أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - صابر بركات - حركة الطبقة العاملة فى مصر















المزيد.....


حركة الطبقة العاملة فى مصر


صابر بركات

الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:24
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


.الجزء الأول

( مقدمة*نشأة الحركة العمالية*الحركة العمالية حركة سياسة وطنية *النزوع إلى الاستقلالية *حركة الجيش ومصادرة المجتمع المدنى)
يا قلبى لا تهرم ..
فإن أمامنا حباً عظيماً..
أنا ذاهب كى أقرع الأجراس ..
كى نطأ اللهيب ..
الشاعر العراقى : عبد الوهاب البياتى.
مقدمة :
منذ عرفت المجتمعات الإنسانية القيمة عرفت قوة العمل وأهميتها باعتبارها المزيد …العنصر الأساسى فى عملية الإنتاج.
وعليه أصبح العمل المأجور محور التنمية والتقدم المزيد …وتطور المجتمعات، وتكونت طبقة إجتماعية لا تمتلك إلا قوة عملها التى تبيعها مقابل أجر تسعى دائماً أن يكون هذا الأجر كافياً للوفاء باحتياجاتها الأساسية ، كما تسعى –أحيانا- أن يكون هذا الأجر عادلاً – أو أكثر عدلاً- فتطالب بحياة أفضل ومستوى معيشة أرقى يتناسب مع ما تقدمه من عمل .
إلا أن هذا السعى وتلك المطالب كانت دائماً تصتطدم بمصالح لطبقات أخرى - مالكة – تطمع بدورها فى الإحتفاظ بناتج العملية الإنتاجية بأكمله لنفسها بإعتبارها صاحبة رأس المال
وهكذا كان وما زال الصراع الإجتماعى قائما فى قلب المجتمعات الإنسانية وإن كان تطوره يحمل الجديد دائماً ، فهاهى الطبقة العاملة تتسع لتشمل كل من يبيع جهده أو خبرته أو حتى أفكاره مقابل أجر . والصراع الاجتماعى يتسع ليشمل حركة العمال من أجل الحصول على العمل الآمن والأجر العادل ومن أجل تحسين شروط وظروف العمل ، وعلى تأمين اجتماعى وصحى ، ومن أجل ضمان ظروف معيشية أفضل لهم ولأسرهم ( تعليم وعلاج ومسكن ملائم وبيئة صحية ونظيفة ) وغيرذلك من الحقوق التى باتت ضرورية وأساسية ومعترف بها كحد أدنى لحقوق الإنسان فى مجتمعه.
وتشمل حركة العمال مجمل الأنشطة التى يقومون بها أفراداً وجماعات - اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا - للدفاع عن مصالحهم ، وتعزيز مواقعهم فى الفعل المجتمعى ، بل وبما يتصل بصراعها مع الطبقات الأخرى - خاصة الطبقات المالكة والحاكمة – بحكم إختلاف المصالح وتعارضها .
وهو ما يعنى ضرورة البحث فى تاريخها ، ودراسة واقعها ، والحديث عن مستقبلها ، وعن حركتها فى الصراع ضد الطبقات السائدة –المالكة – بقوانينها وأجهزتها وأنظمتها .
ولابد أن يعنى ذلك ايضا ضرورة التعرف على نشأة الحركة العمالية فى بلادنا وتطورها وما آلت إليه . كما لابد أن يفرض علينا السؤال الهام وماذا بعد ؟.

نشأة الحركة العمالية :
تكونت الطبقة العاملة الصناعية فى مصر بإدخال محمد على الصناعات الحديثة إليها فى سنة 1818 حيث بلغ عدد المصانع –وقتها – 29 مصنعا ً، وبلغ عدد عمال الصناعة الذين يعملون مقابل أجر 30 ألف عاملٍ فى الوقت الذى كان تعداد مصر 2.3 مليون نسمة .
إلا أن هذه الرحلة لم تستمر إلا حوالى عقدين من الزمان ثم انتكست بتوقف صعود محمد على وإرغامه على الخضوع لشروط الاستعمار الأوربى بمعاهدة سنة 1840 ، ورغم إن هذه الفترة القصيرة لم تترك ورائها تراثاً عمالياً يعتمد عليه إلا أنها تعتبر مرحلة التكوين للطبقة العاملة المصرية بخواصها الأولية ( العمل الجماعى المأجور المرتبط بالصناعة الحديثة والتحرر من رق الأرض وقيود نظام الطوائف الحرفى ) .
ثم عادت الطبقة العاملة مرة أخرى للنمو من ستينيات القرن التاسع عشر - مع دخول رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فى مصر - أثر الحرب الأهلية الأمريكية 1861 ومجىء إسماعيل إلى حكم البلاد فى عام 1863 ، وبتزايد حجم الوجود الأجنبى الذى ظللته الإمتيازات الأجنبية فى مصر مع الاحتلال البريطانى لها عام 1882 ، وقد تركزت التجمعات العمالية فى وحدات صناعية كبيرة مملوكة لرأسمالية أجنبية اختلطت فيها العمالة المصرية بالعمالة الأجنبية الوافدة خاصة من دول حوض البحر المتوسط ( كالإيطاليين واليونانيين والمالطيين والقبارصة والأرمن وغيرهم ) ، وهم الذين نقلوا معهم أشكال النضال الجماعى المنظم كالإضرابات والاعتصامات ، وتكوين الجمعيات والنقابات إلى مصر .
وقد تنبه المستثمر الأجنبى –المستعمر – لخطورة توحد العمال المصريين والأجانب فعمل على التفرقة بينهم بتمييز العمال الأجانب فى الأجور والإمتيازات والتمتع بالمواقع الإشرافية والقيادية ، إلا أن ذلك كان دافعاً للعمال المصريين بأن يتقدموا فى نضالهم المطلبى وأن يربطوه بنضال سياسى وطنى ضد النفوذ الأجنبى والإمتيازات الأجنبية فى البلاد .
ويعد إلغاء السخرة رسمياَ فى مصر عام 1889 وإنهاء نظام الطوائف ( بصدور قانون الباتنتة ) فى 9 يناير 1890 هو تاريخ تحرير سوق العمل المأجور وفتحه على مصراعيه ، وإن كانت الحركة العمالية قد سبقت ذلك بالإعلان عن نفسها وبقوة من خلال عدد من الإضرابات حفل بها الربع الأخير من القرن التاسع عشر .
ولعل أول الإضرابات التى تم رصدها كان إضراب عمال الشحن والتفريغ فى ميناء بور سعيد فى أبريل 1882 ضد ” شركة الفحومات البريطانية ” للمطالبة بزيادة الأجور ، إلا أن أبرزها كان إضراب عمال الدخان والسجاير بالقاهرة والذى بدأ فى ديسمبر 1899 واستمر حتى 21 فبراير 1900 تحت قيادة منظمة كونت – نفسها - فيما بعد ” نقابة عمال السجاير المختلطة ” ويعتبر كثير من المؤرخين هذا الإضراب هو بداية ظهور الحركة العمالية المصرية .

الحركة العمالية حركة سياسة وطنية :
عرف العمال المصريون مبكرًا مرارة آلام العمل بالسخرة والقهر تحت سياط الأجانب فى حفر قناة السويس وشق الترع ومد خطوط السكك الحديدية اللازمة لمد الجيوش الاستعمارية بمستلزماتها ، كما نما وعيهم –مبكراً أيضاً –على توحد سلطة المستعمر مع سلطة القصر الحاكم وعملائهما ، فكانوا فى كل معاناتهم مع السخرة والإستغلال يرفعون بكائيتهم المغناة ” بلدى يا بلدى .. والسلطة خدت ولدى ” .
ولم يقتصر نضال الحركة العمالية المصرية - منذ نشأتها - على المطالب الإقتصادية ، وإنما أمتد إلى النضال السياسى والوطنى ليشمل المطالبة بتحرير الوطن من سيطرة المستعمر الأجنبى ومن الإستغلال والقهر معا ً.
وكما أدرك العمال ذلك ، أدركته – أيضا - الحركة الوطنية ، فعندما تولى الزعيم ” محمد فريد ” زعامة ” الحزب الوطنى ” عقب وفاة ” مصطفى كامل ” فى سنة 1908 ، قام بمحاولته الطموحة لتنظيم العمال فى نقابة كبيرة موحدة هى ” نقابة الصنائع اليدوية ” ، وحرص على تدعيم وعيهم بمدارس الشعب فى مناطق تجمعاتهم ، وعلى تعميق الصلات بين تنظيماتهم النقابية المختلفة منطلقاً من وعيه بدور هذه الطبقة الفتية وقدرتها على دفع حركة الكفاح الوطنى .
إلا أن اندلاع الحرب العالمية وفرض الوصاية البريطانية على مصر لم تمهلا هذه التجربة –هى الأخرى - الكثير حيث بطشت سلطة الوصاية وعملائها بالعمال وبتحركاتهم الجماعية ، حتى تفجرت الأمة فى ثورة 1919 ، والتى لعب العمال فيها دورًا رئيسيا ً، وكان الإضراب الكبير لعمال الترام والمترو وترام هليوبوليس وترام الإسكندرية والمطبعة الأميرية وموظفى الموانى والجمارك - والذى شل الحياة فى البلاد وحسم إنتصار الثورة - إعلاناً عن بزوغ نجم الطبقة العاملة المصرية فى سماء العمل السياسى الثورى ضد المستعمر الإنجليزى وعملائه ، ورغم التأثير الإيجابى لهذا الفعل إلا أنه نبه الرأسمالية المصرية الصاعدة لخطر الطبقة العاملة الفتية فباتوا يرتبون لحصارها واحتوائها وإضعافها بذلك الصراع الذى لم يتوقف أبدا ً.
فما إن خرجت الرأسمالية المصرية من ثورة 1919 كاسبة أهم جولة فى تاريخها الحديث حتى بدأت العمل على إحتواء الحركة العمالية باصطناع تنظيمات عمالية تابعة للأحزاب والقصر ، أوبتأسيس أنظمة إدارية وأمنية خاصة بالعمال ومتابعة حركتهم ، وإن كان ذلك لم يمنع حضور الحركة العمالية فى كل الأحداث السياسية على الساحة المصرية منذ ذلك التاريخ .
خاصة فى الحلقة الثانية من الثورة المصرية للحصول على الاستقلال فى سنة 1946، حيث كانت الطبقة العاملة وإضراباتها المطالبة بالاستقلال ، و ” اللجنة الوطنية للعمال والطلبة ” ، وإضرابات عمال النسيج فى شبرا الخيمة وما تلاها من إضرابات العمال فى كل مكان ، هى إعلان استمرار الحركة العمالية فى قيادة الحركة الوطنية ، ولكن بطبعة جديدة يقودها هذه المرة عمال النسيج بعد أن كان عمال النقل (الترام، والسكة الحديد) هم قيادة الطبعة الأولى للحركة العمالية فى ثورة 1919.

النزوع إلى الاستقلالية :
عرف العمال المصريون التيار الاشتراكى بشكل مباشر ومنظم منذ عام 1918 حيث تشكلت عشرات المنظمات النقابية فى “القاهرة” و”الأسكندرية” و”مدن القناة” و”الزقازيق” و”بورسعيد” من خلال الوعى الاشتراكى ، ونجح الحزب الاشتراكى الوليد فى الإعلان عن أول اتحاد عام للعمال المصريين فى ستمبر 1921 ، وبدا للطبقة الحاكمة أن البلشفية التى أطاحت بالقيصرية فى روسيا تطرق أبواب مصر بشدة خاصة بعد أن أعلن “الحزب الاشتراكى المصرى” تحوله “للحزب الشيوعى المصرى” وإعلان انضمامه للأممية الشيوعية ، وإنتشار المظاهرات العمالية السياسية التى ترفع الأعلام الحمراء .
وكان الصدام الدموى الأول بين الرأسمالية والحركة العمالية المنظمة فى 1924 حيث تم حل اتحاد العمال ، والحزب الشيوعى واعتقال قياداتهما ، وإصدار حزمه من القوانين تجرم انضمام العمال للنقابات وتجرم الإضراب والتظاهر.
وانطلقت الرأسمالية المصرية فى عمل اتحادات عمالية جديدة بديلة عن الاتحاد المصادر ، فى محاولة لملأ الفراغ ، فكان اتحاد “الوفد” بزعامة “عبد الرحمن فهمى” فى سنة 1924 ، ثم اتحاد “الأحرار الدستوريين” فى سنة 1928 ، ثم اتحاد ولى العهد الملكى فى سنة 1930 ، ثم “اتحاد نقابات عمال القطر المصرى” بزعامة “النبيل عباس حليم” فى سنة 1935 ، والذى كان أنجح هذه المحاولات فى استقطاب عدد من القيادات العمالية والنقابية الهامة حيث قدم العديدُ من الخدمات النقابية والقانونية الهامة.
ولكن سرعان ماأنتبهت قيادات الحركة العمالية لخطورة هذا الإنقسام وتلك التبعية للرأسمالية المصرية ، فعادت لتلتقى وبإصرار على تكوين منظماتها النقابية المستقلة النابعة من إرادة العمال وحدهم فى ذات الوقت الذى كان الواقع السياسى العام ينضج ويجنح لتكوين منظمات سياسية مستقلة عن الرأسمالية ، وقد تبلور ذلك فى تجربة من أهم تجارب استقلال الطبقة العاملة المصرية فى نهاية ثلاثينيات القرن العشرين ، ولم تنجح الرأسمالية المصرية فى وقف زحف هذا التيار العمالى - السياسى النقابى - المستقل إلا بحركة الجيش للاستيلاء على السلطة فى 23 يوليو 1952 .
ولم تتوقف الحركة الاستقلالية للطبقة العاملة المصرية أبدا ً، وإن ظلت تتراوح بين الصعود والهبوط والتذبذب منذ ذلك التاريخ ، على الرغم من ترسانة القوانين الفاشية التى حرمت على العمال حق التنظيم وجرمت حقوق الإضراب والتظاهر والاجتماع والتعبير ، ورغم الوصاية السياسية الأبوية للرأسمالية خاصة فى مراحل صعودها ( محمد فريد ، سعد زغلول ، جمال عبد الناصر ) ، ورغم التعسف الإدارى لمطاردة القيادات العمالية بالفصل والنقل والتشريد والحرمان من الترقيات بل الأجور نفسها أحيانا ، بل ورغم القمع البوليسى بالتوقيف والأعتقال ، وإقتحام المصانع بالقوة العسكرية .
لقد بدأت الحركة الاستقلالية للطبقة العاملة بتأثير الفكر الاشتراكى العائد للوجود فى الواقع المصرى بعد وأد التجربة الأولى ( تجربة حزب 1921 ) ، حيث تشكلت “هيئة تنظيم الحركة النقابية المستقلة ” فى سنة 1939 ، والتى نجحت فى مساعدة العمال فى تشكيل وتأسيس عشرات النقابات المستقلة والقوية ، ونجحت فى توحيدها – إختياريا- بل ونجحت فى إرسال مندوباً عنها إلى مؤتمر النقابات العالمى فى باريس فى أكتوبر 1945 ، وبعد خوضها معركة جسورة من أجل إستصدار قانون الاعتراف بالنقابات فى سبتمبر 1942 ( كانت أبرز محطاتها مظاهرة 8 مايو 1938 التى هزت القاهرة بشعارات المطالبة بالاعتراف بنقابات العمال ، وإضراب العمال عن الطعام بميدان العتبة فى 12/6/1939 ) .
ورغم أن القانون ( 85 لسنه 1942 ) جاء ليعترف للنقابات بالوجود القانونى ، إلا أنه جاء محملاً بالكثير من القيود على حقوق العمال فى تكوين نقاباتهم وعلى الحريات النقابية ، حيث منع عمال الزراعة وموظفى الحكومة وغيرهم من الانضمام للنقابات ، كما حرم النقابات من التوحد ومن حقها فى تشكيل اتحاد عام للعمال ، بل وحظر على النقابات مزاولة نشاطها قبل التسجيل الإدارى وأجاز للحكومة عدم قبول التسجيل ، بل وأعطاها حق حل النقابات .
ورغم ذلك نجحت الحركة العمالية - المرتبطة بالفكر الاشتراكى - من إعلان منبرها السياسى المستقل تحت اسم ” لجنة العمال للتحرير القومى ” ( الهيئة السياسية للطبقة العاملة ) والتى أعلنت بيانها السياسى وبرنامجها فى 18 أكتوبر 1945.
كما نجحت فى إعادة حلمها القديم بوحدة الحركة النقابية فأعلنت عن تكوين ” اللجنة التحضيرية لمؤتمر نقابات عمال القطر المصرى ” والتى توحدت مع ” مؤتمر نقابات عمال الشركات والمؤسسات الأهلية ” وكونتا معاً ” مؤتمر نقابات عمال القطر المصرى ” فى 1946 ، ولم يوقف تلك الرحلة الثرية الإعتداء الدموى الثانى من الرأسمالية المصرية على يد رئيس الوزراء الشرس “إسماعيل صدقى” ، الذى قام بحملتة الوحشية على الحركة الوطنية المصرية فى 11 يوليو 1946 ، والتى حل فيها كل المنظمات العمالية ، وصادر كل الصحف والمجلات المستقلة ، وأعتقل بعض قادة الحركة العمالية وأودعهم السجون وطارد بقيتهم بالفصل والتشريد والمنع من دخول المصانع .
وسرعان ما عادت الحركة للنمو من جديد وسرعان ما عادت الرأسمالية لقمعها وضربها من جديد فى 1948 ، وتعود الحركة العمالية - من جديد - وتنجح فى تكوين ” اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات العمال ” فى سنة 1951 ،ولتحدد يوم 27 يناير 1952 لعقد المؤتمر التأسيسى للاتحاد الجديد ، ويبدو أن الرأسمالية أو المستعمر حليفها – أوكلاهما - لم يجدوا أمامهم هذه المرة لوقف الحركة العمالية المستقلة والحركة الوطنية المتصاعدة إلا حرق القاهرة كلها ، فكان حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 - وماترتب عليه من فرض حظر التجول وإعلان الأحكام العرفية - هو المحطة الجديدة التى أوقفت مسيرة الحركة العمالية المستقلة الصاعدة .

حركة الجيش ومصادرة المجتمع المدنى:
فى الوقت الذى كانت الحركة العمالية تسعى جاهدة للخروج من نكسة حريق القاهرة وإعلان الأحكام العرفية ، أعلن الجيش حركته “المباركة” فى 23 يوليو 1952 ، وقبل مرور شهر من إستيلائه على السلطة - بعد زفافها القصرى له - أعلن عمال شركة مصر للغزل الرفيع بكفر الدوار ( حوالى 10 آلاف عامل ) مساء يوم 12 أغسطس 1952 الاعتصام ، واحتلوا المصنع ، واحتشدوا فى مظاهرات ، وقد حددوا مطالبهم فى زيادة الأجور وإقرار العلاوات ، وصرف بدل مسكن لمن لا يسكنون فى مساكن الشركة ، ومساواة العمال بالموظفين فى الامتيازات ، ومنع الفصل التعسفى ، وإجراء انتخابات حرة للنقابة مع نقل مقرها خارج الشركة لتكون بعيدة عن سيطرة الإدارة ، وفصل مدير الشركة وسكرتيرها العام ومدير مكتب العمل بها وتطهيرها من أعوان الملك السابق ( حيث كان “حسين سرى” رئيس الوزراء الأسبق ، و”حافظ عفيفى” رئيس الديوان الملكى ، و”الياس اندراوس” مستشار الملك المخلوع ، وغيرهم من رجالات الملك وحاشيته أعضاء فى مجلس إدارة الشركة ) .
ورغم حرص العمال على إظهار تأييدهم لحركة الجيش وزعيمها ” محمد نجيب ” بالهتاف لهم أثناء المظاهرات إلا أن قوات الجيش - التى كانت قد وصلت لمحاصرة المصانع – أطلقت النار على مظاهرات العمال فقتلت من قتلت وأصابت من أصابت ، ودارت ماكينة العسكر الجديدة لمواجهة الحركة العمالية ، فأعلنت عن محاكم عسكرية – هزلية - للعمال أمام أبواب الشركة وحكمت – ونفذت - بإعدام الشهيدين ” مصطفى خميس ومحمد البقرى ” ، حيث أعلن ضباط الجيش الأحكام من شرفة تطل على ملعب كرة القدم الملحق بالشركة أمام 1500 عامل أجلسوا مجبرين على أرض الملعب ليسمعوا الحكم بإعدام “مصطفى خميس” شنقاً بعد التصديق على الحكم من القيادة العامة للثورة فى يوم 18/8/1952 ، وتم تنفيذ أحكام الإعدام فى سجن الحضرة بالإسكندرية يوم 7/9/1952 وشحنت الجثتان تحت حراسة الجنود المسلحين لدفنهما فى كفر الدوار مع وضع حراسة على المقابر وليعتبر المعتبرون .
ولقد كانت هذه المأساة الشديدة والصدام الأكثر دموية بين السلطة والحركة العمالية نقطة فاصلة فى تاريخ الحركة العمالية المصرية ومن أهم ملامحها ما يلى :
(1) حدوث انقسام حاد داخل الحركة العمالية بابتعاد التنظيمات النقابية عن الحركة الكفاحية للعمال منذ هذا التاريخ وحتى الآن، وكانت البداية ماأعلنته ” الهيئة التأسيسية لاتحاد نقابات عمال القطر المصرى ” من استنكارها لحركة عمال كفر الدوار ووصفها لهم بأنهم ” مارقون ومضللون يسيئون للوطن ” . *
(2) تنصل الشيوعيون من الحركة العمالية (حيث أدانت “حدتو” المنظمة الأكبر فى ذلك الوقت موقف عمال كفر الدوار) وأعلنت تأييدها لحركة الجيش ، وهو ما سارت عليه أغلب القوى الوطنية ( الحزب الاشتراكى بالاسكندرية ، الحزب الوطنى ، حزب الوفد ) بعضها عن موقف أصيل فى معاداة الحركة العمالية وبعضها عن خوف أو تردد من سلطة الجيش الجديدة ، إلا أن النتيجة كانت حدوث شرخ – ربما لم يلتئم بعد - بين الحركة العمالية والقوى السياسية المختلفة بمن فيهم الشيوعيين .
(3) حرص السلطة - العسكرية – الجديدة على استرضاء العمال بإقرار عدد من القوانين التى تقر بمطالب عمالية ، وتحقيق بعض المزايا والمكاسب للعمال ، مع الحرص على مصادرة حقهم فى التنظيم المستقل ، وفتح الباب أمام الانضمام لزفات التأييد والاندماج فى هيئات وتنظيمات السلطة الجديدة بالترغيب تاره والترهيب تارات .
(4) إعلان التوحد بين السلطة وأصحاب الأعمال فى مواجهة العمال ، بحيث أصبح كل كفاح عمالى هو سياسى فى مواجهة السلطة السياسية القوية وصاحبة العمل الأكبر فى البلاد خاصة بعد التأميمات الواسعة فى أول ستينيات القرن العشرين.
(5) إنتقال حركة العمال من الكفاح الصدامى بالإضراب والاعتصام والتظاهر إلى الكفاح المطلبى بالشكوى والواسطة والاستجداء ، أو المقاومة السلبية بالتباطؤ فى العمل والتراخى .
(6) الاستفادة من كل خبرات أجهزة الدولة القديمة والسابقة على حركة الجيش بما فيها خبرة الاستعمار الانجليزى فى مطاردة وتصفية ومصادرة الحركة العمالية وقياداتها .
ويمكن القول أن الملامح السابقة لم تتبلور دفعة واحدة وبوضوح بمجرد أحداث كفر الدوار ولكنها ظلت تتراوح بين التأكد والتميع لسنوات انتهت بصدام السلطة الجديدة مع التنظيمات الشيوعية واعتقال قياداتها فى يناير 1959 ، ولتنفرد السلطة االعسكرية بساحة العمل وسط العمال بالكامل خاصة وأنها كانت قد قدمت للعمال عدد من المكتسبات الهامة فى مجال علاقات العمل والخدمات الاجتماعية ، وأكملت مصادرة تنظيماتهم النقابية بتشكيلها الاتحاد العام للعمال فى 30 يناير 1957 تحرجا من تكوين الاتحاد الدولى للعمال العرب ، كما أنها نجحت فى مد وصايتها لساحات العمل الاقتصادى والثقافى والإعلامى والدينى والفنى حتى يمكن القول أنها قد صادرت المجتمع المدنى بكامله ولسنوات طويلة وبمساعدة فاعليات المجتمع المدنى نفسه التى قبلت هذه الوصاية ، سواء رضاءًا أو قصرًا ، حتى جاءت الهزيمة الكبرى فى يونية 1967 (النكسة) فأهتزت أركان الدولة العسكرية القوية ، ويعود العمال مرة أخرى لمسرح العمل السياسى وتعود الحركة العمالية للنهوض من جديد ، ولكن ؟!





#صابر_بركات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العم طه سعد عثمان لن ياتى
- لابد أن يرتفع صوت العمال


المزيد.....




- “موقع الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz“ تجديد منحة البطالة 20 ...
- فيديو: مظاهرات غاضبة في الأرجنتين ضد سياسات الرئيس التقشفية ...
- تِلك هي خطوات تسجيل في منحة البطالة 2024 للحصول على مبلغ 15 ...
- رابط التقديم على منحة البطالة للسيدات المتزوجات في دولة الجز ...
- “صندوق التقاعد الوطني بالجزائر عبـــــر mtess.gov.dz“ موعد ت ...
- الآن من خلال منصة الإمارات uaeplatform.net يمكنك الاستعلام ع ...
- بشكل رسمي.. موعد الزيادة في رواتب المتقاعدين بالجزائر لهذا ا ...
- شوف مرتبك كام.. ما هو مقدار رواتب الحد الأدنى للأجور بالقطاع ...
- احتجاجا على الخريطة .. انسحاب منتخب الجزائر لكرة اليد من موا ...
- “18 مليون دينار سلفة فورية” مصرف الرافدين يُعلن عن خبر هام ل ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - صابر بركات - حركة الطبقة العاملة فى مصر