أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة















المزيد.....

في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2111 - 2007 / 11 / 26 - 11:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


هناك استثناء عربي من الديمقراطية، يقول عزمي بشارة في كتاب له صدر مؤخرا، استثناء عربي وليس إسلاميا، أساسه وجود "مسألة عربية" غير محلولة (في المسألة العربي، مقدمة لبيان ديمقراطي عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 2007.). ويعتقد المثقف والسياسي الفلسطيني الذائع الصيت أن "القضية العربية لم تحل كقضية قومية. ولا يمكن بناء نظام سياسي مستقر وديمقراطية بقضية قومية غير محلولة، فلدينا ليس فقط قضية قومية عربية غير محلولة، بمعنى أنها أكبر أمة في عالمنا لم تحظ بحق تقرير المصير، بل لم تحل فيها مسألة شرعية الدولة العربية القائمة". وفي مكان آخر من كتابه يقرر بشارة: "وما زالت القومية العربية أكبر قومية معاصرة مرشحة لأن تتحول إلى أمة/ دولة محرومة من حقها في تقرير المصير".
لكن ماذا يعني حل المسألة العربية؟ وكيف نفهم "حق تقرير المصير" للقومية أو الأمة العربية المعاصرة؟ بشارة ليس واضحا أبدا في هذه النقطة الأساسية. وفي تلخيص لأطروحات كتابه قدمه في دمشق في أكتوبر الماضي، قال ما يفيد بضرورة حل "المسألة العربية" في الوعي. لعل في ذلك تداركا لغموض فكرة حل المسألة العربية، بيد أنه تدارك غامض هو ذاته. وبينما يحصل أن يقول إن المسألة العربية "لا يمكن أن تحل دون مشروع سياسي وطني وأجندة ديمقراطية وطنية"، فإن أطروحة كتابه الرئيسية تقول العكس. هذا يسوغ نقدا وجهه برهان غليون لبشارة حول "وضع القومية في مواجهة الديمقراطية وفي مرتبة سابقة عليها".
إل ذلك أجرى مؤلف "في المسألة العربية" كلامه على "أجندة ديمقراطية" وطنية في سياق الاعتراض على "اختلاط الإصلاح السياسي بالتدخل الأجنبي والأجندة الاستعمارية، وذلك من دون مشروع سياسي ديمقراطي وطني مقابله". هذا كلام غير منصف في أحسن الأحوال. فطوال عقد الثمانينات، وقبل 11 أيلول طبعا، وقبل غزو العراق، بل وقبل انتهاء الحرب الباردة، دانت الهيمنة لفكرة الديمقراطية في النقاش السياسي والثقافي العربي، وعقدت حولها مؤتمرات وصدرت كتب، بالخصوص من "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت الذي صدر منه كتاب عزمي بشارة. وقبل ذلك وفي سبعينات القرن نفسه انتقدت مجموعات يسارية سورية مهمة "الشيوعية السوفييتية" و"الديمقراطية الشعبية"، وانخرطت في العمل الوطني المعارض على أرضية برنامج ديمقراطي ووطني، ونالها ما لا يعقل أن بشارة يجهله.
لتعزيز أطروحته المركزية بنقض نقيضها، يقول بشارة: "ولو نجحت الدولة القطرية في تشكيل أمة مدنية على أساس الانخراط في مواطنة حقوقية هي الضمان ضد الاستبداد وليس العشيرة أو الطائفة، لكان وقع ربما فصل محمود، مهما بدا لبعض القوميين غريبا، بين قومية عربية ثقافية ينتمي إليها غالبية المواطنين في الدول العربية من جهة، وأمة سياسية قائمة على المواطنة في الدولة القطرية من جهة أخرى". ومرة أخرى يقترح تفسير إخفاق تحول الدول العربية إلى "أمم سياسية" بالمسألة العربية غير المحلولة، "فبقيت الاحتمالات قائمة [أي محصورة] بين قومية عربية ثقافية وسياسية في آن معا، وبين انتماءات سياسية عشائرية وطائفية بعضها عابر وبعضها عابر لحدود الدول". ويكرر المعنى ذاته في موقع آخر من الكتاب: "ولم تنجح الوطنيات المحلية بالتحول إلى هوية كهذه [هوية جامعة أو "صمغ قومي لاصق" بتعبيره] بل ساهمت في تكريس البنى والهويات العشائرية والطائفية". وبأسلوب تلميحي متواتر في كتابه الجديد، يضيف المثقف الفلسطيني: "ومؤخرا تحول الخوف حتى من الحرب الخارجية، أو العدوان الخارجي على بلد عربي، إلى خوف من أن تؤدي إلى احتراب داخلي. ولا يمكن الادعاء أن هذه الوقائع تقدم دليلا واحد على نجاح في تثبيت وطنية أو قومية قطرية".
بالفعل. ما من دليل مهما يكن صغيرا على "تثبيت وطنية أو قومية قطرية" في البلد المعني. ويبدو أن بشارة يفترض أنه لمجرد وجود "دولة قطرية".. فإن نخب السلطة فيها ستجتهد من أجل بناء وطنيات أو "أمم مدنية" فيها. بيد أن هذا غير ضروري، ولا سند له من الواقع. إذ لم تبذل أية جهود، لا في هذا البلد ولا في غيره في المشرق، من أجل "تشكيل أمة مدنية". كما لم تبن أية مؤسسات عامة مستقلة، ولم يسمح بوجود أية سلطات أو حصانات اجتماعية مستقلة، أو ببروز أية شخصيات طبيعية أو اعتبارية مستقلة، عدا .. الرئيس. طوى الزمان أعمار كان خلالها ثمة "شخص واحد حر" في البلد المعني، وحيثما استطاع مد نفوذه، بما يصادق على حكم استفزازي لهيغل عن "الشرق". وستستغني "نخب" هذه الدولة السلطانية المحدثة بالولاء للحاكم عن تعهد التماهي الوطني العام، بل إن ضيق القاعدة الرمزية للتماهي (الحاكم هو الرمز الوحيد) يجعله في حكم المستحيل.
وطوال عقود كانت الأولوية العليا لنخب السلطة في الدول المعنية، رافعة راية القومية قبل غيرها، تتمحور حول البقاء في السلطة "إلى الأبد". وتدفع هذه الأولوية تلقائيا إلى اعتبار المجتمع المحكوم مصدر خطر، ومن ثم إلى بناء أجهزة الضرورية لاستباق هذا الخطر. وسيقتضي ذلك تفكيك "الأمة" لا بنائها. فكلما كانت "الأمة" أضعف وأكثر انقساما تيسر حكمها. فكرة "الأمة العربية" هنا قد تلعب، وقد لعبت فعلا، دور حجاب يغطي تفكيك المجتمعات المحلية وإضعاف شخصيتها.
والحال إنه من بالضبط من أجل إضعاف النزعات العشائرية والطائفية، يتعين تقوية شخصية الدول القائمة. وأولا تقويتها ضد السلطة الشخصية لحاكم فرد مطلق. علما أن شخصنة السلطة في الحاكم من جهة، واشتغال الهويات الفرعية، العشائرية والطائفية مكن جهة أخرى، ينتميان إلى العالم السياسي ذاته، عالم الدولة السلطانية المحدثة الذي لا مقام فيه للدولة كسلطة سيادية ممأسسة. (ومن هذا العالم أيضا التحول نحو ما سماه سعد الدين إبراهيم "الجملكية"، ومنه "الفتنة" المرهوبة كشكل أهلي مرجح للتنازع السياسي المكبوت).
والقصد أن نقول إنه كما لا "ديمقراطية من دون ديمقراطيين"، في رأي بشارة الذي ينتقد نظرية كان زكاها غسان سلامة في كتاب مشهور، فإنه لا "أمة مدنية" دون "قوميين" حقيقيين. وليس من هؤلاء من يتحرك بين إيديولوجية قومية عربية لا تُلزِمه بأي شيء حيال مواطنيه وبين انتماءات أهلية دون المرور بالدولة.
ثم، كيف نعزز القومية العربية كي تنتصب في وجه الطائفية والعشائرية؟ بتدريس مقرري "ثقافة قومية اشتراكية" في الجامعات بدل مقرر واحد؟ بمزيد من الخطابة القومية الصادحة؟ لا جواب لدى بشارة أيضا. والحال بينما لا تظهر العروبة في كتاب بشارة إلا كهوية، كـ"صمغ لاصق"، فإن أفضل ما في الحركة القومية العربية، مذ نشأت بين الحربين العالميتين، ليس الإعلاء المشروع من شأن العرب والرابطة العربية، بل إدراج ذلك في نزوع للتحرر والمساواة والعدالة، ارتفعت به عن سياسات الهوية. إن عروبة دون مشروع تحرري ومساواتي ليست عاجزة عن الوقوف في وجه الطوائف والعشائر، بل هي هوية جزئية تتعايش مع هويات جزئية أخرى. ولذلك، أي لأنها أمست معدومة الشخصية تماما، يستطيع اليوم عتاة الطائفيين انتحالها ورفع راياتها عاليا.
ختاما، يمثل كتاب بشارة عودة إلى إشكالية المرحلة القومية في الخمسينات والستينات بعد جيل كامل هيمنت فيه إشكالية الديمقراطية. ورأيي أن الطرح الديمقراطي يعاني أزمة نظرية وسياسية عميقة، وأن الحاجة تلح إلى إعادة بناء تفكيرنا السياسي ككل لا العودة إلى إشكاليات فات أوانها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
- في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
- في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
- صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
- تأمل في شأن الحرية ونقد الدين


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة