادث. ويشير بطاطو الى ذلك، معززاً رأيه بمعطيات هامة، على النحو التالي: " وكانت إحدى النتائج الأخرى لمحاولة الإعتداء على حياة قاسم هي إنكفاء إنتهاكات كركوك عن الذاكرة العامة. وتوافق هذا بتحول للمزاج الجماهيري بإتجاه الحزب وتجدد قوته. ووجدت هذه التغيرات إنعكاسها الحي في إنتخابات عديدة أجريت في شتاء 1959 ــ 1960. ففي 26 تشرين الثاني (نوفمبر) نجح في إنتخابات إتحاد الطلبة، التي إشترك فيها 13000 طالب جامعي 50000 طالب إعدادي، 118 شيوعياً و 4 وطنيين ديمقراطيين فقط و32 قومياً من الجامعيين، و194 شيوعياً و73 قومياً من المدارس الإعدادية. وفي 11 كانون الأول (ديسمبر) حصل الشيوعيون ورفاق دربهم على 381 صوتاً من أصل 560 في إنتخابات جمعية الإقتصاديين. وإضافة الى ذلك وفي 11 شباط (فبراير)، إنتخب الإتحاد العام لنقابات العمال، الذي إستعاد قانونيته في11 تشرين الثاني (نوفمبر)، مجلساً مركزياً مؤلفاً من عشرة أعضاء، كلهم شيوعيون. وأخيرا، وفي 13 شباط (فبراير)، حصلت الجبهة المهنية المتحدة التي يقودها الشيوعيون على 453 مقعداً من أصل 500 في المجلس العام لنقابة المعلمين العراقية في إنتخابات إشترك فيها أكثر من 20000 معلم "(3).
ونظم الحزب مسيرة حماهيرية في يوم 4 كانون الأول 1959 بمناسبة خروج قاسم من المستشفى، وصفها بطاطو بالعملاقة. وكانت شعاراتها تضامنية مع الحكومة. ويشير بطاطو كذلك الى نتيجة هامة أخرى فيقول " وكانت إحدى النتائج الجانبية للإعتداء على حياة قاسم، هي وضع القيادة الشيوعية ﻠ"خطة طوارئ" عممت على كل أجهزة الحزب وشكلت ردا على السؤال: "ماذ تفعل، أيها الرفيق، إذا سمعت من الإذاعة بياناً للإنقلابيين؟"

ويضيف بطاطو قائلاً: "وعلى العموم، فإن إنبعاث الشيوعيين، وربما ما قيل عما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) عن إحتلال الضباط الشيوعيين وزارة الدفاع وإستيلاء الجنود على المعسكرات، جعل قاسم ميالاً الآن للتحرك ضد الحزب بجدية أكبر "(4). ولا أعرف، لمَ لمْ يشر سباهي في كتابه الى حادث الإغتيال وعواقبه.

74

في بداية عام 1960 قامت حكومة عبد الكريم قاسم بإجازة الأحزاب التي طلبت الإجازة. ورفضت طلب الحزب الشيوعي العراقي، إذ أجازت بدلاً منه حزباً وهمياً بنفس الإسم لداود الصايغ الذي كان سابقاً عضواً في اللجنة المركزية لحزب الشيوعي العراقي وتواطأ مع قاسم على هذه المناورة السَمجة. وقدم الحزب طلباً ثانياً بإسم "الحزب الشيوعي العراقي (إتحاد الشعب)" بإضافة إسم جريدة الحزب المركزية بين قوسين بعد إسم الحزب. وجرت حملة جماهيرية بتأييد الطلبين على التوالي بمذكرة جمعت (184960) توقيعاً . وقد رفض قاسم الطلبين على التوالي. أما داود الصايغ فلم يتمكن من جمع الحد الأدنى من المؤسسين وعددهم 60 شخصاً. ولفضح لعبة الصايغ وقطع السبيل على قاسم بهذا الشأن، فقد أوعز الحزب لبعض الرفاق غير المعروفين آنذك بالتوقيع معه، وفي اللحظة الحرجة إستقالوا وأعلنوا إستنكارهم لعملية التزييف. وتكررت العملية أكثر من مرة حتى تحوّل الأمر الى نكتة في المحافل السياسية (*). ورفض الحزب نصيحة سوفيتية للتوحد مع حزب داود الصايغ، على غرار الوحدة التي تمت بين المنشفيك والبولشفيك في المؤتمر الرابع في استكهولم (مؤتمر الوحدة) في بداية القرن الماضي. فشتان بين الظرفين فقد كان المنشفيك أكثرية، وليس كالصايغ،الذي كان فرداً وصنيعة. ورد سكرتير الحزب سلام عادل، على رفض حكومة قاسم إجازة الحزب، بجرأة وتحد، على حد تعبير بطاطو، قائلاً: "إننا لانحتاج الى رخصة لكي نوجد، وحزبنا موجود منذ ربع قرن" (5) وواصل الحزب عمله متجها أكثر فأكثر نحوالأساليب السرية في نشاطاته التنظيمية . ورفضت حكومة قاسم طلب إجازة حزب آخر، هو الحزب الجمهوري، بحجج غير مقنعة. وكان وراء الطلب شخصيات سياسية ديمقراطية معروفة مثل: عبد الفتاح إبراهيم ومحمد مهدي الجواهري وفريد الأحمر وآخرين. وكان قاسم، الذي بات همه عزل الحزب الشيوعي عن الأحزاب والقوى السياسية كافة، يخشى من أن يتعاون هذا الحزب مع الحزب الشيوعي العراقي (6).

ولكن جريدة الحزب العلنية "إتحاد الشعب"، واصلت، كما يشير سباهي وكان أحد محرريها، الصدور رغم المضايقات الشديدة والمختلفة التي كانت تتعرض لها في التوزيع، كما يتعرض لها العاملون فيها من قبل أجهزة الأمن وزمر الشقاة التي سخروها لهذا الغرض. ولكون الجريدة واصلت الصدور رغم كل ذلك، لجأ الحكم الى إستخدام القوانين العرفية. فعمد حميد السيد حسين (حميد حصونة)، قائد الفرقة العسكرية الأولى في الديوانية، الى منع دخول الجريدة الى كل الألوية السبعة التي تمتد اليها سلطاته العرفية في جنوب البلاد، بذريعة أن الجريدة تحرض على مكافحة الأمية وتشجع الحملة التي ينهض بها الحزب الشيوعي لمكافحة الأمية بين الفلاحين. وخرج حميد حصونة على الناس بمقولته سيئة الصيت: "أمي مخلص خير من مثقف هدّام"! غير أن الحزب عمد الى تهريب الجريدة الى هذه الألوية السبعة. ولوحظ أن الطلب عليها تزايد كثيراً بعد المنع. كذلك سخـّر قاسم الصحف الرجعية والمأجورة للتطاول على الحزب الشيوعي وجريدته، بلغة بذيئة لا تليق إلا بأصحابها. وكان قاسم يستهدف من هذه الحملة إستفزاز "إتحاد الشعب" تمهيداً لغلقها إستجابة لإلحاح شركات النفط التي كانت تضيق ذرعاً بتعليقاتها حول المفاوضات التي كانت تجريها مع الحكومة.

لقد إستطاعت القوى الوطنية لاسيما الحزب الشيوعي الذي جند صحافته والصحف اليسارية الأخرى التي تسانده، أن تؤثر على مجرى المفاوضات، وتفرض بحث موضوعات رئيسية آنذاك وفي مقدمتها تخلي الشركات عن الأراضي غير المستثمرة. وكانت الشركات تتحسس وطأة صحافة الحزب الشيوعي على المفاوضات. وقد بلغت بها الحال الى أن تطالب بصريح العبارة على لسان رئيس وفدها في المفاوضات (هريدج) بإسكات الجريدة. ولم يتردد قاسم عن الإستجابة الى الطلب كوسيلة لإرشاء الشركات. فعمد الى تعطيلها لعشرة أشهر بذريعة واهية، وذلك في 30 أيلول 1960، وإلغاء إمتيازها لاحقاً. فعادت الى الصدور صحيفة "صوت الشعب"، لصاحبها محمد حسين أبو العيس، كجريدة يومية إعتباراً من 1 تشرين الثاني 1960، بعد أن كانت تصدر بشكل متقطع. وتحولت جريدتي "الحضارة" و"الثبات" الإسبوعيتين، اللتين كانتا تناصران الحزب الشيوعي، بالصدور يومياً. وفي نهاية عام 1960 لجأت الحكومة الى تعطيل كل الصحف الشيوعية بما في ذلك ثلاث صحف في الألوية (المحافظات).

وعندما تحولت صحافة الحزب الى الصدور سراً وبات تداولها محظوراً، صارت الجماهير تتلهف الى قراءتها، حتى بات ما يوزع من العدد الواحد من "طريق الشعب" السرية وحدها يفوق ما يوزع من جميع الصحف القانونية في البلاد. وقد وزع من آخر عدد لها في خريف 1962 خمسون الف نسخة. وكان هذا يفوق حتى توزيعها العلني. إذ كان ما يوزع من إتحاد الشعب يومياً، في فترتها العلنية، ما بين 24 ألف و35 ألف نسخة، وهذا أقصى ما كانت تستطيع مكاتبها من طبعه. والى جانب "طريق الشعب"، كانت تصدر صحيفة "وحدة العمال" و"حياة الفلاحين" وهما جريدتان سريتان يصدرهما الحزب أيضاً. وكانت منظمتا الحزب في الفرات الأوسط وكردستان تصدران سراًً صحيفتي "صوت الفرات" و"آزادي" (7).

75

كشف موقف قاسم المعادي للحياة الحزبية السليمة عن ملامح حكمه العسكري الفردي المنافي للديمقراطية أكثر فأكثر. وإقترنت حملته المعادية للحزب الشيوعي بحملة قمعية قاسية ضد المنظمات الجماهيريه، فالغى بعضها. فقد أغلقت الحكومة في 7 أيار 1960 المكاتب الفرعية ﻟ "إتحاد الشبيبة الديمقراطي"، وإعتقلت حتى تموز 227 من كوادره. واتبع هذا بهجوم على مقره العام وإعتقال سكرتيره العام نوري عبد الرزاق. وأخيراً تم حظر نشاط الإتحاد في نيسان 1961. وفي 7 أيار من نفس العام ختمت بالشمع الأحمر كل مكاتب أنصار السلام ومراكزه، وأغلق معظم فروع رابطة المرأة العراقية ال 53 تدريجيا. وطال الحظر أيضا مراكز محو الأمية والتدريب على الأعمال المنزلية التي كانت الرابطة تديرها. وتلقى إتحاد الطلاب حصته الكاملة من هذه الهجمة. وبإلغاء كل فروعه في المدارس الثانوية في 16 أيلول 1960، فقد الإتحاد جملة أعضائه بضربة واحدة عملياً (8).

وكانت الضربات الأقسى هي تلك التي وجهت الى الطبقة العاملة ومؤسساتها النقابية، مباشرة بعد رفض إجازة الحزب في 22 شباط 1960، وبلغ ذروته في أيار من نفس العام. وهنا لم تتوان السلطات عن إتباع أي إسلوب ، مهما كان دنيئا ووحشياً لم تستخدمه، ويشير (أوريل دان) الى ذلك بقوله: "إلا أن الوسائل التي إستخدمتها الحكومة لإزاحة الشيوعيين [عن قيادات النقابات] كانت منافية لأبسط المبادئ الخلقية. فقد أستؤنف الطرد السياسي من العمل على مدى واسع بحيث شمل أعضاء اللجان في النقابات فضلا عن العمال الأعضاء في الحزب (9). وقد زج في الإعتقال، كما يشير سباهي، أعضاء المجلس المركزي للإتحاد العام لنقابات العمال. وطرد من العمل ما يزيد عن ستة آلاف عامل من سكك الحديد حتى خريف 1960. وكانت أعمال الفصل والمطاردة والإعتقال تشتد بوجه خاص أثناء الإنتخابات النقابية. ففي المعركة الإنتخابية لعام 1961، زاد عدد المفصولين عن العمل على 7000 عامل بمختلف الذرائع الواهية في المؤسسات والمشاريع الحكومية وحدها. وقارب عدد المفصولين من عمال النفط الثلاثة آلاف عامل. وإستخدم الجيش في إحتلال المعامل عند الإضرابات. وخسرت الطبقة العاملة الكثير من المكتسبات الإقتصادية (10).

وفي الريف، تواصلت نشاطات كبار الملاكين وأعوانهم، بمساندة أجهزة الحكم المحلية، لإضطهاد الفلاحين وإجبارهم على ترك الأرض لاسيما في تلك الأراضي التي لا تزال في أيدي الملاكين. وتباطأت عمليات الإستيلاء على الأرض بموجب قانون الإصلاح الزراعي. وسبق أن ذكرنا الطرق والأساليب الملتوية التي أدت الى سيطرة عراك الزكم، بدعم من عبد الكريم قاسم،على قيادة الإتحاد العام للجمعيات الفلاحية وحرمان آلاف القرى الفلاحية بأساليب تعسفية من حقها من تأليف الجمعيات الفلاحية في المناطق التي تساند الحزب الشيوعي العراقي، أو في تلك التى نشط الفلاحون فيها ضد الإقطاعيين. وقد شجعت سياسات الحكم البوليسية في الميادين المختلفة على إنفلات الأمن في مناطق عديدة من البلاد. وقد إتجهت عناصر اليمين المتطرف، والقوى الرجعية وعصاباتها، بالتواطؤ مع أجهزة الأمن الحكومية ودوائر الشرطة، الى شن حملة واسعة من الإغتيالات لعناصر شيوعية أو ديمقراطية في مختلف أنحاء لبلاد. وسبق أن ذكرنا بعض المعلومات الملموسة عن عدد ضحايا هذه الحملة الإجرامية وعواقبها في مدينة الموصل في نهاية موضوع "مؤامرة الشواف في الموصل".

وكان لابد لهذه الأوضاع التي أطبقت على البلاد أن تنعكس سلباً على الأوضاع الإقتصادية وعلى أحوال الجماهير المعاشية. فلقد توقف أو كاد الإستيلاء على أراضي الملاكين الخاضعة للإصلاح الزراعي، وعادت سطوة الإقطاع الى الريف مع تزايد الحقد على الفلاحين والتلاعب بمقدراتهم. وبسبب إرتباك الوضع الإقتصادي وإضطراب الوضع التجاري، إرتفعت أسعار المواد الغذائية والخدمات والسكن. وصار صغار التجار ، وحتى متوسطيهم، يتعرضون الى الصعوبات المتزايدة بفعل هيمنة كبار التجار على السوق (11).

وظلت سياسة الحزب رغم كل ذلك ثابتة على قاعدة: "تضامن ــ كفاح ــ تضامن"، تستهدف إقامة الحكم الوطني (العسكري والفردي واللاديمقراطي) على أسس ديمقراطية، وشكلت هذه السياسة عبأ على كاهل الحزب وقيادته وأفقدته الكثير من القدرة على المبادرة. وسبق أن أوضحنا السبب الأيديولوجي الخاطئ لتمسك الحزب بقاسم، وهو لمجرد أنه ضمن المعسكر المعادي للإمبريالية العالمية.

76

في سنة 1960 تفاقم الخلاف بين أكبر حزبين شيوعيين: الصيني والسوفيتي. وظهر الخلاف على المكشوف بعد أن نشرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني سلسلة مقالات في جريدة (جين مين جيباو) تحت عنوان "تحيا اللينينية". وحصل الحزب الشيوعي العراقي عليها مترجمة من السفارة الصينية، وشرع في نشرالسلسلة في جريدة الحزب "إتحاد الشعب"، دون الإنتباه الى النهج المعارض المبطن الذي تحويه للنهج السوفييتي. وسرعان ما توقف نشر السلسلة عندما إنتبهت قيادة الحزب الى محتواه الحقيقي. وفي تلك الأجواء إهتم كل طرف من طرفي الصراع، الصيني والسوفيتي، إهتماما بالغاً، بكسب الحزب الشيوعي العرقي الى جانبه، بحكم الدور الهام الذي أخذ يلعبه العراق في السياسة الدولية ونظراُ لنفوذ الحزب وسمعته الواسعتين، وكان يعتبر آنذاك أكبر حزب شيوعي في الشرق الأوسط. وقد أثار موضوع الخلاف الصيني ـ السوفيتي جدلاً في قيادة الحزب وبات أحد مكونات الصراع الأساسية في المكتب السياسي.

في تشرين الثاني 1960 إنعقد المؤتمر العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية في موسكو وترأس وفد الحزب اليه بهاء الدين نوري وكان يميل الى الجانب الصيني. ولم يلتزم في المؤتمر بتوصيات المكتب السياسي القاضية بتبني الموقف السوفييتي. فقرر المكتب السياسي تجميد عضويته في الهيئات القيادية وإبقائه في موسكو للدراسة. وعقد إجتماع إستثنائي للجنة المركزية في صيف 1961 لدراسة هذا الخلاف، فصوتت اللجنة المركزية بأكثرية صوت واحد فقط لصالح نهج الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي، وعوقب بهاء الدين نوري بتجريده من كل مسؤولياته في الحزب، وصودق على قرار إبقائه في موسكو للدراسة الحزبية.(12)


(1) راجع حنا بطاطو. مصدر سابق، ص234، هامش رقم 2.
(2) راجع زكي خيري، مصدر سابق ص 228 وما يليها.
(3) حنا بطاطو. مصدر سابق، ص246 والهوامش 10، 11، 12، 13، 14.
(4) حنا بطاطو. مصدر سابق، ص245، 247 والهامش رقم 7. خطة الطوارئ التي يشير اليها بطاطو، هي جزء من الخطة الأصلية
(*) صرح الجادرجي في مجلسه الخاص، بأن "حزباً آخر لم يبهذل رئيس حكومة كما فعل الشيوعيون بقاسم". زكي خيري، مصدر سابق ص231.
(5) حنا بطاطو. مصدر سابق، ص253.
(6) راجع زكي خيري، مصدر سابق ص231. راجع كذلك سباهي مصدر سابق، ص477 وما يليها. أنظر الحسني. "تاريخ الوزارات في العهد الجمهوري" ج4 ص 64 ـ 70. سباهي ص486،هامش رقم 13.
(7) راجع سباهي مصدر سابق، ص479 ـ 483.
(8) راحع حنا بطاطو. مصدر سابق، ص259.
(9) اوريل دان. مصدر سابق، ص355. خط التشديد ليس في الأصل.
(10) راجع سباهي. مصدر سابق، ص490.
(11) راجع سباهي مصدر سابق، ص492 وما يليها.
(12) حول الخلاف الصيني ـ السوفيتي، راجع زكي خيري، مصدر سابق ص237. راجع كذلك بهاء الدين نوري. مصدر سابق ص278. و 293 وما يليها. راجع أيضاً سباهي مصدر سابق، ص468.

يتبع



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة نقدية في كتابعزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ا ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - جاسم الحلوائي - قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (22)