حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 2117 - 2007 / 12 / 2 - 10:34
المحور:
الادب والفن
الخميس الثاني في بسنادا.بداية الأسبوع الثالث.
كأنني ولدت في هذا البيت,بدون تفكير أتوجه إلى سرفيس بسنادا,أنزل على مفرق المستوصف وأهبط بسلام....إلى الساقية_ساقية الذهب والفضّة أم ساقية التنك, لا فرق.جيراني الطيبين ختامهم يحيا وصفاء. أحببناهم أم أحبونا_لا توجد خيارات, وحدنا في هذا القفر نتقاسم شحّ الكهرباء, نشرب ونضحك...نحن في بسنادا.
.
.
أدور حول الحارات والبيوت القديمة,ماذا لو دخلت إلى إحدى غرفي السابقة في "بيوت الغرباء"؟ لاشكّ وأنت تعدّ إلى العشرين,واحدة للأطفال وألعابهم,ثانية للأزواج وساعات نكدهم أو حميميّاتهم....ستتعثّر بغرفة فيها تصادقت مع بوذا وفرويد أو مع تشيخوف وبيسوا أو نيتشة وإيف بونفوا...والقائمة تطول, والصدمة في الغرفة التي تحوّلت إلى زوّار الليل...بائعات الهوى والشراميط بلغة العموم.
*
ماذا نترك في الغرف والبيوت المهجورة! وماذا نأخذ!
ما الذي يجده العابرون الجدد,أقربائنا في الغربة والتشرد,أنس أم قرف؟
بدأ المطر ينزل بنعومة,من الملائم تبديل كأس المتّي بكأس طافح من العرق السوري الأصيل_عرق أبو العيس العظيم_ لقد كحّلها صديقي وأهداني مؤونة الشتاء"دمجانة كاملة" أظنها تكفيني إلى السنة الجديدة,وتساعدني على عسر الحياة ومشقّة العيش, عرق ودخان ومطر....ولا أثر لصوت أو حركة,سكون أبدي تتخلّله حبيبات المطر وتماوج أوراق الزيتون....من أنت يا حسين!
*
_أنا المرأة التي أحبتني.
_أنا المرأة التي حطّمت فؤادي.
_أنا الولد الشرير,يكسر النوافذ ويتلف الزهر....ويلهو بتمزيق الساعة واللحظة,لشدّة رعبه من الزمن وأفخاخه.
أنا النديم المزاجي,ساعة في السراج وساعة في العتم.
_أنا الموالي الذي لا يؤمن جانبه.
_أنا المعارض الذي لا يخيف نملة.
_أنا النقدي, والذي يحشر عدوانيّته في صميم جوهره.
_أنا حسين ابن عليا,زوج فريدة السعيدة,ابن الشيخ الجليل علي أسعد محمد عجيب.... أنا لعنة محبوسة في صندوق,...
.....أنا العشبة العطشى
يطأها العابرون ولا يلتفتوا
.
.
أنا كاتب"نحن لا نتبادل الكلام"....ثرثار اللاذقية وصعلوكها على مرّ العصور.
*
هو يوم عادي,روتيني,بليد... لكنه لا يتكرّر.
في مقهى الحكيم ربت على كتفي معين لايقة,الرسام الذي نسيه الزمن وقطعه.
أسامة إسماعيل صاحب المسلسل المؤجل إلى الأبد.
علي الخطيب وأصدقائه الطيبين, حامل السلام الدافئ من فرنسا....أصدقاء على خطوط شبكة العنكبوت الكهربائية...الواقع الأكثر واقعا ويسمّونه الافتراضي.
........أتذكّر الآن فقرة لصديقي كازانتزاكي نسيت في أيّ من كتبه:
الحكيم المتسّول ينادي,في عزّ النهار
دقيقة من أعماركم أيها الطيبون.
دقيقة من أعماركم أيها الطيبين.
*
إذا كانت اللحظة لا تتكرّر,وهي كذلك وكلنا ندرك ونتواطأ....لنحتمل قسوة ما نجهل, كيف حشرنا حياتنا في هذه الصناديق الموحشة!
*
نجحت اليوم في تسجيل ساعة الكهرباء رسميا وباسمي الشخصي_اسمي المضحك.
ونجحت اليوم في الحصول على ورقة رسمية(نظامية مئة في المئة) من البلدية,بدون رشوة أو تزلّف, ...ونجحت وهذا الأهمّ في العودة سالما إلى بسنادا.
على المفرق الموزّع بين الضاحية الجديدة وبسنادا وطريق اللاذقية ثقوبين بكسا المشيرفة,على الناصية بتعبير عماد زهرة الندماء, تعرّفت على أياد اللحام الظريف, وسألته أين يشرب الأصدقاء...طالما شواء وموقع استراتيجي؟ الأسبوع القادم.
صار عندي ما أساوم عليه شلّة السكر والسمر,نسكر عند أياد موافق,عدا ذلك صعبة, إما ترسلون سيارة أجرة على نفقتكم أو سأعتذر أحيانا كثيرة,بسبب عدم توافر"أوساخ الدنيا" تسمية النقود من قبل أشدّ عبيدها وعبادها تملّقا...
المهم اليوم هو الشاب أياد,اللحام وصاحب المحلّ,هل يفي بوعده قريبا!
_هل سيقبل زبونا دائما,في الدين وعلى آخر الشهر؟
.
.
أليس أمرا رائعا,أن تحظى بصديق يمتلك كلّ أدوات السعادة وعناصرها؟
*
أشرب بمتعة وطمأنينة.
لن تصرخ فريدة السعيدة اليوم. لقد جررت الكهرباء وبشكل نظامي إلى بيتها! ماذا تريد أكثر! ألا يحق لي الاحتفاء بكأس,بغل وليس كرير.
الكأس من شغل عيسى والمازة...برتقال من اللاذقية وتفاح من اللاذقية وزيتون...ويوجد سوركة عظيمة...ستدخل الاحتفال مع الكأس الثاني. هل يوجد ثاني, وثالث! الله أعلم.
_ أنت يا حسين اليوم تستحق.
.
.
في مقهى الحكيم اليوم قرأت قصّة لخطيب بدلة في جريدة الثورة, قاص موهوب,ممتع وساخر بصورة جميلة, ضحكت لوحدي. شكرا يا خطيب. أنت صديقي أيضا. صحيح لم نلتقي ولن تسمع باسمي, لكنك صديقي اليوم وغدا وأشرب بصحتك.
_هذا كأس خطيب بدلة,السوري الجميل....من ادلب, ولا مرّة شربت كأسا في ادلب, وهذه حقارة إبراهيم قعدوني ومنهل باريش الموصوفة, ما كان خطيب بدلة ليفعلها أبدا, ولا حتى خلف الشاعر المختلف على شعريته والمتّفق على تفرّده في فنّ المقالة, ما كان ليصل إلى هذا الدرك من القربطة والغباء العاطفي....
بصحّة خطيب بدلة.
بصحّة أياد نعيسة....صاحب ومدير"ملتقى الأصدقاء" على ناصية بسنادا والضاحية وبكسا....والطريق يصل إلى مشقيتا وعين البيضا والقنجرة وجنّاتا.
هذا يوم جميل أيضا.
بدأت تظلم, والغيوم تكفهّر...هذه جكارة بأحمد جان عثمان"شمم وإباء" عبارته المقعّرة.....لعبت الخمرة برأسي....
أمضيت يوما جميلا في اللاذقية.
سيأتي الليل....وعلى الأرجح سيتّصل الأصدقاء....أحدهم,.....
من يعرف كيف ينتهي يوم....أو ساعته؟!
في اللحظة التي أعرف تنتهي ثرثرتي فعليا....وإلى الأبد.
.
.
صديقتي ....سماء....في فينيسيا الآن....ياه....نيّالك.
هو يوم مثل كلّ الأيام....ولا يشبه أحدا. أقولها ببعض الغصّة....
من أنت يا حسين....
تعشق قمرا....غيمة....نجمة, لكن, لا تنسى...حذار أن تنسى....
أنت في ساقية بسنادا, بلا زيادة أو نقصان.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟