أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - سلامة كيلة - نقاش في النقاش (ملاحظات على رد الصديقين عادل ومسعد)















المزيد.....


نقاش في النقاش (ملاحظات على رد الصديقين عادل ومسعد)


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 2091 - 2007 / 11 / 6 - 11:59
المحور: ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
    


ما لفت انتباه الصديقين في ردي هو أنني أشرت في موقعين إلى"وإذا كان يبدو في بعض المقاطع من النص أنهما يردان على الورقة التي وزعتها على الـ "ماك ليست"، فقد تجاهلا الإشارة إلى ذلك".و"رغم أن في النقاش ما يبدو رداً على ورقتي تلك". حيث أشارا إلى أن نقدهما لم يأت على أي من كتاباتي، وإعتبرا أن نشري للرد دون شطب هاتين الفقرتين هو "عدم أمانة" (حوار حول الدولة الديمقراطية في فلسطين- رد على كيلة، الحوار المتمدن 10/10/2007). ولقد أزلت الفقرتين حينما نشرت الرد في موقع أجراس العودة وموقع الحوار المتمدن ومواقع أخرى، لكي لا تكون هذه المسألة هي أساس في النقاش التي بات علنياً.
المهم هنا هو أنه رغم أن الصديقين قد علما على ضوء ردي على ورقتهما بأنني ممن يطرحون فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية، وليس وفق الصيغة التي ينقدانها، ووفق كل الإتهام الموجه لها، لم يعمدا إلى الإشارة إلى أن هناك من يطرح مسألة الدولة الديمقراطية العلمانية وفق صيغة أخرى غير تلك التي ينقدانها. لم ينتبها إلى أنهما عمما النقد ليطال كل الذين يطرحون مسألة الدولة الديمقراطية العلمانية دون أن يعرفا بأن هناك من يطرحها بطريقة أخرى. وبالتالي لم يلجآ إلى التنويه بأن نقدهما يطال بعض من يطرح هذه المسألة فقط، وأن هناك من لا يطرحها وفق الصيغة المنقودة. وهذا يعني تجاهل أواليات المنطق البسيط الذي يجعل الجزء جزء من الكل.
أكثر من ذلك فقد أشارا إلى أننا تحاورنا حول هذا الموضوع في باريس قبل مدة (يوم 11/2/ 2007)، و" ناقشنا مسألة الحل في فلسطين" كما يشيران، وبالتالي فهما يعرفان رأيي المنشور في الورقة التي وزعت على الماك ليست. لهذا أشرت إلى أنهما ربما يردان عليّ. وبالتالي فهما يعرفان أن رأيي في الدولة الديمقراطية العلمانية لا يحمل كل الإتهامات التي يكيلانها، لماذا لم يشيرا إلى ذلك منذ البدء؟ أليس في ذلك "عدم أمانة"؟ لماذا لم يحددا الذين يقولون بهذا الحل الذي ينقدانه وعمما النقد على كل من يدعو إلى الدولة الديمقراطية العلمانية؟ هل أقول أنهما يتهماني بأني أتقاسم الوطن مع المحتل وأعترف به، وبأنني ألغي حق العودة، والقبول بحلول عنصرية و.... ألخ من السمات التي يوردانها لحل الدولة الديمقراطية العلمانية؟ (وهل أقول أنهما يخوناني كذلك؟) هذا ما دعاني إلى التنويه منذ البدء بأن النقد سوف يكون مربكاً لأن الصديقين لم يحددا من ينقدان. وها هما يرفضان بإصرار التأكيد بأنهما ينتقدا رأي لي. لكن أنا واحد ممن يطرحون حل الدولة الديمقراطية العلمانية، فحتى لو لم يكونا يعلما برأيي، كان عليهما أن يشيرا إلى أن رأيي لا يدخل ضمن إنتقادهما، وبالتالي فقد كان تعميمهما النقد في غير محله، وأن خلافهما مع هذا الرأي هو في مسائل أخرى. وعلى أساس ذلك كان يمكن أن يتخذ الحوار وجهة أخرى.
لكن بدل ذلك فقد ردا بطريقة مضحكة مع الأسف، وبدآ الهجوم من زاوية أخرى. حيث" لكن أيها الأخ العزيز العالم أوسع مما يصلك أنت وحدك، وبالطبع مما تكتب". حيث " هناك الكثير (بالعربية والإنجليزية والعبرية والفرنسية..) حول هذا العنوان الفاشل تاريخياً منذ مئة عام. قرأنا بعضها ونشرنا ردودا على بعض من كتبوا في هذا الأمر". أوكي، لكن ليس هذا كل ما هو موجود، والإثبات أنكما رددتما دون معرفة بآراء، أو بتجاهل كامل لآراء أخرى تطرح ما يخالف كل نقدكما. ليس رأيي فقط هو في هذا السياق، بل حتى رأي حركة فتح المطروح سنة 1969، ورأي الجهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورأي ناجي علوش، وأيضاً رأي حركة أبناء البلد، وآراء عديدة أخرى. هل أقول بأن ذلك هو" مشكلة المثالي الذاتي" كما تفعلا؟ حيث يختار ما يريد نقده ويتجاهل كل الآراء الأخرى؟ لكن المسألة الأدهى هي أنني أشرت لحدود معرفتي ولم أدّعِ أن معرفتي هي كل العلم. حيث أشرت " وربما يقود ذلك إلى إستشكال في النقاش، لأن النقد الوارد لا ينطبق على أي من التصورات المطروحة للدولة الديمقراطية العلمانية التي أعرفها، سوى في نقطة واحدة هي تلك المتعلقة بالبعد العربي". بمعنى أنني أنطلق مما أعرف وليس مما لا أعرف، وهو على الأقل جزء من الأفكار المطروحة حول الدولة الديمقراطية العلمانية ولا يتناول قضايا المريخ. ولقد أوضحت "لا أعرف إذا ما كان هناك "يهود" (أو إسرائيليون) يطرحون حلاً ديمقراطياً علمانياً يقوم على هذه الصفات/الأحكام، لكن هذه الصفات/الأحكام ليست في بنية أي حل طرح في الجانب العربي، ولم أقرأ أن أحداً طرحه على هذه الشاكلة". وبالتالي أنا لم أقل أنني أعرف ماذا يطرح " إيلان بابيه، ويوآف بيليد، وخليل نخلة (بالإنجليزية)"، ولسوء حظي أنني لا أعرف الإنجليزية. ولهذا كان حديثي عن الكتابات العربية حول الموضوع دون لبس. وحقيقة لم أر إلى الآن من يطرح _في الجانب العربي – حل الدولة الديمقراطية العلمانية وفق الصيغة التي ينقدها الصديقين. وما هو مطروح هو دولة واحدة ثنائية القومية، وهذه مسألة لي موقف واضح منها تناولته في الورقة المشار إليها. وبالتالي فأنا لم أنفِ أن هناك من يطرح الدولة الديمقراطية العلمانية وفق الصيغة المنقودة لأنني لا أعرف ذلك، بل حددت نفيي في ما كتب باللغة العربية. ولقد فعلت ذلك لأنني لست "مثالياً ذاتياً" أرى ذاتي ولا أرى الآخرين.
طبعاً أعرف أن الصديقين يشتغلان على موضوعهما منذ زمن، ولقد أشار عادل إليه في كتابه "بيان اشتراكي عربي"، وأنا أقدر هذا الجهد، وكنت أعتقد بأنني في مجال التفاعل معه، وإن من موقع نقدي. ولقد أشرت في ردي إلى أنني أتفق مع العديد من الأفكار المطروحة، وكان يهمني الحوار وليس الدخول في "توترات". لكن يبدو بأن صدر الصديقين ضيق، ربما لأن ليس لديهما وقت –كما أشارا- لهذا النقاش "العقيم"، الذي يدخل في تفاصيل، ويفتح أبواب، وينكش مسائل، كلها لم تكن بادية على السطح. لهذا جاء ردهما متوتراً، رغم تأكيدهما بأنه ليس رداً (رغم أنهما عنوناه بـ "رد على كيلة"). على كل "عدم الرد" هذا هو أبلغ من الرد، لأنه يكشف مسائل تحتاج إلى تمحيص، ويوضح منطقاً يحتاج إلى نقاش، ويبين الموقف من الحوار ومما هو نظري، ومن طريقة التعامل مع الفكر، ومن طريقة الإتهام.
فالحوار هو كشف ما تخفي الكلمات، وتحديد المعمم، وتوضيح العلاقة بين الشكل والمضمون، ووضع الأفكار في تقابل. كل ذلك من أجل تفكيك النص وتبيان تماسكه، وكذلك تبيان نقاط ضعفه. الحوار ليس لإعطاء علامات صح وخطأ، أو إصدار حكم بالوطنية أو نفيها. وإلا كيف تتطور الأفكار؟ هل يمكن أن تتطور دون نفي وإعادة بناء؟ لهذا لن يكتفي بقبول الكلمات دون تمحيص، ولا الاقتناع بالأفكار دون تدقيق. الأمر الذي يجعل الحوار صعباً في العادة.
هل تجنيت على الصديقين كما قالا؟ لقد قالا أنني " أتعبت نفسك كثيراً في قراءة نصنا كما تريده وليس كما هو وقوّلتَ مقالتنا ما لم تقله". أعتقد بأنني اقتبست الأفكار التي رددت عليها، لهذا يمكن المقارنة، وليس من داعٍ لأن أضيف شيئاً في هذا المجال، حيث أن نشر الورقة سوف يوضح ذلك (أشير هنا إلى أنهما نشرا الرد عليّ قبل نشر الورقة وردي عليها، الأمر الذي ربما أثار التساؤل لدى القراء. والورقة وردي كانا قد نشرا قبلاً على الماك ليست، وهي الإيميل المشترك للحوار بين عدد من القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي).
وهل خونتهما؟ قلت أنهما فيما يطرحان يتبنيان السياسة الدارجة في م.ت.ف، نعم قلت ذلك، وحددت لماذا أصدرت هذا الحكم مستنداً إلى نصهما. هل هذا يعني تخوينهما؟ أنا لم أخوّن كل القائمين على السياسة الدارجة تلك رغم تناقضي الشديد معها منذ سنة 1974. وبالتالي لن أخوّن أصدقاء أعرف مواقفهم، وأعرف تناقضهم مع كل التنظيمات الفلسطينية. لكن ماذا يعني التأكيد على شعار الانسحاب من الضفة وغزة؟ أليس هو شعار الفصائل الفلسطينية كما يقولا؟ وإذا كانا يطرحان السياسة ذاتها، ويشيران إلى ذلك دون لبس، حيث يقولا " كما يجدر التنويه إلى أن هدف الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية لعرب هذه الأراضي (وهو ما يطرحانه كهدف في هذه الأرض المحتلة –إضافة مني)، كان الهدف المقبول والمعلن لفصائل المقاومة الفلسطينية وجزءً أساسياً من برامج م. ت. ف. منذ صيف 1974 حين أقرت الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني ما أسمته البرنامج المرحلي أو برنامج النقاط العشر"، ألا يتوافقا معها؟ أم أن الخلاف حول الاعتراف بالدولة الصهيونية وقضية اللاجئين هو الذي يجعلهما شيئين متناقضين؟ لكن النص ينطلق من التوافق مع تلك الفصائل، ويشير إلى أنه يطرح الهدف الذي تطرحه.
ولكن التأكيد على الانسحاب، الذي يستند إلى القرار 242 (وإلا لا حاجة للتأكيد على أن الظروف الموضوعية تفرض هذا الحل المرحلي) ، يعني الاعتراف بوجود الدولة الصهيونية، وبالتالي مطالبتها بالانسحاب فقط من الضفة وغزة. أليس هذا ما يطرح لكي يكون أساس نضال فلسطينيي الضفة وغزة؟ حيث هم معنيون فقط بالضفة وغزة، ويعترفون بأن دولة أخرى تحتلهم، وهمهم هو انسحابها من أرضهم (التي هي أرض الضفة وغزة). أليس هذا هو منطق الكلمات؟ هل أستطيع أن أستنتج مسألة أخرى؟ لا أعتقد، لأن النص يحدد ذلك( وهنا أنا لا أعود إلى النوايا، أو ماذا كان يريد الصديقان قوله، أو ما يهدفان إلى قوله). فالنص يقول بأن الذي يناضل من أجل الانسحاب من الضفة وغزة ينطلق من أن هناك دولة أخرى تحتله، وهو لا يريد أكثر من انسحابها. وبالتالي كيف سنقنع الذي سيقتنع بهذا النضال أن لا ينتقل خطوة أخرى ليعترف بالدولة الصهيونية في حدود ما قبل 1967، وهو منطلق في أساس تفكيره (ولنقل في لا وعيه) من الاعتراف بها مسبقاً؟ حيث مادام يهدف إلى دولة في الضفة وغزة سوف يوافق على وجود الدولة الصهيونية، فقد لمس جزئية صغيرة في القضية الفلسطينية هي الاحتلال الصهيوني للضفة وغزة. وبالتالي فمهما أصررنا على عدم الاعتراف فإن كتل أساسية ممن ستقتنع بهذا النضال سوف تعترف بالدولة الصهيونية. ولقد أشرت إلى أن هذا هو مسار فصائل المقاومة التي بدأت من رفض الاعتراف وانتهت بالاعتراف. وهنا لا ألمس النوايا، بل ألمس سياق الأفكار وصيرورتها. وليس في هذا تخوين كما يشيران، ولقد إعتقدا ذلك لأنهما يخونا الفصائل الفلسطينية، وبالتالي إعتقدا بأنني أمارس الطريقة ذاتها. ولهذا يتسرعا في نفي أية "مغازلات سرية ولا تقاطعات مخفية، ولا استفادات مالية من هذه المنظمة"، وينفيا التقرب من النظم لا عربياً ولا عالمياً. بينما لم أكن في مجال الاتهام لكي يشيرا إلى كل ذلك، حيث أنني أحاور في السياسة.
وربما كان هذا هو مأخذي على الصديق عادل الذي يستسهل إصدار أحكام التخوين، ولا يميز بين الخطأ والمصلحة و"العمالة"، ويستذكر المغازلات والاستفادات. رغم أن هذه الأحكام هي ما هو خارج السياسة، أي هي لا تتعلق بالمنطق السياسي والحوار السياسي. حيث تناقش الأفكار بالأفكار وليس بالتهم. وحيث يكون الهام هو تفكيك الأفكار وليس إصدار الحكم، وتوجيه الضربة القاضية. وإذا كنت قد استخدمت تعابير سذاجة وسطحية مفرطة، فلا أظن أنني خرجت عن السياسة، حيث يمكن أن يكون هناك سذاجة في طرح الفكرة، أو تكون هناك فكرة ساذجة. ولم أعتبر أنني أشتم أو أخرج عن اللياقة. وأعتذر إذا كانا قد إعتبرا أن في ذلك شتيمة.
لهذا أيها الصديقين أنا لست ممن يحمل هذه العقلية، فأرجو أن تريا أن آخرين يمكن أن يفكروا بطريقة أخرى. وبالتالي أن لا تحملاني ما ليس فيّ بل فيكما. وحينما ناقشت ما تطرحان حاولت أن أفهم صيرورة الفكرة وليس النوايا الطيبة التي خلفها. لأن الفكرة هي ما يصل إلى الناس وليس النوايا مهما كانت طيبة. ولأنني معني بالفكرة ولست معنياً بالمسّ بما هو شخصي.
لهذا أرجو أن تتذكرا بأنكما من طرح سياسة وأكد بأنها هي سياسة الفصائل الفلسطينية، كما اقتبست للتو. وأنكما من أكد الانسجام مع "الشرعية" الدولية، حيث تقولا "تنسجم المطالبة بهذه الدولة، دولة عرب 48، مع "الشرعية" الدولية بل تشكل تحدياً للأمم المتحدة "والقانون" الدولي اللذان دعما حق تقرير المصير وحق الانفصال والاستقلال"، وأيضاً ألا يعتمد "النضال" من أجل الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967 على قرارات الشرعية الدولية، والمقرة كما تشيران من قبل الفصائل الفلسطينية؟ وإلا لماذا شعار الانسحاب هو شعار النضال؟
أيها الصديقين "ما جبت شي من جيبي". حيث أنني استندت الى النص الذي عممتماه. وآسف إذا كنتما قد تفاجأتما بمآلات ما طرحتما.
**********************
كل ما تناولت إلى الآن يتعلق بتفسير ما قيل. ولأنني معنيّ بحوار جاد حاولت توضيح طريقة تناولي لما طرح الصديقين. فقد اتهماني بعدم الأمانة رغم أنهما أكدا أنهما يعرفان وجهة نظري، ورغم ذلك أصرّا على إصدار كل تلك الأحكام على كل الذين يطرحون حل الدولة الديمقراطية العلمانية. ثم قوّلاني ما لن أقله، لا ضدهما ولا في أي حوار فكري سياسي.
الأهم هو ما قالاه حول مناقشة مسألة الاشتراكية. حيث يقولا " مقالتنا لم تناقش مسألة الاشتراكية نظرياً، ولا الاشتراكية للوطن العربي. هذه أمور تحتاج لمجلدات، ونتمنى لو كنا قادرين على ذلك، لكننا لم نفترض أننا عمالقة المرحلة، فنحن نحاول تقديم شيء. مقالتنا حاولت تأكيد أن الحل الاشتراكي وحده الممكن في فلسطين، ولم نناقش مضمون الحل الإشتراكي لا في فلسطين ولا في كوكب الزهرة، ولم نكتب ما هو فهمنا للاشتراكية، وهو على أية حال لم ولن يكون مجرد "حاملات الطيب لماركس"". بمعنى أنهما طرحا حلاً دون أن يحددا معناه، ولا أسسه، ولا ممكناته. هل أن التأكيد على أن الحل الاشتراكي هو الحل الممكن في فلسطين (وأيضاً الوطن العربي كما يطرحان) لا يفترض تحديد طبيعته؟ وهل المسألة بسيطة إلى هذا الحد؟ هنا سيبدو أن لا قيمة للنظرية والفكر النظري، وأنه يمكن استخدام الكلمات دون تحديد: مثل الحل الاشتراكي. لكن أي حل اشتراكي؟ وماذا تعني الاشتراكية؟ هل من معنى واضح وبسيط؟ في الماضي، زمن السوفييت كانت الأمور سهلة، حيث يمكن معرفة المسألة دون جهد نظري، ولا حتى في القراءة. لكن المسألة أعقد من ذلك. وربما هي ليست بحاجة إلى مجلدات، لكنها بحاجة إلى بحث وتحديد. بحاجة إلى تحديد معنى الحل الذي نطرحه، وتحديد لماذا هو الحل الممكن؟ وهذا ليس من الترف النظري بل هو من الضرورة.
هل النظرية مما هو زائد؟ من المؤسي أن تكون كذلك، خصوصاً وأننا لا نناقش نمط الإنتاج الآسيوي، أو المشاعية البدائية، بل نناقش مسألة الحل الاشتراكي في الوطن العربي، والحل الاشتراكي في فلسطين. أية اشتراكية نطرح؟ لكي يكون الحل هو الاشتراكية؟ وما هي طبيعة النظام الاشتراكي الذي ندعو إليه؟ هل هذه من الزوائد؟ ليس المطلوب كتابة المجلدات، رغم أن لا انتصار للثورة دون ذلك، لكن المسألة تتعلق بتوضيح ما نطرح، وتحديد ماذا نقصد بالاشتراكية التي تتكرر عشرات المرات في النص، والذي يُرفض حل الدولة الديمقراطية العلمانية لأجلها.
وهل يمكن أن ندعو إلى اشتراكية لا نعرفها؟ أو لا يعرفها المتلقي؟
الصديقان "مش فاضيين"، إذن لماذا يدعوان لحل "مش فاضيين" لتوضيحه؟ على الأقل يجب توضيح هل يطرحان حل الاشتراكيين أم الحل الاشتراكي؟ ربما لو كانا لا يطرحان إقامة النظام الاشتراكي لتجاوزنا عن البحث في الاشتراكية التي يطرحانها. حيث يمكن القول بأن الحل الذي يطرحه الاشتراكيون يهدف إلى :"التحرير، والوحدة، والتنمية" كما حددا في نصهما. لكن أن ترد التنمية كتحقيق للاشتراكية، ويدعى لتحقيق النظام الاشتراكي، وأن تعمل الطبقات الشعبية على تحقيقه، فهو ما يفرض حتماً الغوص في تحديد معنى الاشتراكية التي يطرحانها، خصوصاً وأن الطبقات الشعبية هي التي يجب أن تحققها. هذا يفرض حتماً النقاش "النظري" سواء كان "مش فاضي" أو كان متفرغاً لذلك. لأن المسألة المطروحة هي في عمق الموضوع وليست خارجه. ليست مسألة نظرية بالمعنى الدارج الذي يجعل ما هو نظري ثرثرة و"شغل مثقفين". المسألة أعمق من أن تكون هكذا، إنها مسألة تحديد الرؤية والاتجاه، تحديد الهدف والتكتيك.
فهل أن طبيعة المرحلة هي ديمقراطية أم اشتراكية؟ حيث أن لكل منهما الطبقات التي تتحالف من أجل تحقيق المهمات المطروحة فيها، ولكل منهما التكتيكات والأولويات. وأيضاً لكل منهما معنى يحدد الطور التاريخي الضروري والممكن لتحقيق الإرتقاء. هل هذه مسائل هامشية؟ مسائل مثقفين؟ مسائل يمكن أن يجري تناولها في فائض الأوقات؟ إذا كان تحديد الرؤية هو عمل فائض فما هو العمل الضروري؟
إذن الاشتراكية المطروحة هنا ليست في حاجة إلى التحديد، وبالتالي يصبح كل النقاش حول طبيعتها ومعناها وممكناتها أمر نافل، وهو من عمل أناس "فاضيين". لهذا سوف نلمس بأنها ستكون "طربوش" لمشروع غير اشتراكي كما أشرت في ردي.حيث أن الأهداف الأخرى واضحة ومحددة (الاستقلال، الوحدة، والتنمية)، وبالتالي سيكون النضال من أجلها واضحاً كذلك، أما الاشتراكية فلا يجب أن تكون واضحة، لا يجب البحث فيها. إذن ماذا سنحقق على هذا الصعيد؟
هل يعني البحث في الاشتراكية "تأليه ماركس"؟ هنا ندخل في مفصل جديد، حيث ليس البحث في ما هو نظري أمر نافل، بل أن البحث في الماركسية والتمييز بين الاشتراكية الماركسية والاشتراكيات الأخرى هو "تأليه لماركس". ولاشك في أن الدفاع "عن الكرامة العقلية للبشر" يفرض عدم تأليه ماركس، لكن هل هذا يعني تجاوز الماركسية؟ هل الماركسية هي ماركس؟ أم أنها الأساس الذي جاء به: وأقصد الجدل المادي ومنظومة القوانين التي توصل إليها؟
طبعاً الذي أثار الصديقين هو الحوار حول الاشتراكية، وضرورة التمييز بين الاشتراكيات للتأكيد على أن هناك اشتراكية واحدة حقيقية (ولنقل علمية) هي الاشتراكية التي أتت بها الماركسية، التي بدأ في بلورتها كارل ماركس. وبالتالي فإن أي تبنٍ للاشتراكية يجب أن ينطلق من الماركسية. لهذا يعتبر الصديقين بأن هذا الموقف من الاشتراكية يقوم على تأليه ماركس. وبالتالي فإن موقفي يمثل"حاملات الطيب لماركس".
أتمنى أن يكون هناك وقت لدى الصديقين لكي يكتبا مفهومهما للاشتراكية الذي لن يكون "حاملات الطيب لماركس". ربما أستفيد، لكن لا أعتقد بأن هناك من يمكنه أن يطرح حلاً اشتراكياً دون أن يقوم بتحديده.
ولست هنا في مجال تكرار رأيي في الماركسية، لكن نقد التأليه، ورفض حاملات الطيب، لا يعني شطب التراث الماركسي، والحديث عن اشتراكية غائمة، غير محددة، لا معنى لها. فهنالك فارق بين أن تكون ماركسياً وتنتقد، وترفض الدوغما والتأليه، وبين أن تخرج من الحدود الضرورية لكي تكون ماركسياً، أو اشتراكياً (ليس في الاسم فقط). هنا نقطة الخلاف العميقة. حيث أن الاشتراكية تطرح في صيغة غائمة ودون "مرجعية"، الأمر الذي يعيدنا إلى الاشتراكيات ما قبل ماركسية. وهي في كل الأحوال ليست اشتراكية. ولقد شرحت ذلك في ردي السابق.
هذا التدقيق في معنى الاشتراكية كان ضرورياً لكي نحدد السياسات العملية، ولكي لا نسير خلف شعارات لا توصل سوى إلى إعادة إنتاج بنى رأسمالية تابعة. وقيمة البحث الفكري تتحدد هنا، حيث أنه يضع الفواصل بين المفهومات والأفكار، ويميز بين الفكرة والأخرى، ويحدد كل مفهوم وفكرة وكلمة. لأن كل ذلك أساسي في تحديد السياسات والتكتيك، وفي تنظيم الطبقات والقوى. وبالتالي لكي يتأسس وعي. المسألة إذن، ليست ترف فكري، ولا هي من الزوائد التي يمكن تجاهلها، إنها في صلب كل فعل ثوري.
نحن نختلف هنا، حيث هل من الضروري ربط الاشتراكية بالماركسية، أم أنه يمكن تبني الاشتراكية دون الماركسية؟ ولقد تجادلنا في حوارات خاصة حول هذا الموضوع. حيث أن الصديقين يرفضان الربط بالماركسية. وبالتالي يطرحان اشتراكية غير محددة. لم أفهم معناها، وكان بودي أن يشرحا لي طبيعتها، مادامت قد أصبحت من أهداف المشروع النهضوي العربي. هل هذا ترف فكري؟ أستغرب أن يعتبرا أن البحث في هذه المسألة خارج الموضوع وهما يطرحانه كهدف يدعوان إليه. إذن كيف يمكن أن أدعو لهدف دون أن اشرح طبيعته ومعناه؟ ودون أن أوضح ماهيته؟
هذه المسألة هي جزء جوهري من النقاش الضروري في الوقت الراهن، وليست مسألة "نظرية" بالمعنى الدارج الذي يعتبر أن كل بحث نظري هو تعقيد للعمل السياسي، وميل لدى "مثقفين" يحبون الثرثرة. إنها في أساس تحديد الرؤية والتكتيك والتحالفات والسياسات، لأن الفارق حاسم في التحديد بين اعتبار أن المهمات المطروحة هي مهمات قومية ديمقراطية وبين اعتبار أنها مهمات اشتراكية. وما من شك في أن تحديد معنى الاشتراكية حاسم كذلك لأنه الأساس في تحديد تلك المهمات. حيث أننا سنلمس هنا الفارق بين تحقيق مهمات الاستقلال والوحدة والتطور الاقتصادي والدمقرطة والحداثة، وهي مهمات ديمقراطية، وبين تحقيق الاشتراكية كنظام اقتصادي اجتماعي سياسي يقوم على إلغاء الملكية الخاصة. هل يمكن جمع المهمات هذه؟ هذا من الخلط المدمر، لأنه يفضي إلى أن تتقلص جبهة التحالفات، وتضيع الأولويات التي تفرض تحقيق الاستقلال والوحدة والتنمية والدمقرطة والحداثة. وبالتالي الفشل في تحقيق لا المهمات الديمقراطية ولا المهمات الاشتراكية. لأن فارقاً مهماً يقوم بين النمط الاقتصادي الذي يمكن أن يعمم في المرحلة الأولى، والنمط الاقتصادي الاشتراكي. وحيث أن الشكل الأول يمكن أن يؤسس لتحالف الطبقات الشعبية بينما يفشل الثاني في ذلك. ولأن إنجاز المهمات المطروحة يفترض تحالف الطبقات الشعبية، ولأن الواقع ذاته لا يستوعب تحقيق النمط الاقتصادي الاشتراكي، كان ضرورياً التركيز على المهمات الديمقراطية.
هل يمكن لنا أن نقفز عن كل هذا النقاش؟ أظن لا، لا في فلسطين ولا في الوطن العربي.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ...
- ورقة حوار حول المسألة الفلسطينية
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي (مناقشة مع الصد ...
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي (مناقشة مع الصد ...
- سياسة تقسيم العراق مرة أخرى -2
- الباحث الفلسطيني :تصاعد التيارات الأصولية سببه تراجع دور الي ...
- سياسة تقسيم العراق مرة أخرى-1
- ورقة حول مهمات حركة مناهضة العولمة
- متابعات الوضع الفلسطيني
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -2
- حول توحيد الشيوعيين في سوريا
- سياسة تقسيم العراق
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -1
- تنظيم القاعدة في العراق
- اليسار والموقف من حزب الله
- العراق المحتل: عن دور الماركسية في العراق
- القديم في إستراتيجية بوش -الجديدة- في العراق
- حوار مع جريدة النهج الديمقراطي المغربية
- إتفاق مكة -صفقة تقسيم الغنائم-
- القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- -دولتان أم دولة واحدة؟- - مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري / رجاء زعبي عمري
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ... / عادل سمارة ومسعد عربيد
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ... / سلامة كيلة
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية- / عادل سمارة ومسعد عربيد
- ماركس وحده لا يكفي لكنه ضروري - تعقيب على رد الصديقين عادل و ... / سلامة كيلة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - سلامة كيلة - نقاش في النقاش (ملاحظات على رد الصديقين عادل ومسعد)