أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام عبدالله - الشرطة الدينية















المزيد.....

الشرطة الدينية


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2118 - 2007 / 12 / 3 - 10:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"الذين لا يقرأون التاريخ ، محكوم عليهم أن يعيدوه "
سانتيانا

في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دعا المفكر الإيطالي "امبيرتو ايكو" المسلمين إلى الاطلاع على تجربة الأصوليين المسيحيين في أوروبا، لأنهم لو فعلوا ذلك لاكتشفوا أن غيرهم يعتقد، وبنفس القوة، انه يمتلك الحقيقة الإلهية المطلقة ، وأن عواقب هذا الاعتقاد كارثية . هكذا غدا المنظور المقارن ضروري جدا للكشف عن نسبية كل التراثات الدينية للبشرية، على الرغم من عظمتها وأهميتها. أما الاعتقاد بإمتلاك الحقيقة المطلقة دون بقية البشر فيؤدي مباشرة إلى الاستبداد والتعصب الأعمى، وتكون النتيجة هي الصدام المروع وسفك الدماء .
في هذا السياق يجب أن تؤخذ مسألة الشرطة الدينية في ايران مأخذ الجد فقد اعلنت قبل أيام في طهران أنها ستتخذ إجراءات مشددة ضد النساء المخالفات للزي الإسلامي في فصل الشتاء، بارتدائهن أزياء تعتبر غير محتشمة كارتدائهن سراويل ضيقة توضع داخل الأحذية الطويلة الرقبة.

يشار إلى أن فرض الزي الذي يلزم النساء بتغطية شعورهن وارتداء ملابس فضفاضة، لا تبرز معالم أجسادهن بات أكثر تشددا في إيران منذ وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد للسلطة في عام 2005، والنساء اللاتي يتبين أنهن لا يلتزمن بذلك غالبا ما يتم إنذراهن مع إمكانية أخذهن إلى مراكز الشرطة ليتم تغريمهن، لا سيما في حال تكرار "المخالفة"، كما اتخذت الشرطة أيضا هذا العام اجراءات ضد رجال يقلدون الأساليب الغربية في قص الشعر. وترفض إيران دائما انتقادات جماعات حقوق الانسان لهذه الحملات، وتقول "إنها تستهدف محاربة المنحلين أخلاقيا".
وقبل أشهر قليلة ظهرت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقطاع غزة وأخذت علي عاتقها ما سمته العمل من أجل محاربة الـمفسدين في جميع مناطق قطاع غزة، واطلقت على نفسها نفس المسمى الذي يطلق على الشرطة الدينية في المملكة العربية السعودية.

وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن "ردع" شخصين من سكان مدينة خان يونس، وقالت في بيان وزع مؤخراً في مسجد النور بالبلدة ، إنها ترى أنه لزاماً عليها محاربة كل من تسول له نفسه بالإفساد والاعتداء على حرمات الله، وخصوصاً سب الذات الإلهية والضرب بيد من حديد على الشبان الذين استعبدهم الشيطان .

وأكد المواطنون البسطاء أن اسم هذه الجماعة ظهر قبل نحو أربعة أشهر ، عندما تعرض مطرب محلي للضرب بعد انتهائه من تقديم حفلة غنائية في خان يونس .
ويحتفظ لنا التاريخ بوثيقة ميلاد " الشرطة الدينية " في فلورنسا بإيطاليا ، علي أيدي الراهب الرهيب " سافونا رولا " Savonarola (1452 – 1498). و يذكرنا ظهور هذه الجماعة دائمًا بأن خصائص العصور الوسطى (كحالة عقلية وبنية ذهنية) لا تزال نابضة بالحياة ، في مختلف العصور والمجتمعات الأخرى ، طالما توفرت الشروط لنموها وظهورها.
كان يندد باستمرار في مواعظه بطغيان الحكام وبفساد الطبقة الحاكمة وبالاستبداد السياسي وبالمظالم الواقعة على الفقراء، فتحول من واعظ أخلاقي الى مهيج سياسي ديماجوجي يؤلب الرعاع على النظام القائم في فلورنسا باسم الديموقراطية.
وانقسم أهل فلورنسا في أمره، البسطاء آمنوا بملكاته الخارقة، والعقلاء رأوا فيه دجالاً خطيراً. لم يكن سافونارولا في حقيقته يكتفي بدور المصلح الديني الداعي الى سبيل ربه بالحكمة والموعظـة الحـسنة، وانما كان يبتغي السلطـة الدنيوية ليضع القوانين الإلهية موضع التنفيذ.
دعا في العام 1494 الى المشاركة في إعادة صوغ نظام الحكم في فلورنسا بعد رحيل بييرو دي مديتشي، وهكذا دخل عالم السياسة المليء بالأخطار والمحاذير، وكان هدفه تسخير سلطة الدولة في فرض الفضيلة.
كانت فلورنسا اعتادت لقرون خلت أن تقيم كرنفالاً سنوياً حافظ على كثير من العادات الوثنية الصارخة، وبتوجيه منه تحول الى موكب مسيحي، فتوقف الرقص في الشوارع والألعاب البهلوانية والملابس المزخرفة والأقنعة، واستغل سافونارولا حيوية صبية المدينة وشبابها وحوّلهم الى قوة أخلاقية ضاربة وسلطة مخيفة، لا سيما بعد أن رخصت لهم الحكومة مزاولة هذا الارهاب المقدس.
فسافونارولا كان من أسبق من اكتشفوا ما في الصبية والمراهقين والشباب من حيوية مدمرة وعدوانية يمكن تسخيرها في الدين والسياسة، وكان يقول إنه يبدأ بهم لأنهم "الجيل الجديد الذي لم يفسده بعد ضلال الآباء والأمهات".
وعلم "غلمان الفرير" كما كانوا يسمونهم في فلورنسا، أن كل مظهر من مظاهر الترف خروج على الدين، فكانوا يغزون بيوت المواطنين دورياً ويجردونها من التحف وأدوات الترف والشعر المستعار وغالي الثياب وأدوات التجميل واللوحات الفنية والمؤلفات الأدبية والفلسفية التي لم تستلهم الدين موضوعاً لها، وكانوا يجمعونها في أكوام في ميادين فلورنسا ويضرمون فيها النار.
كما كانوا يجلدون النساء المتبرجات. وبعد أن كانت نساء فلورنسا حاضرات في الحياة العامة مشاركات في الاجتماعات السياسية وفي المواكب، أمرهن سافونارولا بأن يقعدن في بيوتهن ولا يشاركن في اهتمامات الرجال لا سيما في السياسة.
وتطبيقاً لمبادئ الشريعة المسيحية حرم الربا الذي كان يرادف عنده الإقراض والإيداع بالفائدة، فقضى على النظام المصرفي، وأحل محله "بنك التقوى" الذي كان يقرض على الرهون بسعر 6 في المئة سنوياً، وكان الأصل في "بنك التقوى" ان التسليف فيه على أساس الإحسان أو القرض الحسن، بلا فوائد، والنسبة الصغيرة المذكورة للمصروفات.
وأصدر (أو صدر بوحيه)، عدداً من القوانين الأخلاقية مثل تعليق الزاني للمرة الأولى في الميادين وإحراق الزاني إذا تكررت جريمته، والأمر نفسه بالنسبة الى الشذوذ الجنسي. كذلك صدر قانون بإغلاق الحانات وتحريم الرق، وهذه القوانين كانت أقرب الى نصوص التوراة منها الى نصوص الانجيل، وربما كانت من دواعي تلقيبه بـ"اليهودي".
كانت مشكلات فلورنسا تتفاقم، أما هو فكان يفسر للناس هذه الشدائد كعادته بأنها القصاص الإلهي، لأن أهل فلورنسا لم يغيروا ما بأنفسهم وأنه لا سبيل للنجاة إلا بالتوبة. فكان ينظم التظاهرات الدينية ويفرض الفضيلة بالارهاب. لكن كل هـذا لم يحـل مشكلات فلورنسا!



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرض الأحلام
- باقة ورد إلي الحوار المتمدن
- أصل الدستور الأمريكي
- في اليوم العالمي للفلسفة ..
- أحذر الديموقراطية القادمة !
- هل الحداثة إرادة سياسية ؟
- ضبط الكلمات .. العولمة نموذجا
- كيف أصبحت الإمارات رمزا للتسامح ؟
- الدولة القمعية
- شعار التنوير
- الأسس الفلسفية لليبرالية
- مسائل تخص العقل والإيمان
- أليست فكرة جديرة بالتمثل ؟
- ماذا بقي من الدولة ؟
- آخر .. ما بعد الحداثة
- دين حقوق الإنسان
- العنف والحق الطبيعي (3)
- العنف والحق الطبيعي (2)
- العنف والحق الطبيعي (1)
- مشروعية العنف


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عصام عبدالله - الشرطة الدينية