أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - إدريس ولد القابلة - واقع مزري يقود المغرب نحو انتفاضات -المغرب غير النافع-















المزيد.....


واقع مزري يقود المغرب نحو انتفاضات -المغرب غير النافع-


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 12:09
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


شهدت سنتا 2006 و2007 احتجاجات شعبية كثيرة ضد الزيادات في الأسعار وتكوين تنسيقيات وطنية ومحلية (في المدن والقرى) للتصدي لغلاء المعيشة وللدفاع عن القدرة الشرائية لأوسع الفئات الشعبية، كما تم تنظيم عدة وقفات احتجاجية تحت شعار "ما تقيش القدرة الشرائية ديالي".
احتجاجات، مسيرات، إضرابات، هنا وهناك على امتداد البلاد،للتعبير عن الغضب؛ وأسباب هذا الغضب المستشري وسط المغاربة حاليا هو الغلاء واندحار القدرة الشرائية والشعور بعدم مبالاة القائمين على الأمور بعمق المأساة.
ظاهرة جديدة في المغرب، إنها احتجاجات أهالي المناطق المهمشة والمقصية من الرؤية التنموية المعتمدة، وهي حركات شعبية عفوية تميزت بالجرأة وطول النفس، حيث كثرت الوقفات وتطورت بعضها إلى شبه انتفاضات.
و حسب أغلب المحللين الاقتصاديين، يبدو أن السياسات المعتمدة في مختلف القطاعات تكرس واقع "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع"، وهذا ما دفع فئات واسعة وشرائح اجتماعية شعبية متنوعة ومتزايدة في المناطق المنسية للتعبير عن تنديدها واحتجاجها جراء تردي الواقع.
ففي سنة 2005 بدا وكأن الدولة عازمة على تلبية جزء من مطالب المحتجين، إذ وافقت على تخصيص غلاف مالي لدعم المواد الأساسية في ميزانية 2007، غير أنه منذ منتصف السنة الفارطة تنبأ الكثير من المحللين بقدوم توترات اجتماعية واسعة المدى وهذا ما كان.
علما أنه في صيف 2005، جاء في تقارير مؤسسة "أتلانتيك أنتيلجانس" الأمريكية أن المغرب سيعيش موجة من الاحتجاجات في ظل عجز القائمين على الأمور، باقتراح استراتيجية واضحة للتنمية في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وفي هذا الصدد سبق للباحث محمد ضريف أن صرح أنه إذا لم ينطلق المغرب اقتصاديا ولم تلب الملكية مطالب الشعب، وقتها جميع ظروف الثورة على الطريقة الإيرانية ستكون متوفرة.
وتعتبر الزيادات في الأسعار من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الاحتجاجات الشعبية في مختلف أرجاء المملكة، علما أن هذه الزيادات ليست ظرفية، كما يحاول تفسيرها بعض المسؤولين، وإنما هي مرتبطة باختيارات سياسية واقتصادية، هذا في غياب تمكن المغاربة من تقرير مصيرهم بخصوص النظام الاقتصادي الذي يناسبهم أكثر من غيره.
فعلى عكس الخطابات والتصريحات الرسمية التي تحاول ربط الزيادات الأخيرة (واللاحقة لا محالة) بالظرفية الاقتصادية وارتفاع ثمن الطاقة وكلفتها، فإن الزيادات في الأسعار، في واقع الأمر، لا تشكل إلا حلقة من حلقات التفقير والتهميش الناتجة عن الاختيارات الاقتصادية الكبرى المعتمدة منذ الثمانينات؛ وزاد من تفعيل آليات التفقير واتساع دوائر الفقر بالبلاد انسحاب الدولة من المجال الاجتماعي (تسعيرة الصحة، ميثاق التعليم، تفويت النقل، تحرير الأسعار...) وخوصصة القطاعات والمؤسسات العمومية الأكثر مردودية وتفويت قطاعات إستراتيجية حيوية للخواص، لاسيما الأجانب، وتشجيع الفلاحة التصديرية على حساب الفلاحة المعيشية واعتماد نظام ضريبي غير عادل يتحمل ثقله الأكبر الكادحون مقابل امتيازات كبيرة يتمتع بها كبار الرأسماليين وكبار الملاكين العقاريين والشركات العملاقة، وشبه تجميد للأجور مع التراجع على دعم المواد الأساسية، ومواصلة تسديد فوائد ديون لا علم للمغاربة لماذا اقترضت وفيما صرفت، إذ الشيء الوحيد الذي يعلمونه أنها تستنزف جزءا من الميزانية العامة.
الأكيد، والذي لا يمكن نكرانه بأي وجه من الوجوه، أن السياسات والاختيارات المعتمدة منذ الثمانينات لعبت الدور الأساسي والجوهري في تدهور الحالة الاجتماعية للسواد الأعظم من المغاربة، وساهمت في هشاشة الأجور والمداخيل وانتشار البطالة، الشيء الذي خلفّ العديد من المهمشين والمقصيين.
وزاد الطين بلة عندما التحقت أحزاب المعارضة بركب السلطة وساهمت في تكريس السياسات النيوليبرالية المناهضة لمصالح أغلبية المواطنين، وذلك بفعل اختيار خفض الرسوم الجمركية وبيع المؤسسات العمومية في المزاد العلني، ثم منح المستولين عليها امتيازات ضريبية، واعتماد الدولة على إثقال كاهل الجماهير الشعبية بالضرائب والزيادات لتمويل خزينتها، وهذا المسار لا يمكنه أن يؤدي سوى إلى المزيد من الغضب الشعبي والاحتجاج الآيل ليتحول إلى انتفاضات من الصعب تأطيرها والتحكم فيها والتنبؤ بنتائجها، والتي لا يمكن التصدي لها إلا باستعمال القوة كأرجح خيار أمام الدولة.
هذا في وقت بدأ الحديث فيه عن تحويل تنسيقيات مناهضة الغلاء من مجرد النضال ضد الغلاء إلى جبهة واسعة من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة في ظل الغياب التام للنقابات عن الساحة، وتخلي الأحزاب السياسية عن القيام بدورها في التأطير والتعبئة.
والحالة هذه، لازال القائمون على أمورنا يختبئون وراء مقتضيات تحرير المبادلات التجارية والأسعار، والغريب في الأمر هو أن المواطن اكتوى بزيادات صاروخية متتالية في الأسعار دون الاستفادة من الجودة والمنافسة بخصوصها كما يتم التبجح بذلك.
فإذا كان تطبيق تحرير الأسعار يسفر في أغلب دول العالم عن تنويع السلع والرفع من جودتها مع عرضها بأسعار منخفضة بفعل المنافسة الحرة، ففي المغرب حدث عكس ذلك، إذ إن قانون تحرير الأسعار تكرس بموازاة وتزامن مع المزيد من هيمنة الوسطاء والمستفيدين من الامتيازات ومن احتكارات تفرض أسعارا عالية لتحقيق الربح السريع دون الامتثال لقوانين السوق ولترسانة قوانين التجارة الداخلية، علما أن أكبر المحظوظين هم المستفيدون من الرخص والامتيازات، كما أن انتشار الغش وغض الطرف عليه يساهم في تنمية أرباحهم.
إن الغلاء رسخ وجوده في الأسواق المغربية، ما دامت الأجور جامدة، ولا خيار إلا الاحتجاج والتنديد، ومع اتساع دوائر الغضب سيصعب تأطير الوقفات والمسيرات السلمية المشروعة، وبذلك يضحى من المحتمل أن تتدخل القوات الأمنية بقوة، مما قد يؤدي إلى انفجار انتفاضات لا يمكن التحكم في مآلها، هذا إذا لم تحضر الإرادة الفعلية والشجاعة الضرورية لإعادة النظر في السياسات الفاعلة في اتجاه إغناء الأغنياء والمزيد من تفقير الفقراء، وهو منطق ، علاوة على أنه مرفوض من طرف الأغلبية الساحقة للمغاربة، فهو منطق في بلد مثل المغرب.
واعتبارا لاستمرار تردي الوضع الاجتماعي وتمادي الزيادات، فإن الاحتجاجات المتناسلة والمنتشرة في القرى والحواضر تنذر بخطر أكيد لاسيما وأن القائمين على الأمور لازالوا يتفرجون.
فقد عرف المغرب منذ الاستقلال عدة انتفاضات شعبية إلا أنها لم تؤد إلى التغيير المنشود، وكلها جاءت كردود فعل عفوية على السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة، سواء بخصوص الهجوم على مكسب التعليم كما حدث في مارس 1965، أو الاستيلاء على الأراضي كما حدث في انتفاضة أولاد خليفة بالغرب في غضون السبعينيات أو ضد تدهور القدرة الشرائية من خلال انتفاضة الخبز و"الكوميرا" سنة 1981، وانتفاضة الجوع سنة 1984 والعصيان الشعبي سنة 1990، وهي أهم الانتفاضات الشعبية التي عرفها المغرب في العقود الأربعة الماضية.
وفي السنوات الأخيرة عرفت مجموعة من المناطق النائية المهمشة تحركات شعبية قوية واحتجاجات شديدة اللهجة بجملة من المدن، كما حصل في إملشيل وأيت بلال والرباط وتطوان ومدن أخرى ضد الشركات الموزعة للماء والكهرباء وزاكورة وطاطا وأسا وسيدي افني وبوعرفة ضد الإقصاء والتهميش.
ومهما يكن من أمر، فإن الصيرورة الاجتماعية العامة تنحو حتما نحو التغيير، أراد من أراد وكره من كره، كما أن الواقع العام يعيد الآن إنتاج الأزمة وعناصرها بشكل دائم، وهذا هو الدرس الواجب استخلاصه من طرف القائمين على الأمور حتى لا يعيد التاريخ نفسه، علما أن الحالة اليوم أسوأ من الأمس وأفضل حالا من الغد.
إن الانتفاضات لا تأتي نتيجة لغياب الإصلاح والتغيير، بل نتيجة لإحباط آمال الجماهير في الإصلاح الموعود والتغيير المرتقب، وهذه حالة يعيشها مغرب اليوم بامتياز .

سعيد الكحل/ محلل سياسي
أمام الفراغ السياسي والإداري سيضطر المواطنون إلى التعبير عن غضبهم ومعاناتهم بالاحتجاج المنظم والعفوي

إن غلاء المعيشة إنضاف إلى تردي الخدمات الاجتماعية في وقت يعيش فيه المواطنون الحرمان فيما فئات قليلة تنعم بالثورة، الشيء الذي يؤجج الإحساس بالغبن و"الحكرة"، وأمام الفراغ السياسي والإداري يضطر المغاربة إلى التعبير عن غضبهم ومعاناتهم بالاحتجاج المنظم والعفوي، وقد يتحول الاحتجاج إلى تمرد وانتفاضة، باعتبار أنه بقدر ما تتعمق المأساة تتسع دائرة الغضب الذي قد يتخذ التعبير عنه أشكالا وتعابير قد لا تكون في الحسبان.

- ما هي أسباب الاحتقان واتساع دوائر الاحتجاج بالمغرب؟
+ طبعا هناك أسباب مباشرة أدت إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية التي اتسع مداها ليشمل مختلف المدن المغربية، وأبرز هذه الأسباب الغلاء الفاحش والارتفاع الصاروخي في الأسعار. الأمر الذي أثقل كاهل الأسر. ولا ننسى أن ربع المغاربة يعيش تحت عتبة الفقر المطلق. بالتأكيد أن غلاء المعيشة إنضاف إلى تردي الخدمات الصحية والاجتماعية مما عمق مأساة الأسر ذات الدخل المحدود، وأجج داخلها الإحساس بـالغبن و"الحگرة" سيما وأن المواطنين يعيشون الحرمان فيما فئات أخرى تنعم بالثروة. إن الفوارق الطبقية ازدادت اتساعا بسبب أساليب النهب والفساد التي تتعرض لهما الثروة الوطنية. أما الأسباب الغير مباشرة فيأتي في مقدمتها يأس المواطنين من وجود جهة مسئولة تتلقى شكاويهم وتعمل على حلها. بحيث لم يجد المواطنون محليا أو إقليميا أو مركزيا إدارة تمثل سلطة الدولة والقانون قصد معاقبة الغشاشين والفاسدين. أمام هذا الفراغ السياسي والإداري سيضطر المواطنون إلى التعبير عن غضبهم ومعاناتهم بالاحتجاج المنظم والعفوي أمام الإدارات المعنية والمسئولة عن مراقبة الأسعار. إذن غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف العيش إضافة إلى غياب جهة مسؤولة تحمي المواطنين وتطبق القانون على المفسدين، كلها عوامل أججت مشاعر الغضب وحملت المواطنين على الاحتجاج تعبيرا عن أحوالهم المأساوية وتنديدا بلامسؤولية الجهات المعنية.
- هل يمكن أن يؤدي تردي الأوضاع واتساع دوائر الغضب إلى انتفاضة بالمغرب؟
+ بالتأكيد إن تردي الأوضاع المادية والاجتماعية يؤجج الغضب الشعبي ويحرض المواطنين على الاحتجاج والتمرد والانتقام. وبقدر ما تتعمق المأساة تتسع دائرة الغضب الذي قد يتخذ التعبير عنه أشكالا وأساليب عدة.
طبعا التأطير لا يمكن أن تتولاه النقابات أو الأحزاب السياسية الحالية، لأنها باتت من الضعف والتشرذم وفقدان المصداقية النضالية ما يحول دون تعبئة مناضليها فأحرى عموم الجماهير. وبناء عليه، فإن الإمكانية الوحيدة حاليا لاستغلال موجة الاحتجاجات وحالة التذمر والغضب بهدف كسب التعاطف وتوسيع القاعدة، تشكلها جماعة العدل والإحسان التي ستزداد خطورتها كلما تعمقت الأزمة وتأجج الغضب. ذلك أن جماعة العدل والإحسان تجعل من الغضب الشعبي والبؤس المادي وقودها التنظيمي. فهي تركز خطابها على حالة التذمر والفقر، وترجع أسبابها إلى النظام الملكي وليس إلى الفساد الإداري. فهي تعتبر الفساد نتيجة حتمية للأنظمة التي لا تحكم بشرع الله ومما ينبغي التذكير به أن جماعة العدل والإحسان تتخذ من "العصيان المدني" والثورة الشعبية الأسلوب الأنجع للسيطرة على الحكم. إذن على المسؤولين الذين يتجاهلون شعارات الغضب أو الذين يواجهون الاحتجاجات بالأساليب الأمنية ، أو أولئك الذين يسرقون أرزاق المواطنين ويمتصون دمهم، على الجميع وفي مقدمتهم الأحزاب الحكومية، أن يدركوا أن الخطر الذي تُعدّ له جماعة العدل والإحسان لن يستثني أحدا، وأن المواطنين البسطاء الغاضبين واليائسين سيكونون وقود "القومة" والقوة التي تنفذ "الزحف" على السلطة والدولة.
- كيف يتعاطى القائمون على الأمور مع هذا الوضع؟
+ للأسف الشديد، وكما لمسه المواطنون قبل الانتخابات وبعدها، إن همّ الأحزاب المشاركة في الحكومة كان ولا زال هو المنصب والكرسي وتوزيع الكعكة على ذوي القربى، ولم يكن شاغلهم التخفيف من معاناة المواطنين. فكيف نفسر التطاحنات على المواقع والمناصب فيما الملايين يكتوون بنار الغلاء ويتجرعون مرارة "الحگرة" ؟ لماذا لم تتحمل الجهات الحكومية والإدارية مسؤوليتها للضرب على أيدي المتلاعبين بأرزاق البسطاء ؟ إن الجوعى والمهمشين لا يزيدهم صراع الأحزاب على المناصب إلا تذمرا ويأسا وتمردا، لأنهم يسعون للانتقام لكرامتهم. وأمام اتساع ظاهرة الاحتجاج لا يملك القائمون على الأمور سوى اعتماد المقاربة الأمنية ضد المحتجين. وهذا أسلوب قد يؤجل الاحتجاج لكنه يزيد من خطره. وقد جسدت أحداث صفرو الأخيرة التداعيات الخطيرة التي قد يتسبب فيها أدنى تدخل أمني. ذلك أن غضب الكتلة الشعبية سيكون بمثابة بركان قد ينفجر في أية لحظة ولا يوجد ما يقي منه أو يمنع خطره.
- ما هو الفرق بين طبيعة ومآل الاحتجاجات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس؟
+ بالتأكيد توجد فروق جوهرية بين عهد الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس على مستوى أسلوب مواجهة الاحتجاجات وتأطيرها. ذلك أن الاحتجاجات التي اندلعت في كثير من المدن المغربية على عهد الحسن الثاني كانت قوية ومؤطرة وذات حمولة إيديولوجية واضحة، مما حولها إلى انتفاضات. وبسبب ذلك كان التعامل معها يتسم بالشراسة ( استعمال الرصاص الحي، سقوط العشرات من الضحايا، اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين والمثقفين ) كما حدث سنة 1981، 1984 و1990. أما في عهد الملك محمد السادس فقد غاب التأطير الإيديولوجي للاحتجاجات. وظلت هذه الاحتجاجات ذات طابع سلمي ولم تتحول إلى انتفاضة، باستثناء أحداث صفرو التي، لحسن الحظ، لم تسقط خلالها أرواح بشرية ولم يستعمل الرصاص الحي. وأعتقد أن العهد الحالي أبعد ما يكون عن اللجوء مباشرة إلى استعمال السلاح ضد المدنيين. فقد أظهرت أحداث صفرو أن معظم المصابين هم من رجال الأمن. ولو أن الأحداث نفسها وقعت على عهد الحسن الثاني لاتخذت الأمور أبعادا خطير.

علي فقير/ فاعل سياسي يساري
القائمون على الأمور في واد والشعب في واد آخر

يرى علي فقير أن سخط الجماهير ينصب على الأحزاب السياسية البرلمانية وعلى النقابات بالدرجة الأولى، وعلى الحكومة بالدرجة الثانية باعتبار التمييع الذي تعيشه الساحة السياسية، هذا في الوقت الذي يبدو فيه أن الملك وحده هو الذي يشتغل ويقوم بمبادرات من شأنها أن تجيب على جزء من انتظارات المغاربة.
المؤسسة الملكية توجد في وضعية مريحة نسبيا، نظرا لتركيز سخط الشارع على الأحزاب السياسية البرلمانية وعلى نقابات المأجورين بالدرجة الأولى، وعلى "حكومة الوزراء" بالدرجة الثانية؛ لقد لعبت مختلف أجهزة النظام دورا مهما في تمييع الوضع السياسي بحيث يظهر للمواطن "العادي" أن الملك هو الوحيد الذي يشتغل، وقد صرفت الملايير من المال العام (عبر الصناديق الخارجة عن كل مراقبة) في هذا المجال.
ويؤكد على أن مصالح المحظوظين تعرف ازدهارا، إذ كلما توسعت دائرة الفقر في صفوف الشعب تجمعت الثروات بيد الأقلية التي تزداد ثراءا.
و يرى فيما يخص تطور الغضب الشعبي والاحتجاجات ضد الغلاء أن سياسة الدولة على كافة الأصعدة وفي جل المجالات، وانبطاح الأحزاب التقليدية أمام النظام، وترويج بعض فصائل اليسار لأطروحات انتخابوية بدون أفق، وتراجع المد الأصولي الماضوي؛ كل هذه العوامل مجتمعة قد جعلت أوسع الجماهير تتذمر من وضعيتها وتفقد الثقة في جل هؤلاء الفاعلين. وقد لوحظت في المدة الأخيرة ردود فعل جماهيرية، العديد منها عفوية، في مواجهة سياسة التفقير والتهميش: مسيرات أغبالو، 11 دوار باقليم ورزازات، اتزر، بن الصميم، إقليم بوعرفة، اقليم تازة...كما شاهدنا انتفاضة ساكنة مدينة صفرو، بالإضافة إلى الإقبال المتزايد على وقفات التنسيقيات ضد الغلاء. وفي هذا الصدد، يضيف علي فقير، هناك مقاطعة حوالي 80 في المائة من البالغين سن التصويت (18سنة) لانتخابات 7 شتنبر التي شكلت نقطة تحول كيفي في الصراع الطبقي بمغرب اليوم، فرغم نداء الملك وفتاوى أئمة المساجد، وحملات 33 حزبا سياسيا ونداء جل النقابات، وعرائض المثقفين البرجوازيين، وشطحات "الفنانين".. فان الكادحين، والفئات المثقفة الديمقراطية ، والمهمشين، وجل المحرومين، قد تحدوا الإغراءات والديماغوجية والترهيب وقاطعوا انتخابات القطب الآخر.
أما فيما يرتبط بتعاطي القائمين على الأمور مع انتشار موجات الاحتجاج ، فإن الدولة المغربية المرتكزة، اقتصاديا على الرأسمالية الاتباعية المخزنية، واجتماعيا على تكتل طبقي رجعي وطفيلي، وسياسيا على القمع واللاديمقراطية، وفكريا على المقدسات والفكر الخرافي، ودوليا على "مساعدات الدول الصديقة"، لا يمكن لهذا النوع من الدول أن يجد حلولا جذرية لمشاكل المواطنين. إن المتحكمين في السياسة الرسمية ينفون وجود مشاكل، وحتى عندما يعترفون بالبعض منها(مثل الغلاء) فإنهم يربطونها بتقلبات السوق العالمية، متناسين أنهم هم من رهن اقتصاد المغرب (الهش أصلا) بالسوق العالمية (التي تتحكم فيه الرأسماليات القوية) عبر اتفاقات التبادل الحر... إن " القائمين على الأمور" في واد والشعب في واد آخر، فثرواتهم تزداد تراكما مع انتشار الفقر في القطب الآخر.
و في الغالب سيتم اللجوء عند الضرورة إلى الحلول الكلاسيكية والمألوفة عندنا: القمع، تعميق سياسة التدجين والإغراء باسم المصلحة العليا للوطن، اختلاق (أو إعادة إحياء) "قضية" جديدة تفتح الطريق أمام " إجماع وطني مزعوم".

عبد الخالق بنزكري/ محلل اقتصادي
قد تتوسع الاحتجاجات وتتصاعد لتتحول إلى انتفاضات

يرى عبد الخالق بنزكري أن الاحتجاجات ناتجة، كما يلاحظ الجميع، عن ارتفاع الأسعار من جهة وعن تجميد الأجور من جهة أخرى، الشيء الذي يؤدي إلى تدهور قدرة المواطنين الشرائية، علما أن هذه الاحتجاجات قابلة للتصعيد ويمكنها أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. وذلك لأن الارتفاعات ستستمر، وهنا تكمن الخطورة. على المواطنين الآن أن يتحملوا انعكاسات أثمنة الأسواق العالمية، والانعكاسات الداخلية، علاوة على أن السلطات تتصرف بخصوص الزيادات دون إخبار المستهلكين ودون محاولة الدفاع عن المواد الأساسية ودعمها، لاسيما وأن دخل أغلبية المغاربة جِدّ بسيط.
مع الأسف الشديد، تترك السلطات أثمنة المواد الأساسية (الدقيق، الزيت، السكر...) تحت رحمة قوانين السوق تتلاعب بها كما تريد، مع العلم أن المواطنين لا يمكنهم أن يتخلوا عن مثل هذه المواد لأنها تشكل العمود الفقري لمنظومتهم الاستهلاكية والغذائية، هذا في وقت لا يتعدى فيه الحد الأدنى للأجور 1860.00 درهما.
وما دام الأمر كذلك، فإن القدرة الشرائية لشرائح اجتماعية واسعة ستتقهقر، وبالتالي من الطبيعي أن تتوسع الاحتجاجات وقد تتصاعد حدتها وتتحول إلى انتفاضات.

عبد الرحمان بنعمرو/ محامي حقوقي
العنف الشرس قد يحول الاحتجاج إلى انتفاضات

إن تدهور الأوضاع المعاشية والاقتصادية لعدد كبير من المواطنين، هو بالأساس نتيجة لاختيارات سياسية واقتصادية منذ أمد بعيد، باعتبار أن السياسات والبرامج والخطط المعتمدة منحازة إلى طبقة معينة.
ونتج عن هذه الوضعية المبنية على الليبرالية العشوائية والمتوحشة اتساع الفقر وشموله لفئات واسعة داخل المجتمع، وبالتالي لابد أن تكون هناك ردود فعل عبر وقفات احتجاجية، وهي مشروعة ما دامت الزيادات المتكررة قد ضربت القوت اليومي للجماهير، ونالت كثيرا من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية المؤكدة من طرف جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ومن الممكن أن يؤدي اتساع نطاق الاحتجاجات والتنديد بالزيادات في الأسعار إلى حالة من التصادم الاجتماعي، لأن التجربة علمتنا أن مختلف الشعوب، عندما تصاب في قوت يومها وحاجياتها الأساسية تلجأ إلى التعبير عن مطالبها، سواء عبر نقابات أو أحزاب أو جمعيات، وعندما لا يستجاب لها تحدث ردود فعل قد تتخذ أشكالا عنيفة؛ وتاريخ المغرب الحديث غني في هذا المجال بمثل هذه اللحظات وبانتفاضات في الستينات والسبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات، وكانت دوافعها ارتفاع الأسعار وغياب الديمقراطية والحوار الاجتماعي.
إن القضية، في نهاية المطاف، متوقفة على دور الحكم في علاقته مع النقابات والمجتمع المدني، كما هو متوقف كذلك على ردود فعل، على تصرفات السلطات والقوات العمومية، وذلك باعتبار أن الوقفات الاحتجاجية السلمية والمشروعة التي عرفها المغرب كانت تواجه بالعنف الشرس وإطلاق النار أحيانا كثيرة، الشيء الذي جعلها تتحول لا محالة إلى انتفاضات.

محمد أبو النصر/ تنسيقية مناهضة الغلاء
موجة الاحتجاجات حركة في طور الانطلاقة

يقول محمد أبو النصر، منسق تنسيقية الدار البيضاء لمناهضة الزيادة في الأسعار، إن موجات الاحتجاجات هي حركة في طور الانطلاقة جاءت للتعبير عن استياء الجماهير من جراء الزيادات المتتالية للأسعار وغياب النقابات والأحزاب السياسية والذي كان معبرا.
علما أن مكونات النقابات والأحزاب السياسية اليسارية والتقدمية هي التي ساهمت في تأسيس التنسيقيات، وبالتالي تظل حمولات هذه الأخيرة حمولات يسارية بالأساس.
ويضيف أبو النصر.. إن الحركات الاحتجاجية ظرفية وهي مرتبطة بلحظات الزيادة في الأسعار، لكنها لا ترقى إلى تحقيق التغيير، وحتى لو كانت هناك احتجاجات على مستوى المدن والقرى (هناك حاليا أكثر من 80 تنسيقية فاعلة في مختلف أرجاء البلاد)، فإنها تظل احتجاجات متفرقة، وإن كانت تتوج أحيانا بمسيرات، فغالبا ما تكون مسيرات النخبة رفقة مشاركة جماهيرية قليلة.
ولن تتحول إلى انتفاضات إلا بمشاركة جماهير الكادحين بالخصوص، وآنذاك سيصعب تأطير تلك الحركات، وقد تحدث انفلاتات تذكرنا بما جرى من قبل.
وإذا ظلت الحركات الاحتجاجية مؤطرة سيكون هناك عمل بناء وهيكلة المجتمع والفعل السياسي، وإن غاب التأطير ستحدث انتفاضات أو أحداث اجتماعية عنيفة لكنها سرعان ما تتوقف كما وقع سابقا، وهناك نماذج بهذا الخصوص مثل أحداث 1965 و1981 و1984 و1990 و1994، حيث حصلت انتفاضات، هنا وهناك، إلا أنها لم تؤد إلى التغيير، سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى السياسي.
ولحد الآن، إن نهج تعاطي القائمين على الأمور مع حركات الاحتجاج لازال مطبوعا بالمقاربة الأمنية دون سواها، إذ أن كل ما قيل بخصوص الدعم وصندوق المقاصة لا أثر له على أرض الواقع، حيث لازال هناك تراجع في مجال الصحة ومجانية العلاج، والزيادات لازالت قائمة في وسائل النقل والمواد الأساسية وفاتورات الماء والكهرباء. لا يتعاطى القائمون على الأمور مع الاحتجاجات إلا من الزاوية الأمنية ولا وجود لحوار بهذا الخصوص، بل أكثر من هذا هناك مؤشرات تدل على أن زيادات أخرى تلوح في الأفق، وبالتالي فإن الوضع قابل للمزيد من التوتر في ظل غياب تأطير الجماهير، علما أنه من المستبعد انتظار نتائج إيجابية.

النويضي/ جمعية "عدالة"
الاعتماد على القوة للسيطرة على الوضع هو الخيار الأرجح

اعتبارا لتردي الأوضاع، يرى النويضي أن كل شيء ممكن الحصول، حيث يقول: "يمكن أن تحصل انتفاضة هنا وأخرى هناك"، ويتم إخمادها هنا وهناك. ويعتقد أن الأمور ستبقى تحت السيطرة، ولو أنه شخصيا، لا يحبذ اللجوء إلى العنف، لكن الدولة قادرة على أن تلجأ إلى قدر منه، يزداد أو ينقص، حسب خطورة الوضع.
وأمام الأوضاع المتفجرة في العالم لا يستبعد النويضي أن تلجأ الدولة إلى قدر من العنف يتناسب وحجم عدم الاستقرار، خصوصا وأن الانتخابات قد مرت، ونسبة المشاركة كانت ضئيلة، مع ذلك يعتقد (النويضي) أن النظام يشعر بقدر من المشروعية تسمح له بأن يستعمل قدرا من القوة يتناسب مع خطورة الوضع.
علما أن تردي الأوضاع واتساع دوائر الاحتجاج والتنديد بالزيادات في الأسعار قد يدعو إلى تدخلات عنيفة للقوة العمومية، وهذا ما حصل بدليل ما حدث مؤخرا في صفرو، والذي يمكنه أن يتكرر على نطاق أوسع، باعتبار أن الدولة ليس لها خيار آخر، فإما إشباع الحاجات والاستجابة للمطالب، وهذا مستبعد في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد حاليا، وإما الاعتماد على القوة للسيطرة على الوضع، وهذا هو الخيار الأرجح.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -فقر- الاحتفاء باليوم الدولي للقضاء على الفقر بالمغرب
- ساركوزي يُبيِّض صفحته مع المغرب بزيارة خاصة
- الجماني و طرائفه مع الحسن الثاني
- المجلس الأعلى للحسابات يتقصى ملفات مصادرة أملاك مهربي المخدر ...
- المغرب والرهانات العشر لمغاربة الخارج
- الحكومة فاشلة حتى قبل ولادتها
- المغرب إلى... المجهول... !!!
- هل فؤاد عالي الهمة أبرم صفقة سرية مع الملك؟
- لا ديمقراطية بدون ثقافة الاحتجاج
- انتفاضات الخبز في العهد الجديد بالمغرب
- من قاع سجن عين قادوس
- غضب وتذمر في انتظار غد أفضل
- السطو على البنزين المدعم ونهب المال العام
- عباس الفاسي وزيرا أول وماذا بعد؟
- حوار مع عبد الله حريف أمين عام حزب النهج الديمقراطي
- حوار مع عبد الحميد أمين المناضل التقدمي والمسؤول الحقوقي وال ...
- الأفق يبدو غير واضح ولا يبشر بخير
- مازالت -ألتاديس- تستغفل المغاربة بمباركة وتزكية الحكومة
- البوليساريو تحرك أجنحتها في الداخل لخلق القلاقل في الصحراء
- فؤاد عال الهمة


المزيد.....




- خبير اقتصادي يتحدث عن توقعاته للأسعار في مصر بعد التخلص من ا ...
- 11 مليار دولار تعهدات لصالح البنك الدولي لتعزيز الإقراض
- ارتفاع واردات الصين من النفط الروسي بنسبة 13% في الربع الأول ...
- بلجيكا تقود مبادرة لمراجعة منح إسرائيل امتيازات بالسوق الأور ...
- شويغو: الدفاع الروسية ستقوم بتشكيل مركز أبحاث وإنتاج للمسيرا ...
- خبير يؤكد حاجة دول مجموعة -بريكس- إلى إنشاء شبكة إنترنت مشتر ...
- ماسك يؤجل زيارته المقررة إلى الهند
- رئيس الإكوادور يعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهرين
- بعد إكمال عملية -التنصيف-.. بيتكوين تواجه شكوكا
- بايدن يعلن إنتاج الولايات المتحدة أول 90 كغم من اليورانيوم ا ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - إدريس ولد القابلة - واقع مزري يقود المغرب نحو انتفاضات -المغرب غير النافع-