أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - الكوخو














المزيد.....

الكوخو


البتول المحجوب

الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 09:35
المحور: الادب والفن
    


الرابعة فجرا، تختنق صرختها وتجف دمعتها.بأصابع مرتعشة تحاول إغماض جفنيه..تشعر بالبرد يسري في أوصالها،تمسك كفه بحثا عن دفء مفتقد،تضع خدها على كفه وتغمض عيناها الساهرتان قرب سريره،لترحل بعيدا بحثا عنه في طيات المجهول.بحثا عن دفء نظراته،عن بسمته المشرقة، عن كلماته العذبة وعنه بين شباب الحي..تتراى لها صورة أمه الدامعة العينين نحو يده المودعة، يوم رحل بعيدا نحو المجهول من أجل قضية ما..هاربا من دموعها المنسكبة،هاربا من توسلاتها، من صوتها الشجي، من أنفاسها المترعة برائحة وطن مدفون في الرمال،هاربا من رائحة الثرى المبتل ومن مرابع البدو الجميلة..
رحل بعيدا بعيدا، ليعود بعد سنين طوال مبتور الساق،يتكأ على عكاز. دون شعره الطويل و دون لحيته الكثة. حتى ابتسامته فقدت إشراقها بعد اتكاءه على عكاز وساق اصطناعية.
يحتفل رفاق الأمس بعودة”الكوخو”إليهم ،باسمه الحركي الذي أنساه الاسم الذي عمدته الأم به، يوم عانق مرابع البدو.يبتسم في صمت حزين مجاملة لهم.يبدوان أرصفة المنافي الطويلة غيرت عاداته الجميلة. يميل للصمت،الهدوء والحذر أيضا.أين الصخب الذي كان يملأ المكان بحضوره..؟أين البسمة المشرقة..؟بل أين الضحكة المجلجلة التي تهز أركان البيت..؟
عادة واحدة اتسم بها دوما، بقيت على حالها،عشقه الجميل للأم..لرائحةأنفاسهاالدافئةدوما.يقترب منها يمسك طرف لحافها الأسود يمرره على وجهه،يشم رائحتها.يطلب قطعة من اللحاف يضعه في جيب سترته،علّه يكون زادا لرحلة قادمة..تمر السنين ليعود لعيادة باردة الزوايا في مدينة كبيرة وموحشة.
يُهاتفها بخبر مرضه، طالبا منها أن تُطمئن الأم الطيبة دون إخبارها بالمرض اللعين .تشد الرحال صوب المدينة البعيدة الكبيرة والموحشة أيضا، لتكون قربه.فالمرض الخبيث أخذ بالأمس ساقه،واليوم يٌطارده من جديد،من منفى الى أخر، ليحط الرحال أخيرا ببقعة الوطن المنسية على مشارف المحيط.
بحثا عن الخلاص في حضن أمه.ينتشر المرض الخبيث بسرعة كـأنه ينافس الحياة على هذا الجسم الممد في عيادة باردةالارجاء.يشعر بالغثيان من العلاج السام. الليل متأخر وطويل،الأنين يكاد لاينقطع في أرجاء العيادة الموحشة.يبدو أن الممرضة المناوبة نامت.وتيرة الأنين في تصاعد.تسرع بخطواتها نحو مصدره الذي يشق سكون الليل،لتجد شابة في مقتبل العمر غلبها الغثيان والدوران.تسندها قليلا تمسح أثار الغثيان عنها تقدم لها كأس ماءوتساعدهافي العودة لسريرها علّها تغفو قليلا..وتستريح.بدأانينهايخف بعد أن أفرغت السم من معدتها.تعود الى ركن الغرفة الباردة تجلس على كرسي قرب سريره تظل تراقبه حتى تغفو عيناه فتغفو عيناها الساهرتان قربه.
تجلس كل صباح على طرف سريره،تقرأ له ماتيسر من اخبارعلها تخفف وطأة الألم. بإشارة من يده توقف القراءة..يكتب لها كلمة على قصاصة ورق، طالبا صحفا اسبانية.تشعر بالألم لجهلها لهذه اللغة التي يعشقها.تجلب له ماطلب،يتصفح الجريدة بعينين متعبتين وحزن عميق يمحو بريقهما.تقوم من مكانها لتعطيه حبة الدواء. يرمي الحبة أرضا،ترجوه بلطف. ينظر الى وجهها الحزين،الى عينيها بحثا عن أمل ما،تتحاشى نظراته.فهي تعرف أن الشفاء بيد الله الواحد الأحد، وليس في حبات السم هذه. دقات على باب الغرفة الباردة. بعض الزوار..تطلب الإذن منه يرفض بحركة من يده.يرفض الزيارات،يرفض النظرات المشفقة ويرفض العلاج أيضا. تُقاسمه الألم، الوحدة الموحشة ورائحة الأدوية في عيادة يبدد دفء كفيه برودتها.تسنده قليلا لتغير ملابسه.تتألم لرؤية جسمه النحيل. تقوم بتدليك خفيف لكتفيه علّ الدم يسري في أوصاله، لكن سرعان ما تغلبها الدموع المنهمرة دون استئذان. تحط برأسها على كتفيه يشعر بدفء دموعها.
يحتضن وجهها المبلل بالدمع بين كفيه، يمسح بقايا دمع ويمسد شعرها علها تهدأ. تضع رأسها على صدره وتغفو عيناها..
بعد لحظات ترفع رأسها، لتجده ممددا دون حركة،عيناه شاخصتان إليها في ابتسامة منكسرة على الشفاه وكلمة ماتت على قصاصة ورق دون ان تدرك معناها.
البتول المحجوب لمديميغ/طنطان



#البتول_المحجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السبحة
- ذكرى
- حكاية امراة
- اوتار
- برودة المنافي
- الجمعة الحزين
- علبة بريد
- مساء احد منسي
- الحلم الجميل
- الثامن عشر من ايار
- محطة القطار
- الطيور المهاجرة
- المسافات
- الهاتف
- انتظار
- طنطان:مدينة الوجع
- رحيل امرأة
- سيجارة اخيرة
- مرثية رجل
- قالت اليمامة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البتول المحجوب - الكوخو