أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف ابو عيشه - امتحان في غرفة التحقيق















المزيد.....


امتحان في غرفة التحقيق


نايف ابو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2113 - 2007 / 11 / 28 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


سالها المحقق بالعربية التي لا يتقن لفظ الكثير من حروفها وهو يلوح بمجموعة اوراق مكتوبة بخط اليد امام وجهها , وهو يكاد يسحقها بنظراته العدائية الغاضبة . - كيف وصل التكرير التنزيمي لشنطتك يا حلوة . ها اخكي لي ؟! . ردت بنبرة قوية دون ان تبعد ناظريها عن وجهه الاشقر المنمش. – قلت لك ما بعرف عن هاي الاوراق شيء , ولا كيف وصلت شنطتي . سال بنفاذ صبر , بعد ان صفعها على وجهها وشد شعرها محاولا انتزاعه من راسها , وهو يشير لحقيبة يدها الملقاة امامه على الطاولة .- هاي شنطتك والا لأ ؟! صرخت بوجهه : - ايوه هاي شنطتي , لكن ما بعرف كيف وصلتها الاوراق . صاح وهو يفلت قبضته القوية الممسكة بشعرها . – خذيني على كد عكلي . وما تعملي نفسك فسيحة كتير. شنطتك معك . كيف وصلها التكرير التنزيمي ؟! . ردت على الفور وهي تحاول التملص من قبضته .- قبل تمشي السيارة من الكراج , نزلت على الحمام وتركت الشنطة فيها . ويمكن واحد من الركاب دسها في الشنطة . ضحك بسخرية , وصاح كالمجنون وهو يجلس على طرف الطاولة قبالتها . – اسمعي يا شغموطة . ما تفكري خالك فسيحة كتير , او تفكريني مخقق غبي وتضحكي علينا . هاي الافلام ما تمشي عندي . مفهوم ؟
صرخت بوجهه : - ما تغلط احسن لك . انا حكيت لك اللي عندي . وانت حر تصدق او لأ !
سال وهو يتفحص ملامحها القاسية : - كيف واخدة متلك , معلمة وزكية وقوية هيك , تترك شنطتها بالسيارة وفيها فلوس ؟! . ردت بنبرة واثقة : - لانه ما حدا يجرؤ يسرق الفلوس امام الركاب . هز راسه وزم شفتيه, وجحظت عيناه متصنعا الدهشة , وسال باستهزاء :- ما حدا يسرق الفلوس , لكن يقدر يحط التكرير التنزيمي فيها ؟ ردت على الفور دون ان تريم ناظريها عن عينيه المسلطتان عليها بقوة : - طبعا يقدر . لان الجنود ع الحاجز عادة ما بفتشوا البنات , و .... ! صفعها ثانية , وبصق على وجهها وهو يصيح :
- كلكم هيك . يشتغل الواخد منكم بالتنزيمات .بروخ وبيجي . واجتماعات تنزيم وتخريض . ونقل منشورات , ويرمي ع الجيش باكبوكيم , واذا مسكناه يخاف ويكول ما عملت اشي.
ردت بنبرة واثقة , وهي تمسح خيط الدم عن فمها : - انا ما لي علاقة بتنظيم ولا اجتماعات ولا منشورات ولا كل هاي القصص . فاهم والا لأ ؟! صاح بسخرية :- اوووه هووو , حاسفي خليلا , انتي بريئة , مسكينة مالك علاقة بالقصص, لكن الك علاقة بالبسس , نو نو . يعني ما كان عندك اكامة جبرية , وما كنتي بالسجن قبل هاي المرة من خمس سنين , وما تمشي بالمزاهرات , ولا تلقي خطابات بالنسوان , وما طلعتي عند الكيادة بالشام . مسكينة انتي كل هادا واحدة غيرك تسويه وانتي مالك علاقة فيه ؟! . ردت على الفور : - انا كنت بالسجن وتحت الاقامة الجبرية , ومشيت بالمظاهرات , لكن هاي الاوراق ما لي علاقة بيها لا من قريب ولا من بعيد , وهاي اللي عندي .سال متخابثا وهو يشعل سيجارة وينفث دخانها تجاهها : - طيب ليش رايحة ع رام الله في يوم الاضراب ؟
ردت متسائلة بنبرة استغراب :- بدي اروح ع رام الله , وع اريحا وع القدس وكل المدن الفلسطينية , بتقدر تمنعني ؟ رد بسخرية :- طبعا ما بكدر امنعك . لكن سالتك . ليش رايحة ع رام الله , وكمان يوم اضراب شامل ؟ ردت بهدوء : - رايحه اشم الهوا . اتريحت؟!
ضحك بسخرية واطفأ سيجارته بالمنفضة وقفز عن حافة الطاولة الى الارض , وسال :- مع مين تشمي الهوا . عندك صاحب هناك . يعني انتي توكلي الجاج وغيرك يوق بالسياج ؟! ردت وهي ترفع اصبعها لتريه خاتم الخطوبة , - ما عندي صاحب , لاني مخطوبة , وانا لا آكل جاج ولا حبش ! , هتف صائحا بانفعال : - يمكن توكلي حواتمه مش حبش , او ابو عمار ؟! تابع يقول بسخرية :- ابو عمار لحمه كاسي . بدك واحد لحمه طري .ردت غاضبة : انت مش لاقي لك شغلة ولا موضوع تحكي فيه بدك تتمسخر وبس . صاح فجاة بنبرة متسائلة :- طيب بسيدر . اخكي لي. خطيبك البطل كمان معكم بالتنزيم ما هيك ؟! ردت بنبرة حاولت خلالها ان تسيطرعلى اضطرابها وانفعالها لسؤاله المفاجيء – لا,خطيبي موظف حسابات في شركة كبيرة . في شغله وبس وما بعرف عنه اذا كان بتنظيم او لأ . كرر سؤاله بالحاح :- بسيدر . لكنه هو معك بالتنزيم . نخون اور لو ؟ قالت بعصبية : - ما بعرف عبري . احكي معي عربي ! رد وهو يتجه للخزانة القريبة ويتناول منها دوسية فيها بضعة اوراق , والقى بها على الطاولة امامها مباشرة : - يعني صح كلامي, والا لأ ؟ سالته بعناد :- ايش هو اللي صح والا لأ ؟ صاح بعصبية وهو يجلس قبالتها تماما :- خطيبك مثلك بالتنزيم يا شغموطة . صح والا لأ ؟! صاحت به محذرة :- قلت لك ما تغلط وتسب احسن لك . لاني ما بعرف عن خطيبي اذا بالتنظيم او لأ . كل اللي بعرفه انه من شغله للبيت , ومن البيت للشغل . قال بسخرية وهو يتاملها مطولا ويهز راسه كالضبع الذي يراوغ فريسته ويتردد من اين يبدا افتراسها :- يعني خطيبك من الورشة للفرشة. ما هيك ؟! ردت على الفور وهي تتامل الدوسية الملقاة امامها :- بتقدر تقول هيك . من الورشة للفرشة. سالها بسخرية :- وانتي كمان من الورشة للفرشة مثله ؟! ردت بعصبية :- انا معلمة في مدرسة مش بورشة ! صاح متخابثا :- بسيدر . انا بعرف انك معلمة في المدرسة لكن انا اسالك , انتي تروحي معه وقت اللي بينام ع الفرشة ؟! صاحت بنبرة حادة :- عيب عليك هذا الحكي . تفكر البنت عندنا مثل بناتكم , تنام مع صاحبها وتعمل ايش بدها , بدون زواج ولا خطوبة ؟! ضحك بسخرية , وصاح فجاة :- ما تقولي عن حالك مريم البتولاه , انتي مسافرة لرام الله مش بدك تصلي , عشان تشمي الهوا . مزبوط , وكمان كتير بنات وشباب عندكم يعملوا اكثر من اسرائيل وامريكا حتى ...! سالته بنبرة حادة وهي ترمقه بنظراتها الغاضبة:- سواء رايحة اشم الهوا او اصلي ,هذا ما بعنيك ؟! رد وهو يرفع يديه في الهواء ويتاملها عن قرب :- تعرفي انتي تستاهلي واحد احسن من خطيبك هذا . ردت باقتضاب : - انت ايش بدك بالضبط , وليش كل شوي تسالني عن خطيبي ؟! رد بنبرة هادئة :- بدي منك إشي واحد بس , تخكي لي القصة من تكتك للسلام عليكم . وبعدين تروحي على البيت, عشان انتي عندك المدرسة , وخطيبك ينشغل باله كتير على خطيبته الحلوة, واهلك يحسبوا انتي مش مزبوطة وقت تغيبي كتير عن البيت بدون ما تحكي لهم انتي وين .بالاخر واحد من اهلك يطخك وتموتي , والناس يحكوا عنك بنت مش مزبوطة !. هدأ الانفعال في نفسها وان كانت المخاوف قد بدات تسيطر عليها لما قد تحويه الدوسية التي اخرجها من الخزانة والقى بها امامها على الطاولة وعبثا حاولت تخمين اسوأ المفاجئات في اللحظات التالية دون ان تحزر ما يخفيه المحقق وراء مراوغته التي لا تتوقف من اللحظة الاولى لاعتقالها . قالت بهدوء دون ان تبعد ناظريها عنه :- أولا ما عندي قصة احكي لك اياها . وثانيا مشكلة غيابي عن البيت احلها مع اهلي , وخليهم يفكروا عني كيف بدهم انت ما خصك بالموضوع . وثالثا وهو الاهم انت بتضيع وقتك ع الفاضي لاني ...... ! صاح مقاطعا وهو يضرب الطاولة بقبضته لاخافتها :- انتي واحدة قحبة , وما بدك التفاهم مع المخابرات . انتي بدك الحرب والدرب والتسادم معنا. اذا كان الزلمة بشنب طول بعرض ويعترف من اول ساعة بتفكري حالك تكدري تسمدي كتير مثل زلام ؟!ردت بنبرة حادة :- هاي امك القحبة مش انا , وانا لا بدي حرب ولا تصادم مع المخابرات , لانه ما عندي شي وما بعرف شي . نقطة ع السطر.سالها فجاة :- انتي معلمة العربي ؟ ردت باقتضاب :- لا , انا معلمة اجتماعيات ودين !هز راسه وسال بسخرية :- معلمة دين وما تلبس منديل وجلباب , وتطلع هيك بشعر وقميص وبنطلون ؟! ردت على الفور :- في حصة الدين داخل الصف البس منديل وجلباب . وبعدين انا حرة كيف البس . انت ايش دخلك بالموضوع ؟! سال متخابثا :- لكن جماعة خماس ما يقبلوا هالشيء منك ,معلمة دين لازم تلبسي حجاب وجلباب , مش تلبسي مثل عارضة ازياء. ردت بنبرة حادة :- وانت ايش بعنيك , سواء لبست جلباب او بنطلون وقميص ؟! سال ثانية :- وخطيبك ما قال لك لازم تلبسي جلباب ؟! . ردت بعصبية :- هذا إشي شخصي ما بسمح لخطيبي أ و غيره يتدخل بيه , كمان إنت ما بعنيك هالشيء . سألها فجأة :- بتحبي خطيبك كتير ؟! صمتت ورمقته بنظرة غاضبة , وعندما لم ترد سال ثانية :- تحبي أتصل ع الشركة واطلب من خطيبك يجي هون عند المخابرات عشان تشوفيه ؟! ردت متضايقة :- إترك خطيبي بحاله , أنا بشوفه وقت اللي بدي ! سأل بنبرة خافتة وهو يقترب منها :- وآخر مرة شفتي خطيبك وكلمتيه وزارك بالبيت أيمتى ؟ ردت وهي تشعر باضطراب مفاجيء لتركيزه الاسئلة عن خطيبها :- مش متذكرة ايمتى ...! صرخ بوجهها وهو يضرب قبضته على الطاولة بكل قوته :- بدك تخكي لي في واخدة مخطوبة , وتخب خطيبها , ومعلمة بالمدرسة وشخصيتها كوية وزكية كمان , مش متزكرة متى تشوف خطيبها . انتي هبلة وإلا تستهبلي علينا ؟! سالته بانفعال :- طيب انت مالك وماله . انا اشوفه وقت بدي ,كل يوم وكل ساعة بالليل أو النهار . إنت ايش إللي خصك بالموضوع ؟! صرخ ثانية وهو يصفعها :- إحكي لي أيمتى شفتيه آخر مرة يا بنت الشغموطة ؟ ردت وهي تزيح خصلة الشعر عن عينيها , وقد احست انه يحاول حشرها في مصيدة خطيرة :- أول شيء ما تغلط على أمي احسن لك , لأني بعد هيك مش راح ارد عن أي سؤال اذا بتغلط .فاهم وإلا لا ؟ صرخ من جديد : - إحكي لي متى شفتيه آخر مرة ؟! ردت باقتضاب :- من اسبوع تقريبا . زم شفتيه متعجبا , وسالها فجاة :- لكن انا بعرف انكم التقيتوا من يومين, صحيح ؟ ردت بعصبية :- معلوماتك غلط , لاني من اسبوع ما شفته ولا التقيت معه ولا سمعت صوته . سال متخابثا وهو يبتسم :- يعني ما كتبتوا التكرير التنزيمي سوا بالاجتماع وكان معكم باقي لجنة المنطاقة عشان ترفعيه لقيادةالتنزيم برام الله ؟ صرخت بعصبية: - من وين بتجيب هالحكي الفاضي . قلت لك ما بعرف عن الاوراق ولاشيء , وايش هاي لجنة منطاكة كمان ؟! صفعها وهو يصيح امام وجهها : - وكمان هاي ما بتعرفيها ؟! ردت دون ان تبعد عينيها عن وجهه القريب منها: - لا ما بعرفها ولا بعرف عن ايش تحكي .سال بنفاذ صبر وهو يمسك الدوسية بيده ويتفحص الاوراق فيها :- واذا قلت لك ان خطيبك واحد منها واعترف عنك وعن باقي المجموعة , تتفاهمي معنا وتخكي القصة ؟! . اهتز كيانهامن الخوف والمفاجأة , وخمنت ان هذه احدى اساليب الخداع ليوقعوا بها كي تعترف . ولكن هل يعقل انه معتقل واعترف بهذه السرعة على الجميع ؟ افاقت من ذهولها وافكارها ومخاوفها على صوت المحقق يسالها ثانية بصراخ حاد وهو يهزها من كتفها بعنف : - تخكي القصة والا اجيبهم وتسمعي منهم ؟! ردت باصرار وهي تتفرس بملامحه العدوانية :- ان كان عندك صحيح . هات واجهني بيه لاشوف اذا هالحكي صحيح او لأ ! قال وهو يضحك بسخرية : - بس ما تزعلي من خطيبك , لانه اعترف عليكم بسرعة . بسيدر .على كل حال هو تريح وخلص تحقيق وهسه بنام ويوكل ويدخن سيجارة ومبسوط ؟! . حين خرج المحقق .فكرت بسرعة "ان كان الامر صحيحا كما يقول معنى ذلك انها في مازق كبير . عشرات الاسئلة تواردت واختلطت براسها وكادت تفقد صوابها لهذه المفاجأة التي لم تتوقعها. كيف ومتى اعتقل . وهل اعتقلوا غيره . ولماذا لم يصمد. وكيف اعترف بهذه السرعة . معقول الا يصمد اسبوع على الاقل ؟!." عندما انفتح الباب فجاة, دخل خطيبها برفقة المحقق والاخير ممسكا باحدى ذراعه المشنوقين وراء ظهره بكلبشات الفولاذ الفضية ويدفعه بعنف امامه, وهو يرتدي سرواله الداخلي فقط ويرتجف من البرد , منكسا راسه الى الارض وقد تغيرت ملامحه , وبدا منهارا ذليلا ضعيفا لا يجرؤ على النظر اليها كانما كبر عشر سنوات دفعة واحدة . ساله المحقق وهو يبتسم لها متخابثا :- أيش مالك ساكت يا بطل . ما بدك تخكي مع خطيبتك وتسلم عليها , وإلا خجلان منها ؟! لم يرد عليه واكتفى بالصمت الذليل وهو يسترق النظر تجاه المحقق .صعقها منظره على هذه الحال .اشفقت عليه في قرارة نفسها , على الرغم انها لم تتصور يوما ان ترى الانسان الذي ربطت مصيرها بمصيره وحياتها بحياته, ووافقت على خطبته,والزواج منه بلا مهر ولا ذهب ولا حفلة بسبب ظروف الانتفاضة,مكتفية بالخاتم الصغير الذي يزين اصبعها منذ شهور , بان ياتي اليوم ويقف امامها ضعيفا مسلوب الارادة منهارا لا يجرؤ على النظر اليها بوجود المحقق . شدت على نواجذها بقوة , وتفرسته بنظرة غاضبه لا تخلو من الدهشة والحقد , ونظرت تجاه المحقق كلبؤة متحفزة , لا يخيفها شيء مما حولها . فصاحت بخطيبها غاضبة :- إحكي . ليش ساكت . المحقق عم بقول صار له يومين انك اعترفت له عن كتابة تقرير للتنظيم وانا المسؤولة عن توصيله لقيادة التنظيم , مع اني ما شفتك من اسبوع . وما بعرف شيء عن التقرير ولا عن التنظيم ولا اتدخل بهيك امور , كيف تكذب علي وتورطني بهذا الموضوع . قل لي ؟ شعر خطيبها كانما يدفن في حفرة عميقة بجوف الصحراء , ولم يعرف بماذا يرد عليها , وبدا مسلوب العقل والارادة صامتا مرعوبا, فسالته ثانية بنبرة غاضبة : مالك . ما تحكي الصحيح للمحقق . انا من اسبوع شفتك أواتصلت عليك رغم ان حضرتك بتفكر تفسخ الخطوبة .... ؟!صاح به المحقق :- هي مسؤولة عنك او لا , هي اللي توصل التكرير لكيادة التنزيم او لا , هي تقود لجنة المنطاكة او لا ؟!
ابتسم المحقق مزهوا بانتصاره , وهو يراه على وقفته وصمته الذليل, منكسا راسه للارض , ومشاعر الندم تعتصر ه , ويشد على نواجذه من الالم النفسي الذي يفوق بمرات الالم في ساعديه بسبب الكلبشات المشدودة عليهما بقوة, وجسده المرتعش من البرد , وعيناه الملاى بالدمع. قال المحقق وهو يتجه نحو الباب :- على كل حال , هو تفاهم معنا واعترف بالقصة من طقطق لسلام عليكم وكمان المجموعة كلهم اعترفوا . تابع يقول وهو يستعد للخروج من الغرفة :- راح اخليكم وحدكم بالغرفة شوية وحدكم , يمكن خطيبك يقدر يقنعك بالتفاهم معنا بدل الحرب والتسادم مع المخابرات وترجعوا البيت سوا , لكن ما تعملوا مشاكل . تفهموا قصدي . بسيدر ؟!
عندما غادر المحقق الغرفة , لم يعرف أي منهما ان جهاز التسجيل المثبت باسفل الطاولة كان يعمل ويسجل كل همسه او حركة او صوت مهما كان خافتا . اشفقت عليه والتزمت الصمت والتحديق بالجدار الخشن المبتل من الرطوبة, وفكرت للحظات وهي تحدث نفسها " المسالة خطيرة وجدية الآن اكثر مما تتوقعين وليست مجرد مسك بضعة اوراق في الحقيبة خلال تفتيش عند حاجز طيار, وانتي في موقف لا تحسدين عليه . بل امام معركة حاسمة وعدو لئيم مراوغ كالضبع تماما , ويمتلك كل عناصر التفوق من القوة والوقت والادلة المادية والامكانيات وكل الاسلحة والظروف لصالحه بينما انت لا تملكين غير سلاح الارادة والوعي والايمان المطلق بقضية شعبك وعدالتها والاستعداد بالتضحية حتى الموت في سبيل انتصارها .فاما الصمود والعودة الى البيت منتصرة, او الاعتراف والبقاء في السجن ربما لسنوات" . تنهدت من اعماقها ونظرت اليه معاتبة ولكنه بقي منكسا راسه ذاهلا عن نفسه , فصرخت به وهي تقف قبالته وتشده من شعره وتحدق به غاضبة : - ليش خايف . ما تحكي للمحقق كل اللي بتعرفه . احكي له انك من اسبوع ما شفتني . وهاي انا بقول لك اياها لآخر مرة اذا بدك تفسخ الخطوبة الله معك ,انا مش مجبرتك على الزواج . لكن ما تكذب علي وتورطني بقصة انا مالي علاقة بيها . بقي على صمته , وكاد ان يركع امامها على الارض معتذرا عما حصل رغما عنه ويطلب منها ان تسامحه لانه لم يصمد في التحقيق لانه لم يعرف اساليبهم , ولم يخطر بباله ان يعتقلوها ويواجهوه بها , وحتى لم يجرؤ على النظر اليها او الرد على تساؤلها الذي لمحت خلاله لفكرة يمكنه التراجع منها لكنه ظل على صمته وانهياره وتخاذله. فكرت ان تصفعه على وجهه من القهر ولكنها اشفقت عليه وهزته من ذراعه وحدقت بوجهه بقوة محاولة ان تعطيه جرعة من معنوياتها ليتراجع عن اعترافه الا انه بدا محطما من داخله واكتشفت كم هو جبان لا يستحق ان تربط مصير حياتها به,وبدون تردد نزعت الخاتم من اصبعها ووضعته بكفه خلف ظهره وبصقت على الارض عند قدميه ومسحتها بحركة عنيفه من حذائها وجلست مكانها وهي تحدق به من بعيد وبدا امامها شخص مختلف . اقتحم المحقق الغرفة بصراخ وشتائم وعبارات متكررة من التهديد . سحبه من ذراعه الى غرفة اخرى, وادخلها الى الزنزانة المعتمة المملوءة بالمياه القذرة والاوساخ ورائحتها النتنة تزكم الانف ,وهو يصرخ امامها بعصبية :- فوتي جوه يا شغموطة. انتي بدك الحرب والضرب والتسادم مع المخابرات . راح اعتقل كل اهلك واخرب بيتك , وترجعي للبيت مرة مش بنت . ردت باصرار وثقة بنفسها اكبر وهي تقف بزاوية الزنزانة :- اعلى ما بخيلك اركبه . بتقدر تجيب اهلي وتحبسهم وتقدر تقتلني كمان , لكن ما بتقدر تجبرني اعترف بشيء ,لا عملته ولا الي بيه أي علاقة . صفق باب الزنزانة بكل قوته وغادر المكان يواصل تهديداته , وساد الصمت الثقيل والظلام الدامس في جوف الزنزانة الباردة كالثلاجة , ورائحة القذارة والاوساخ فيها تثير الغثيان بالنفس . وبدات تفكر بالساعات والايام القادمة كم ستكون قاسية وصعبة وتحتاج خلالها الى شحنات معنوية عالية لتحافظ على ثباتها وصمودها امام المحقق المراوغ , والذي لن يتورع عن استخدام أي وسيلة واسلوب وخداع حتى يوقع بها ويجبرها ان تعترف . ابتسمت في قرارة نفسها واستندت بظهرها للجدار الخشن , وتسللت برودته الى جسدها رغم انها ترتدي معطفا طويلا فوق ملابسها , واغمضت عينيها محاولة ان تغفو للحظات وتريح عينيها المتعبتين من قلة النوم , وتنفست الصعداء واحست بالارتياح في قرارة نفسها لانها انتصرت على خوفها من المفاجاة التي كادت تصعقها في الجولة الاولى من التحقيق ولن يهمها اية مفاجئات بعد اللحظةمهما كانت .عندما رجع المحقق لمكتبه بسرعة وادار آلة التسجيل ,لم يسمع بالشريط سوى تلك العبارة التي قالتها على مسامعه عندما احضر لها خطيبها , وصوت حذاءها يمسح البصقة عن الارض . جن جنونه ورجع اليها مسرعا , ضرب باب الزنزانة بحذائه , وفتحه بحركة عنيفة . انتفض جسدها , وتيقظت حواسها , وشعرت بصداع لقلة النوم واقتادها الى مكتب واسع ,فيه محقق آخر اكبر سنا من زميله , وفي الزاوية وقف اثنان من اعضاء الهيئة التنظيمية التي تقودها مذعوران عاريان من الثياب وجسديهما مبللان بالماء البارد وهما يرتجفان بشدة , بينما تحفزت حواسها , وارتسمت ملامح قاسية على وجهها , وفي نفسها تهيات لجولة اخرى في معركة غير متكافئة , كثيرة الاحتمالات والنتائج , ولكنها خمنت ان الجولات القادمة ستكون اكثر عنفا وقسوة . رمقها المحقق وابتسم بسخرية وهز راسه متخابثا وهو يتامل اثر المفاجاة على وجهها الذي لم يظهر عليه أي انفعال او تغيير , وظلت تحدق نحوه بنظرة ثابتة كأن الامر لا يعنيها !



#نايف_ابو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقود سيارتنا ؟!
- من يوميات معلم مشاغب !
- ابو المقالب (1) !
- -في الادب والسياسة- مفاتيح الرجال !
- حوار ديمقراطي مع نملة !
- بلعين تهزم جدار الفصل !
- -فويل للمصلين- من بطش الحاقدين !
- جرحنا النازف في غزة
- عن الفلتان الغذائي !!!
- -حماس- : اجتهدت كثيرا وسقطت بجدارة في الامتحان !
- مشهد من فصول الانقلاب في غزة الحكم قبل المداولة !!!
- عن أي حوار يتحدثون ؟؟؟


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف ابو عيشه - امتحان في غرفة التحقيق