أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - إسرائيل : وقائع التاريخ تنقض الإيديولوجيا















المزيد.....


إسرائيل : وقائع التاريخ تنقض الإيديولوجيا


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


تزعم وزيرة خارجية إسرائيل ان ما يجري حول فلسطين صراع قيم. وكما هو مألوف يشاركها المزاعم الرئيس الأمريكي بوش، إذ يعمم ويجزم، مواصلاً نهج التزوير المميز لإدارته، أن الصراع في الشرق الأوسط يدور بين فريقين: الأول ينشد الحرية والاعتدال، أما الثاني فمتطرف يكره الحرية ويعمل على تدميرها من خلال الإرهاب. والتزييف بصدد الموضوع الفلسطيني نهج لم يبدأ مع إدارة بوش الابن، الذي بادر باتهام النضال الفلسطيني بالإرهاب وراح يحرض ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ويتهمه بمساندة الإرهاب و" خذلان شعبه" كذلك؛ إنما هو نهج متبع منذ أن كانت إسرائيل فكرة راودت أذهان المسيحيين قبل اليهود. زعم بوش وليفني وكل من شايعهما موقف ينطوي على نوايا سوداء عدة : أولاها ازدراء الشعوب العربية والحكام العرب ثم محاولة نزع القضية الفلسطينية من موقعها كإحدى قضايا التحرر الوطني ضد الاحتلال، وطمس الاحتلال وإلغاء قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني وفتوى محمكة العدل الدولية، فما من رجعة عما أنجزته إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية! هنا تهب إيديولوجيا نهاية التاريخ لنجدة شقيقتها أيديولوجيا صراع الحضارات، ويتضافر العلم المزيف مع الإعلام المزيف في عملية تشويه الوقائع وطمس حقائق التاريخ.
يتعامل الإعلام مع العنصر البشري، يزوده بالوعي الحقيقي أو الوعي الزائف. والميديا الأميركية وشقيقاتها مهرت في تقديم الوعي الزائف . ويتضمن كتاب " الحرب الباردة الثقافية"، سردا من اكاذيب وتحريفات وأنصاف حقائق وتزوير وتشويه، بهدف التلاعب بالعقول و"ضرب المواقع الأمامية للممانعة الإيديولوجية". روت مؤلفة الكتاب، الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونر سوندرز ( ترجمه إلى العربية د. طلعت الشايب وأصدره المجلس الأعلى للثقافة في مصر عام 2002) كيف تم اعتماد الثقافة والدعاية بديلاً للقطعات العسكرية لخوض الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي وحركات التحرر الوطنية في القارات الثلاث، إلى أن تم لها ذلك بمساندة أخطاء ذاتية من جانب الخصوم.
على الضفة الأخرى حرص شديد على تبديد ضباب المخادعة. فقد استنكر البروفيسور أنتوني دي ماغيو ، أستاذ دراسات الشرق الأوسط والحكومة الأمريكية بجامعة إلينويس الرسمية ، الدعاية الرسمية التي تصور المسلمين والعرب متعصبين دينيا سادرين في نهج العنف وتدمير الولايات المتحدة وحلفائها ، خاصة إسرائيل. وقال ان "الإرهاب الإسلا مي موضوع تنصب عليه التحليلات والتعليقات في الغرب، بينما يجري تصوير إسرائيل على انها جزيرة القيم الغربية في محيط البربرية العربية –الإسلامية".
وأهابت كاثرين كريستيسن المحللة سابقا في السي آي أيه،" باليسار الغربي تحذره من السقوط في شرك الدعاية المزيفة للوقائع"، مشيرة إلى أن البلدين( أمريكا وإسرائيل) "لا يدخلان الحرب في أي مكان بالمنطقة بدون تنسيق وتعاون مشتركين. وفي حقبة يصنع اليمين ’صدام حضارات‘ بين الغرب والعالم الإسلامي ، وحيث يتلون النقاش العام بتلاوين العداء للإسلام فمن المزعج للغاية أن يمسَك اليسار ببساطة في المتراس الخطأ، بينما هم ينادون بالعدالة للفلسطينيين او للعرب أو المسلمين".

هكذا يتكشف نهج تهريب الوقائع تحت قصف كلامي، و شيطنة الخصم في المواجهة الجديدة على أنه مواصلة للنهج الذي اتبع أثناء الحرب الباردة، حيث كل ما يدبر في السر من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية، وكل ما سقط من ضحايا بريئة وما اقترف من جرائم حرب وجور على حقوق الإنسان يجري تأويله وتبريره في ضوء صراع الخير ضد الشر.
ويلقى الضوء الكاشف أيضا على هذا التزوير جورج بشارات أستاذ القانون بكلية هاستينغز للحقوق في سان فرانسيسكو، والمختص بشئون الشرق الأوسط، إذ يعقد مقارنة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا. "إذا كان من اللائق فرض المقاطعة على جنوب إفريقيا الأبارتهيد فمن العدل مقاطعة إسرائيل نظرا لسجلها المماثل.
ويسرد خروقات إسرائيل فيقول: أي التصرفات من جانب الدول تستدعي المقاطعة؟ ترويع أغلبية سكان بلد ما لإجبارهم على الهرب، ثم عدم السماح لهم بحق أقرته القوانين الدولية، حق العودة إلى الديار؟ إسرائيل فعلت هذا وما زالت تفعله. الاستحواذ على ومصادرة أملاك مئات آلاف المواطنين؟ إسرائيل ارتكبت هذه الفعلة. اغتيال المعارضين ، بمن فيهم أشخاص يعيشون في مناطق تحتلها ؟ إسرائيل فعلت هذا.
هدم آلاف البيوت تخص مجموعة عرقية معينة، وتوطين أبناء قوميتها في أراض تخص الآخرين؟ إسرائيل فعلت ذلك. وما من بلد ذي سجل من هذا القبيل سواء كان على رأس القائمة أو ضمن خمسين دولة مثيلة يمكن أخذ احتجاجه بجدية.
ويواصل سرديته بالقول،"حزب الله يتعرض للتنديد إذا وضع بضعة صواريخ بين القرى، ولكن إسرائيل التي يكسر جيشها القانون الدولي ،إذ يخفي أسلحته داخل مناطق مدنية على نطاق أوسع بكثير لا تتعرض للاستنكار. وبصفتي مراقبا للقتال في تموز 2006 على الجانب الإسرائيلي لاحظت في مناسبات عدة أن إسرائيل قد أقامت العديد من منشآتها العسكرية، ومنها مصانع أسلحة، ومعسكرات، وكذلك مواقع مدفعية مؤقتة محاذية – وفي حالات معينة داخل – تجمعات مدنية شمال إسرائيل. والعديد من هذه التجمعات عربية، حيث يشكل العرب حوالي نصف سكان الجليل. والمعلومات المتوفرة حاليا مثيرة للاهتمام. فالتجمعات العربية التي تعرضت لصواريخ حزب لله وجدت لجنة تحقيق دولية بطاربة مدفعية واحدة على الأقل منصوبة بالقرب منها أو في وسطها. وفي تجمعات معينة وجد عدد من البطاريات. تصرف حزب الله في نظر القانون الدولي ليس أسوأ من تصرف إسرائيل، إن لم يكن أفضل بكثير."
غير أن إسرائيل ليست جنوب إفريقيا، وكما سنبين لا حقا فقد أحيطت دولة إسرائيل بمشاعر خاصة اقترنت بتدين شعبوي يعود لموجات الهجرة المبكرة في القرن السابع عشر. وبتأثير هذه المشاعر يفرد لإسرائيل حق التملص من القوانين الدولية والحقوق الإنسانية الدولية بما يقدم المبرر" الأخلاقي" والمعنوي لفرض الحل الصهيوني بالقوة المباشرة إلى جانب قوة القطب الأوحد للنظام الدولي الجديد. وهذا الحل المطروح جهارا يبقي التوتر قائما والصراع محتدما في المنطقة و يتيح لإسرائيل أن تنهض بوظيفتها المعهودة إليها منذ أن كانت فكرة راودت السياسيين المسيحيين قبل أن يحملها المفكرون اليهود.
يؤكد التاريخ أن أول مستوطنة للمهاجرين اليهود أقامتها القنصلية الأمريكية في القدس عام 1852، لتكون" البداية حيث تقيم الأمة اليهودية وتزدهر". ثم جاء دور البريطانيين والألمان عام 1862. نشأت في بلدان الغرب منظمات أهلية مسيحية تحشد الدعم لفكرة إقامة الدولة العبرية في فلسطين مثل منظمة تمبلر المسيحية البروتستانتية في ألمانيا ، ومعناها " بناة الهيكل". بنيت مستوطنة " بيتاح تكفا" بأموال ألمانية. بعد ذلك دخل الممول اليهودي روتشيلد في سبعينات القرن التاسع عشر. يرجع المؤرخ اليهودي إيلان بابيه نشوء "الوعي القومي اليهودي" إلى عام 1882. في ذلك العام دعا المفكر اليهودي ليو بينسكر "شعبه" للتوجه إلى فلسطين والاستيطان بها وتأسيس مجتمع أحباء صهيون. وفي عام 1891أنشأ المليونير اليهودي الألماني ، بارون موريس دي هيرش جمعية الاستيطان اليهودي، وبدأت الجمعية نشاطها في فلسطين عام 1896. وقبل عام 1897، حيث تم إعلان قيام الحركة الصهيونية كان قد شيد على الأراضي الفلسطينية اثنان وعشرون مستوطنة تمتد على مائتي ألف دونم، وتضم أربعين ألف مستوطن. وفي السنوات الأولى من القرن العشرين مارس السفير الأميركي بأوامر من حكومته ضغوطا على حكومة السلطان العثماني كي تزيل العراقيل بوجه هجرة اليهود إلى فلسطين.
لم تنشأ الحركة الصهيونية وحدها كتوجه ديني أصولي بل زامن ظهورها انتعاش حركة مسيحية أصولية ظلت قرونا تصرخ في البرية من أجل إعادة تشييد الهيكل وعودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولتهم هناك. وتقوم معتقدات الحركة على " نبوءات" تبنتها الكنيسة البروتستانتية الأنغليكانية، وتنكرها بقية الكنائس المسيحية حتى الآن؛ لكنها في مرحلة التوسع الكولنيالي للامبريالية اكتسبت دفعة قوية منحتها حيوية اخترقت بها الحياة السياسية في أقطار أوروبا والولايات المتحدة. والحركات الفكرية تنتعش وتقوى بقوة المصالح المادية الأرضية التي تساندها. وبالفعل وجدت الامبريالية الناشئة في نهايات القرن التاسع عشر في المسيحية الأصولية الأداة الإيديولوجية لحشد جماهير المسيحيين خلف مشروعها الكولنيالي التوسعي. أطلقت الحركة على فكرها الديني اسم "لاهوت ما قبل الألفية"، منذرة بكوارث وحروب تصاحب قيام الدولة العبرية تنتهي بمعركة حاسمة ينهزم فيه "الشر" امام "الخير" مؤذنة بقدوم المسيح ليقيم مملكة العدالة والسلام. انطوى فكر هذه الحركة الأصولية أولا على نفي دور الإرادة البشرية في سيرورة الأحداث وإسنادها لإرادة ربانية لا ترد، حسب مزاعمهم. وهي فكرة تبيح للإرهاب والحروب، وتشرعن الحروب الامبريالية ، فكانت رؤاها " النبوئية" القاعدة الفكرية لكواسر الغزو الامبريالي والنهب المنظم لشعوب الشرق من جنرالات الجيوش وكبار الساسة . وباتت عقائد الحركة تدرس في الكليات العسكرية وتوزع كتبها على القطعات العسكرية.
حصل اللقاء الأول بين هيرتسل ولورد بلفور على يد القس وليم هتشلر، مبعوث الكنيسة الأنجليكانية في فيينا. هذا ما ورد في العرض التاريخي للمسيحية الأصولية، كما قدمه البروفيسور دونالد واغنر، أستاذ الأديان ودراسات الشرق الأوسط بجامعة نورثباك في شيكاغو(2003). وقد أوحى لورد بيلفور بالهدف من الوعد الذي قطعه، حين صرح في محاضرة ألقاها عام 1919، أن "نظرية ما قبل الألفية تتجذر في تقاليد عديدة وفي حاجات الزمن الراهن وآمال المستقبل" . وكان أوضح منه هوراس ماير كالين في كتابه " الصهيونية والسياسة الدولية"، الذي نقل عنه المؤرخ الفلسطيني الراحل ، الدكتور اميل توما قوله أن " فكرة بعث إسرائيل انتشرت على صعيد السياسة العملية والمستوى الديني في بريطلنيا وفرنسا بين غير اليهود بأوسع من انتشارها بين اليهود". في زمن سباق الدول الرأسمالية على الأسواق الخارجية بات الشرق الأوسط المنطقة التي تركزت عليها حمى التنافس بين الضواري الامبريالية. وفي ظل التنافس المحتدم وطد الاستيطان اليهودي موقعا له في فلسطين.
كانت بريطانيا هي الحاضنة الأولى للمسيحية الأصولية ، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة ، حيث لقيت التربة الاجتماعية ممهدة. فقد اتخذ التدين الأمريكي منحى متحيزا ضد العرب والمسلمين. فضل المخرجون الأمريكيون لأفلام السينما التاريخية تشبيه المهاجرين البريطانيين بالعبرانيين "ناشري الفضيلة" في بلاد كنعان ومطهري البلاد من "رجسهم"، وذلك تسويقاً لنهج إبادة السكان الأصليين طبقاً ل"نصيحة" التوراة. وهكذا أضفت أفلام هوليوود على موجات هجرة رواد المتطهرين الإنجليز طابعا دينيا للخلاص. أقامت تماثلا جمع الخيال بالواقع بين عبور العبرانيين إلى فلسطين، كما ورد في التوراة، وبين الهجرة إلى الأرض الجديدة التي اطلق عليها أيضا " ارض الميعاد"، وبين مجازر إسرائيل المتعاقبة للفلسطينيين.
هذه النظرات الموروثة منذ القرن السابع عشر، تحولت إلى ثقافة شعبوية بفضل السينما، وما زالت تصوغ نظرة الأمريكي العادي والمقرونة بالتدين الأمريكي التقليدي. للدين مكانة متميزة في أمريكا، وذلك على العكس من أوروبا التي فصلت الدين عن السياسة وعن البحث العلمي. وبقي الهنود الحمر في الوعي الأمريكي من نسل الكنعانيين الذي قطنوا فلسطين إبان الغزو العبراني، وعلى غرارهم العرب الذين تضطهدهم إسرائيل. ونتيجة الحملات الإعلامية العدائية المتواترة بات العرب في عيون الأمريكيين "شعب متأخر بدائي غير متحضر شعب ملبسه غريب ويسيء معاملة المرأة، مولع بالحروب متعطش للدماء، غدار ماكر و قاس كسول شهواني حقود انتقامي وخانع للسلطة" ، حسبما استخلص الدكتور ميخائيل سليمان في كتابه[صورة العرب في عقول الأميركيين، مركز دراسات الوحدة العربية، ترجمة عطا عبد الوهاب، الطبعة الثانية، آب 2000، ص 84 وما بعدها] . وبعد تفجيرات أيلول أضيف الإرهاب إلى صورة العربي. والإسلام، حسب رأي هؤلاء، عقيدة دينية تخنق الإبداع. والمسلمون، بطبيعة الحال متعصبون قدريون متخلفون لم يساهموا بأي شيء. وهم بطيئون في قبول التغيير. هذه الصورة البشعة اقتضتها دواعي العولمة، ومساعي الإدارة الأمريكية للانفراد بتقرير مصائر شعوب المنطقة العربية بما يعزز النفوذ المادي والمعنوي للولايات المتحدة في العالم كله.
هذا التعصب العرقي سبقه تعصب مماثل ، لكن اليهود كانوا ضحيته عندما اقتضت ذلك ضرورات السياسة. إن التماهي مع اليمين الإسرائيلي في الوقت الحالي لا يسقط من التاريخ القريب ممارسة التمييز العنصري من جانب الغرب ضد اليهود. وفضحت الكاتبة الفرنسية فيفيان فورستر في كتابها "الجريمة الغربية" Le crime occidental الصادر عن منشورات فايار تواطؤ دول الغرب مع النازية بصدد إجراءاتها العنصرية ضد اليهود. تُذكّر فورستر الغربيين جميعاً: بأنكم لم تشاهدوا اليهود وهم يدخلون غرف الغاز، لكنكم رأيتموهم يُضطهَدون، ويُنهبون، ويُساقون من منازلهم، ويُحقّرون في الشوارع، ويجبرون على وضع النجمة الصفراء. كل هذا كان رسمياً، علنياً. أعطى "العالم الحر" الأولوية "للانتصار أولا"، ثم تم الاعتذار المتأخر بتعويض اليهود على حساب الشعب الفلسطيني، وأدخل العرب واليهود في صراع دموي يستنفذ القوى والإمكانات." هكذا يتم العرض الموضوعي والنزيه لما يسمى المحرقة.
ويؤكد ما ذهبت إليه الكاتبة الفرنسية، الكاتب البريطاني في صحيفة الغارديان ، أوستر تشر، الذي كانت جدته إحدى ضحايا المحرقة اليهودية (الهولوكوست). كتب يقول، "ان هذه الحجة باستخدام الهولوكوست كخلفية، ليست أكثر من ابتزاز أخلاقي، كما انها بالغة التأثير وتدين الكثير كي تُسكت كل من يخشى ان يُنظر اليه كمعاد للسامية".
لكن المتاجرة بالنفوس الميتة أفلحت في كسب مساحات واسعة من أراضي الغير . الصهيونية وحلفاؤها لم ينجزوا إلا النزر اليسير من برنامجهم، حسب تقديرات المؤرخ إيلان بابيه، فقد ملكت اليهود 6% بالمائة فقط من أراضي فلسطين وحشدت 30% من سكانها، فجاء قرار التقسيم ومنحها 56% من الأراضي وفرض على ثلثي سكان فلسطين حلا صدمهم في الصميم. ومقتضيات السياسة الامبريالية استدعت أيضا تغذية "’المشاعر الخاصة‘ التي يكنها الأمريكيون تجاه إسرائيل وتترجم مباشرة إلى سياسة"، كما تباهى دانييل بايبس، أحد أقطاب المحافظين الأمريكيين في الوقت الراهن.
إسرائيل لا تجد ضرورة تضطرها للتوصل إلى تسوية الصراع الدائر حول فلسطين. فهي تشعر بأنها مطلقة التصرف وما من قوة تقيد رغبتها في فرض الوقائع. ولاحظت الدكتورة فيكتوريا بوتش الأكاديمية الإسرائيلية المناهضة للاحتلال: لم يطلق ولو صاروخ قسام واحد على سديروت والمنطقة المحيطة خلال أسابيع، ولكن خطر لوزير الدفاع باراك لدى تسلمه المنصب أن يسمح بتنفيذ عملية بحث عن مطلوبين في خان يونس فقتلت قواته خمسة فلسطينيين وجرحت آخرين. وكما أنه من سحر ساحر استؤنف إطلاق الصواريخ على سديروت في اليوم التالي. إن الإبقاء على مستوى متدن من العنف يبدو أنه ضرورة ماسة لسياسة إسرائيل الرامية لعرض الفلسطينيين كإرهابيين. وعرض مشاريع إسرائيل الاستيطانية وعملياتها العسكرية من اجل سحق الشعب الفلسطيني- في الضفة والقطاع- على أنها " حرب ضد الإرهاب".
أجل ، استطاع حكام إسرائيل توجيه أحداث الصراع بحيث يقضمون المزيد من الأرض الفلسطينية ويعززون النظرات العنصرية والفاشية داخل المجتمع الإسرائيلي. وفي العالم العربي تحدث امور تشي بأن أيد خفية تحرك العالم العربي، لخدمة مصالح أجنبية. فالاختلالات عديدة داخل المجتمعات العربية ، وهي تقعد الشعوب عن الخروج من حلقة التخلف والاستبداد وفساد الإدارة وتبديد الموارد فيما لايجلب الرخاء والتعزيز القوة.
لم يقتصر اهتمام الحركة الصهيونية على فلسطين وحدها ؛ إذ طوق اهتمامها المنطقة العربية بكاملها. فالحركة ووليدها دولة إسرائيل لا تخشى القوة العسكرية العربية ولا تهديدات تصدر من هنا وهناك ؛ إنما يروعها حقا تحقق الوحدة للعالم العربي، وقيام نظام أو نظم تتيح التقدم بيسر وسهولة، حتى ولو أقامت علاقات سلام مع إسرائيل. ولهذا وقفت إسرائيل ضد أنظمة معينة في كل من سوريا ولبنان ومصر والعراق والأردن والجزائر وحتى المغرب. ويحمل دلالة كبيرة اشتراك الموساد الإسرائيلي في عملية اصطياد وتصفية الزعيم الوطني المغربي ، المهدي بن بركة، الذيبرز ظاهرة متقدمة في حركة التضامن بين قارات آسيا ولإريقيا وأمريكا اللاتينية. ناصبت إسرائيل ، شأن حلفائها العداء شعوب المنطقة العربية- الإسلامية، وحركتها الوطنية التحررية، وقواها الجادة والمنظمة، وناهضت مع حلفائها كل حركة ديمقراطية أو مسعى تقدمي في المحيط العربي -الإسلامي . وأذكر أن أحد السجناء المدانين بالتجسس لإسرائيل أخبرني داخل سجن عمان المركزي أن مهمته كانت نقل منشورات الحزب الشيوعي الأردني.
مجابهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ومشروع إسرائيل دولة إقليمية مهيمنة على المنطقة لاتتحقق إلا من خلال حزمة فعاليات تضم المزارع في الضفة الغربية يدافع عن كرمه المهدد بالمصادرة إلى جانب تحديث الحياة العربية ، الفكرية والمادية: إشاعة الديمقراطية بإقرار الحقوق الوطنية الديمقراطية للجماهير العربية كافة، بما يساعدها في تنظيم حياتها والدخول في منظمات أهلية وفرض القانون وحكم المؤسسات.
ليس غير النضال الجماهيري في الوقت الراهن بمقدوره الاستمرار واجتذاب التضامن الدولي ومجابهة النزعة العنصرية الفاشية لحكام إسرائيل. انخراط الجماهير في نضال اللاعنف، عبر جمعيات أهلية ومنظمات نقابية وسياسية من شأنه أن يعيد للنضال الفلسطيني عافيته وطابعه الإنساني ويبدد التشويهات التي أفلح الأعداء في إلصاقها. من الممكن تشكيل كتلة كفاحية صلبة ومانعة داخل المجتمع الفلسطيني تجد التجاوب داخل إسرائيل ، فتنهض قوى حية منخرطة في حركات سلام تقر بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة. حتى الآن تمنى الحركة بخسائر وتتراجع جراء أخطاء العمل الفلسطيني وتجاوزاته وصراعاته الداخلية. ومن شأن نضال اللاعنف أن يعيد لها الحيوية ويؤهلها لإحداث اختراق هام في الحياة السياسية داخل إسرائيل. فهل يمكن تجسيد هذا الحلم على أرض فلسطين التاريخية؟



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام شمولي محكم يسود الولايات المتحدة الأمريكية
- المحافظون الجدد ينتهكون حرمة الحياة الأكاديمية
- تمويه سياسات التوحش بالتبذل الإيديولوجي
- حكم القانون
- من المتآمر في تفجيرات نيويورك
- اكتوبر شمس لا تغيب - مبادئ أكتوبر شبكة الإنقاذ من وحشية العو ...
- ثقافة الديمقراطية ـ ديمقراطية الثقافة


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - إسرائيل : وقائع التاريخ تنقض الإيديولوجيا