أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جمال المظفر - الشاعر الفريد سمعان يفتح ملف الذكريات مع مظفر النواب والسياب والبياتي















المزيد.....



الشاعر الفريد سمعان يفتح ملف الذكريات مع مظفر النواب والسياب والبياتي


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 2091 - 2007 / 11 / 6 - 09:26
المحور: مقابلات و حوارات
    


• مظفر النواب ساهم في تهريب الكثير من السجناء حيث صنع من بقايا الصمون رؤوس والبسها الغترة .
• كنت احمل السياب على كتفي في وثبة كانون 1948 لالقاء قصائده .
• النضال الحقيقي أكبر وأسمى من المناصب والاموال.


الفريد سمعان شاعرمن طراز خاص عاصر الكثير من الاسماء الكبيرة في الادب العراقي كالسياب والبياتي والجواهري ومظفر النواب وغيرهم من الاسماء التي تركت بصماتها في المشهد الثقافي العراقي ، اعتقل لأكثر من مرة خلال قيادة التظاهرات مع السياب ومظفر النواب واودع سجن نقرة السلمان الشهيرالذي احتضن الالاف من السياسيين والادباء والمثقفين الثوريين ..
الفريد سمعان خزين للكثير من الذكريات والاسرارلحقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق السياسي والادبي ، وارشيف واسع للكثير من الاسماء الادبية وانجازاتها وتاريخها الفكري والادبي ، عمل في اتحاد الادباء منذ تأسيسه وحتى انتخابه امينا عاما لأتحاد الادباء والكتاب في العراق ، كتب الشعر والقصة القصيرة وبرز في الشعر اكثر من القصة وعد شاعرا يحمل قلبا كبيرا يتسع لمحبة الجميع رغم فقدانه لزوجته في حادث اغتيال وبعدها ولده في حادث مؤسف ، مارس المحاماة بعد تخرجه من كلية الحقوق....
ولدخول ملف ذكرياته مع عمالقة الادب العرقي والتاريخ السياسي له كان هذا الحوار مع الفريد سمعان الشاعر والمناضل والانسان والامين العام لاتحاد الادباء والكتاب في العراق
. هل لنا ان نفتح السجل السياسي والأدبي لألفريد سمعان ؟

ـ ولدت في الموصل عام 1928 وتنقلت في شتى أرجاء العراق بحكم وظيفة والدي الذي كان يعمل كضابط جوازت ويتقن الانكليزية والألمانية ويعرف بعض ما تضمه اللغة الكردية والفارسية ... ولذلك عشنا على حدود الوطن الذي يؤدي إلى الانتقال للبلدان المجاورة كخانقين والرمادي وأخيرا في البصرة .
تفتحت عيناي على الحركة السياسية في أعوام الحرب العالمية الثانية وبعد ان انتقلت الى الصف الرابع ثانوي وكانت البصرة تضج بالحركة والجنود من مختلف أقطار العالم ، انكليز ، هنود ، استراليون ، سيخ ، حتى الجنود البولونيون الهاربون من جحيم هتلر ، وكان صوت التحرر الوطني يدّوي ويدعو الشعوب الى التحرر من الاستعمار ورفض التيار النازي المتجبر الأرعن وتجاوبت معه الحركة الوطنية وكانت هنالك أعمال كثيرة تحتاج للكثير من الأيادي العاملة ... في هذا الوسط الكثيف سياسياً شربت من حافة الكأس ووجدت نفسي في تيار اليسار وفي نفس الوقت كانت الظروف تساعدني على الاستمتاع بالأفلام السينمائية والمشاركة في حفلات نادي الميناء والسكك بتواضع وفي نفس الوقت ، كانت هنالك اندفاعة فكرية خلقها لدى المرحوم الأستاذ يوسف صالح من الحلة الذي دخل الصف وهو يحمل فكراً تقدمياً واضح الملامح ولم يحدثنا عن التاريخ المجرد الذي كان يقوم بتدريسه بل حاورنا حول الثقافة التي يجب ان يتحلى بها الانسان ليحتل له موضعاً في الوسط الاجتماعي والثقافي وهكذا بدأت الرحلة الثقافية وكانت اجواء البصرة الاجتماعية المنفتحة تساعد على ذلك وقد احتضن المسيرة الثقافية في الثانوية المرحوم الدكتور رزوق فرج رزوق وكنت مع البريكان وعدد آخر من المهتمين بالادب والثقافة وكنا متعطشين نتسابق مع الزمن ولا نترك فرصة لمتابعة القراءة والاطلاع على الافاق الجديدة وللعلم فقد كنت مشتركاً في مجلتي الرسالة والثقافة المصريتين وصحف ومجلات عديدة كالصباح والكواكب .. وبعض المجلات العراقية منها الهاتف والنادي ، ودفعني حبي للصحافة الى التسجيل في مدرسة الجواهري الصحفية وكانت بالمراسلة ثم بدأت انشر بعض قصائدي وكانت مقبولة مما شجعني على المضي في الرحلة الأدبية المتعبة اللذيذة واول قصيدة نشرت لي كانت بعنوان الحب الاول في جريدة الأديب الموصلية وبعدها قصيدة القبلة الاولى .. وكانت من القصائد التي جلبت الاهتمام قصيدة جميلة ( الجزائرية ) ومن أبياتها
ياجميلة الف مرحى
صارت الحبة قمحا
وارتقى المشلول سفحا
وكذلك قصيدة ( سليني ) التي نشرت في جريدة العصور ومن ابياتها
سليني كيف تنتصر الشعوب
ويقصي عن مواطننا غريب
ويبسم عن سواد الليل فجر
شفيف النور ليس له نضوب
نبذت الحب لن ابغي حبيباً
فكل مناضلِ عندي حبيب
• انت شاعر ودخلت عالم القصة فهل استهوتك كتابتها ، ام تعتبرها كموهبة ثانوية ؟ مرادفة للشعر وايهما الاقرب الى نفسك الشعر ام القصة ..
ـ الحقيقة اني كنت اقرا بشكل مستمر رغم انهماكي بالرياضة ومتابعة الأفلام السينمائية وحبي للموسيقى التي حاولت ان اتعلم احدى أدواتها فلم انجح لعدم وجود منهجية وضعف الامكانيات المادية وضيق الوقت ، ترى ماذا يمكن ان يحدث لأنسان يحب الادب والقراءة ويهوى الرياضة ويمارسها بقوة ، كرة القدم ، الجمناستيك ، حب الموسيقى ، والافلام والاغاني ليس سهلاً ان توفق بين كل هذه الاشياء وانت تمارس التجربة بنفسك ولا تجد امامك من سبقك الى ذلك وهو يقدم مشورته وتجربته اليك وبشكل منتظم صحيح اننا تعلمنا من الاخرين ولكن في اطار ضيق ، كنت معجباً بطه حسين ومراسلته وهو مدير دار المعارف في القاهرة ويشرف على اكبر مؤسسة ثقافية في البلاد العربية وكنت اتحمس له وقرات له الأيام فاثارت شجوني وحديث الاربعاء وتراجمه عن الفرنسية عن المسرح الفرنسي وكذلك كتاباته عن الثقافة اليونانية العريقة وهذا لا يعني اني لم اهتم بسواه ، فقد ارسلت رسالة لعباس محمود العقاد وطلبت ان يجيب على السؤال ( هل يمكن ان يكتفي الاديب او الذي يريد ان يصبح اديباً بلغته الخاصة ام يحتاج الى لغة اجنبية ) وقد اجابني الكاتب الكبير في مقال افتتاحي في مجلة الرسالة فتأمل لم يكن هنالك لا انترنيت ولا وسائل الأتصال الحديثة انه بريد اعتيادي ولكن التواصل كان يتم ... والكبار يشجعون الصغار وهو منتهى التضحية والابداع والوفاء والتواضع الرائع وكنت اقرا لأبراهيم المصري ومحمود تيمور وأمين يوسف غراب وكتب الجامعيين عبد الحميد جودة السحار وادريس وعلى احمد باكثير .. وسواهم ... ثم انتقلت القراءة الى القصص المترجمة وقرأت كل ما كانت تقع عليه يدي مثل غوركي وتشيخوف وتولستوي وهاوردفاست وهمنغواي وشكسبير وفكتور هوكو وديكنز وكل الكتاب البارزين وكانت بيروت تمدنا بما نريد ونشتهي وكذلك لا انس دار اليقظة العربية في سوريا التي ترجمت عشرات الكتب الادبية لأبرز كتاب العالم واغنت المكتبة العربية بما قدمت من الشوامخ ولذلك فانا قرأت تلاً من القصص والروايات وكنت احب قراءة هذا النمط الأدبي بشكل خاص اضافة للشعر الذي تواصلت معه واحتجز وقتي وهوايتي وهيمن على كياني في ظل المتاعب السياسية والاجتماعية التي عشتها ... رغم انها علمتني الكثير ولو اتجهت فعلاً لكتابة القصة لكان الآن لدى عدة مجاميع منها وما زال هنالك متسع من الوقت لتقديم ما يمكن ان يفصح عن هذا التعلق بالقصة ولكن الشعر يظل هاجسي الأول .. وانا حريص على ان أقدم ما استطيع مهما تعقدت الظروف وازداد انشغالي بأمور تنظيمية وإدارية ، واعتقد ان كل أديب ومبدع مسؤول عن تقديم أقصى مالديه من إمكانيات وان ينفض أفكاره على الورقة ويضيف ما يستطيع الى النهج الثقافي التقدمي وان يرسم صورة مشرقة لما نمتلك من مواهب وإمكانيات مشرقة ومضيئة .
• اول قصيدة كتبتها لمن كانت وهل كانت بداية تجربتك الشعرية ؟
ـ لاشك ان كل انسان عندما يدخل مرحلة المراهقة لاسيما وهو يقرا ويتابع ويشاهد افلاماً عاطفية ويتعايش مع وسط اجتماعي متفتح في ظلال الحضارة الإنسانية .. أقول لا بد ان يتاثر ويبحث عن النصف الآخر الذي لا تحلو الحياة بدونه والامر مرتبط بامور كثيرة وعلى راسها المعايشة اليومية او الجيرة او الرفقة الدراسية واعتقد ان لكل انسان تجربة في هذا الميدان قسم من ذلك يتسم بالنقاوة والاحترام والقسم الاخر ربما تقف عقبات دون تحقيقه وربما ينتهي بعلاقات قذرة وتغلب عليها المصلحة الذاتية دون اية اعتبارات .
ورغم ان السؤال يستهدف الكشف عن الاوراق الملونة وغير الملونة ايضاً اقول اني تعرفت باكثر من فتاة لم يتجاوب معي الا البعض وامتنعت الأخريات عن الاستجابة للمشاعر المتأججة ربما لانها لم تكن متأججة فعلاً وربما لأن لهن ارتباطات بالآخرين ، المهم اني لم اكن اعيش في صحراء عاطفية وكان لدي ما يساعد على التقرب من الجنس الاخر ، شاب ، يكتب الشعر ، رياضي ، يمارس أكثر من رياضة ، متفتح للحياة ، يجيد الرقص وهو في عمر الرابعة او الخامسة عشرة وتشعر من ترقص معه بانها تطير في فضاءات جميلة .. وتشعر بتعاطف مبكر مع هذا المراهق الجرئ في انسجامه مع مشاعر الآخرين بهذه السهولة والبساطة وبدون اية تعقيدات ولكن لم يكن هذا دليلاً على المضي ابعد من المسافة المحددة اجتماعياً وعاطفياً ... ثم أني تركت الإعدادية لأذهب الى دمشق التي كانت تحظى بحياة اجتماعية ذات طابع منفتح ويجد الانسان فيها فسحة للتأمل والاختيار ويستطيع ان يجد الأنفاس التي تتجاوب مع أنفاسه لاسيما وان الاعتقاد السائد بان من ياتي للدراسة خارج الحدود لابد ان يكون ذا حظوة ومن اسرة لديها إمكانيات مادية جيدة وهذا لم يكن كذلك معي بل هو حرص من الوالد وإلام الطيبة ( الأمية ) التي كانت حريصة على ان تشاهد أولادها الأربعة وهم يحملون شهادات عالية في ذلك الوقت ، وكان رب الأسرة متقاعداً وليس لديه إمكانيات كبيرة ولكن الحرص والشهامة دفعا به الى ان يرسل اثنين من أولاده الى دمشق وان يسحب الاخر من وظيفة محترمة في شركة النفط ليداوم في كلية الحقوق وان يهئ جواً مناسباً للرابع وللابنة الوحيدة التي تخرجت من كلية الآداب فرع اللغة الانكليزية ولكي اكون صريحاً وليس ادعاءً بانني أحببت إنسانة طيبة وهادئة وتركت البصرة بلا امل ولكنها ظلت في خيالي وهنالك مفارقة غريبة فقد ارتبطت بشكل خفيف مع إنسانة أخرى في بغداد تحمل نفس الاسم والمواصفات وقد غادرتا الحياة في امريكا بنفس المرض الخبيث واني حزين ، حزين وأتذكر هذه المفارقة التي تصلح ان تكون قصة سينمائية ولن يصدقها احد انها واقعية ... ولكن تظل الحبيبة الحقيقية هي ام الشروق الحبية والإنسانة الرائعة التي رافقتني ايام المحن وكانت نموذجاً مضيئا للزوجة والام التي تقف بقوة وتحدِ مع زوجها في محنه المتكررة وفي ايام الاضطهاد والرعب والنفي واستطاعت ان تحمي العائلة من الانهيار والتشقق ولن يكون لها بديل في حياتي مهما ناحرت الأعاصير واشتدت القيود وتحول مجرى الحياة من مكان لآخر ؟
وتسأل القصيدة الأولى فهي لم تكن لواحدة بل كانت طوفان مشاعر وشلال حنان يحاول ان يروي سواقي الحب والعطش اللآذع وان يحقق أمنيات قلب بدأ ينبض بضربات غير اعتيادية .. وهي لم تكن القصيدة الأولى .
• اعتقالك في سجن الكاظمية هل كانت بداية العمل السياسي وقيادة التظاهرات ؟
ـ ضمن النشاطات الجماهيرية التي كان يقودها الحزب الشيوعي حزب المناضلين بقيادة الرفيق فهد وليس المنافقين والطارئين في مختلف مراحل مسيرة الحزب فقد استولى على الحزب ( جماعات ) من الانتهازيين ولكن التاريخ لن يرحم افعالهم الشائنة وسوف يلقنهم درساً لا ينسى وهم لم يستفيدوا من التجارب السابقة حيث بقي الحزب وتمرغوا في مياه المستنقعات النتنة .
وقرر الحزب ان يخرج بمظاهرة في الكاظمية يوضح فيها باننا لسنا ضد دين انما ضد اتجاه عنصري ( صهيوني ) وعدواني وان اثارة النعرات الدينية لن يؤدي الى حل أنساني للأمور وتجمع الرفاق من مختلف الإرجاء وكنت واحداً منهم ومعي مجموعة صغيرة بضمنهم اخي الأصغر مني ويبدو ان دوائر التحقيقات الجنائية كانت على علم بذلك فهيأت كل الأجهزة وبالتعاون مع الذين يدعون انهم قوميون وكأنما جاؤا من الجزيرة العربية ونحن جئنا من سيبيريا وانها لسذاجة في التفكير ما بعدها سذاجة فانهالت على المظاهرة الحجارة رافقه هجوم بالعصي والخناجر في حين ان مظاهرتنا كانت سلمية وليس فيها أي مظهر عدواني ... وكنت ضمن الذين تم اعتقالهم وهنالك طريفة لا بد من ذكرها فعندما سألني مفوض الشرطة عن اسمي قلت اني فريد سلمان وليس الفريد سمعان لأنهم كانوا يصرخون بأننا يهود فقلت في نفسي ان الفريد سمعان ربما يوحي بذلك .
وبالمناسبة فليس هذا أول نشاط سياسي مارسته وضمن توجيهات وقيادة الحزب الشيوعي فقد كانت هنالك تجمعات وانطلاقات أخرى بضمنها تأييد إضرابات عمال السكك والسكائر وسواها من النقابات فقد كنا قافلة تجوب الطرقات وتحمل صرخات المقاومة للاضطهاد وللأعمال اللأانسانية التي تمارسها السلطة الملكية.
وباختصار فان المشاركة في مظاهرة الكاظمية كانت ضمن النشاطات العديدة والاحترام المتواصل مع السلطات الملكية من اجل التغيير وتلبية مطاليب الشعب .
• ماهي ذكرياتك مع الشاعر الكبير مظفر النواب في نقرة السلمان ، هل كان للشعر صلة في المساجلات اليومية ؟
ـ مظفر النواب، صديقي، منذ تأسيس اتحاد الأدباء عام 1959 وكانت الصلات حميمة كما هو معروف بين الشعراء والأدباء الذين يحملون فكراً ناضجاً ويلتقون عند مرافئ لا اختلاف عليها ... وكنت املك سيارة ( دوج ) قديمة وكثيراً ما كنت انقله مع محمد صالح بحر العلوم من اتحاد الأدباء الى الكاظمية ولا اتركه الا بعد ان اتاكد انه دخل الدار وكنت أمرّ عبر الاعظمية وكانت ساحة خطر لليساريين والمسافة غير قصيرة ولكن المحبة والحرص والتحدي كان يدفعنا لممارسة أعمال لاتخلو من الخطورة والتحدي .. كان مظفر في بداية رحلته في الشعر الشعبي وفي قصيدة للريل وحمد وقد أحدثت ضجة كبيرة وكانت لوناً متميزا استطاع ان يتفوق على الشعر الشعبي المألوف ... إضافة لقصيدة ( حمد ) وسواها ولم يكن معروفاً كشاعر فصحى ولكنه كان مثقفا ومتمكناً وذكياً ولديه مزاج موسيقي وغنائي خاص ، ودارت بنا الأيام والقي القبض على مظفر النواب وجاؤا به إلى سجن نقرة السلمان ووجد مكانه في القاعة رقم ( 10 ) التي كنت مسؤولاً عنها هو وسعدي الحديثي وكذلك الشاعر فائز الزبيدي ومجموعة من الضباط الشباب وسواهم ... كنا نقيم أمسيات ثقافية وكانت اللجنة الثقافية مؤلفة من فاضل ثامر ، محمد الجزائري والفريد سمعان ، وكنا نكلف مظفر بإلقاء قصيدة في المناسبات وهنا ظهرت موهبته في مجال الشعر الفصيح وكان عنيفاً ومحرضا من نوع خاص كما كان يهتم بالمطالعة واستقبال الأصدقاء إضافة الى اهتمامه بحفلات ام كلثوم التي كانت تقدم شهرياً ونستمع اليها بأجهزة الراديو الصغيرة المتوفرة لدينا وكان يرافق الاستماع تهيئة الطعام ضمن الأجواء وضمن واقع الحال .. وبعد فترة نقل عدد كبير من السجناء الى سجن الحلة وبقي ( الخطرون ) وكنت واحداً منهم وتقلص العدد من الفي سجين الى ( 350 ) سجيناً وشعرنا بالوحشة والانقباض ثم نقلنا بعد فترة والتقينا في سجن الحلة وكان معنا هاشم الطعان وهاشم صاحب وفاضل ثامر وجاسم جوي ومنعم المخزومي والأستاذ نعيم بدوي وباقة اخرى من الأدباء والشعراء والضباط وقد ساهم مظفر في تهريب اكثر من واحد من سجن الحلة حيث صنع من ( بقايا الصمون ) رأسا وألبسناه (الغترة ) ونام وكان يحسب في حين ان الشخص الحقيقي كان خارج السجن ... ثم التقينا ثانية بعد الخروج من السجن وكانت العلاقات قد سادها بعض البرود الا انها تجددت بنفس الحرارة والحماس .
• هل كان يطلعكم على ما كان يكتبه في السجن ام كان يخفيها ؟ .
ـ لست متأكدا من طبيعة الموقف ، فالذي اعرفه ان كل مبدع يسعى الى نشر أنتاجه وطرح وجهات نظره وإعلانها ليحتل المكان الذي يعمل به من اجل الوصول اليه ... ولكن هنالك مسالة أخرى وهي ان المبدع ـ المتواصل ـ يكتب أشياء لا يريد ان يطلع عليها الآخرون لأسباب عديدة ربما تكون اعتيادية ومألوفة وعلى سبيل المثال عدم قناعته بانتهاء المنجز وربما لان فيها مس وتحريض وترويج او مجابهة حادة مع موقف او وجهات نظر او شخص معين ، او قد يكون ضمن بعض الأعمال جرأة كبيرة مفضوحة لا يريد ان يطلع عليها الآخرون ولذلك لن استطيع ان أتكهن بما كان يضمره مظفر وغير مظفر .
• وذكرياتك مع الشاعر الكبير بدر شاكر السياب ؟.
ـ عرفت بدر السياب عندما كان طالباً في دار المعلمين العالية وكان ياتي مع زملائه من طلبة الكليات الى البصرة ويتواجدون في مقاه محدودة وكنا نحن طلاب الثانوية نتهيب منهم وننظر لهم نظرات مهابة وإعجاب ولعل فكرة أننا سنكون غداً ضمن قافلتهم راودتنا وبعد انتقالنا الى بغداد كنت أزوره في الدائرة المعروفة باسم ( المستوردة ) وكان مديرها العام ناظم الزهاوي وتضم طائفة كبيرة من العناصر اليسارية وقد تم تعيينهم بتوجيهات من نوري السعيد بالذات باعتبار ان اليساريين يتمسكون بمبادئ الصدق ويرفضون الرشوة وهو يعلم ان التجار الذين يراجعون هذه الدائرة للاستيراد لا بد ان يلجأوا لاستخدام ( الهدايا ) المالية ( الرشاوي ) لتمشية أعمالهم بأسرع ما يمكن وكان من بين الموظفين عامر عبد الله والشاعر كاظم السماوي وبدر السياب وباقة كبيرة من امثال الذين ذكرناهم وفي وثبة كانون المجيدة عام 1948 توطدت العلاقة وكنت احمله على كتفي في شارع الرشيد وهو يلقي قصائده كما كنا نخرج أحيانا لنسهر في شارع ابي نؤاس في مشرب
( بلقيس ) وقد حذرته في حينها من الاتصال بسميرة عزام كاتبة القصة والمذيعة سابقاً في راديو الشرق الأدنى الذي أغلقت في فلسطين واستفادت الإذاعة العراقية من بعض وجوهها حين دعيته للقاء ثقافي وقلت له انها محاولة لسحب اقدامه الى ساحة جديدة لا تنسجم وتوجهاته اليسارية وكان حاضراً الجلسة الشاعر محمود الريفي ... ثم التقينا في مواقف أخرى كمظاهرات تشييع الشهداء والانتصار على الرجعية وقد استأجرت له دار في المنطقة التي كنا نسكنها بعد ان تزوج من السيدة اقبال والتقينا ايضا في مجالات عديدة وقد كتب لي مقدمة ديواني الشعري الاول ( في طريق الحياة ) ولكني اواخذه على الانتقال المفاجئ من اليسار الى اليمين دون مبرر.. وبعد ان دعى الى بيروت من قبل مجلة حوار ويقال انه تعرض لحياة اجتماعية غير مألوفة لديه لانه كان منهمكاً بالمرأة عاشقا ضعيفاً جدا امام النساء وكان يعترف بان الطلاب في دار المعلمين العالية كانوا يستمعون الى قصائده في حديقة الكلية وبعد ان ينتهي من ذلك يذهب الطلاب كل مع زميلته او صديقته ويتركونه وحيداً في الساحة مما كان يثير مشاعره ويجعله يتحامل عليهم ويكتم غضبه الجامح ؟
ان اهم نقطة ضعف كانت لدى السياب هي تعطشه الى المراة وبدون اية شروط وكان يطمح بصداقة حميمة مع احداهن ولكن هذا لم يحصل الا من قبيل الإعجاب الشعري فقط وبعدها ينتهي المطاف... ومما يثير المي هو تحوله غير الاعتيادي فمن المعروف انه ذهب للعلاج الى لندن على حساب الدولة العراقية وبامر من قائد ثورة 14 تموز المجيدة عبد الكريم قاسم وكان من الوفاء ان يقدم الشكر على ذلك ولكنه وهو على فراش الموت كتب قصيدة يتشفى فيها من عبد الكريم وهو موقف يدين تصرفات شاعر عرف بالصدق والأمانة والدفاع عن الإنسان والإنسانية وقد كتب احلى وأروع قصائده التي جعلت منه علماً شعريا بارزاً عندما كان يسارياً مثل حفار القبور والموس العمياء وسواهما من القصائد المشهورة ولي صورة معه على سياج المقبرة الكائنة في الباب المعظم مقابل وزارة الصحة وقد رفعت يدي متحمساً عندما قال
ان هم بالإفصاح قالوا مجرم
خطر العقيدة احمر الجلبات
ان عطاء بدر اصبح القاعدة الرصينة التي يركن لها انصار الشعر الحر وما تبع ذلك من تطورات في شكل القصيدة وتطوير اطرها واتساع رقعة الحوار حول التوجهات والسياقات الجديدة في كتابة الشعر ..
وبالمناسبة فقد كان شقيق بدر الدكتور عبد الله السياب طالباً معي في الصف الثاني متوسط في ثانوية البصرة كما كان شقيقه الآخر مصطفى السياب رفيق الاعتقال او السجن وهو انسان طيب وذكي وقد اختلف مع بدر وكتب عنه في الصحف بعض الردود على مقالاته التي حاول ان يتنصل منها من انتمائه لليسار وانتقاداته لتلك الأفكار التي آمن بها وكان نهجاً له في مضامين قصائده الثورية والإنسانية .
ان بدر رغم الحصار الذي فرضه عليه المعجبون به كان يشعر بالحزن والوحدة وتوقف مشاعر الأصدقاء على حافة الجدار والغرض منها الأخذ والاستفادة من سمعته وإمكانياته الفنية وثقافته الشعرية التي تميز بها إضافة الى بساطته وطراوة أحاديثه وطيبته البصرية .
• ماهي طبيعة العلاقة مع الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتي ؟
ـ كانت قافلة الشعر تدق أجراسها وهي تحث السير نحو المستقبل ، أسماء ظهرت واستطاعت ان تطرح نفسها على الأفق الأدبي وان تتحصن بما تمتلك من طاقات أبداعية متجددة ومن هولاء كان البياتي الذي عرف الطريق الى الشهرة لا من خلال عطائه وقصائده بل من بوابة الانتماء ... حيث وجد بدر يحلق ويشتهر مبدعاً وأنسانا وشخصية أدبية على مستوى رفيع فابتعد عن الخط القومي الذي كان قد تبناه في بدء شبابه وانتقل الى ضفة اليسار وأدرك ان الطريق الى الشهرة لن ياتي الا اذا تبنى وجهة النظر التقدمية فكان له ذلك وهو محظوظ أكثر من بدر خلال مسيرته العاطفية فهو يمتلك جسماً رشيقاً ووجهاً لطيفاً ويعرف كيف يعتني بهندامه وهو محدث لبق استطاع ان يقنع اكثر من عشرين كاتباً في لبنان ان يكتبوا عنه شاعراً وانساناً ونشر الكتاب في بيروت ودفع بخطاه الى امام ، كما اقنع وزير خارجية العراق في عهد عبد الكريم قاسم بانه غير شيوعي وحصل على موافقة الخارجية لكي يتعين ملحقاً ثقافياً في السفارة العراقية في موسكو والتقى هناك بكبار الشعراء ومن بينهم الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت الذي سمع عن البياتي بأنه محكوم بالإعدام في العراق وهو لم ينل من الاعتقال الا بضعة ايام في حياته .. كما اقنع عبد الناصر بانه يقترب من وجهات نظره فكتب له قصيدة ضمنها عبارة ( لا شرقية ولا غربية ) ونشرت في مجلة العربي كما اعتقد وسمح له بدخول مصر وقبوله لاجئاً سياسياً ..
ان ما ذكرته يدل على ان البياتي كان يعرف كيف يتصرف لمصلحته الذاتية ويحظى بقناعة الآخرين به فقد عاد للعراق وعين مستشاراً في وزارة الأعلام وكان يستقبل الوفود التي تأتي من خارج العراق في المناسبات الثقافية وتحاشى ان يعلن انه كان شيوعياً ومنتمياً رغم ان شعره ترجم في الاتحاد السوفياتي الى عدة لغات قومية في هذا البلد المتعدد القوميات الحريص على العناية بالشعراء والادباء والمطاردين سياسياً في بلدانهم ويمد لهم يد المساعدة بنكران ذات لا يجارى عرفت البياتي احد رواد مقهى البرازيلي مع عبد الملك نوري ونهاد التكرلي وبلند الحيدري ... وعرفته ايضاً عضواً في هيئة تحرير الثقافة الجديدة وكذلك عضو الهيئة الادارية في اتحاد الأدباء وكنا نجلس احيانا في الاتحاد مع الجواهري وبعض الشعراء ونتبادل الأحاديث وكان يتحلى بالصمت ولكنه سرعان ما يطلق قنبلة تحدث عصفاً وتشغل الجالسين ... وكان يمتلك نبرة الاستخفاف بالآخرين ويعتبر نفسه القمة التي لن يصل اليها احد ولا يرد على جميل فقد ارسل زوجته ( ام علي ) السيدة الطيبة لكي انجز معاملة جواز سفرها بناء على طلبه .. وجاءت وقمت بواجب الصداقة وقمت بتوديعها وحملتها تحياتي لأبي علي .. ومرت الايام دون ان يذكران تقديم الشكر لمن يؤدي عملاً طيباً لزميله وحتى للغريب هو من الواجبات ... واخر مرة رايته فيها في عمان بحضور الدكتور عز الدين المناصرة في مقهى الفينيقي في عمان بعد ان أسقطت الحكومة العراقية عنه وعن الجواهري الكبير وسعد البزاز الجنسية وسالني أمازلت كما كنت فابتسمت بسخرية لهذا السؤال وجرأة السائل الذي قدم ما يستطيع عند تعيينه في الوزارة وعلى كل حال فان تصرفات البياتي لم تكن تروق لي فقد تعودت ان اتعامل بصدق وثقة مع الاخرين .. وهذا لا ينفي اقراري بما قدم البياتي للشعر العراقي فقد كان احد اعمدة الشعر الحر وقد حصل على مكانة رفيعة في هذا المجال واستوقف اهتمام الكثيرين وكتبت عنه مئات المقالات واعتقد ان البعض كتب عنه رسائل جامعية كما ترجم شعره الى اكثر من لغة وتعرف على العديد من رؤساء الدول والشخصيات الادبية البارزة .
• هناك من يستخدم النضال او السجن وسيلة للوصول الى السلطة ، كيف ترى النضال الحقيقي ؟ .
ـ النضال وهو كلمة كبيرة ومقدسة اذا كان هذا النضال لا يستهدف الحصول على مكاسب شخصية فهو مرتبط بالفكر والحركة التي ينتمي اليها المناضل ، انها ضرورة انسانية لا على المستوى السياسي وحسب بل على كل المستويات فرب الأسرة الذي يقضي ساعاته في مضمار العمل وينهك نفسه او أعصابه لكي يوفر لقمة العيش والحياة المناسبة لعائلته هو مناضل وكذلك الطالب الذي يسعى الى تقديم بعض الخدمات لزملائه اضافة الى واجباته هو ايضاً مناضل ولكن الشائع عن هذه الكلمة المقدسة هو العمل السياسي من اجل اقتلاع جذور الظلم ومقاومة الدكتاتورية وانجاز الواجب الوطني الذي يحمي الشعب والوطن م التعسف والاستغلال والبطش .. ولا شك فان المناضل الذي يشق الصفوف ويتحمل القسوة والأذى يكرم بتقدير عالٍ من شعبه وهذا هو المنطق السليم ولكن الأمور اليوم وما نشهده على الساحة قد حول اللآشيء الى نضال والهرب خارج الحدود في انتظار قافلة الانتصار القادم اعتبر نفسه احد وجوه النضال والذي استمتع بأموال دول اخرى ساعدته على العيش لتضمن تأييده مستقبلاً هولاء مرتزقة جاؤا ليحصدوا أمجاد سواهم والمناضل الحقيقي هو الإنسان الذي منح حياته من اجل ان تنتصر الحقيقة وهولاء يقدرون في عراقنا بمئات الآلاف من كل الأصناف والاتجاهات السياسية ولا يذكرهم احد وأسماؤهم تكاد تكون مجهولة فالسجن والتعذيب والاضطهادمن الممكن ان يتذكرها من يبقى على قيد الحياة ويلوح بهذا المنديل الرامي عالياً ، اما الذي يحضي في رحلة الموت فيظل بعيداً عن الساحات والتماثيل والمعارض وقلما تجد من ينصف هؤلاء في كل الأحزاب والطوائف بل هناك من يتاجر باسمائهم ويسحب نضالهم لنفسه وكانه جاء بقطار النضال الى محطة الانتصار .
ان المناضل الحقيقي يظل بعيداً عن الزهو بما فعل لان الواجب الوطني والإخلاص للشعب والوطن والإخلاص للشعب والوطن ليس بحاجة الى رايات ترفع لزيد وعبيد والعاملون بصمت هم الذين يمكن الاعتزاز بهم والإشادة بنضالهم ... والخلاصة فان النضال الحقيقي اكبر وأسمى من الوزارات والمناصب والأموال وعلى من يقتحم الساحة لهذه الأسباب ان يخجل وينزوي ويحترم نفسه لانه بالتأكيد سوف يسكن قلوب الناس قبل ان يجلس على كرسي منصب مهم مهما كان هذا المنصب .
• كم مرة سجنت واعتقلت ؟ .
ـ لا أريد ان أطيل في هذا المجال ولكني أقول ان رحلتي مع الدوائر الأمنية منذ العهد الملكي الى السقوط بدأت عام 1948 .. حصلت فيها الكثير من الأحداث وتذوقت ( بعض ) مانال الآخرين من متاعب واذى ولكن الرحلة كانت متواصلة والمتاعب تتراكم وتطل وتحول الراحة الى تعب والفرح الى احزان مع بعض الاعتزاز .

• المراة التي دخلت حياتك قبل زواجك هل كانت من الوسط الأدبي ام بعيدة عنه ؟.
لم اتعرف على امراة من الوسط الادبي في هذا الاطار ولم تكن الظروف تسمح بان يلتقي الكاتب او الشاعر مع الكثير من النساء الأديبات ربما كان ذلك يحدث في أجواء القاهرة وبيروت ، اما أجواء العراق فقد كانت مقتصرة على الرجل بصورة خاصة وكانت المرأة تختنق تحت عباءة الأبعاد وانكار دورها الاجتماعي والسياسي وهي حتى يومنا هذا لا تتمتع الا بالنزرا ليسير ، ان المراة في وطننا ( محجور عليها ) وتجد الخصومة والإنكار لحقوقها منذ الطفولة كما تجد التفرقة والاختفاء وراء ستار الرجولة حتى في الكلية وبعد زواجها ، انها بحاجة الى انتفاضة رجالية نسائية تمنحها حقها في الحياة والحب والامل وكل الأشياء الجميلة .
• متى تكتب ، هل هناك أوقات محددة ام تداهمك القصيدة في لحظات ما ؟.
ـ لا احد يستطيع ان يحدد مواعيد للكتابة لان محور أي مشروع ابداعي لا يمكن ان يرسم ويخطط له ابتداءً ربما يشعر المبدع ان هنالك موضوعاً يشغله ويظل يفكر فيه ويقلبه من شتى الوجوه ويعتمد ان ينفذ ولكنه يستعصي عليه ويعجز عن ذلك وقد (يداهم ) فكرة معينة او خاطرة عابرة او لقطة مفاجأة المبدع فتجعله يتراكض ويحاول ان يتدارك الامر بسرعة لكي لا تفلت الفرصة ولكي يظل الموضوع متواصلاً بكل تفصيلاته ، الا ان المعروف هو ان الكتابة الابداعية .... وليست الصحفية تحتاج الى فرص جيدة من بينها الهدوء والتفكير بصمت وابعاد كل المؤثرات التي قد تقتل الفكرة او تحولها عن مسارها او تضطرها الى التراجع والعودة الى البدايات .
انني استجيب لما تمليه علىّ حالة معينة او موقف محدد وتأخذني افكاري ـ مرغماً ـ الى ما تريد وتبدأ الخطوة الاولى وتليها الخطوات المتحفزة للمطاردة وتتلاحق الصور والكلمات وابقى استعيد ما كتبت واثناء ذلك تجري بعض التغييرات ولن يستقر شراع القصيدة على المرسى الا بعد جهد وقناعة بان العمل المنجز قد اعطى ما يريد ان يعطيه وغالباً ما اختار فترات الليل حيث يسيطر الهدوء النسبي على الكائنات وتتوقف الحركة الى حد كبير ... رغم ان الأجواء التي تعيشها لا تمنح فرصاً جيدة للتعامل مع الكلمات إضافة للظروف السياسية العصيبة والمحن التي تتطاير اخبارها هنا وهناك وتنتقل من الفضائيات الى المنازل ومن الأفواه الى الفضائيات بحوار لا ينتهي لان الحقائق مازالت تتربص بنا وتتلاعب بحياتنا وأكاد اقول تفرض علينا ما تريد .
• هل ترى الحياة الثقافية في تنامٍ ام في صراع وشد وجذب ؟.
ـ تظل الحياة الثقافية في مضمار الصراع ما دام هنالك اتجاهات وأراء وأفكار جديدة تطل من الأقلام المرهفة وترتبط بما فيها بجسور لا يمكن قطعها او حرمان الكلمات من الانتقال عبرها وانتشارها في مختلف الأجواء .
رغم الظروف الصعبة التي يعيشها المثقف العراقي والتجاهل الذي يلقاه من رجال السلطة فانه يشغل مساحات واسعة ويثبت وجوده لا على الصعيد الثقافي وحسب بل هو يغزو المواقع اذا صح التعبير فهو منتشر في الندوات والاصبوحات والمؤتمرات والمهرجانات الادبية والفضائيات التي تتواصل معنا بامتنان ... وتمتد الاقلام لتبث يومياً الكلمات والمقالات والقصائد عبر اكثر من مائتي موقع صحفي وفضائي ، ان الحياة الثقافية تزدهر وخذها مني فمن اهم ميزات الصحافة العراقية انها تقدم صفحة ادبية يوميا في بعض الصحف او عدة مرات في الاسبوع ، كما تصنع الملفات والملاحق الصحفية الثقافية .. اني ارى المثقف يتفانى في اداء واجباته في ظل ظروف صعبة ومعقدة ولا يتلقى الا الخبز اليابس من الموائد العامرة لاصحاب الصحف او الشركات الاعلامية وهذا عيب كبير وجحود من هولاء تجاه المثقفين ، والخلاصة فان الثقافة تزدهر ولو كان هنالك ظروف مناسبة لرأيت ماذا يفعل المثقف العراقي فالمسارح ودور العرض وكل الاماكن التي تصلح لتقديم اعمال فنية قد تقلصت فالمسرحي حائر لا يعرف كيف يشتغل وهو لا يجد الممول ولا المسرح ولا الجو الحضاري الذي يتسع لانتاجه ، هل من المعقول ان لا يتجرأ الموسيقي على حمل الته الموسيقية عبر الرصيف ولا يجد مكاناً يعرض فيها فنه ويضطر الى العبور الى كوردستان لكي يقدم ما يستطيع وكيف يجري التطور الفني ان كانت متطلباته مفقودة .. وذلك الرسام يحار في البحث عن مكان يستوعب عطاءه الفني , والكل يعمل بخوف وارتعاش ويتجنب الاصطدام ويكتب طموحاته ومع كل هذا وذاك فقد فاز الشعراء والكتاب في مسابقات خارج العراق وحملوا الراية وسيظلون يواصلون المسير مهما تجهمت السماء واكتضت بالسحب الكثيفة السوداء ولعل ابسط دليل هو هذا الإنتاج الغزيز الذي تطرحه المكتبات ويصفق له النقاد ويستقبله القراء برحابة صدر وحماس .
ان براعم الثقافة تزدهر وستظل كذلك وانا اشعر بالجهد الكبير الذي يبذلونه من اجل ذلك فالف مرحى لهم.
• اقرب الشعراء الى نفسك وتحب قراءة شعرهم ؟ .
ـ لقد تبدلت الصورة الان ، فقد رحل عشرات المبدعين من الشعراء ، بدر والبياتي وبلند الحيدري وعبد الأمير الحصيري وسواهم من الشعراء الذين انطلقت قصائدهم لتغرد في شتى بقاع العالم لاسيما بعد التجارب والتراجم التي أكدت حضورهم خارج الوطن وفي بلدان لا تستسيغ كثيراً الشعر العربي ، والذي ينظر الى خارطة الشعراء المبدعين يجد ان العراقيين هم المتميزون من بين جميع شعراء البلدان العربية .
وانا غير متحيز لشاعر مخضرم او لشاب مازال يحلم بان يرتقي الجبل ويغني على السفوح حتى يصل القمة ولكن الاساس هو هذا العطاء الثر القصائد الجميلة الملونة المعطرة باريج قائلها وكاتبها ولكني اظل احب ان استعيد قراءة المتنبي والجواهري وعدد محدود من شعراء الحداثة.
• هل تشعر بان هناك محاصصة ثقافية ؟.
ـ قبل كل شيء انا اكره هذه الكلمة ( المحاصصة ) فنحن جميعاً أبناء بلد واحد وانتقل عدد كبير جداً من موقع الى آخر ومن محافظة الى أخرى لاسيما في هذه الأيام حيث بدأت حملات التهجير والهرب من بعض المناطق او مغادرة المناطق الساخنة الى مواقع اكثر امناً وسلاماً في الثقافة لا يمكن ان تكون هنالك محاصصة في العلوم لا توجد محاصصة ولأجلب مثلأً بسيطاً لو اتيح لي مثلاً خمسة علماء في الذرة او الفيزياء من فئة دينية او حزبية معينة ولا اجد في الطوائف الاخرى من يمتلك هذا الاختصاص فهل اجلب ايا كان بدعوى المحاصصة .
ومن الثقافة والفنون اذا كانت هنالك فئة تنتمي الى جهة سياسية علمانية ولديها كل إمكانيات الإبداع فهل اجلب اياً كان من الطوائف الاخرى لا ثبت المحاصصة ... لاسيما وان المراحل الدراسية قد تصنع رياضيا ممتازاً او عالماً في الفيزياء او مهندسا كبير ولكنها لا تستطيع ان تخلق شاعراً ولا روائياً ولا ناقداً لان هذه المهمات بحاجة الى مبدعين حقيقيين موهوبين ومتابعين ويمتلكون قدرات استثنائية واكبر شخصية في اية دولة بصمت بخشوع لأي عمل فني جيد ولذلك لاتصلح الثقافة للمحاصصة وأكثر من هذا حتى المناصب التي يشغلها المثقفون لا يمكن ان تستحوذ عليها شروط المحاصصة بما فيها الوزير .. فالثقافة هي الوجه المشرق لاي بلد ولاية سلطة ...اسالكم هل هنالك لبناني واحد لا يعتز بفيروز مثلاً وهل هنالك من لا يعتز بنوبل نجيب محفوظ ... ولعلي لا اتجاوز حين اقول بان المثقفين يحظون رغم قلة ما يكسبون من اعمالهم باحترام وتقدير الجميع وتسمى باسمائهم الساحات والشوارع ومواقع الثقافة ارجو ان تقولوا لي لماذا يقام تمثال للسياب ولا يقام لاكبر مليونير بصري على سبيل المثال ولماذا تقام المهرجانات للمتنبي والحبوبي وسواهم ولا تقام لتاجر كبير او صاحب عقارات لا تغييب الشمس عن عقاراته ... وكل هذا يجري خارج ما يسمى بالمحاصصة فانا لا استطيع ان اضع امياً من فئة كذا الى جانب مبدع من اسرة كذا مهما تعسرت الظروف ولذلك تقول لمن ينادي بذلك الزموا الصمت افضل لكم .
• زوجتك وابنك تعرضا للأغتيال هل كان الاغتيال سياسياً ؟.
ـ ابتداء اقول ان ولدي لم يتعرض للأغتيال وان زوجتي المرحومة الطيبة النبيلة ام شروق تعرضت للقتل من قبل شخص يبدو انه عديم المروءة والكرامة ، لانه كان صديقاً لولدي منذ الابتدائية حتى المرحلة الجامعية والخدمة العسكرية وكان يزورنا باستمرار ويتناول طعام الغداء او العشاء ونعتبره مثل ابننا وكنا نخاف عليه عندما يعود الى بيتهم ليلا لأنه يسكن الزعفرانية ولا ادري اي شيطان لعب به لكي يقو بهذا العمل السافل الحقير تجاه انسانة كانت ترعاه وتكرمه وتؤدي واجب الضيافة له .... ولكن وكما يبدو لم يتلق التربية المطلوبة لأداء شعائر الوفاء والامتنان فكان ما كان.. ولا اعتقد انه اغتيال سياسي لان مثل هذا الهدف كان يجب ان يتوجه لي وليس لأنسانة هادئة متزنة تحمل فكراً سياسياً ووجهة نظر تقدمية ولكنها لا تمارس أي نشاط حزبي او نقابي .
• المثقف العراقي يعاني التهميش والاقصاء في ظل الصراعات الحزبية والطائفية ، ما هو دوركم في انقاذ المثقف من حالة الفقر والضياع والمحاصصات ؟.
ـهنالك مثل يقول ( اللي ما يعرفك لأ يثمنك ) وهذا ينطبق هنا ، وانا اشعر بالكثير من الدهشة لهؤلاء السياسيين الذين ظهرت اسماؤهم بعد السقوط ولا ادري اين كانوا ولماذا لم يقودوا حركات سياسية كمعارضة وانا ياخذني العجب مما ارى الان فتوزيع المناصب يتم في اطار المحاصصة والتركيبة السياسية للمؤسسات كمجلس النواب او المحافل الاخرى يتم بهذه الطريقة ايضاً وتظهر على الفضائيات وجوه تقرا الكذب والتهويل او التهديد احيانا على ملامحها وهي ماضية في عنفوانها وكانها فعلاً تصنع ( جديداً ) وتحلق بالوطن .. ولا ادري الا يرون الا يسمعون الا يتساءلون اين الغاز والنفط والمشتقات النفطية الاخرى اين هي مفردات البطاقة التموينية اين هو تسعير رغيف الخبز او الصمونة .. كيف تتعامل دوائرهم مع المواطنين وباية لغة يتكلمون الا يسمعون الصرخات والانتهاكات والشتائم وسواه اليس من حق المواطنين ان يعرفوا مصيرهم ومن الذين يجب ان يقدم لهم الحماية .. ان الامور سائبة ومخزية وما تسمع من قصص وحكايات تثير الرعب والسخرية في آن واحد وبدل على ان السياسيين لا يهتمون بما يجري للمثقفين فاين هي المسارح اين دور العرض السينمائي والتشكيلي واين هي النشاطات الفنية .. وهل هناك سلطة فوق السلطة تعمل ما تشاء وكما تريد بغض النظر عما تقرره الدولة وتعليماتها .. الا يرون الازدحام والطرق الرديئة والمناطق التي اخليت قسراً من اهاليها ، اننا ندعو لأشراك المثقفين في العملية السياسية لاتهم الرمز الكبير للتقدم الحضاري والانساني .
• كيف تقرأ الواقع الثقافي الحالي ؟.
ـ اعتقد اني اجبت على هذا السؤال في الصفحات الماضيةوبينت ان حركتنا الثقافية رغم ما تعاني من مصاعب والام فانها مازالت تتواصل وتتقدم وتقدم عطاء ثرا وناضجا وتحتوي اقلاما نظيفة تمتلك امكانيات كبيرة جديرة بالاحترام وامامها مستقبل مشرق .. وهذا امر مرتبط بالوقائع والاحداث التي يمر بها بلدنا فمن المعلوم ان معظم ايرادات العراق تذهب لمتابعة الاوضاع الامنية وبناء الاجهزة التي تستطيع ان توقف هذا العنف وتحدد تحركات العاملين على افساد الاجواء الديمقراطية التي تسعى اليها وآنذاك يمكن ان تنفتح الابواب للثقافة ان تدخل وان تقدم ابداعاتها ..مع كل هذا فانا متفاءل واجد ان مثقفنا رغم كل يراه ويعاني منه فانه مصمم على المضي في المسيرة الثقافية وتحقيق الامنيات والتقدم بخطى واسعة نحو المستقبل .





#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمرات حداثوية
- صانعوا الاحلام
- مئة متر مدى سيادتنا
- إستعراض دبلوماسي
- ابعدوا المرجعيات عن اللعبة السياسية
- رسالة غيرمشفرة
- عيناك أجمل المنافي ألسرية
- جوجو يهز الحكومة
- صفات الزعامة
- تنهدات لأمرأة تحترق
- بلد العجايب
- لعنة السمتيات
- الكتابة مابين اللذة والنار
- القاصة والروائية سافرة جميل حافظ: الثقافة الاجتماعية تقف حجر ...
- ضحايا الريادة الشعرية
- انا والعراف ويوم السعد
- المجلس الاعلى ... والمثقف المبتلى
- المربد .. وماادراك ماالمربد
- شيوعيون بلا مبادئ
- الى قروية


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة طعنه وما دار بذهنه وسط ...
- مصر.. سجال علاء مبارك ومصطفى بكري حول الاستيلاء على 75 طن ذه ...
- ابنة صدام حسين تنشر فيديو من زيارة لوالدها بذكرى -انتصار- ال ...
- -وول ستريت جورنال-: الأمريكيون يرمون نحو 68 مليون دولار في ا ...
- الثلوج تتساقط على مرتفعات صربيا والبوسنة
- محكمة تونسية تصدر حكمها على صحفي بارز (صورة)
- -بوليتيكو-: كبار ضباط الجيش الأوكراني يعتقدون أن الجبهة قد ت ...
- متطور وخفيف الوزن.. هواوي تكشف عن أحد أفضل الحواسب (فيديو)
- رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية -لا يعرف- من يقصف محطة زا ...
- أردوغان يحاول استعادة صورة المدافع عن الفلسطينيين


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جمال المظفر - الشاعر الفريد سمعان يفتح ملف الذكريات مع مظفر النواب والسياب والبياتي