أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - حكاية شعبية- الجنرال والسمكات !















المزيد.....

حكاية شعبية- الجنرال والسمكات !


نايف أبو عيشه

الحوار المتمدن-العدد: 2094 - 2007 / 11 / 9 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


في زمن الدولة العثمانية ,عاد الجنرال الخمسيني الى بيته , يرافقه اثنين من حراسه وقد حمل كل منهما اغراض البيت التي اشتراها قبل ان يعود وقت الغداء , ومن بينها بعض السمك الطازج . استبدل بدلته العسكرية , استعدادا لقيلولة ما بعد الظهر , بعد ان طلب من زوجته ان تجهز صينية السمك مع بعض المقبلات . هذا اليوم لم تجادله في الامر , وغادرت الغرفة نحو المطبخ وهي تلتزم الصمت على غير عادتها . لانها كثيرا ما تجادلت معه ليترك الجيش حتى بعد ترقيته لرتبة الجنرال ,مطالبة اياه ان يترك الوظيفة الحكومية ويبحث عن عمل آخر , بعد ان تزايد عدد الاولاد وكبرت العائلة وبات معاشه لا يكفي لسد الاحتياجات الضرورية للعائلة , لكنه ظل يتجاهل رايها خاصة عندما تنفس عن غضبها وتقول له انه لا يتقن أي عمل آخر في حالة تقاعده من الجيش مما يجعله عالة على المعاش التقاعدي الذي لن يكفي نصف الاحتياجات في حينه . احيانا كان النقاش يحتدم بينهما وينتهي باوامره الصارمة ان تتركه وشانه ليرتاح, لكنها نادرا ما كانت تسلم بالامر وتستفزه ويصل الامر بينهما لطريق مسدود , حين تخاطبه بنبرة لا تخلو من السخرية, ملاى بالتحدي له , انه من اليوم اصبح عاجزا عن القيام بعمل آخر غير القاء الاوامر وتلقي التحية العسكرية من افراد الجيش والتبختر في الميدان امامهم كالطاووس . في هذا اليوم بالذات لم تشا مناقشته وهي تضمر في نفسها شيئا لا يعرفه. عندما تاكدت من استغراقه العميق بالنوم استدعت مرافقيه وبدت بتنفيذ الفكرة التي قلبتها مرات عديدة خلال النهار قبل رجوعه للبيت عند الظهيرة كعادته . نزعت عنه البيجاما الخاصة به وطلبت من مرافقيه وضعه داخل كيس كبير ونقله بالعربة التي تجرها الخيول الى ابعد مكان مهجور يمكنهم الوصول اليه ويرجعوا اليها بسرعة لقبض المكافاة التي وعدتهم بها . حين استيقظ الرجل كاد يفقد عقله وهو يحاول ان يستوعب ما جرى له وكيف وصل لهذا المكان البعيد المهجور وهو يرتدي ملابسه الداخلية فقط وهو داخل كيس كبير من الخيش ؟ . ايقن ان امرانه فعلت ذلك به عمدا ,فقرر الا يعود الى البيت وان يثبت لها انه قادر ان يبدا حياته من الصفر, والعيش في اسوا الظروف وان يبني نفسه من جديد وان يكد ويعمل وليس كما تحكي له بعدم اهليته للقيام بعمل اخر غير الوظيفة الحكومية. غادر المكان باحثا عن بعض الملابس يستر بها جسمه , وبعدها اخذ يفتش عن أي عمل مهما كان ليعيش به ويكسب رزقه منه . مضت اربع سنوات على غيابه وهي تتابع اخباره وتستقصي عنه لتعرف ماذا فعل .وعندما علمت انه قرر الرجوع الى البيت بعد ان كد وجمع الثروة واشترى الكثير من الهدايا والاغراض , طلبت من صاحب الاستراحة القريبة من الشارع الذي سيمر منه , ان يستضيفه ويترك لها باقي المهمة .وما ان وصل زوجها يقود عربة كبيرة يجرانها زوج من الاحصنة القوية ,محملة بالبضائع والهدايا الثمينة التي اشتراها وجلبها معه , قبالة الاستراحة ,حتى دعاه صاحبها باصرار ليستريح من عناء السفر , وكانت الزوجة مختبئة في المكان . شرب الرجل العصير الممزوج بالمخدر حتى راح في سبات عميق , وقامت هي ومرافقيه بنقل العربة وما تحمل من هدايا الى البيت واخفاء العربة والخيل في الاسطبل ووضعته في سريره بعد ان غيرت له ثيابه التي كان يلبسها ببيجامته المعروفة . وبدات تقلي كمية السمك التي اشترتها من السوق وتجهز له طعام الغداء , والمقبلات التي يحبها . استيقظ الرجل و بدا يصيح فجاة كالمصروع " وين العرباية, وين الخيل , وين الهدايا والاغراض ؟"جاءت زوجته مسرعة وعلى وجهها امارات الدهشة , وهي تحمل سمكة بيدها وملعقة خشبية ,فسالت بدهشة مصطنعة " بسم الله الرحمن الرحيم. ايش فيه . مالك بتصرخ هيك . ايش صار ؟" . صاح ثانية وهو يتفقد نفسه وبيجامته وينظر في زوايا الغرفة " العرباية , والخيل والاغراض , وين راحوا ؟" ردت بنبرة جدية لا تخلو من السخرية " اسم الله عليك يا حبيبي . يظهر انك كنت بتحلم ...؟" قاطعها صائحا " ولك شو بحلم . هذول تعب اربع سنين , اغراض وهدايا .... " قاطعته بنبرة جادة " يا زلمة , لا حدا يسمعك . شو هالحكي , لا يسمعوك الجيران والا الاولاد بعدين يقولوا انجن الزلمة . شو عرباية واغراض وهدايا .. اذا حدا سمعك يقول فقد عقله " صاح وهو يضرب بكفيه على راسه " الله اكبر . يا عالم تعب اربع سنين راح هيك . ولك عرباية كبيرة مليانة اغراض وهدايا وملابس والفلوس..." قاطعته ثانية بجدية " يا ابن الحلال بلاش حدا يسمعك . هاي السمكات اللي اشتريتهم وقلت لي جهزيهم للغداء , هاي بعدني ما خلصتهم قلي وتنظيف , وهاي انت نايم ولابس بيجامتك وهاي بدلتك معلقة فوق راسك , وانت يا دوب غفيت ساعة زمان وصحيت . من وين طلعت لي بعرباية وخيل وهدايا ومش عارف ايش ؟" رد وهو يكاد يبكي " معقول يا ناس . معقول تعب الاربع سنين راح هيك سدى , وبالاخر اكون بحلم ؟" هزت راسها بسخرية "اذا حكيت هيك قدام حدا غيري يقولوا الجنرال خرفن وانجن قبل اوانه , ومش بس هيك الحكومة تطردك من الجيش والوظيفة , ويمكن يبعثوك لمستشفى المجانين . احسن شيء ما تجيب هاي السيرة لحدا " . نهض من سريره وهو يكاد يفقد عقله , وتفقد بذلته وسلاحه , وبيته , ولحقها للمطبخ وراى الصحون على المائدة وقد امتلات باصناف كثيرة من الطعام والمقبلات التي يحبها وجلس يحدث نفسه بهمس غير مسموع "معقول يا عالم كل هذا اللي صار معي وبالاخر كنت احلم .والله اشي بجنن ويطير العقل من الراس .اربع سنين من الشقا والتعب واشتريت كل هالاغراض والهدايا وبالاخر قال ايش باقي احلم . مش معقول . لكن المرة بعدها تقلي السمكات وتجهز لي الغداء , وهاي كل شيء على ما هو عليه , اذن شو الحكاية ؟" سالته ان كان سيخرج كعادته عند اصحابه الا انه رد بعد لحظات من التفكير " ولك يا مرة , احكي لي بجد , لاني قربت انجن . كيف لقيت حالي بملابسي الداخلية مرمي في اخر ما عمر الله , ورحت افتش عن شغل , حتى صرت اشتغل بالتجارة والبيع والشراء, اربع سنين , واشتريت اغراض وهدايا كثيرة ومعي بالشنطة مبلغ كبير من الفلوس , هيك برمشة عين راحوا مني .ومش بس هيك كله كان حلم . معقوووووول " ردت وهي تسترق النظر لملامحه التي تغيرت قليلا خلال غيابه " ويا ترا ما تزوجت كمان بالحلم , وخلفت كمان ؟" صاح وهو يحملق بالارض بذهول " ولك والله رحت واشتغلت وتعبت ,كيف مش مصدقتيني ؟" ردت بعصبية وهي تغسل يديها " لان السمكات اللي جبتهم معك يا دوب خلصتهم قلي وجهزت طاولة الاكل الا سعادتك صحيت من النوم , خلي اللي بحكي عاقل والمستمع مجنون , وكمان هدايا واغراض وفلوس ..؟"تمتم الرجل وهو يذرع المكان جيئة وذهابا " خايف احكي للناس القصة يقولوا مجنون . لكن والله يا عالم ما هو حلم . انا تعبت وانهد حيلي في الاربع سنين وضاع مني كل شيء برمشة عين . يعني معقول كنت احلم . يلا بعوضني الله شو اعمل ؟". في اليوم التالي راى نظرات الدهشة في عيون زملائه عندما صادفهم بمعسكر الجيش كانه قادم من عالم اخر , وفي مكتبه وجد شخصا اخر يحمل رتبته ويحتل مكتبه وعندما ساله رد عليه " انا في هذا المكتب من اربع سنين , وسعادتك وين كنت ؟" توجه الى قائد الجيش الذي اخبره بدوره انه تم طرده من وظيفته وتجريده من الرتب التي يحملها وان المحكمة العسكرية قررت اعفاءه من مهماته لانه غاب اربعة اعوام بدون اشعار او اذن مسبق , وفي طريق عودته للبيت كان يردد " والله يا عالم ما كنت احلم " !

بقلم : نايف أبو عيشه
5/11/2007



#نايف_أبو_عيشه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقط السيف وترجل الفارس !
- -حكاية شعبية- الفرس من خيالها !
- ابو المقالب(2) !
- حسبوني مختار !
- -حكاية شعبية- حلها ابن المجنونة !
- من غير كلمة وداع !
- يا بصير هيك, يا كل شيء بدار اصحابه !
- -حكاية شعبية- الفرارات !
- ..في اليوم العاشر !
- -كل عام وانتم بخير - ...من واقع العيد !
- -حكاية شعبية- عائلة الطرشان !
- مكافأة عيد العمال !
- ضبع النقارة !
- الاسطبل والباشا !
- - حكاية شعبية- الراعي والقطروز !
- عند حاجز الارتباط !
- عند الحاجز !
- وانهزم ابو النبوت !
- الحق على الحمار !
- من طين بلادك ...!


المزيد.....




- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف أبو عيشه - حكاية شعبية- الجنرال والسمكات !