أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الموسوي - بشت آشان.. فصيل الاعلام















المزيد.....

بشت آشان.. فصيل الاعلام


كاظم الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 10:08
المحور: الادب والفن
    



(35) *
لا يمكن أن تصمت
عليك أن تقول شيئاً آخر..
أراغون
واد سحيق بين ثلاثة جبال متقابلة، نهاياتها متقاطعة، وسفوحها حادة الانحدار من الجهة الثانية. على سفوح الجبل الأوسط قريباً من الوادي غرف حجرية - طينية متلاصقة يقيم فيها فصيل الأنصار الذي انتسبتُ إليه.
حجر غير منظَّم وطين وأغصان وأسمال خيم مكوَّمة، أطلال بيوت مهدَّمة وأكداس أشجار مقطوعة يابسة، أو مغطاة بألوان الورق الصفراء والسوداء وبلون القهوة وغيرها، غير واضحة المعالم من أعالي الجبل وسفوحه النازلة إليه، تبدو الصورة الأولى لهذا المقر الرئيسي.
فرش من الإسفنج وأغطية وبطانيات ملونة في الغرف التي دخلتها. وفي الغرفة التي نمت فيها، أصدقاء .. رفاق قدامى.. جدد.. وجوه جديدة.. رجال ونساء، شباب وبغل وكلب وأسرار كثيرة.

الجو خريفي، غيوم كثيفة ورياح سريعة تحملها معها وتعود بغيرها، شمس تتغنج، تظهر دقائق لتختفي بعدها حيناً، وفي اختفائها تتكرم الغيوم بالهطول الغزير، المحبوب حيناً، والمكروه أكثر الأحيان، حين ينجلي، بعد وقت تصحو السماء وتضيء المعالم والوجوه المهمومة والمطوية على ما فيها من غيوم وسماوات بعيدة. فوانيس نفطية صغيرة في كل غرفة، معلقة في الزوايا وقرب رؤوس الرفاق المختارين لأماكنهم بعناية الخبرة ورغبات المكان.

فانوسان متميزان في الغرفة التي أقمت فيها، غرفة الإعلاميين، حيث مسؤول الإعلام ورفاقه الذين يتولون شؤون إعلام الحزب والأنصار. المسؤول رفيق قيادي في الحزب، من عرب البصرة، هكذا يصرح وتدل ملامحه السمراء الداكنة وطيبته الجنوبية المشهورة، إضافة إلى شعر رأسه الناصع البياض وحاجبيه الكثيفين، وجبينه المملوء بالتجاعيد التي تخبر بعمره الذي سلخ جُلُّه في السجون الرسمية أو المختارة تحت عنوان الاختفاء والعمل السري، يشكو من أتعاب وآلام في المفاصل وتوعك صحي، ولهذا وضعت له مقاعد إسفنجية ومخدات وبطانيات عديدة في نهاية الغرفة، وجاوره رفيق كردي كان يعمل في إدارة صحيفة الحزب ببغداد، يتقن العربية واللهجة البغدادية خاصة، فلا يجد صعوبة في الترجمة بين اللغتين العربية والكردية، ومجاله مطلوب وضروري في الإعلام أولاً، وفي مدخل الغرفة كاتب الطابعة، رجل متوسط العمر، صديق للحزب، بشوش، مرح، لم يتحمل البقاء في قريته القريبة من تحركات الأنصار والمقاتلين الأكراد، فالتحق بالحزب تاركاً وظيفته التي نقل إليها في دائرة الإصلاح الزراعي بعد أن كان معلماً في مدرسة القرية، يعرف الطباعة باللغتين أيضاً. أمامه طابعة بحروف عربية وأخرى بفارسية محفوظة في صندوقها الخشبي للأمان والاحتياط، واعتزازاً بمقدميها الأشقاء من حزب الشعب "توده" الإيراني، وضعها قرب رأسه، في مقدمة مدخل الغرفة، سياجاً له أيضاً من الباب المفتوح أكثر الأوقات… للضوء والحذر ومعرفة متغيرات المناخ.
فراشان متيمزان في الزاوية المقابلة للباب، كما يبدو للوهلة الأولى، لشاعرين كرديين، عاشا ببغداد زمناً ودرسا في جامعتها، وعملا في صحافة الحزب المركزية، تشعبت بهما الطرق حتى التقيا في هذه الغرفة وهذا الفصيل. أعرف أحدهما جيداً ويعرفني الثاني أيضاً. لم أجد صعوبة في التأقلم مع جو الغرفة الجديد وقاطنيها، ثمة معرفة وتفاهم مسبقان، وأشواق ورغبة بتبادل الهموم وما حملته السنوات من غبار وأوجاع، دون إشعار مسبق!.
رتبت حقيبتي وفراشي معهما وخرجت أتعرف على أجواء الفصيل وقواعده وتعليماته. مطبخ مجاور لغرفتـ"نا"، تليه غرفة صغيرة الباب للمسؤول التنظيمي للحزب، عضو المكتب السياسي، وغرف أخرى لعوائل وأنصار الفصيل، تقابلها غرفة الإدارة وغرفة أخرى للسجن..
ماذا؟
- سجن، وهنا أيضاً سجن؟
- نعم… وعندنا سجين.. سياسي..
كان مسؤولاً عن منظمة مدينة ببغداد، تعاون مع السلطة وسلَّم رفاقاً للموت، اكتشفت خيانته، فأرسل للمشاركة في مؤتمر الحزب.. حضر مندوباً عن السلطة والمنظمة الحزبية التي كانت أذكى منه.. اعترف في التحقيقات معه وتوسل إعفاءه وتوبته لأنه أب لأطفال، ونسي أطفال الرفاق الذين سلَّمهم لدوائر الأمن.
أب لأطفال، سجين سياسي، خائن للحزب. هكذا ختم حديثه النصير مسؤول السجن.
شاب أسمر مفتول العضلات، مملوء الجسد، متحمس لمسؤوليته، تفضحه ملامحه الريفية وبساطة أبناء أطراف المدن الكبيرة، أحزمة الفقر الجديدة التي تحوَّلت إلى مدن واسعة ملحقة، أكبر من المدن الأصلية، خاصة بغداد. وما أن أنهى حديثه تعالى الضحك ثم الابتسامات الخبيثة، تصوَّرت أن في الأمر طرفة أو نكتة ثقيلة، حيث يتحين البعض بالقادم الجديد في كثير من هذه القصص بحثاً عن ضحكة مكتومة أو مزاح مفقود، ولكن الأحاديث المفتوحة التي تداخلت كشفت عن صدق ما قال أو صحة المعروف منه. القصة واقعية ومن هموم الفصيل وساكنيه اليومية.
وكأي جديد قادم يحمل أخباراً و"أسراراً" جديدة ، لابدَّ من الاستفسار منه واستفاهمه واختباره وفحص معلوماته وتطابقاتها. ماذا حصل وماذا يحدث هناك، خارج هذه المساحات والجدران الجبلية، في الأراضي الفسيحة والمدن البعيدة..؟. عدد من الأنصار يعرفني بالاسم أو من خلال مجالات العمل السياسي والإعلامي التي كنت أمارسها، أو عَرف عني من غيره، فلم أفاجئ بالأسئلة، وقسم لا يهمه من إجاباتي غير ما يستهدفه منها.. وماذا يتصور من مواقفي مما نحن عليه، أو ما وصلنا له بعد تلك السنوات. أسئلة كثيرة توزَّعت بين الهموم العامة والخاصة، بين وقائع الأمور وتداخلات السياسة وقدرات الرجال على إدارة العمل والنضال وجبهات الصراع وبين صفات العاملين وما يسمع عنهم أو اشتهروا به. أسئلة بريئة وحارة ونابعة من تشوق وأخرى فيها خبث الركود والحصارات المتعددة وظروف المكان والبعد والأزمة.
عين الماء قريبة من المقر، السكن قرب موارد الماء مسألة مهمة وحيوية، معروفة للجميع، كما أن هناك أكداساً من جذوع الأشجار المقطوعة في أزمان مختلفة، ومتروكة ويابسة، وليس صعباً الحصول على أمثالها في المنطقة، وهي مسألة مهمة أخرى لكل فصيل من الأنصار، رغم وجود أكثر من فصيل للأنصار والبيشمركة، تمرُّ أو تعيش فيها مع أعداد غير قليلة من العوائل والرحَّل والمهجّرين وعابري السبيل. هكذا هي حياة فصائل الأنصار، لابد لها من غابات تتستر بها، وتحتطب منها وتعيش مع سكانها الكثر كما يعيشون أحياناً أو بمواصفات بشرية أحياناً أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فصل من كتاب يصدر بهذا الاسم: بشت آشان... فصيل الاعلام، للمؤلف عن دار خطوات / دمشق، وهو الكتاب الثاني، من يوميات نصير في كردستان العراق، حيث صدر الجزء الاول تحت عنوان: الجبال، عن دار الكنوز الادبية / بيروت عام 1996.



#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الموسوي - بشت آشان.. فصيل الاعلام