أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل















المزيد.....

النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23 - 11:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تنفي القضية الثانية من هاتين القضية الأولى:
1- إن الدول العربية القائمة مستقلة عن بعضها، ومن غير المحتمل أن تشكل تكتلا سياسيا أو أمنيا مستقلا في المدى القريب والمتوسط؛
2- إنه من غير المحتمل أن ينجح تغيير ديمقراطي أو تقوم وطنية عقلانية في أي دولة عربية بمفردها.
الفكرة التي ربما تقترح تفسيرا متسقا لهاتين القضيتين المتناقضتين ظاهريا هي وجود نظام إقليمي عربي، أي شبكة تفاعلات سياسية وأمنية ونفسية، أساسه ثقافي وجغرافي، تقوم تأسيسيا على استقلال الدول. والاستقلال هذا مكفول مؤسسيا بعضوية الأمم المتحدة، وأمنيا بانخراط دوله كل على حدة في تحالفات وتفاهمات مع الأقطاب الدولية النافذة ضامنة لكياناتها واستقرارها واستقلالها، عن نظيراتها العربيات كما عن غيرها. أي أن النظام الإقليمي العربي متمفصل مع النظام الدولي القائم على دول مستقلة وسيدة، وعلى هيمنة قطبية، أميركية راهنا، ومع نظم دولية فرعية (النظام الشرق أوسطي مثلا)، بما يبقي دوله منشدة إلى مركز أو مراكز خارجها لا إلى مركز واقعي أو افتراضي داخلها. فوجود النظام العربي، بالخصائص المشار إليها هذه، هو بالضبط ما يصون استقلال الدول العربي عن بعضها وتباعدها فيما بينها، أو غلبة قوى التنابذ فيما بينها على قوى التجاذب.
بيد أن النظام نفسه، وبقدر ما هو شبكة تفاعلات تمس موضوعيا، أي بمجرد وجودها، باستقلال الدول، هو ما يضعف احتمال أن تقوم تغيرات أساسية ومستدامة في إحدى دوله. أي ببساطة أن أيا من الدول العربية لا تشكل، وحدها، إطارا لتغيير سياسي أساسي. أي كذلك أن الديمقراطية ممتنعة في أي بلد عربي لوحده.
ولا ريب بالطبع أن شبكة التفاعلات بين الدول المشرقية أكثف من تلك القائمة بين الدول المشرقية والمغربية، وانه يمكن تمييز نظم عربية فرعية، عددها أربعة عادة: المشرق، الجزيرة والخليج، وادي النيل، والمجال المغاربي. والتفاعلات الداخلية لكل منها أكثف من تفاعلاته مع غيره، ما يتيح استقلال نسبيا لتغيرات بعضها.
والبعد الجغرافي عامل أساسي في هذا المجال. فالتغيرات المغاربية أدنى تأثيرا على المشرق، منها على وادي النيل، والعكس بالعكس من حيث المبدأ. والنظام الخليجي أقل تأثرا بغيره نسبيا بسبب وثاقة صلته بالمركز الأميركي النافذ. والنظام المشرقي هو الأقل استقرارا بفعل العامل الإسرائيلي والتعددية الأهلية غير المستوعبة مؤسسيا في المجتمعات المشرقية. ولعل البعد عن المركز هو ما أتاح عملية تغيير مهمة في موريتانية، وإن يكن من المبكر الحكم على مدى جديتها واستدامتها، وإن يكن فقر البلد أيضا يحد من تأثيره على غيره.
في المجمل تترابط الدول العربية قوميا حيث لا ينبغي، وتتباعد حيث يفترض أن تترابط قوميا. فهي تتشارك وتظهر تقاربا فعالا في ممانعة التغيير وتقييده وسد الثقوب التي قد تفد منها رياحه. وهي تتباعد حيث ينتظر منها التكتل والتعاون الفعال. بيد أن هذه خصائص بنيوية للنظام، وليست اختيارات سياسية قصدية. فالنظام الذي وجهه الأول معوق للتغيير المنفرد هو ذاته النظام الذي يعرض وجها ثانيا مضادا للتكتل الجماعي. على أن السياسات الحكومية التي يؤطرها هذا الواقع باتت تعمل بدورها على تثبيته وإعادة إنتاجه.
أساس النظام العربي أساس قومي، أي شراكة الدول العربية في اللغة والثقافة، وهي شراكة تستبعد إيران وتركيا في المشرق، فضلا عن إسرائيل؛ وتقصي دولا أفريقية قريبة من وجوه متعددة للدول العربية المجاورة لها في أفريقيا. بيد أن تفاعلات النظام غير تشاركية وغير تعاونية، بل هي تنافسية و"تحاسدية" وقائمة على محصلة صفرية (ما يكسبه طرف يخسره آخر، لذلك ينبغي ألا يكسب أي طرف.. فإن شاء طرف ما حماية مكاسبه ارتبط بقوى خارجية نافذة). بعبارة أخرى النظام أو البنية عربية، لكن السياسات والإرادات ليست عربية. هذا مزيج (ومزاج) سيء. وهو ما أهّل لسياسة المحاور ولعمليات قد يتمخض عنها في الأمد المتوسط تكون أنظمة فرعية مختلطة تمعن في تمزيق واهتراء النسيج العربي. منها مثلا المحور السوري الإيراني، الذي ترتبط به تكوينات من ما دون الدولة مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين. هنا نمط تفاعل غير مألوف، يشترك فيه طرف غير عربي من جهة، وأطراف أهلية عربية من جهة أخرى. وتبدو التفاعلات السورية الإيرانية أقوى بكثير من تفاعلات سورية مع جوارها العربي. وبالمثل تبدو تفاعلات حزب الله مع إيران وسورية أقوى من تفاعلاته مع شركائه اللبنانيين. ومثل ذلك ينطبق بدرجة ما على حماس.
وفي العراق تجتمع حركة تفكك الدولة وتحطم المركز الموحد للبلد المنكوب مع انجذاب شظاياه إل محاور إقليمية وعربية ودولية متنوعة. تبدو إيران نافذة الكلمة في وسط الحكومة والقوى الشيعية في عراق ما بعد صدام، نصفه الجنوبي بالخصوص. أما الشمال الكردي فأقرب إلى المهيمن الأميركي، وربما لإسرائيل حضور مؤثر فيه، ويبدو اليوم واقعا في فلك تجاذب أميركي تركي لا تأثير للسلطة المركزية المفترضة في بغداد عليه، وأقل منها أيضا تأثير الدول العربية. أما الوسط العراقي، الذي أطلق عليه الأميركيون اسم "المثلث السني"، فمنجذب نحو الدول العربية، سورية والسعودية أساسا، لكنه كذلك حيز الوطأة الأقسى للعنف المقاوم والأهلي الذي يجتاح العراق.
وينقسم لبنان إلى ائتلافين، 14 آذار و8 آذار، تغلب تفاعلات كل منها مع حلفائه الخارجيين على تفاعلاته مع الائتلاف الآخر، ما يعني عمليا أن لبنان لم يعد وطنا وأن اللبنانيين ليسوا شعبا. والنموذج ذاته في فلسطين. ولعل منازعات السودان الداخلية وانجذاب أقاليمه إلى قوى إقليمية أو دولية يستجيب للنسق ذاته.
وليس هذا النسق إلا حصيلة انتقال فاعلية فقدان المركز وضعف الجاذبية الداخلية من المجال العربي إلى مجال الدول المفردة. فقوة الجذب الخارجية بلغت حدا تحطمت تحت تأثير تفوقه على قوى الجذب الداخلية الضعيفة عرى التماسك داخل المجال العربي، ثم اليوم داخل دول عربية متعددة.
كان النسق التقليدي للتفاعلات العربية يقوم على أن الدول العربية لا تستطيع أن تدير ظهرها لبعضها، ولا أن تتكاتف وتتعاضد. لا تستغني عن بعضها ولا تثق ببعضها. تلتصق ببعضها التصاقا كيديا. فهل هذا النسق آخذ في تحول عميق بدءا من المركز المشرقي، المعتل أصلا، باتجاه تبعثر الدول وانفراط عقد مجتمعاتها؟ وهل تفاقمُ انفلاش (انفتاح مع زوال المركز) النظام العربي إلى حد التفكك والدوران في فلك أجرام إقليمية ودولية أقوى جذبا مسارٌ نهائي وغير عكوس؟ وهل التحلل هذا هو المآل الطبيعي لنظام العربي الذي راكم عجزا فوق عجز عن حل مشكلاته المزمنة؟
كل هذا يجري في التاريخ، ويمكن فهمه. لكن إلى أين يجري التاريخ؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
- في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
- في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
- صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
- تأمل في شأن الحرية ونقد الدين
- العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل