أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - صورة جانبية لأدورد سعيد















المزيد.....

صورة جانبية لأدورد سعيد


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- في سوسيولوجيا الثقافة-

إدورد سعيد .. شخصية متفردة ونادرة، لا تتشكل بسهولة، ولا تتكرر إلا ما ندر. سرّ هذه الشخصية، شأن الشخصيات العظيمة الخالقة للتاريخ، هو عصاميتها وايمانها بذاتها. عمل ما لم يعمله غيره. ونجح في ما لم يحلم به كثيرون. ليس من السهولة وضعه في قالب ، للحكم عليه، حسب الطريقة العربية. وكل قولبة له، إساءة وجناية في حقه. وفي إطار هذه القولبة، الأدلجة والتخندق ولصق الانتماء. انتصر له كثيرون. وتصدى له كثيرون. وهذا شأن العظماء. ومن دون أعداء مناهضين، لا تكون عظمة!. فالتصدي والمناهضة والتحدي، تشحذ الفكر لمزيد من الابداع، وتمنع الذات من الغرور والأنفة، وتنقذ الشخصية من التكلّس والصنمية. ومن حسن حظ إدورد سعيد، أن كثيراً من المديح والعواطف التي أحيط بها، جاءت بعد رحيله. وإما في حياته، فقد بقيت النبال تنوشه، وتزيده إصراراً على المثابرة حتى نهاية الشوط. آمن سعيد، كما غيره من الكبار، بضرورة المعارضة والرأي الآخر. وهي سمة، ولدت وترعرعت خارج جغرافيا الثقافة العربية. وأولى، بمن يحترفون المديح والفخر والرثاء والغزل وما إلى ذلك، التعلّم قليلاً من قيم المعارضة، والرأي الآخر. ان الحكيم، يلزمه أن يشكر أعداءه، قبل أصدقائه ومريديه. فالتضادّ، في كل شيء، هو سرّ الصيرورة التاريخية. وعند النظر إلى شلل الواقع العربي والانحطاط المريع في جوانبه وثقافته، تتكشّف مسؤولية التشابه والممالأة والتقية وانعدام الرأي الآخر، كعيوب جوهرية بنيوية لازمة الاستئصال. واستئصالها ليس عملية جراحية أو قرار سياسي أو فتوى دينية، وانما مبادئ تربوية اجتماعية، مثل اللقاح الثلاثي وحليب الرضاع.
من هذا المنظور.. تبرز أهمية دراسة حياة إدورد سعيد، والاهتمام بقيمه الفكرية والسلوكية، لاتخاذها جزء من قواعد التربية الجديدة المفترضة. عصامية وتعددية إدورد سعيد تجعله موضوعاً لتعددية القراءة. القراءة والقراءة المضادّة. القراءة والقراءة المختلفة. القراءة والقراءة المزيدة والمتجددة والمتقدمة. لقد زرع أفكاراً، وعلى المتعلم الدارس رعاية تلك الأفكار رعاية البذور، وتطويرها والاضافة عليها لتزدهر وتنمو وتتفرع. فالشجرة التي لا تنمو تموت، وإن عمّرت ألف سنة. بينما أفكار الهند والإغريق والرومان ما زالت تتناسل، بالرعاية والبحث والاختلاف والتجدد. إدورد سعيد ظاهرة عربية، وظاهرة عالمية، وظاهرة تاريخية. لا تتكرر. وواجب الفكر والثقافة الحيّة، أن تجعله قادراً على المواصلة والنمو والتناسل في ضمير الثقافة والحياة، خارج حدود المكان والعصر. وفي هذه المحاولة ، تكمن خطورة ماحقة، يتمناها ويتلهف لها الأعداء قبل الأصدقاء. هي التصنيم. والتفخيم والغلوّ. فبهذه الثلاثة، يتم إعدام أبرز القيم والظواهر الانسانية الرائعة. أنّ العقلية العاطفية، وهي تبالغ في الاستسلام للعاطفة ومقتضياتها، تساهم في قتل محبوبها وتدميره في قاع الجحيم. مسكين من لا يعارضه أحد. مسكين من لا يستطيع أن يختلف. فالاختلاف دالة الفهم، والمعارضة دالة الاهتمام والمتابعة.
*
شخصيته الأدبية..
لا يمكن اعتبار أدورد سعيد ناقداً، بالمعنى المتعارف للكلمة، ذلك ان عنايته لا تتجه لنص أو كتاب، بالتخصيص. مع ذلك فقد بدا للكثيرين في صفة الناقد، وتفسيره يكمن، أن أدورد سعيد، إذ، لم يعنَ بالنقد (!)، فقد عني حقيقة بما يمكن تسميته [نقد النقد!]. لم يقدم أدورد سعيد آراء مستقلة أو حاسمة في أي من الكتاب أو النصوص التي (تناولها)، - في الحقيقة أنه تناول القراءات التي تناولت النص وليس النص مباشرة في بكوريته!-. فهو عندما يتناول نجيب محفوظ، يمرّ إليه عبر جملة غرف وأبواب متداخلة، خاصة بالنقاد الذي تناولوا أدب نجيب محفوظ أو جانباً من ذلك الأدب باللغة الانجليزية. أهمية هذا التحديد، تعني، أن اهتمام سعيد لم يتجه في الحقيقة إلى الخاصة السردية عند محفوظ، وانما علاقتها بالمنظور الفكري لأدورد سعيد، فسعى لتدعيم منظوره بجانب أدبي أو فكري لأحد الكتاب. شأنه في ذلك شأن صديقه سيجموند فرويد الذي اعتمد أدب الاغريق وشيكسبير مدخلاً أو دعامة لتقديم نظرياته في التحليل النفسي. وهو ما ينطبق على جميع/ (معظم) تناولات سعيد في المجال الابداعي والأدبي تحديداً. نقد النقد أو قراءة القراءات، يدخل في باب الفكر وليس النقد أو الأدب. وكما انحصر اهتمام فرويد بأسماء ومعالم أدبية عالمية محددة، جاء تركيز وتمحور اهتمام سعيد حول مسميات عربية وعالمية محددة. في هذا الاطار، حمل أدورد سعيد لقب مفكر، وهو صفة تقديرية شخصية أكثر من كونها لقباً علمياً، تصدره مؤسسة علمية، مثل لقب دكتوراه أو عالم أو فيلسوف. يبقى تعريف [فكر]، مقترنا بإشكالية اصطلاحية مزمنة، ليس للفصل فيه، وانما لتخصيص جانب من جوانبه. وفي هذا الإطار، كان أدورد سعيد مؤرخاً اكثر منه مفكراً (!!)، عني بتاريخ الفكر، والتأرخة له، بلغة أدبية مميزة. هذا ما يكشف عنه كتابه في الاستشراق، كمعالجة نقدية للأفكار والطروحات الممثلة للفكر الكولونيالي أو المرجعيات الغربية وقراءاتها الميدانية.
أدورد لا يتناول الواقع بالمعنى والإطار العام، وانما عبر أحداث ومتغيرات محددة، لها في الغالب طابع سياسي وانعكاسات اجتماعية. ولقراءة الواقع والمضاعفات السيوسيولجية المترتبة على وقوع حدث/ متغير معين، يتناول جملة من الطروحات التي رصدت الحدث من جهة، والطروحات المتعلقة بأركيولوجيا الواقع وتأويله. وفي كلّ ذلك، لا يتجاوز سعيد الحواجز الهلامية عبر صفوف من الكتاب والأحداث، دون التماس المباشر والمعالجة الميدانية للواقع ومتغيراته. وهو في هذا ليس مؤرخاً، ولا مفكراً، وانما هو مؤرخ فكر.
*
مصادره العربية..
تناول أدورد سعيد في حدود اهتماماته، ثلاثة نماذج من سرديّات الأدب العربي، موزعة على ثلاثة بلدان، فلسطين، لبنان، مصر. وهي البلاد التي تنتمي إليها جذوره العائلية وصباه. ولم يظهر اهتماماً خارج محدداته، أو النماذج المحدودة التي استخدمها في مقارناته. الأمر الآخر الجدير بالذكر، أن الكتاب ونصوصهم المدروسة متوفرة باللغة الانجليزية، وهذا سرّ انصباب اهتمامه على كتاب أو كتب محددة من شهريّات الكاتب، وليس كل كتاباته أو مؤلفاته. ذاك أن أدورد سعيد، شأن كثير من العرب الأميركيين، لم يكن قارئاً بالعربية، أو أنها لم تكنْ بالقدر الذي يعوّل عليها في قراءة أدبية أو بحثية. ناهيك أن كلّ كتابات سعيد جاءت بالأنجليزية، مخاطبة ذائقة القارئ الأميركي أساساً، ومرجعياته الحداثية. فكانت الترجمات العربية إلى الانجليزية في شقها الأول، والدراسات المكتوبة عنها باللغة الانجليزية أو المترجمة إليها، مصدراً لآرائه وكتاباته في الأدب العربي، بينما مثّلت إعادة ترجمة كتاباته من الانجليزية إلى العربية مفارقة [feed back]، التبست على القارئ العربي الأخير، مصادرها الأجنبية أو الحقيقية. فاجتمعت ترجمتان لنص واحد، أو نص يسافر من لغته الأولى إلى لغة ثانية ثم يعاد بلباس آخر، ملتبساً بنكهة وخطاب وبصمات منقحة. ولا بدّ أن مترجمي سعيد، لم يدخروا عناية، في إعادة انتاج أدورد سعيد (عربيّاً)، وبشكل يدعم صورته الإشراقية، في واقع، وعصر، لم يتمخض عن غير الهزيمة. فكان البحث عن البديل، أو التعويض، في الخارج، وفي مجتمع الهجرة، بمعنى من المعاني، وليس في الكمّ الهائل من المنتوج الثقافي العربي المحكوم بالتكرار ومحدودية الأفق أو السقف. وظاهرة أدورد سعيد، بهذا المعنى، وإزاء انعدام الأمل في انفراج الوضع العربي، يمنح الأدب المهجري العربي الذي ما زال فريسة الاهمال والتجاهل عربياً – حتى الآن-، بضرورة مجيء يوم، يعاد فيه اكتشافهم، وإعادة انتاجهم عربياً، ونقل جثمانهم كأبطال منفيين، إلى وطنهم الأم. ولكنهم قبل ذلك، يكونون قد شبعوا موتاً، ولم يبق منهم غير حفنة من رماد، تعتصره حروفهم الأجنبية المهاجرة.
*
إشكالية الهاجس السياسي في فكر أدورد سعيد
ليس في شخصية أدورد سعيد وصيرورته الثقافية والاجتماعية، ما يدعو للمفارقة أو الاغتراب بينه وبين حياته الأميركية، وهو الأميركي منذ ولادته (1936) والمندمج في الثقافة الانجليزية، قلباً وقالباً. لكن المفارقة تحدث في البلاد الأميركية نفسها.، وفي الستينيات تحديداً. النسيج العام للأميركيين من أصول أجنبية يقفون مع جناح الدمقراطيين في السياسة الأميركية، حيث يتمّ اغتيال الرئيس الأميركي الدمقراطي جون كندي 1963، وفي نفس العام يغتال القس الزنجي مارتن لوثر قائد مسيرة المليون السلمية ومحرر الزنوج. وفي عام 1967 يغتال الابن الثاني في عائلة كندي روبرت كندي . وتبدو نذر الحياة الأميركية موحية بالاضطراب وعدم الاستقرار. بنما يهتزّ الشرق الأوسط عقب هزيمة السابع من يونيو 1967 الذي يصيب الإرادة العربية في الصميم، وتنتشر، ربما لأول مرّة، حالة قومية من تقريع الذات، تنعكس بشدّة في أوساط الأنتلجنسيا العربية. ويأتي قرار عبد الناصر بالاستقالة، طامة أخرى، تقيم دنيا العروبة ولا تقعدها إلا الحشود الهائجة في الشوارع، تطالب الزعيم القومي بالعدول عن الاستقالة، وتعلن له الولاء. ان جوهر يونيو 67 هو فلسطين، ولكن العنوان يأتي من مصر عبد الناصر. فلسطين موطن الإنتماء الأولي، ومصر الطفولة والصبا والنوستالجيا. حيث [شجّعتني الجزيرة، كما أذكر، على الشعور بأن منطق المكان وما يمثله، كان يفرض سلطانه على ما بدا لي أشبه بلخبطة لا تُغتَفَر، تنزل بواقعي الحقيقي.].
في هذه الأثناء كان سعيد تقلد الاستاذية في جامعة كولومبيا، إلى جانب شخصيات ثقافية وعلمية مرموقة، أثرت في تطلعاته المستقبلية، وهو الشاب المهاجر. ان أقصر طريق للمستقبل والنجاح والشهرة، لا يكون إلا عبر السياسة، سيما إذا توافرت محفزاتها وظروفها. والحقيقة أن الستينيات عموماً كانت فترة غليان سياسي وانتصار حركة اليسار والتحرر في غير مكان من العالم. كانت القوات الأميركية تحتل فيتنام، - يومئذ كما اليوم (عراق)-، وسط حملة احتجاجات داخلية ودولية، بينما يتكشف الرياء في مبادئ الخطاب الأميركي الداعي للسلم والتعاون الدولي وحرية تقرير المصير، واحتلال الدول وارتكاب المجازر البشرية في آن. هذه الظروف السياسية المتوترة والحماسية المتفائلة، اتفقت مع تطلعاته وحملته شيئاً فشيئاً لبلورة رؤية تقدمية يسارية لقضايا الانسان وتطلعات الشعوب.
هنا يتفتق الوعي السياسي في تحقيق الانسجام بين الذات والموضوع. بين الاغتراب المكاني والاغتراب الفكري. واجداً، أن تصحيح معادلات الاغتراب، كفيل، بمعالجة أزمة الضمير، أو الجذور العميقة لحالة (تقريع الذات) التي فجّرتها (نكبة) 1967، ضمن غليانات الشارع العربي الذي وجد في ترسيخ انتمائه إليه، ردّاً على رياء خطاب الحداثة الأميركي والسياسة الكولونيالية. وتتمثل بوادر إعادة اكتشاف الذات والعودة إلى الهوية في فقرتين من سيرته الذاتية، الأولى عام (1972). [قضيت أول عام كامل لي هناك (منذ سافرت كطالب إلى الولايات المتحدة عام 1951) في إجازة رحت أتعرّف فيها من جديد على التراث العربي الاسلامي من خلال دروس خصوصية يومية في فقه اللغة والأدب العربيين.]/ ص18 . والثانية زيارته القاهرة عام 1977(ص155)، المؤرخة لاتفاقية كامب ديفيد بين السادات وبيغن. وما أعقب ذلك من تقاربه من النضال الفلسطيني وعمله في صفوفها [تجربة 1967، انبثاق الشعب الفلسطيني من جديد كقوة سياسية، وانخراطي في تلك الحركة]/ (م.ن-18). بيد أن الحماسة ينبغي أن لا تصل حدّ الغلوّ، ومناقضة حيثيات الواقع. فالقانون الأميركي ليس بتلك السماحة التي تتيح لأبنائه مناهضة سياسة بلادهم والعمل ضدّها في منظمة عسكرية معادية توصف بالارهاب أو العدو. ولا مبرر للفصل بين أمن اسرائيل والأمن الأميركي هنا. ففي مناسبة احتفالية لعالم النفس النمساوي (يهودي الأصل) كان سعيد ضمن كبار المدعوين للمشاركة، وكان حتئذِ يشارك سنوياً في احتفالات المعهد. فرفعت الجالية اليهودية في فيننا [Judische Gemeinde in Wien] رسالة للحكومة النمساوية - صاحب الدعوة تحتج فيها على مشاركة (إرهابي) في الاحتفال، على خلفية تصويره في مسيرة فلسطينية مع أطفال الحجارة. وقد سحبت الحكومة الدعوة وتم تسوية الأمر بهدوء. ولم يكن وقع ذلك سهلاً على أدورد سعيد الذي اعتاد زيارة فيننا سنويا وله علاقات شخصية قديمة في عائلة فرويد. القفز على هذه الحقائق، يمنح الآخر، أميركيا كان أو اسرائيلياً، صفة غير حقيقية ولا يستحقها. وليس واضحاً ما وراء عبارة سعيد نفسه التي لا تخلو من تزلف [انخراطي في تلك الحركة هو ما مكنتني نيويورك بمعنى ما من أن أعيشه]. ان جهد سعيد في القضية العربية أو الفلسطينية، كان دعائيا فكرياً، أكثر منه واقعياً بالمضمون السياسي. وقد جعلت منه مواقفه الجريئة وطروحاته الاعلامية في ظل تصاعد الغطرسة الأميركية، نجماً عالمياً، ومحط إعجاب وإشادة، لكثير من شباب الخضر والمثقفين التقدميين المناهضين للامبريالية . وفي هذا تكمن أهمية وجدارة شخصيته الفكرية والسياسية، دون الحاجة إلى رتوش وادعاءات قد تشوهها وتقضي عليها بالكامل.
*
الاستاذية أو النزعة الأكادمية
الفائدة المرجوة من الاطلاع على رسائل الماجستير والدكتوراه، هو الحصول على (كمّ..) من الآراء والأفكار المتعلقة بظاهرة أو فكرة معينة في محدد زماني ومكاني. بما فيها الأفكار المتناقضة والمتصارعة، التي يفنّد بعضها بعضاً. ولو أخضعت كل رسالة أكادمية إلى عملية اختزال إلكتروني [drop]، لا يتبقى من الكتاب الذي تربو صفحاته على الثلاثمائة أو الخمسمائة إلا أقل من الربع. وإذا اختزلت أساليب التعبير والصيغ الانشائية ولزوم ما لا يلزم، فالمتبقي يكفي لنشره في جريدة يومية أو مجلة متواضعة. وهذا ما أوقع الشهادة (لقب) الاكادمية في شرك (حفرة) التراكمية، كمقابل للعلمية، وترتب عليه انخفاض المستوى العلمي للجامعات إلى ما دون الثانوية. وساهم بدور أساسي في دعم سيرورة تردي واقع الحياة المعاصرة.
والدكتور أدورد سعيد، الاستاذ في قسم الأدب الانجليزي والأدب المقارن في جامعة كولومبيا منذ خريف 1963، حيث درس وكتب حتى سنوات متأخرة، لم يخلع عنه بردة الأكادميا في الكتابة. استفاد الدكتور من حياته في الغرب كثيراً، وما يدعو للفخر والامتنان في شخصيته وثقافته، انما هو نابع من عمق التفاعل والتلاقح الحضاري المتعدد في شخصيته. انه صورة مشرقة لاستاذ جامعي هدم الجدار بين الجامعة والمجتمع، واندفع للاهتمام بالقضايا اليومية التي تحاصر الطبقة العامة والكادحة في المجتمع. بالمقابل لم يتخل عن نزعة الانتلجنسيا الأكادمية، وتربيته العائلية البرجوازية. وصف التدريسيين والمثقفين بالبرجوازية، ليس جديداً أو غريباً، ولكن الاشكالية تخطر عندما تلتبس بالسياسة. فقد اجتمعت النزعة البرجوازية، جنباً إلى جنب، موقف سياسي يساري (تقدمي)، مساند لشعوب العالم الثالث وتطلعاتها، ومناهض للفكر الكولونيالي العنصري.
يقدم أدورد سعيد في كتاباته، سياحة ثقافية فكرية، في مجالات أبسط ما توصف به هو التنوع والامتداد الزمني، وإن لم يخرج عن تاريخ القرن العشرين. عرض لطوائف من طروحات الكتاب المناوئين والممالئين لقضايا العروبة والاسلام وفلسطين، وهي ما تحدّد بمفهوم الشرق الأوسط في السياسة الأمريكية. لقد قدّم ثروة معرفية سياسية غنية، يكمن غناها وأهميتها، أنها تصدر من الداخل المتفاعلة معه، وليس من الخارج المغترب عنه. أدورد سعيد وهو يتناول الأدب الأميركي أو الانجليزي، لا يتناوله من خارجه، وانما من داخله، باعتباره جزء منه، ولكنه لا يتحفظ بالمقابل، إلى حدّ ما، باعتباره، جزء منه ومختلف عنه في الرؤية. هذا ما يعطي كتابات سعيد جدارة ونكهة، لا نجدها في كتابات العرب الذين تناولوا جانب من تلك الطروحات، أو ترجموها للعربية، بنزعة لا تتجرد من سبق الاصرار، أو الانجراف التام. فالموضوعية والحيادية خصائص علمية محسوبة على الأكادميا، بيد أن الأهم من الأكادميا، هنا، هو مرجعيته الثقافية التربوية في ظل عائلة مسيحية لها مرجعيتها القيمية الخلقية المتمايزة، ليس بسبب كونها (أقلية) في بحر عربسلامي، وانما امتدّ لكونه (عربيا) مهاجرا في بحر امريكي امبريالي. ألهمه على مدى حياته الحذر في التعامل مع اللغة والمفردة والثيمة. وهو ما أبقى سعيد عربياً، بالمفهوم الأميركي، وأميركيا، بالمفهوم العربي.
*

ـــــــــــــــــــــــــــ
 ولد إدورد سعيد في [1936]، بدأ حياته الدراسية في مدرسة سانت جورج في القدس، ثم انتقل إلى القاهرة ودرس في كلية فكتوريا وغيرها. (1951) وصل الولايات المتحدة وحصل على شهادة ليسانس من جامعة برنستون، والماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد. [1963] استاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك. (1977) سلسلة محاضرات تكريمية في جامعة برنستون. (1980) محاضرات في جامعتي روتجرز وديوك. وقد حاضر في أكثر من (ستين) جامعة وأكادمية. (1975) زمالة العلوم السلوكية في مركز الدراسات المتقدمة بجامعة ستانفورد. (1981) زمالة جامعة جوجنهايم. (1975) جائزة ترلنج للانسانيات التي تمنحها جامعة كولومبيا لأفضل كتاب في مجال العلوم الانسانية.(1981) جائزة العلوم الانسانية بجامعة كاليفورنيا. عمل محرراً في مجلة (الدراسات العربية) الصادرة في أمريكا. عضو هيئة تحرير لأكثر من (خمسين) مجلة علوم إنسانية في العالم. رأس في أواخر حياته مجلس إدارة المعهد العربي في أمريكا.
 من مؤلفاته:
- (1975) بدايات: المقصد والاسلوب.
- (1978) الاستشراق. تعريب : د. كمال أبو ديب.
- (1979) المسألة الفلسطينية .
- (1980) الأدب والمجتمع.
- (1981) تغطية الاسلام.
- (1983) العالم، النص والناقد.
- (1985) وراء السماء الأخيرة.
- (1993) الثقافة والأمبريالية.
- (1999) خارج المكان ..( سيرة ذاتية).
* بتصرف- عن كتابه: إدوارد سعيد.. تأملات في المنفىI/ترجمة: ثامر ديب- دار الآداب- بيروت/ 2004- ص: 156 وما بعدها.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشعر النمساوي المعاصر- كلاوديا بتتر
- أوهام الضربة الأميركية لايران
- النوستالجيا.. الطمأنينة والاستقرار
- الفرد والنظام الاجتماعي
- الاغتراب في ظل الإسلام
- من الشعر النمساوي المعاصر- بيرنهارد فيدر
- أحلام مكيسة
- Shadowsظلال
- محمد علي الباني رائد تحرر المرأة العربية
- نكايات
- الجنس والجسد والزواج
- في ذكرى الصديق الشاعر مؤيد سامي!
- لا تحبيني رجاء!..
- دبليو ه. أودن
- سنجار: مجازر جماعية وجرائم ضد الانسانية والبيئة
- اللبرالية والسلفية في بورصة السياسة
- الفرد في مصيدة الإمنترنت والهاتف الخلوي
- قصائد عن الألمانية
- - صفحات من كتاب الأنثى-
- نزعات وجودية في الأدب العراقي


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - صورة جانبية لأدورد سعيد