أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سليم سوزه - آن الآوان لمحاكمة العقل العربي















المزيد.....

آن الآوان لمحاكمة العقل العربي


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:04
المحور: كتابات ساخرة
    


كنت جالسا كعادتي اتصفح وبشغف مواقع الانترنيت انيسي الوحيد في هذا الزمن الاغبر وبمعدة ثقيلة اثقلها شرّ الهموم قبل ان تنتفخ بوجبة عشاء اعدتها الوالدة الحنونة صدمت من هول ما رأيت ودهشت فاغرا فمي حينما وقعت عيني على مقال نشر في احدى هذه المواقع لكاتب ( او هكذا يسمّي نفسه ) يمتدح فيها ملكا عربيا يرأس دولة عربية ويدعو الله ان يأخذ من عمر شعبه ليعطيها له بعد ان يصفه بقاطورات من الاوصاف اللامنتهية ، ففجأة وبدون ارهاق تذكّرت ما كان يقال حينها عن بطل هزائم القادسية وزعيم فلتة ام المعارك صدام الذي اذا قال شيئا فقد قال العراق برمته .
لم تكن تلك الاسطر بالحقيقة مقال بمعنى المقال بل كانت مراحيض نتنة تغوّط فيها صاحبها الذي كان يعاني على ما يبدو اسهالا فكريا شديدا قسى على شرجه حين خروجه دون ان يعي بان ما يكتبه او عذرا ما يخرجه هو ثمرة العقلية التاريخية المريضة والمتناقضة مع نفسها التي آن الآوان لمحاكمتها وتعريتها على الملأ ، هذه العقلية التي تربت على تمجيد الظالم حبا وتملقا لدنانيره وضيعاته فأورثت بذلك تركتها البائسة لخلفها المعتوه كأمثال هذا الكويتب الداهية .
كيف لا ونحن احفاد ذلك الاعرابي الذي اغرورقت عيناه من فرط ما اسرف من الدموع على قبر حجر بن عدي بن حاتم الطائي رحمه الله وقد مرّ بجانبه عابر سبيل استوقفه هذا المنظر فقال لهذا الاعرابي "ما الذي يبكيك هكذا ؟ ومن هو صاحب القبر ؟" فأجابه الاعرابي "ابكي على قبر سيدي ومولاي حجر بن عدي رضوان الله عليه" فرد الرجل قائلا "وكيف مات حجر هذا" قال " لم يمت بل قتله سيدي ومولاي معاوية بن ابي سفيان رضوان الله عليه" فأردف عابر السبيل قائلا "ولماذا قتله سيدك معاوية" قال "لانه ابى ان يشتم سيدي ومولاي علي بن ابي طالب رضوان الله عليه" حينها اجهش عابر السبيل هذا بالبكاء فأستغرب الاعرابي من ذلك ليسأله عن سبب بكاءه فاجاب " ابكي على قبر سيدي ومولاي عقلك رضوان الله عليه" فتركه وانصرف لحال سبيله ، ترى اليس الاجدر بنا محاكمة عقلية ذلك الاعرابي الذي هو انموذجا لتاريخ ملتوي ومثير للسخرية ؟ ثم اليس الاجدر بنا فحص وتدقيق خلايا عقل ذلك المهبول الذي يقسّم رحمة الله ورضوانه على امام وضحية وقاتل بالتساوي ؟ وكيف لنا ان نستغرب بعد مما يكتب او يقال في هذا الزمان اللقيط !!
يروى ان الامام الشافعي رحمه الله كان يوما يعاني من مرض شديد لا يستطيع معه الا ان يمد رجليه وقد دخل عليه رجلا ليسأله متى يفطر الصائم فأجابه الامام وقد ثنى رجليه مكرها احتراما للرجل بانه يفطر حين غروب الشمس ، فرد الرجل قائلا "واذا لم تغرب الشمس اطلاقا" حينها مدّ الشافعي رجليه على طولهما وقال ارحتني اراحك الله بعد ان علم سذاجة هذا الرجل وتفاهة سؤاله، وهذا نموذج آخر يستحق التدريس حقا في اكاديمية الابداع العربي التي نحتاج فيها الى آلاف من امثال الشافعي ليمدّوا الآلاف من الارجل حتى تكون شعارنا الوحيد في التمرّد على هذا الواقع البائس .
ما استدعاني لكتابة هذا المقال ليس فقط خرابيش هذا الكاتب الذي مدح طرطوره الملك بل حالة شبه عامة اصابت الكثير من الكتاب والادباء ورثوها من تركة اجدادهم في التملق والانبطاح للظالمين من الحكام والامراء وولاة السوء الذين تسللوا في غفلة من التاريخ وتسلّطوا على رقاب المسلمين ليسومونهم سوء العذاب ويرجعوهم الى عصور ما قبل التخلف ، فهم ما انفكوا يداهنون الطغاة والجلادين على حساب الابرياء ويمدحوهم ليل نهار كسبا لربح غير شريف فكانوا بحق يكتبون ليعيشوا وليس العكس ، لذا تجدهم وقد انزلقت اقلامهم في مدح وتلميع الكثير من عورات التأريخ وسوءاته وناصبوا جهدهم في التعتيم على الصور المشرفة التي يختزنها تاريخنا العريق.
ليست المشكلة في التاريخ نفسه بل المشكلة في طريقة عرض هذا التاريخ وكيفية الاستفادة منه فالتاريخ تاريخ بسلبياته وايجابياته ومتناقضاته ولكل امة تاريخها الخاص التي من حقها ان تعتز به وتفتخر لكن المعاناة الحقيقية هي عندما يسطّح هذا التاريخ ويجيّر في خدمة اناس كان لهم دور كبير في تدمير قيم الامة ومبادئها على حساب اناس آخرين استحقوا ان يكونوا رموزا للانسانية وامتلكوا عرش الريادة في ما قدّموه للعالم برمته .
لقد استحق ان يكون الحسين عليه السلام مثالا صادقا ورمزا خالدا للانسانية المقهورة والمظلومة ذلك بسبب ثورته وتمرّده على السلطة الفاسدة التي كان يمثلها يزيد بن معاوية آنذاك ، فليست اسهل من كلمة نعم تقال في حضرة يزيد في تلك الفترة لتنتهي كل المشكلة ويحتفظ الامام الحسين بحياته لكنه ابى ورفض ان يعطيهم بيده اعطاء الذليل واصرّ على مواصلة الدرب لفضح سلطة الانحراف والفساد . نموذج آخر من نماذج الشرف والبطولة يجسدها لنا ببراعة الامام ابو حنيفة رحمه الله من خلال مواقفه وفتاويه ضد اضطهاد الدولة الاموية خصوصا في المواقف الصعبة التي تحتاج فعلا الى شجاعة كبيرة للبت فيها ، ومن باب التذكير فقد افتى بصورة جريئة بدعم ثورة زيد بن علي بن الحسين رحمه الله ضد السلطة الاموية حيث قال "خروج زيد يضاهي خروج النبي يوم بدر" ، واستمرت مواقفه هذه حتى في حقبة الدولة العباسية التي تلت الحقبة الاموية الى ان انتهى به مسموما في احدى زنزانات ابو جعفر المنصور الدوانيقي ليتم التخلص من شخصية لطالما ارّقت الجلاوزة وعارضتهم بلسان الحق الا وهو القرآن الكريم .
لا يمكن لنا ان نستعرض عدد هؤلاء العظام الذين اسهموا في وضع بصماتهم المضيئة على صفحات تاريخنا المجيد ولا يمكن ان نلم بكل ما تركوه في هذه الاسطر المتواضعة ، فهناك ما تعجز عن تغطيته الكتب والبحوث غير اننا وللاسف الشديد لم نعر لهم تلك الاهمية بقدر ما كتبنا عن بعض شواذ التاريخ الذين ربما اسّسوا دولا مترامية بيد انهم استعبدوا الناس بأسم الكلمة المعنعنة التي خطّت في الجلود الصفراء .
لذا اخشى ما اخشاه ان يأتي يوما يقرأ فيه حفيدي بطولات امير المقاومة الباسلة الزرقاوي وصولاته في وقعة النهضة وسوق هرج وشارع المطبّك ويصدّق كل ما يقال عن ذود ثلة القاعدة في الدفاع عن شرف الفلوجيات والبغداديات ليعانقوا في الآخرة جسد الحوريات ويكبحوا اخيرا جماح ثورتهم الجنسية التي عانت كبتا لم تستطع احاديث الثقلين تفريغها فانفجرت مع احزمتهم الناسفة في اروع صورة من صور الجهاد الغريزي ، نعم فقد كانت الحورية محورا لعملياتهم الغريزية عفوا الجهادية فضلا عن مائدة طعام مستديرة في حضرة من اوهمهم شيطانهم بانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحاشا له ان يجلس مع هؤلاء الحفاة العراة المردة رعاة الشاة.
اخشى كذلك ان يأتي يوما ايضا تمجّد فيه حفيدتي بطلة الفراش صابرين الجنابي وتعتبرها عنوانا لثورة المحصّنات ونبراسا ضد السلطة الذكورية عبر التاريخ ، يوم يتكلم فيه الناس باجمعهم عن اسطورة الاعلام العربي والعالمي ضياء الكواز وامانته العلمية والاخلاقية في نقل الاخبار والاحداث كما هي دونما رتوش او اضافة لا سمح الله ، حينها فقط سوف ندرك عظيم ما فعلناه وهو اننا لم نتجرأ على محاكمة عقولنا ونفضح ما كان يجب فضحه واستسلمنا لسذاجة التاريخ بكل تفاهاته .





#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعلام بين استقلالية الخطاب وانتمائية الممارسة
- ثقافة العنف ... عنف الثقافة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سليم سوزه - آن الآوان لمحاكمة العقل العربي