أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جباره - صدى الذاكرة














المزيد.....

صدى الذاكرة


سعاد جباره

الحوار المتمدن-العدد: 2106 - 2007 / 11 / 21 - 10:39
المحور: الادب والفن
    


يقرأ الانتظار كما لا يمكن لغيره أن يفعل، يفهم تفاصيل العقارب الهاربة من الطقوس الاعتيادية ما يقصر غيره عن فهمة، يعرف كيف يكون عمره وقفاً لتفاصيل الانتظار، يغريه الانتظار أكثر مما يقتله، أثقلت سنين العمر كاهله، لكنه يعرف ما قد يعجز غيره عن معرفته، يعرف أن بعد يأتي فقط إذا أراد هو أن يأتي، إذا رأى فيه هدفاً يعيش لأجله ينتظره، في الماضي انتظر، وهو الآن ينتظر، و إذا أتى الغد سيظل على انتظاره، في الأمس كان له شعر اسود يضيع في عتمه الليل، و في سجلات اليوم سجل العمر له بياضاً تشوبه بعض التفاصيل المغبرة، رسمت الأيام كهلاً بقامة محنية، وعيون غائرة داستها تجاعيد العمر، دائماً كانت تثيره هذه الكلمات حين يسمعها من رجال الحي "العمر أهدانا قامات محنية" يمازحه ابنه متلفظاً هذه العبارة، فيبتسم له و لها معاً كأنه يسمع الغناء و بعض النكات و الفكاهة، و يسمعها من الآخرين تسقط على أذنيه كما وقع الحجارة ويهب صوته صامداً:" هامتنا و قاماتنا دائماً عالية لا تنحني، لا تنثني، لا تنكسر، ولا تموت " يرددها كأنه يعيش أيام الثورة وربما النضال الغابر، يرددها كما لو كان العمر شتيمة يهذي بها رفاق عمره، وربما تهمة يلصقها به القدر، وعليه استجماع قوة الدفاع عن حلمه الشاب، فقد اعتاد رفاقه و أهله في جلوسهم وإياه على هذا الحديث الذي يختمه دائماً بكلمات رنانة عابقة:" عندما يكون الحلم شاباً ويكون الأمل شاباً ويكون الانتظار شاباً فتكون الروح شابة"
يبدو غريباً عن المكان، ترقبه أزقة المخيم، شوارعه، جدرانه الملونة برسوم طفولية، المخططة بكلمات نارية، ترقبه مرات و مرات، لم يعد الشخص الذي فيه منذ اليوم الأول الذي استقبلته فيه هائماً لا يجد سقفاً يلقي جسده تحت غباره، استقبلته تحت سقف خيمة، هي لا تستنكر تفاصيله الهرمة فقد اعتادتها منذ زمن طويل، عاشتها معها لا ترى فيها انحناء للهامات كما يرى الآخرون.
عرفته شامخاً دائماً, لكنها اليوم تقرأ فيه حيرة, انكساراً لصورته المميزة التي تقرأ الانتظار كما لا يمكن لغيره أن يفعل, في ركن من أركانه يجلس, لا يعرفه المكان, لا يعرف صمته, كان وجوده ينطق المكان كله, ينطق الصمت, واليوم يختار الصمت صومعة لحزنه, حزن لا يدري أحد كنهه, يمرون يكاد لا يراهم, لا يسمعهم, يحرك فهمه حركات رتيبة, كأنها تحية ما, وربما رد على سؤال عابر لم يكترث بالسماع إليه, جالسا لا تشعر بوجوده ولا تجرؤ على سؤاله عما يدور في ذهنه ويوقعه في صومعة صمته.
يقلب في صفحاته القديمة, محاولا تذكر كل التفاصيل السابقة, تفاصيل يوم أمس, يسترجع صورته عجوزاً طاعناً يفتش في أوراقه البالية عما لا يجد, بحث مطولاً, يذكر تماما كيف قاطعه مرور ابنه الأكبر في المكان عن متابعة بحثه, بحث ساعات طويلة, بحث, خاب ظنه, لم يعد مفتاحه في المكان, كيف يفتح الباب في طريق عودته أن لم يجد مفتاحاً, لم يجرؤ على سؤال أبنائه وأحفاده فهو يعرف تماما أن احد فيهم لا يعرف أروقة البيت, شرفته, هواءه, لا احد يشعر بارتباطه بتلك الجدران القديمة, تردد مرتبكاً:" أأسألهم؟, لقد ضاع مفتاحي, لن أفعل سيقولون ضاعت البلاد, والعباد, ويشغلك أمر المفتاح" فكر أيسأل الصغار فلن يكون لديهم هذه القسوة والصدامية في إجاباتهم ," أسأل ؟, لا سيقولون ببراءتهم المعهودة:" جدي ألم تقل أن الدنيا تغيرت" انتزع نفسه من صورة الذكرى, عاد محاولا توثيق ارتباطه بمن يمرون على عجالة أمامه, لم يستطع أن ينسى ذلك فغدا يحل منتصف أيار ضيفا على ذاكرته, دون أن يجد مفتاحه التائه.

رآه ليلة أمس يبحث عن شيء ما, لم يجده, رآه يبحث دون أن يجرؤ على السؤال:"أين مفتاحي, واليوم رآه يجلس صامتا لا يحدث أحداً هو الذي كان يحدث الصمت, واليوم يصمت المكان لصمته, لا احد يملك الجرأة ليسأله ما بالك؟" أما هو فقد رآه أمس , أما هو فابنه الذي عهده منذ سنوات يعرفه كما يعرف نفسه, يتقدم أليه من بين العابرين ليس وحده تعانق يده طفلا , ابنه وحفيد ذلك العجوز الذي أطبق عليه الصمت يراه في جلوسه الصامت ذاك يرسم ألف فكرة , ويسترجع ألف كلمة , كان يهم مغادرا المكان, قبل أن يفاجئه صوت ابنه وحفيده الأصغر, لا يذكر تماما ما قالاه, الوقت, الساعة , الغروب, أشياء كهذه , لا يذكر, لا يسمع لا يبالي بالإصغاء فهو يدرك أن وراء قدومهما يقف هدف آخر لا يدركه بعده ,فهو رجل يستطيع بما تبقى من بصيص نور لديه أن يرقب الشمس وعقارب الساعة ,ولن يكون من الصعب عليه إدراك الوقت, يعرف تماما أن الوقت لا يزال مبكرا , كما انه قرأ وجهه مرات عديدة يمر في المكان , فكر كان يمكنه أن يأتي وحده , فكر كثيرا قبل أن يرفع قامته ,قبل أن يستجمع قواه, ويركز نظراته المبعثرة , لفظ كلمات هادئة, تنفس بعمق كربان التقى اليابسة بعد رحلاته الطويلة, سعيدا كان وهو يرى حفيده وقد اتخذ المفتاح قلادة, يرقب ابنه عينيه الغائرتين بعمق سعيدا, نظر بإمعان,نظر طويلاً , رآه يبتسم ثم يغمض عينيه, ويفتحها من جديد كمن يعانق خيوط الشمس في وسط ذلك الغروب استطاع أن يعانق النهار , فتحهما كمن يبتسم لأول مرة , فتحهما وردد مربتاً على كتف حفيده ," والآن بني نروي الحكاية من البداية تحت سقف ليلة منتصف أيار".



#سعاد_جباره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنابل تحترق بصمت


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد جباره - صدى الذاكرة