أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي















المزيد.....

الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2109 - 2007 / 11 / 24 - 11:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي
"اني امرؤ لايخشى العشق، اني فراشة لا تخشى الاحتراق"

تتضافر دائماً جهود الناس حتى ولو بالدلالات والاشارات والرموز لتتجاوز محنها وتنتصر على قواهرها واضطهاداتها، وكان القهر دائماً كما يعلمنا التاريخ هو قهر السلطة، سلطة الحكم وسلطة الوهم وينتج عن كلاهما كراهيات وانتهاكات لا تطاق واثناءها يعمُّ الالتباس والظلام والهدم وهدر الدم، وتختفي اشارات العقل وايحاءات القلب ويتضاءل الروح الانساني، من ذلك تبدأ التشاجرات احياناً بالتستر واحياناً بالعلن، تارة بصريح العبارة وتارة بغوامض الكلمات. والصوفية (او التصوف) واحدة من الظواهر الانسانية الاكثر صرامة في التاريخ الاسلامي استعملت النور الالهي لمواجهة ظلام الارض وفزع الانسان وعن طريق زهدها بمنافع المعيوش ولذائذه توحدت مع الذات الالهية وبذا عمقت من المعنى الاسلامي الذي احتكره الحكم وتحايل عليه الفقه، من حيث شحنته بالدفء والمشاعر الانسانية وتفتيح الافئدة للجمال. واجمل توصيف للصوفية نجده عند الرومي ( جلال الدين الرومي 1207 – 1273 ) حين سُأل: ما هو التصوف؟ قال: "احساس القلب بالسعادة حين يدنو وقت الحزن" وهاهو الحزن قد دنى وحلَّ الخراب. كان الرومي انذاك صغيراً حين اجتاح المغول بقيادة جنكيز خان المشرق الاسلامي ونتيجة اجتياحهم حولوا حواضر الاسلام الزاهرة في ايران والعراق واسيا الوسطى عموماً الى كتل من اللهب وركام من التراب ولم يكن الحاكم الخوارزمي (علاء الدين محمد) حاكم بلخ ( افغانستان حالياً) اقل بطشاً وطيشاً من اولئك المجتاحين المتوحشين، فقد كان هو وبطانته وجنده اسرى للشهوات والاهواء و " الغدر خلق لا يزايلهم" كما يصفهم المؤرخ الذهبي.
ترك الرومي موطنه الاصلي وهاجر مع والديه الى الاناضول. استقر في قونية التركية ( كانت عاصمة الامبراطورية السلجوقية انذاك) ، تلقى تعليمه الروحي المبكر تحت اشراف والده وبعد ذلك تحت اشراف صديق والده سيد برهان الدين البلخي، حتى ظهر في حياته وهو في عمر السابعة والثلاثين ذلك الجوال الغامض شمس الدين التبريزي الملقب ب" شمس المغرب" فاحدث هزة عنيفة في حياة الرومي انتجت في داخله ولادة روحية جديدة، " لقد كان شمس الدين الحريق وكان جلال الدين من امسك بالنار" ، انشد بعدها للبشرية ارق واجمل اناشيد الحب الرائعة، وبحبه لذاك المعلم الجوال وحده تغنى الرومي بزهاء اربعين الف بيت من الشعر في ديوانه "شمس تبريز" ولما اراد الرومي ان يصف لحظة الانتقال في حياته انشد بالفارسية قائلاً:
وفجأة اشرق في صدري نجم لامع
واختفت في ضوء ذلك النجم كل شموس السماء
كان الرومي مشغولاً ومشدوهاً بالحب الالهي، يدعو الناس جميعاً لان يتلذذوا بهذا العشق دون الالتفات الى مذاهبهم ومعتقداتهم واجناسهم وجغرافيتهم. يقول: "تعال وكلمني ولا يهم من انت ولا الى اي طريقة تنتمي ولا من هو استاذك، تعال نتكلم عن الله" انشد الرومي في هذا الحب:
ولقد شهدت جماله في ذاتي لما صفت وتصقلت مرآتي
وتزينت بجماله وجلاله وكماله ووصاله خلواتي
انواره قد اوقدت مصباحي فتلألأت من ضوئه مشكاتي
صار الحب لفظاً اساسياً في اشعار الرومي وبذلك نقل الصوفية خارج سياج النساك الى قلوب الجماهير وقوض عزلة التصوف لتنطلق في فضاء المجتمعات وبهذا المعنى تتلخص رسالته : "ما كانت السماء لتصفو لو لم تكن في حالة عشق، وما كان النهر ليجري ان لم يكن في حالة عشق، وما كان لشئ ينمو لو لم تكن الجبال والارض في حالة عشق" ويتفق اغلب الباحثين في اعمال الرومي ان منظومة "المثنوي" الصوفية هي افضل اعماله الروحية واكثرها غزارة والتي تبتدأ بقصيدة "انين الناي" الشهيرة :
انصت الى الناي يحكي حكايته
ومن الم الفراق يبث شكايته :
مذ قطعتُ من الغاب، والرجال والنساء لانيني يبكون
اريد صدراً مِزقاً مِزقاً برحه الفراق
لابوح له بألم الاشتياق....
فكل من قطع عن اصله
دائماً يحن الى زمان وصله
وهكذا غدوت مطرباً في المحافل
اشدو للسعداء، وانوح للبائسين
وكلٌ يظن انني له رفيق
ولكن اياً منهم (السعداء والبائسين) لم يدرك حقيقة ما انا فيه!!
انين الناي نار لا هواء....
فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار...
فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً ؟!
ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً ؟!
انه يقص علينا حكايات الطريق التي خضبتها الدماء
ويروي لنا احاديث عشق المجنون
الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،
اذ لا يشتري عذب الحديث غير الاذن الواعية .
(*القصيدة ترجمها زهير سالم عن الفارسية بتصرف)

تفسر المستشرقة الالمانية آنة ماري شيمِّل معنى الناي عند الرومي، وهي خبيرة واسعة في اعماله والفت كتاباً ضخماً حول ذلك عنوانه الشمس الظافرة 1978 فتقول: "ان الناي هنا يتحول الى رمز للنفس المنفصلة عن اصلها الالهي".
ومن المفارقات ان يصبح جلال الدين الرومي اكثر شهرة في السنوات العشرة الاخيرة في بلدان الغرب وخاصة اميريكا حيث بدأت روائعه تنتشر في كل الجامعات الامريكية ويشير ستيف هولغيت المراسل الخاص لنشرة واشنطن (16 اذار 2005 ) بان الابواب الثقافية في الصحف الصادرة في كل المدن الامريكية الكبرى تقريباً قد بدأت بنشر مواعيد واماكن قراءة اشعاره والقاء المحاضرات عنه وعن اعماله، واكبر مقياس على مدى شهرته هو قيام مجموعة من نجوم السينما والمطربين بتسجيل اشعاره منهم نجوم موسيقى بوب مثل مادونا، ويتفق الكثيرون مع الشاعر الالماني هانز ماينكي الذي قال ان شعر الرومي هو "الامل الوحيد في الاوقات المظلمة التي نعيش فيها" ومن رباعيات الرومي التي تتحدث عن الامل هذا النشيد الجميل:
من الذي قال ان الروح الخالدة تموت
ومن يجرؤ على القول
ان شمس الامل تغيب
عدو الشمس فقط
من يقف على راسه
رابطاً كلتا عينيه صارخاً
انظروا، الشمس تموت .

بالتاكيد يعود الفضل في زيادة وعي الاوربيين بالرومي ومعرفتهم به لمترجم اعماله الرئيسي الشاعر الامريكي كولمان باركس الذي نشر كتاباً مهماً بعنوان "الرومي المتميز/ The essential Rumi " في العام 1995 ويعتبر هذا الكتاب الشرارة التي اشعلت اهتمام امريكا بشاعر اللغة الفارسية، يقول المترجم كولمان باركس: " ان الامريكيين لا يروّن اشياء كثيرة في العالم الاسلامي، ومن بين تلك الاشياء جلال الدين الرومي. اننا لا ندرك تماماً ما في اعماله من جمال ".
لقد ترك جلال الدين الرومي تراثاً زاهراً في جانب المعرفة وجانب العرفان، يغمر ارواح الناس بحياة جديدة من الذوبان النهائي في الحقيقة المطلقة وان يعيد الى الحياة ما هو ميت في هذا العالم الملئ بالرداءات والاذلالات من خلال المعنى والحب. تحدث الشاعر الباكستاني محمد اقبال عن جاذبية الرومي بانبهار واجلال قائلاً: " حَولَ الرومي طينتي الى جوهر، ومن غباري شيّد كوناً اخر "، توفي هذا الشاعر العارف عن عمر بلغ نحو سبعين عاماً ودُفن في ضريحه المعروف في قونية بتركيا وقد كتب على الضريح بيت من الشعر يخاطب به الرومي زواره قائلاً:
يا من تبحث عن مرقدنا بعد شدّ الرحال
قبرنا يا هذا في صدور العارفين من الرجال



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايها المتشددون اصنعوا ثمة شئ للعالم
- السهروردي قتيل الاشراق
- سيبويه رائحة التفاح
- صالح بن عبد القدوس
- بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
- تصحيح التصورات حول المراة
- الانهيار الحزين
- الورقة الرابعة:المثقف الاشكالي بين نارين
- الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي