أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عايد سعيد السراج - القصص القرآنية















المزيد.....


القصص القرآنية


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بما أّن إبليس مطرود من الجنة , كيف دخل إليها ووسوس لآدم وحواء , من الأكل من الشجرة المحرمة ؟ هل من المعقول أن يدخل إبليس إلى الجنة وهي لها خَزنة , وحراس , وبوابون ؟ هذا ما سنراه في المقالة التالية ونرى رأي أهل اللغة في ذلك 0
(000القصة هي الأحدوثة التي يخبر بها وتقص على الناس , والغرض منها الاتعاظ والاعتبار بأحوال الماضيين وما جرى لهم من الأمور العجيبة في الحياة الدنيا , وقد نشأ في عهد العباسيين قصاص يقصون على الناس ما في القرآن وغيره من القصص, واتخذوا القصة حرفة لهم يسترزقون بها 0 ولا شك أن هؤلاء كانوا يتنافسون في أقاصيصهم لاجتذاب الناس إليهم فيبالغون ويغالون , ولذلك لم يقتصروا في القصص القرآنية على ما جاء منها في القرآن , بل يرجعون إلى الكتب القديمة ككتب اليهود وغيرهم فيأخذون منها ما يأخذون 0 وللشر عدوى بين الناس فقد أعدى هؤلاء القصاص المفسرين حتى صاروا يذكرون في تفاسيرهم أقوالاً خرافية لا يستندون عند ذكرهم إلى شيء من الأدلة النقلية ولا من الأدلة العقلية , بل يكتفون عند ذكرهم بقولهم " قيل كذا" غير ملتفتين إبلا ما فيها من سخافة أو خرافة و, وقد تقدم شيء من أقوالهم التي أوردناها في الكلام على الآيات القرآنية وناقشناهم الحساب , وإليك ما يقولونه في قصة خلق آدم في القرآن 0
قصة خلق آدم
إن هذه القصة مذكورة في التوراة فانتقلت منها إلى القرآن بشيء من التصرف في وضعها , وذكرت في مواضع متعددة منه على اختلاف في العبارات, ولم تذكر كلها بتفاصيلها في محل واحد بل في سور متعددة على وجه لا يخلو في بعضها من التكرار 0 / 1023/
وأبطال هذه القصة أو الرواية أربعة وهم آدم وحواء والملائكة وإبليس , وإذا أردنا أن نذكر الذي خلق آدم وجعله خليفة وأمر الملائكة بالسجود له وطرد إبليس لإبائه السجود لزم أن نقول إن أبطالها خمسة , إلا أننا لم نقل ذلك تأدباً مع الله الذي تعالى عمّا يصفون علواً كبيراً 0 أما إبليس فإنه كان واحداً من الملائكة إلا أنه عصى الله وأبى السجود لآدم فاستحق الطرد واللعنة وصار إبليساً وصار أبناؤه الجن والشياطين كما تقدم بيانه في الحقائق القرآنية 0 وإليك ما جاء في سورة البقرة من هذه القصة العجيبة , قال:
( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة , قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك , قال إني أعلم ما لا تعلمون ) (1) 0 الخليفة هو من يخلف غيره والمعنى على ما يقوله الزمخشري (2) خليفة منكم أي يخلفكم ويكون بدلاً منكم , قال : لأنهم ( يعني الملائكة ) كانوا سكان الأرض فخلفهم فيها آدم وذريته , قال : ويجوز أن يريد خليفة مني لأن آدم كان خليفة الله في أرضه وكذلك كل نبي كما قال : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) (3)0
ولا ريب أن الله هو خالق الكائنات الأعظم والقادر والحكيم المطلق الذي لا يسأل عما يفعل , وأن الملائكة هم عباده الصالحون المعصومون , لا فرق في عبوديتهم لله بينهم وبين بني آدم سوى أن بني آدم أكثرهم عصاة كافرون كما قيل عنهم في القرآن : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) (4) , وإن الملائكة طائعون صالحون كلهم أجمعون , فهل من المناسب للخالق / 1024/ الأعظم والقادر الحكيم المطلق إذا أراد أن يجعل خليفة في أرضه أن يخبر عباده الطائعين الصالحين 0 وإن قلنا في حكمته البالغة وإن كنا لا نعلمها اقتضت أن يخبرهم بذلك , فهل من المناسب لهؤلاء العباد الطائعين الصالحين أن يقابلوه بالتعجب والاستنكار قائلين له بكل صلف ووقاحة : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) (5) , وهم في استنكارهم هذا قد ادعوا أنهم المسبحون المقدسون وأنهم أشرف من آدم وذريته المفسدين السافكين للدماء 0
ومن العجب أن الله لم يغضب كما غضب على إبليس الذي هو واحد منهم لما امتنع من السجود لآدم مدعياً أنه أشرف منه إذ قال: ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) (1) مع أن الملائكة في استنكارهم هذا كانوا أوقح من إبليس وأجرأ على الله منه , إذ كان لإبليس بعض العذر في امتناعه من السجود الذي هو تكليف شاق ومهين بالنسبة إلى ما يدعيه من الشرف , فهو معذور بعض العذر في اعتراضه وإن كان ذلك منه صلفاً ووقاحة أيضاً , بخلاف الملائكة فإن استنكارهم واعتراضهم هذا الاعتراض المنكر لم يقع لأجل تكليفهم بأمر شاق مهين , وإنما وقع لأجل إخبارهم بأنه جاعل في الأرض خليفة , فلماذا لم يطرد الله هؤلاء أيضاً من رحمته كما طرد إبليس وذنبهم أعظم ذنبه 0
ولكن الله لم يغضب على هؤلاء ولم يطردهم من رحمته بل أجابهم جواب المفحم إذ قال لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) (2) , وهو جواب ضعيف بالنسبة إلى اعتراضهم القوي المعقول , لأن الملائكة يعلمون أن الله يعلم ما لا يعلمون فلما لم يكن علمهم بذلك مانعاً من اعتراضهم لم يكن / 1025/ الجواب مسكتاً أيضاً 0
تكلم الزمخشري في تفسيره حول إخبار الله الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة , فقال: فإن قلت َ لأي غرض أخبرهم بذلك قلتُ ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم صيانة لهم من اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم (3) , هذا كلامه , ويظهر أن الزمخشري يتكلم بلا وعي , أولاً إن ما قاله الملائكة ليس بسؤال وإنما هو اعتراض , والهمزة الاستفهامية فيه للاستنكار كما هو ظاهر من قوله : ( من يفسد فيها ويسفك الدماء ) , ثانياً إنهم لم يعرفوا حكمة الله في استخلافهم لأن الجواب كان مبهماً ولم تذكر فيه الحكمة المقتضية للاستخلاف , ولا ريب أن الملائكة والجن والإنس كلهم يعلمون أن الله يعلم ما لا يعلمون فما أجابهم إلا بشيء معلوم عندهم قبل الجواب 0
ثم قال الزمخشري : وقيل : ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم , وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنياً عن المشاورة (4) , وأنت ترى أن هذا التعليل أسخف من الأول , أولاً : أي عباد أراد تعليمهم المشاورة , إن كانوا الملائكة فهم معصومون ولا حاجة بهم إلى المشاورة , وإن كانوا البشر فهم لم يخلقوا بعد , ثانياً : لماذا خص تعليم المشاورة بخلق آدم دون غيره من المخلوقات إذ لم يخبر بها الملائكة لأجل هذا التعليم , فإن قيل : إنه خص التعليم بخلق آدم لأنه هو وذريته محتاجون إلى المشاورة فأراد تعليمهم ذلك عند خلق آدم دون غيره من المخلوقات , قيل: إن إخبار الملائكة لأجل التعليم لم يعلم به بنو آدم إلا بعد نزول القرآن , فالذين مضوا قبل النزول لم يتعلموا المشاورة إذ لم / 1026/ يبلغهم هذا الخبر , والذين أدركوا نزول القرآن لا حاجة إلى تعليمهم المشاورة بهذا الخبر , فإنهم قد تعلموا مما أمر الله به نبيه في قوله : ( وشاورهم في الأمر ) (1) , وإن قيل : إن قوله : ( وشاروهم في الأمر ) تأكيد لما سبق , قيل : إن هذا التأكيد لا يفيد إلا الذين أدركوا القرآن دون الذين مضوا ولم يدركوه 0 ولا حاجة إلى تطويل الكلام في تفنيد هذه الأقوال التي لا طائل تحتها 0 وقد قلنا غير مرة إنهم في مثل هذه الأقوال يحاولون الحقيقة وإنما يقصدون توجيه الكلام على أي وجه كان 0
وقد جاء في قصة خلق آدم قوله : ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) (2) 0 قال الزمخشري في قوله : ( علم آدم الأسماء ) : أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلوماً بذكر الأسماء , لأن الاسم لا بد له من مسمى , وعوض عنه اللام , وقال إنما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الأنباء على سبيل التبكيت والتقريع ليسكتهم بالحجة فقال : ( إن كنتم صادقين ) (3) في زعمكم إني أستخلف في الأرض مفسدين سفاكين للدماء فأنبئوني بأسماء هؤلاء , فإنكم لا تعلمونها والذي أنا جاعله خليفة يعلمها , ثم وجه الخطاب إلى آدم : ( قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) (4) , وهذا تفصيل ما أجمله في قوله لهم قبل هذا : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) (5) 0 هذا ما رد الله به على الملائكة تبكيتاًَ وإسكاتاً لهم بالحجة كما يقول الزمخشري (6) , وهو رد غير صحيح ولا معقول , أولاً / 1027/ إن الملائكة لم يدعوا أنهم أعلم من آدم الذي يريد الله أن يستخلفه حتى يصح أن يردهم بإثبات العلم له دونهم , وإنما ادعوا أنهم مسبحون ومقدسون وأن الذي يريد استخلافه مفسد سفاك للدماء فأين هذا من هذا , كما جاء في المثل " تريني السها وأريها القمر " , أفلا يقال بأن هذا الرد مشرق وهم مغربون وإنه مصوب وهم مصعدون , ولعله أراد بإثبات العلم لآدم نفي الإفساد وسفك الدماء , فإن القائمين بالحروب الدامية وما يترتب عليها من فساد هم أهل العلم في زماننا وفي كل زمان 0 وفي القرآن أيضاً ما يدل على أن العلم والإفساد ليسا بضدين بل يجتمعان كما جاء ذلك في قصة بلعم بن باعوراء الذي هو عالم من علماء بني إسرائيل وقد ذكرت في سورة الأعراف من القرآن في قوله : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) (1) 0
ولو سلمنا بأن العلم والإفساد ضدان لا يجتمعان لما كان هذا الرد صحيحاً أيضاً , لأن إثبات العلم بالأسماء لآدم على هذه الطريقة ليس إلا نوعاً من المخاتلة والمخادعة , وذلك أنه استنبأ الملائكة بعدما علم آدم الأسماء فلما عجزوا قال لآدم أنبئهم بأسمائهم , وكان من صدق المحاجة والإنصاف أن لا يعلم آدم الأسماء وأن يستنبئه من دون تعليم مثلما استنبأهم بلا تعليم , وحينئذ ٍ إذا أنبأهم آدم بالأسماء قامت عليهم الحجة وحصل التبكيت 0
وكأن الملائكة علموا بأن الله قد علم آدم الأسماء فلذا قالوا لما استنبأهم : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) (2) أي كما أن / 1028/ آدم لا علم له إلا ما علمته , ففي قولهم إلا ما علمتنا تلميح إلى تعليمه آدم الأسماء , ثم قالوا : ( إنك أنت العليم الحكيم ) (2) : أي أن العلم لا لنا ولا لآدم , ففي قول الملائكة هذا إشارة إلى أنهم ما أنصفوا في المحاجة 0
وإذا قيل إن ملكاً عظيماً من ملوك البشر له حاشية من عبيده المخلصين فأراد أن يستعمل رجلاً من غيرهم من الذين هم غير مخلصين فجمع عبيده المخلصين ليسألهم على سبيل الاستشارة , فقال لهم : إني مرسل رجلاً من غيركم ليكون عاملاً لي على بلاد كذا , فقالوا له : كيف تستعمل من يخونك ويظلم الناس ونحن عبيدك المخلصون , ثم أراد ذلك الملك أن يرد عليهم ما قالوه ويقيم عليهم الحجة في صحة استعماله ذلك الرجل , فأرسل إليه وعلمه أموراً لا يعلمها عبيده المخلصون , ثم أحضرهم وأحضره معهم وأخذ يسألهم عن تلك الأمور التي علمها ذلك الرجل وهم لا يعلمونها فعجزوا عن الجواب معترفين له بأنهم لا يعلمون إلا ما أطلعهم عليه ملكهم , ثم التفت إلى الرجل وقال له : أنبئهم بما سألتهم عنه فأنبأهم به , فهل يصح أن يقال: إن ذلك الملك قد أقام الحجة على عبيده المخلصين في استعماله رجلاً من غيرهم 0 وهل يكون ذلك الملك فيما رتبه وصنعه لإلزامهم منصفاً غير مخاتل ولا مخادع لعبيده المخلصين 0
وفي عبارة القصة مغمز آخر وهو أن الله قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة , ولم يزد على هذا القول شيئاً , فلم يذكر لهم أنه من الإنس ولا من الجن ولا من الملائكة , فمن أين وكيف علموا أن آدم يفسد في الأرض ويسفك الدماء , ولكن المفسرين رحمهم الله , لا يعجزهم شيء , فأينما رأوا خرقاً رقعوه , وحيثما وجودا صدعاً لأموره 0 قال الزمخشري : فإن قلتَ : من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه , وإنما هو غيب ولا يعلم الغيب إلا الله ؟ قلتُ : عرفوه بإخبار من الله أو من جهة اللوح , أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم , أو قاسوا أحد الثقلين ( يعني الإنس) وعلى الآخر ( يعني الجن ) حيث اسكنوا الأرض فأفسدوا فيها قبل سكن الملائكة 0 والزمخشري يريد بقوله الأخير أن الملائكة كانوا قبلاً يسكنون الأرض , ثم خرجوا منها فسكنها الجن بعدهم فأفسدوا فيها , فقاسوا الإنس الذين يريد الله استخلافهم في الأرض على الجن , فعلموا أنهم يفسدون كما أفسد الجن 0 إن كان الزمخشري يستند في هذه الأقوال التي ذكرها إلى وحي يوحى إليه من الله فلا كلام لنا معه , وإن كان يستند فيها إلى نقل أو عقل فحرام عليه أن يرمي الكلام على عواهنه رمياً هكذا, بل يجب عليه أن يذكر الدليل النقلي أو العقلي الذي يستند إليه في هذه الأقوال وإلا فمن الخزي أن يذكرها في تفسيره0
إن قصة آدم لم تنته بعد , فإن الله بعدما رد على الملائكة ما قالوه وأسكتهم بالحجة أمرهم بالسجود لآدم : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) (2) 0 وقد تقدم الكلام على هذه الآية فلا حاجة إلى تكراره هنا 0 ولا بد للعقل البشري من أن يقف متحيراً تجاه هذا السجود الذي أمر الله به الملائكة لآدم , كما يقف متعجباً من أن علماء المسلمين لم يحملهم هذا السجود على القول بأن البشر أفضل من الملائكة بل قالوا بعكس ذلك 0
ويظهر أن واحداً من هؤلاء الملائكة المأمورين بالسجود / 1030/ لآدم وهو إبليس ( لا تنسَ أن الاستثناء في الآية متصل ولا يجوز أن يكون منقطعاً كما تقدم بيانه ) قد استولى عليه الجزع وأخذته الغرة والأنفة فأبى أن يسجد لآدم مستكبراً ومدعياً أن خير منه لأنه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين , كما جاء ذلك في آية أخرى من القرآن , فطرده الله من الجنة أو من السماء لأن الجنة في السماء , فصار عدواً لآدم وذريته هو وأبناؤه الشياطين , لأن إبليس بعد طرده صار الجد الأعلى للجن وسائر الشياطين , فهو بالنسبة إليهم كآدم بالنسبة إلى البشر كما مرّ بيانه فيما تقدم 0
ثم إن الله بعد طرد إبليس أمر آدم أن يسكن الجنة هو وزوجته حواء : ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا من هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) (3) 0 ولما رأى إبليس أن الله قد نهى آدم وزوجه عن الأكل من هذه الشجرة صار يحتال ويجهد نفسه في الاحتيال لإغواء آدم وزوجه وحملهما على الأكل من هذه الشجرة , وغرضه من ذلك أن يسبب طردهما من الجنة كما طرد هو منها بسبب امتناعه عن السجود لآدم , فدخل عليهما الجنة وأخذ يوسوس لهما ويقول لهما : ( ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا ) (1) كراهة ( أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) (1) , ( وقاسمهما) (2) أي أقسم لهما ( إني لكما من الناصحين ) (2) , ( فدلاهما بغرور) (3) أي فزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما به من القسم بالله 0
وفي النهاية وقع ما كان إبليس يريده إذ غضب الله على آدم فأخرجه مع زوجه من الجنة , إلا أنه لم يطردهما من رحمته كما طرد / 1031/ منها إبليس , بل اكتفى بإخراجهما من الجنة وإهباطهما إلى الأرض 0 وهنا انتهت قصة آدم , إ أن قصة إبليس لم تنته بعد , فإن عداوته لآدم وذريته باقية مستمرة إلى يوم القيامة 0 وقد عرضت للمفسرين في هذه القصة مشكلة واحدة إلا أنها لعوجها وغموضها تعد مشكلة المشاكل , وهي أن إبليس بعدما طرده الله من الجنة كيف توصل إلى آدم وحواء وكيف دخل عليهما الجنة بعدما قيل له : ( اخرج منها فإنك رجيم ) (4) , حتى استطاع أن يدنو منها ويوسوس لهما , لأن الوسوسة هي الكلام الخفي كالهمس وذك لا يكون إلا من مكان قريب0
ولكن المفسرين وهم حلالو المشاكل لم يلبثوا أن حلوا هذه المشكلة أيضاً كما حلوا جميع مشاكل القرآن , فإليك ما قاله العلامة الزمخشري في تفسيره , قال : لا يجوز أن يمنع إبليس من دخول الجنة على وجه التشريف والتكرمة , ولا يمنع أن يدخلها على وجه الوسوسة ابتلاء ً لآدم وحواء (5) 0 إن الزمخشري في قوله هذا لم يستند إلى دليل من القرآن ولا من السنة ولا من العقل والمنطق , وما هو منه إلا تخرص ورجم بالغيب 0 وليس من المعقول أن يأتي إبليس إلى الجنة وهي لها خزنة وحراس وبوابون كما يقولون , فيقول لخزنتها إني أريد الدخول لكي أوسوس لآدم وزوجه , لا لكي أتشرف وأتنعم , فيقولوا له تفضل وهم يعلمون أنه طريدها الرجيم , فيكون مثله مثل سارق أتى قصراً من قصور الأمير وكان الأمير قد منعه من زيارة القصر فيقول البواب إني أريد الدخول سارقاً لا زائراً فيفتح له البواب ويدخله وهو يعلم أن الأمير قد منعه من دخول القصر زائراً 0
قال بعضهم في حل هذا الشكل قولا آخر وهو أن إبليس لم يدخل / 1032/ عليهما من الجنة بل كان يدنو من السماء فيكلمهما وهو خارج عنها , وقال آخر : إن إبليس قام عند الباب فنادى , وقال آخر : إن إبليس أراد الدخول فمنعته الخزنة فدخل في فم الحية حتى دخلت به وهم لا يشعرون (6) , فانظر يرعاك الله إلى هذه الأقاويل التي لم تكن إلا من أقاويل القصاص يأخذونها فيذكرونها في تفاسيرهم لحل مشكلات القرآن 0
والعجيب ما قاله صاحب القول الأول والثاني فإنهما جعلا إبليس يكلم آدم وحواء من خارج الجنة , أو يناديهما من الباب, مع أن الوسوسة لا تكون إلا في المجالسة والمقاربة جنباً لجنب , فكيف يكون الكلام من الخارج أو النداء من الباب وسوسة وهي كلام خفي يهمس همساً 0 وأعجب من هذا ما قاله صاحب القول الرابع من أن إبليس دخل خفية في فم الحية ولم يشعر به الخزنة , فإن كان الخزنة لم يشعروا بإبليس في فم الحية فلا بد أنهم رأوا الحية فلماذا لم يمنعوها من الدخول , وهل كانت الحية تعيش في السماء مع أهل الجنة أيضاً , ولا شك أن دخول الحية في الجنة أغرب وأعجب من دخول إبليس لأنه كا من أهل الجنة إلا التي يستحيل وجودها في الجنة , أفلا يحق لنا أن نقول أن من المفسرين من يتكلم بلا وعي ولا تفكير 00)
(1)سورة البقرة , الآية : 30 – (2) الكشاف تفسير الآية , 30 من سورة البقرة – (3) سورة ص , الآية : 26 – (4) سورة الأنعام , الآية : 116 – (5) سورة البقر’ , الآية : 30 –(1) سورة الأعراف , الآية : 12 ؛ سورة ص , الآية : 76 – (2) سورة البقرة , الآية : 30 – (3) الكشاف , تفسير الآية 30 من سورة البقرة – (4) الكشاف , تفسير الآية 30 من سورة البقرة – (1) سورة آل عمران , الآية : 159 – (2) سورة البقرة الآية : 31 – (3) سورة البقرة , الآية: 23 – (4) سورة البقرة , الآية : 33 – (5) سورة البقرة , الآية : 30 – (6) الكشاف , تفسير الآيات 30 – 32 من سورة البقرة – (1) سورة الأعراف , الآية : 175 0 وانظر الكشاف والقرطبي وابن كثير في تفسير هذه الآية 0 – (2) سورة البقرة , الآية: 32 (1) الكشاف , تفسير الآية : 30 من سورة البقرة – (2) سورة البقرة الآية : 34 – (3) سورة البقرة , الآية : 35 – (1) سورة الأعراف , الآية : 20 – (2) سورة الأعراف , الآية : 21 – (3) سورة الأعراف , الآية : 22 – (4) سورة الحجر , الآية : 34 ؛ سورة ص , الآية : 77 0 (5)الكشاف , تفسير الآية 36 من سورة البقرة , وتفسير الآية 20 من سورة الأعراف – (6) انظر الكشاف وتفسير القرطبي وابن كثير من تفسير الآيتين السابقتين 0

* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب العراقي الشاعر معروف الرصافي



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلق السموات والأرض-4-
- هل يوجد حوار متمدن ؟
- خلق السموات والأرض-3-
- يؤمنون بالله لكي يقتلون شعوبهم
- بلاغة القرآن -6-
- خلق السموات والأرض
- خلق السموات والأرض -2-
- بلاغة القرآن – 5 -
- من هم الأرمن , وما هي مأساتهم ؟
- العرب متشابهون , ويكرهون أنفسهم
- بلاغة القرآن -4-
- غيفارا يحلم من جديد0
- الكوكب المضيء
- قلبي للنرجس ولأعقاب السجائر دمي
- بلاغة القرآن -3-
- بلاغة القرآن -2-
- الدعوة الإسلامية وإعجاز القرآن
- بلاغة القرآن -1-
- آيات التحدي في القرآن
- ذئاب الدماء , ونوح الصحارى


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عايد سعيد السراج - القصص القرآنية