أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - ليلة ايزابيلا الأخيرة















المزيد.....

ليلة ايزابيلا الأخيرة


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 07:50
المحور: الادب والفن
    


(قصة قصيرة)

أفعمتني الطبيبة بابتسامة حفيّة.. لا تخلو من غيرة ولمز.. دفعتني لمبادلتها الابتسام والشعور بفرح غامض.. وقالت: مبروك.. عائلتكم تزيد..
ثم أردفت: اقترب قليلا.. هل ترى.. اقرب لك الصورة.. انه نائم الآن.. هذا قلبه.. اسمع النبضات.. وصار صوت يدقّ في فضاء الحجرة.. هذا رأسه.. انه مشعر.. رجوتها أن تخفض الصوت.. وانسحبت لمكاني.. ابتسامة عميقة تحفر وجه ايزابيلا وهي تلفّ رقبتها نحو شاشة السكرين.. رغم وجود شاشة ثانية معلقة في السقف أمامها مباشرة.. وعادت لقطف مجسات الفحص المنتشرة حول بطن ايزابيلا وتحت صرتها المنتفخة.. قطفت حفنة من أوراق التنظيف ودعكتها في يد ايزابيل التي بدأت على الفور تمسح أثر الدهون المنتشرة حول بطنها في مواضع المجسات .. أخذت حفنة من المناديل ومسحت بطن ايزابيلا في المواضع التي لا تصلها يدها أو لا تنتبه إليها.. وسحبت القميص لتغطيتها.. عندما وقفت ايزابيلا التصقت بي ولفت ذراعها حولي وهي تنظر للطبيبة..
- هذه الفترة المثالية لعمل الحبّ بين الزوجين.. حاولا استثمار كل ساعة من يومكم ليمنح كل منكما السعادة القصوى للآخر.. كّود لاك..هاف أنايس دي..
صافحتنا الدكتورة كلا على انفراد وشيّعتنا بنظراتها الأمومية للباب.. قبل أن يتم النداء على الزبون التالي.. نظرت إلى وجه ايزابيل الطافح بالمسرّة واندفعنا في الممر بخطى متناسقة وبطيئة.. مبروك حبيبي.. مبروك عليك.. أجبتها.. وسكت.. نازلين درجات السلّم القديم نحو الطابق الأرضي.. في السيارة سألتني وهي لا تقطع نظراتها عن وجهي.. هل تحبني الآن أكثر.. أنا دائما أحبك أكثر.. كل نهار جديد وكلّ ليلة جديدة تزيد حبي لك يا ايزابيلا.. أنت تعرفين هذا.. لماذا تسألين.. أقصد هل تحبني أكثر لأنني الآن حامل منك..
- ألم تكوني تريدين الحمل؟..
- طبعا منك يا حبيبي..
- أنا سعيد لسعادتك أيضا..
- ألا تحب الأطفال..
- ايزابيلا أرجوك.. دعي هذا الكلام.. هل تشعرين بالذنب لأنك حامل.. أم أنك فعلت هذا من أجلي..
- آسفة يا حبيبي.. لا تنفعل.. طبعا أنا حامل من أجلك.. كل رجل يريد أن تمنحه زوجته طفلا وتجعله أبا..
- لم نتفق على هذا يا ايزابيلا.. لو كنت شرحت الأمر في حينه لقلت لك رأيي بالتفصيل..
- ولكني قلت لك يا حبيبي..
- ماذا قلت يا ايزابيل.. في تلك الليلة ونحن عائدان من سهرة عيد ميلاد بنت ماري قلت اقذف في الداخل.. لا تخرجه ارجوك.. وعصرتيني على بطنك..
- دعنا نمر على الماركت ونشتري بعض الفواكه.. هل تنكر أنك تحب العصر..
- ماذا ستعدين للغداء؟..
- أووه.. ذكرتني بالأكل.. نحتاج شراء بعض اللوازم أيضاً..
- جيد أنك تذكرت..
أنا ادفع العربة وايزابيلا تأخذ وتلقي فيها المواد.. مرّت على قسم الأطفال ووقفت لبعض الوقت تتفرج على سرير طفل وعربة وبعض الثياب.. ثم عادت واتجهنا للدفع.. في الطابور مالت على أذني وهمست.. ما رأيك يا حبيبي لو عزمتك على غذاء سمك مشوي.. هل تذكر مطعم العائلة..
- طبعا اذكر..
- أنا سأدعوك..
- وماذا عن الرزّ..
- ستأكله في المساء..
منذ أول تعارفنا تعوّدنا على الذهاب إلى مطعم فردناند.. مطعم فردناند صيفي قريب من شارع المطار.. يضعون الكراسي تحت سقائف بينما تتصاعد رائحة البخار على مقربة.. نذهب إلى مطعم فرناند أو العائلة من وقت لآخر.. لنتذكر أيامنا الأولى الجميلة عندما كانت أشواقنا مشحونة بالحاجة للاكتشاف وتأكيد حبنا للآخر.. مطعم عائلي صغير يديره فردناند مع زوجته هيلين وبناته الثنتين وصهره جرجيو..
تسربت لأنفي رائحة احتراق بعض الأجواء.. روائح البهارات والمتبلات القوية..
- ايزابيلا..
- حبيبي..
- عندي طلب صغير..
- صغير.. مثل أي شيء..
قالت بفرح وحيوية غامرة..
- أريد أن أنام..
- الآن.. ألا ننتظر السمك..
- بعد الأكل.. للنوم مباشرة.. ومن غير كلام..
- تأثرت بكلام الدكتورة..
- إذا كان لا يعجبك بلاش.. أنام وحدي..
- لا يا حبيبي.. يعجبني ونص.. وأتوسل..
- رائحة المشويات تزيد الجوع.!.
*
صرت أحبّ ايزابيلا كما لم يحدث من قبل.. يخامرني شعور أنني تعرفت عليها للتوّ وأرغب فيها بشكل جنوني.. لا أخرج من البيت إلا للعمل.. أتمارض لأحصل على استراحات مرضية أقضيها في أحضان ايزابيلا.. هي الآن دافئة أكثر من ذي قبل.. في داخلها أكثر من روح وأكثر من حياة.. أكثر من وهج.. التصق بها أينما كانت.. ولا أريدها أن تتحرك أو تعمل.. نقضي الساعات أمام التلفاز.. تسحبني وتلصق وجهي على بطنها.. ألفّ ساعدي حولها وأحضنها مثل وسادة.. ايزابيلا سعيدة لأني سعيد.. شعور لم يخطر لي ولا أفسّره.. لماذا لا تبقين حامل يا ايزابيلا..
- سأصنع لك قد ما تشاء من أطفال يا حبيبي.. المهم أنك تحبني..
- لا أريد أطفال.. أريدك أنت.. وأريد أن تبقي حامل..
- ألا تكفي تسعة أشهر..
- لا..
- يمكن تأخير الولادة إلى عشرة أشهر..
- أكثر..
- سيموت الطفل أو أموت أنا.. وأنت لا تريد هذا طبعا..
- ما أريده افتراض فنطازي.. أن تبقي حامل دائما وفقط.. من غير تأويل..
- حاضر يا حبيبي.. هل تريد أن نجدد الحبّ الآن..
في عطلة نهاية الاسبوع سافرنا للقرية وبتنا ليلتنا في الفندق.. سهرنا في الليل مع أهل القرية.. أكلنا وشربنا ورقصنا وتبادلنا أحاديث ونكات كثيرة.. وقبل الفجر بقليل ذهبنا للنوم.. ايزابيلا في ذروة سعادتها.. ملامحها تفيض عيون من عسل.. وشفاهها ريانة مثل شمامة في مجرى ماء.. كلما أعتصرها أظمأ أكثر.. كلما أرتوي أشتاق أكثر.. اريدها تحضنني وتعصرني حتى أغيب.. اللعنة يا ايزابيلا لماذا أنت جميلة هكذا.. لماذا شهية ودافئة لهذا الحدّ.. تحاول أن تعطيني فوق طاقتها.. ذبول عيونها يجعلها مغرية أكثر.. هل أنت سكرانة أم نعسانة يا ايزابيل.. لا هذا ولا ذاك .. أنت نعسان وسكران.. نفتح زجاجة جديدة في الفندق.. نجلس على الأرض.. نشرب وننام ونحبّ.. في تلك الليلة انهك جسدها كثيرا.. ورفضت النوم.. طالبة الحب مرة بعد مرة.. في المرة الأخيرة لففت حولها ساعدي ورأسي على بطنها وأغفوت.. ونور الصباح يتسلل من النافذة..
*
عندما صحوت لم أجدها في الحجرة.. ارتديت ثيابي ونزلت إلى الصالة.. قال النادل أنها ذهبت تتمشى في الغابة.. خرجت أبحث عنها.. على حافة الجبل كانت تجلس وهي تمسك عصبة من الأغصان بيدها.. مستقبلة الشمس بوجهها.. ايزابيل.. ايزابيل.. ماذا تفعلين هنا..
- أريد أن أستمتع بالطبيعة يا انريغو.. هناك أشياء كثيرة هنا لا توجد هناك.. لو تعرف كم أحب الطبيعة يا انريغو.. لو كان لنا بيت صغير هنا لا نغادره أبدا..
- سيكون ايزابيلا.. لكن الآن تعالي نعود للفندق.. هل فطرت.. أنني أموت من الجوع..
- لماذا لا نفطر هنا..
- هل أجلب لك الفطور هنا..
- لا نحن نصنعه هنا.. سنفطر سمك مشوي..
- ولكن ايزابيل..
- لقد جمعت أعواد وأعددت موقدا .. وجلست انتظرك..
- وأين السمك..
- يوجد سمك في سوق القرية..
- متى أفطرت سمك أنت يا ايزابيل.. معدتك تحتاج الزبدة والجبن في الفطور..
- اليوم أشتهي السمك.. هل عندك مانع..
- لا أعرف كيف تفكرين.. أنت لم تنامي كفاية..
- لكنني مرتاحة.. يكفيني أنك تحبني وتعطيني كل ما أريد..
- ما زلت تريدين سمك..
- أجل..
- سأذهب لأحضر شيئا منه من السوق.. حاولي أن ترتاحي.. سأعود بسرعة..
في طريق العودة لحق بي عامل الفندق..
يا سيد.. يا سيد.. احضر للفندق حالا.. زوجتك في خطر..
ركضت نحو الفندق.. وعن بعد كان جمهرة من الناس أمام الفندق.. وسيارة اسعاف.. تقدمت.. زوجتك في حالة خطرة وسنأخذها للمستشفى. هل تريد مرافقتها؟..
- أجل.. أجل..
كانت ايزابيلا تنزف بشدّة.. وأنا أحتضن رأسها وأبكي معها.. وأقول.. لا تبكي أرجوك.. لا تبكي.. سيكون كل شيء على ما يرام.. لا تبكي يا حبيبتي..
نقلت ايزابيلا من صالة العمليات إلى ردهة العناية الخاصة.. كانت تتنفس بواسطة الأنابيب.. وجسدها يتغذى بالأنابيب.. شبه غائبة عن الوعي.. وملامحها جامدة .. تبخرت الحرارة واليفاعة.. وبدت صفراء كشخص على وشك الموت..
عندما تنتبه ايزابيلا تنشج عيونها دموعا ساخنة تمسحها برؤوس أصابعها.. وتقول.. لقد مات طفلنا.. لقد مات.. لقد وجدوه ميتا يا ايغور....
- المهم أنت يا حبيبتي.. سنعود إلى البيت وستحملين ثانية وتنجبين أطفال حلوين مثلك.. كوني قوية لنعود إلى البيت بسرعة.. لا أريد أن تتركيني لوحدي كثيراً.. وقربت وجهي من وجهها وهمست لها.. اريدك معي يا ايزابيل.. اريد أن أعود ألتصق بك..
- لم أعرف أنك تحبني هكذا يا ايغور.. أن حبّك الزائد يؤلمني.. ويجعلني أؤنب نفسي.. أنا تماديت في الشرب والسهر ونسيت أن الطفل يتعب.. أكثر من مرة أردت أن ننام ولكني أردت أن أسهر حتى الصباح.. سامحني يا ايغور..
- أرجوك توقفي عن هذا .. عليك أن ترتاحي الآن لكي نعود للبيت.. أريد أن أرى ابتسامتك وأسمع ضحكاتك.. فكري بصحتك إذا كنت تحبينني وارتاحي لنعيش الحياة من جديد..
*
لم تعد ايزابيلا للبيت ثانية.. ولم تكتمل الضحكات والأفراح المنتظرة.. سهرة القرية كانت آخر الفرح في حياتها.. ايزابيلا ماتت.. بعد ثلاثة أسابيع على العملية.. لم يمت طفلها فقط.. لقد مات شيء منها.. شيء من جسدها ومن حياتها.. ظلت متعلقة به حتى أخذها معه.. كانت التمزقات شديدة في رحمها أثر سقوط مفاجئ.. ذلك الصباح لم تقل أنها سقطت في حفرة.. وأنها بقيت تمسك بالأغصان التي تعلقت بها عبثا.. كانت تتألم.. وتتمزق.. ولم تخبرني.. وفي لحظاتها الأخيرة.. اشتهت السمك.. اشتهت ساعات حبنا وتعارفنا الأولى.. قالت أنها تحبني كثيرا.. وأنها لم تعرف أني أحبها إلى هذا الحد.. لم تكن لتقدر على الحمل ثانية لو أنها عاشت.. فقد اقتلعوا رحمها.. وسلبوها أنوثتها.. هل عرفت قلع رحمها.. هل عرفت أنها لن تحبل ثانية ولن يكون لها طفل.. لماذا فعلت كلّ هذا يا ايزابيلا.. لماذا يحدث هكذا معي!..
*
لندن
الثامن من نوفمبر 2007



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل المرأة الرافدينية وقراءة الواقع
- قاع النهر قصة: الفريد بيكر
- أبي / هيلكا شوبرت
- توازن القطاعي في النظام المعرفي العراقي..!!
- صورة جانبية لأدورد سعيد
- من الشعر النمساوي المعاصر- كلاوديا بتتر
- أوهام الضربة الأميركية لايران
- النوستالجيا.. الطمأنينة والاستقرار
- الفرد والنظام الاجتماعي
- الاغتراب في ظل الإسلام
- من الشعر النمساوي المعاصر- بيرنهارد فيدر
- أحلام مكيسة
- Shadowsظلال
- محمد علي الباني رائد تحرر المرأة العربية
- نكايات
- الجنس والجسد والزواج
- في ذكرى الصديق الشاعر مؤيد سامي!
- لا تحبيني رجاء!..
- دبليو ه. أودن
- سنجار: مجازر جماعية وجرائم ضد الانسانية والبيئة


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - ليلة ايزابيلا الأخيرة