أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الرحيم الوالي - أسئلة ما بعد 7 شتنبر بالمغرب: بؤس السياسة و سياسة البؤس















المزيد.....

أسئلة ما بعد 7 شتنبر بالمغرب: بؤس السياسة و سياسة البؤس


عبد الرحيم الوالي

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:32
المحور: كتابات ساخرة
    


ربما تكون انتخابات 07 شتنبر الماضي أول انتخابات في تاريخ المغرب تُخَلِّفُ وراءها استفهاماً كبيراً لم يسبق طرحُه من قبل. و نعني، تحديداً، الاستفهام المتعلق بالنسبة الكبيرة لمقاطعي الانتخابات و للأصوات الملغاة.
و لعل المتتبع للنقاش الذي أعقب هذه الانتخابات يلاحظ، دون عناء كبير، أن جزءً كبيراً من هذا النقاش انصب على ما سُمي ب"العزوف السياسي" أو "العزوف الانتخابي". كما يمكن أن يلاحظ المتتبع أيضا أن هذا النقاش انحصر في القول بمجموعة من المسلمات من قبيل أن المغاربة منشغلون بهموم أخرى غير الانتخابات و غير الشأن السياسي، و على رأسها ارتفاع كُلفة المعيشة.
يرتكن "التحليل" هنا إلى البداهة بينما مهمة الفكر، في المقام الأول، هي نقض البداهات. و أول ما يفضح ميكانيكية هذه المقاربات هو أن ارتفاع كلفة المعيشة ـ سواء في المغرب أو خارجه ـ لم يكن يوماً مدعاةً إلى عدم الاهتمام بالشأن السياسي أو بالانتخابات. بل أكثر من ذلك فعاملٌ اجتماعي حاسم و حساس مثل ارتفاع كلفة المعيشة يُفتَرَضُ أن تكون له نتيجة عكسية تماماً، أي تحفيز المواطنين على الاهتمام أكثر بهذه السياسة التي تنتج الغلاء و محاولة العمل على تغييرها. و قد رأينا التجسيد الملموس لهذا الاهتمام في الاستجابة الواسعة للدعوة التي وجهتها تنسيقيات محاربة الغلاء و الانخراط التلقائي للمواطنين في كل الوقفات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد. و بالتالي، فالعزوف ليس عزوفاً عن السياسة بشكل عام و إنما عن أحزاب لا تنتج الفعل السياسي المطلوب جماهيرياً. و بالنتيجة فالاستفهام الأقرب إلى الواقع هو: كيف (و لماذا؟) لا تنتج الأحزاب السياسية المغربية فعلاً سياسياً يتلاءم مع أفق الانتظار الذي ترسمه الجماهير؟
لا ينبغي التسرع و المجازفة بمحاولة حصر الأسباب التي أدت بالأحزاب المغربية إلى فقدان بوصلة تأطير المواطنين. فالأكيد أن هذه الأسباب تتنوع و تتعدد على امتداد تاريخ العمل الحزبي بالمغرب و الذي يبتدئ منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. غير أنه ـ ومع ذلك ـ لا بد من الاعتراف بأن جملة من هذه الأسباب التاريخية لا علاقة لها مباشرة بالوضع الحالي للأحزاب المغربية. و رغم أن الإحاطة بهذه الأسباب قد تكون مفيدة للباحثين و للدراسات الأكاديمية فهي ليست مفيدة في محاولة القبض على راهن العمل الحزبي في المغرب و إشكالاته. و لذلك لن نسهب في شرح و تفسير هذه العوامل التاريخية بقدر ما سنحصر مجال النظر في الفترة الممتدة من بداية التسعينيات إلى الآن، حيث في هذه الفترة بدأت عملياً المرحلة الراهنة من التاريخ السياسي للمغرب من خلال انفتاح الدولة تحت تأثير التغيرات العالمية، و انفتاح عدد من الأحزاب بشكل أكبر على محيطها الاجتماعي.
بداية التسعينيات هي، بالضبط، لحظة الانهيار الكبير للاتحاد السوفياتي و المعسكر "الاشتراكي" الذي كان موالياً له. و في هذه المرحلة كان المشهد الحزبي المغربي يتكون من يسار يضم أساساً الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب التقدم و الاشتراكية و منظمة العمل الديموقراطي الشعبي و حزب الطليعة الاشتراكي الديموقراطي ثم فصائل اليسار الراديكالي. و إلى جانب هذا اليسار كان هناك يمين يتمثل في حزب الاستقلال و التجمع الوطني للأحرار و الحركات الشعبية، التي ضخت وزارة الداخلية في إحداها موارد بشرية هامة من الإسلاميين و التي أعطت فيما بعد "حزب العدالة و التنمية"، و تضاف إلى كل ذلك سائر الأحزاب الإدارية التي فبركتها الدولة.
اليسار، في بداية التسعينيات، كان تحت وطأة انهيار مرجعه التاريخي المتمثل في المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي. أما اليمين ـ و عكس ما يقضي به المنطق ـ فهو لم يكن قادراً على طرح نفسه كبديل ليبرالي في لحظة انهيار المعسكر "الاشتراكي": لقد كانت هناك اشتراكية تنهار و ليبرالية تنتصر على الصعيد الكوني. أما في المغرب فقد كان يحصل العكس تماماً إذ كانت "الليبرالية" التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة قد أوصلت البلاد إلى "السكتة القلبية" كما عبر عن ذلك الملك الحسن الثاني علانيةً. لقد كانت هناك ليبرالية عالمية تنتصر، و "ليبرالية" مغربية تحتضر. و هذه النتيجة لم تأت ـ و ما كان لها أن تأتي ـ من فراغ.
فالأحزاب المغربية تميزت دائما بنوع من الكسل الأيديولوجي بيمينها و يسارها. فحزب الاستقلال، بعد وفاة علال الفاسي، لم يفرز قائدا فكريا من نفس العيار و لم يستمر في تطوير أيديولوجيته اليمينية المحافظة و نشرها في المجتمع. بل ظل الحزب يستند إلى دوره التاريخي في معركة الاستقلال كمصدر رئيسي لمشروعيته. و مع تعاقب الأجيال التي لم تعش العهد الاستعماري، لم يعد لهذا المصدر نفس البريق التأطيري الذي كان له في عهد الاستعمار أو في بداية الاستقلال.
أما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فباستثناء "التقرير الأيديولوجي" الذي أصدره في مؤتمره التأسيسي (و وحدهم الاتحاديون قد يعلمون نوع العلاقة بين الأيديولوجيا و التقريرية!)، فلم يقم بأي مجهود فكري لتأصيل الفكر الاشتراكي في المجتمع المغربي. و نفس الشيء ينسحب على سائر فصائل اليسار الأخرى باستثناء بعض المحاولات الفردية من قبيل اجتهادات الراحلين عبد العزيز بلال و عبد السلام الموذن.
و كذلك فالأحزاب الإدارية، و سائر الأحزاب الأخرى التي صنعها المخزن، لم تكن لتنتج مجهودا فكريا لتأصيل الأيديولوجية الليبرالية في المجتمع. فتبنيها لهذه الأيديولوجية كان صورياً فقط في مواجهة خصم يرفع شعار "الاشتراكية". أما في الواقع فالليبرالية الوحيدة التي مارستها هذه الأحزاب هي "ليبرالية الثعلب الطليق في الخم الطليق". و الدلائل قائمة في كل ملفات نهب العام التي تورطت فيها أسماء بارزة داخل هذه الأحزاب.
هكذا ظل العامل الأيديولوجي لدى الأحزاب المغربية مجرد نوع من التبني الشعاراتي. و قد انعكس هذا على الصعيد الجماهيري أيضا. فالجماهير التي كانت تلتف حول اليسار كانت تفعل ذلك من باب الانفعال بشعارات المساواة و العدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثروة و غير ذلك. أما الجزء الذي كان يؤطره حزب الاستقلال فقد كان ينساق وراء شعارات مماثلة تماما مع فارق وحيد هو أنها لا تتم تحت يافطة الاشتراكية. و من الغرابة فعلاً أن حزب الاستقلال ـ الذي ظل ينبذ الاشتراكية ـ كان يرفع شعارات اشتراكية صرفة من قبيل "المعمل للعامل" و "الأرض لمن يحرثها".
و إذا كان الأمر هكذا بالنسبة لجمهور اليسار و جمهور حزب الاستقلال فجمهور الأحزاب الإدارية و الأحزاب التي صنعها المخزن فيما قبل كان، ببساطة، من كل أصناف الانتفاعيين و درجاتهم و كان و لا يزال جمهورا لاهثا وراء الأموال و الامتيازات و لم يكن يوماً يعرف شيئا عن الليبرالية. و بالنتيجة فالمشهد السياسي المغربي لم يشهد أبداً صراع أيديولوجيات بالمعنى الحقيقي بقدر ما ظل يشهد صراعاً بين شعارات أيديولوجية. و ربما كان الإسلاميون وحدهم يمثلون الاستثناء حيث ظلوا يعتمدون بشكل كبير على الأيديولوجيا دون أن يواجهوا هاجس التأصيل في مجتمع تدين أغلبيته الساحقة بالإسلام مع أقلية يهودية ضئيلة جدا من الناحية العددية. و لذلك لا غرابة إن كان الإسلاميون وحدهم اليوم موجودين فعلياً من الناحية التنظيمية و لا يشكون من العزوف بنفس القدر الذي تشكو به أحزاب أخرى.
في ظل هذا الفراغ الأيديولوجي، و في ظل أزمة سياسية و اجتماعية و اقتصادية خانقة، جاءت التحولات العالمية الكبرى في بداية التسعينيات. و مع هذه التحولات حصل التحول الأكبر في موقف الدولة المغربية من العمل السياسي. فبعد عقود من تحريم الفعل السياسي و تجريمه أصبح الفعل إياه مرغوبا فيه و محظوظا عليه. و ذلك ما عبر عنه ـ مرة أخرى ـ الملك الحسن الثاني في قولته الشهيرة: "إذا كان الرسول (ص) يقول "تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" فأنا أقول انخرطوا انخرطوا فإني مُباهٍ بفعلكم السياسي الأمم".
لقد كانت الدولة آنذاك أمام ثلاث رهانات كبرى: الأول، إيجاد مخرج من الأزمة العامة داخلياً، و الثاني إظهار الدولة المغربية بمظهر الدولة الديموقراطية في نظر الخارج، و الثالث ضمان الانتقال السلس و السلمي للحكم من ملك إلى ولي عهده. لكن كل هذه الرهانات كان ينبغي أن تتم في ظل هزيمة أيديولوجية لليسار و اليمين على حد سواء، و في ظل التباس كبير في التكتلات و التحالفات حيث كان حزب الاستقلال اليميني متحالفاً مع اليسار بينما أحزاب اليمين الأخرى في الخندق المقابل.
لم يكن من الممكن الاستمرار في الاستناد على الأحزاب الإدارية و باقي الأحزاب التي أنشأها المخزن و التي أوصلت البلاد ب"ليبراليتها" إلى "السكتة القلبية". و بالمقابل لم يكن من الممكن أيضا لليسار أن يدخل تجربة الحكم من موقع القوة لتفعيل شعاراته "الاشتراكية". أما خيار الإسلاميين فلم يكن مطروحا آنذاك لأنهم كانوا خارج دائرة الاعتراف الرسمي. و لذلك لم يكن هناك من حل آخر إلا استقدام جزء من أحزاب اليسار و جزء من أحزاب اليمين. و قد تطلب تحقيق هذا سنوات من الأخذ و الرد مما جعل ما سمي ب"التناوب التوافقي" يأتي متأخرا خمس سنوات على الأقل. و نعني هنا أن هذا "التناوب التوافقي" كان من الممكن أن يتحقق سنة 1993 لكنه لم يتحقق إلا في سنة 1998، و بالتالي كان هناك إهدار كبير للوقت في مفاوضات فارغة إذ قبلت أحزاب الكتلة المشاركة في الحكومة بنفس الشروط التي رفضتها سنة 1993. لكن خمس سنوات، أي ولاية تشريعية و حكومية بأكملها، كانت قد ضاعت. و الأخطر من كل هذا أن مكونات اليسار التي شاركت في حكومة "التناوب التوافقي"، أو التي ساندتها مساندة نقدية كما هو شأن منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، قد دخلت التجربة و هي منهزمة أيديولوجيا و في الوقت الذي كان المنطق يقضي فيه بأن تتفرغ إلى إعادة بناء نفسها وفق الوضع العالمي الجديد. هذا، ناهيك عن أنها وجدت نفسها جنباً إلى جنب في الحكومة مع أحزاب طالما نعتتها بأنها بورجوازية و إقطاعية و مسؤولة عن "السكتة القلبية" التي انتهت إليها البلاد. و في خضم إكراهات الوضع الجديد كان على فصائل اليسار المشارك في الحكومة (الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية و الحزب الاشتراكي الديموقراطي) أن ينوب عن "الليبراليين" في إنجاح "الليبرالية" التي فشلوا فيها. و هي في كل الأحوال ـ و كما كانت دائما ـ "ليبرالية" لفظية و شعاراتية هي، بالضبط، ما كان جمهور اليسار يعارضه باسم الاشتراكية. و النتيجة هي أن اليسار، بتخندقه في هذا الخندق "الليبرالي" إلى جانب جزء من القوى السياسية المسؤولة عن الأزمة التي وقعت فيها البلاد، قد فقد دعم قواعده التنظيمية و من ورائها الدعم الجماهيري. و علاوة على الانكسار الأيديولوجي لم يحقق اليسار و هو في الحكومة إنجازات لفائدة الشرائح الواسعة من الشعب. و بفقدان دعم القواعد و الدعم الجماهيري كان طبيعياً أن تخبو جذوة اليسار و أن يستسلم أنصاره السابقون إلى اليأس و الإحباط ثم إلى اللامبالاة و العدمية. و هذا أول رافد من روافد ما يسمى ب"العزوف السياسي".
طبعا، إلى هذا العامل الرئيسي ينضاف عامل آخر لا يقل أهمية و هو أن أحزاب اليسار، باستنادها على المرجعية "الاشتراكية"، ظلت تعتمد ـ سواء أعلنت ذلك أو لم تعلنه ـ على ما يسمى ب"المركزية الديموقراطية". و استنادا إلى هذا المبدأ كرست هذه الأحزاب هيمنة الزعامات التاريخية على دواليب القرار الحزبي. و حتى بعد تراجع هذه الزعامات بفعل الوفاة أو كبر السن أو غير ذلك فهذه الأحزاب لم تتحرر من هذه المسلكيات و ظلت في داخلها تكرس الاستبداد بينما هي تنادي ظاهريا بالديموقراطية. و ربما تعرض مناضلو هذه الأحزاب للاضطهاد من طرف قياداتهم أكثر مما تعرضوا لذلك من طرف الدولة عندما كانت تحارب اليسار. و بذلك كانت هذه الأحزاب بعيدة تماما عن عصر ما بعد الثنائية القطبية الذي توسعت فيه الحريات و حقوق الإنسان و عرف ثورة عارمة في الوعي ساهمت فيها تكنولوجيا الإعلام و الاتصال التي أطاحت نهائيا بسلطة النخبة بمفهومها التقليدي القائم على "نخبة تعلم و جماهير لا تعلم".
فشيوع المعلومة و تفشي وسائل الإعلام و الاتصال الرقمية قلب الآية تماماً و جعل النخبة أمام جماهير لا تحتاج إليها كمصدر للمعلومات و المعرفة كما كان الأمر في السابق. و بالتالي فالتباهي المعرفي الذي كانت تمارسه هذه النخبة إزاء الجماهير في زمن الراديو و التلفزة الأرضية التماثلية و الجريدة و المجلة و الكتاب لم يعد له محل في عصر البث الرقمي الفضائي و الأرضي و الطرق السيارة للمعلومات. و لم تستطع هذه النخبة أن تواكب هذه التحولات إلا في حالات فردية قليلة جدا. و ربما يكفي أن نطرح سؤالا بسيطا في هذا الباب لنرى حجم التخلف الذي تعاني منه النخبة السياسية المغربية برمتها: كم من أعضاء هذه النخبة يتوفرون على موقع أو مدونة على الأنترنت؟ حتى الآن لا أعرف شخصيا إلا حالتين. و هذا يحيلنا ـ في ظل تراجع الصحافة الحزبية أمام الصحافة المستقلة ـ على نقص فظيع في التواصل بين النخب السياسية و الجماهير. و لم تتذكر الأحزاب المغربية التكنولوجيا الرقمية إلا في الانتخابات الأخيرة حيث كان بعضها يوجه رسائل قصيرة على الهواتف المحمولة لاستقطاب الناخبين. لكنْ، و طيلة سنوات، لم تفكر هذه الأحزاب في بناء وسائط تكنولوجية للتواصل مع المواطنين.
فقدان القواعد، و من بعدها الامتداد الجماهيري، و غياب التواصل و التخلف عن تقنيات العصر، كلها عوامل ساهمت في إحداث و ترسيخ القطيعة بين الأحزاب و الجماهير. و هكذا كانت طموحات الجماهير و انتظاراتها تجد التعبير عنها على الشبكة العنكبوتية في المواقع العالمية و المنتديات و المدونات، و جزء من الصحافة المستقلة، و الوقفات الاحتجاجية، بينما أصبحت الأحزاب مبتورة شعبياً و مختصرةً في قياداتها، بدون قواعد و لا أدوات فعالة و عصرية للتواصل. و بذلك انفصلت تماماً طموحات الجماهير و تطلعاتها عن طموحات و تطلعات القيادات الحزبية التي تفرغت لقضاء مآربها الشخصية و مارست نفس ما مارسته الحكومات السابقة من مراكمة للامتيازات و عبث بالمال العام و تجاهل تام لمطالب الجماهير، أي أنها لم تفعل أكثر من أنها مارست نفس "ليبرالية الثعلب الطليق في الخم الطليق"، و لم يبق إلا أن يعلن الملك من جديد أن المغرب مهدد ب"السكتة القلبية" لنجد أنفسنا أمام نفس الوضع الذي كنا فيه في التسعينيات، مع فارق وحيد هو أن خطر الانفلات قد أصبح أكبر بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت. و الخلاصة هي أن الأحزاب المغربية ظلت تنتج فعلاً سياسيا بئيساً يستند جملة و تفصيلا على الركوب على بؤس الأغلبية المقهورة في أوساط الشعب و ترديد شعارات انفعالية سرعان ما يتلاشى بريقها أمام قوة الواقع. و سواء في موقع المعارضة أو التسيير لم تنجح الأحزاب المغربية في الخروج من هذه الدائرة المغلقة، أي من سياسة البؤس و بؤس السياسة.
طبعا، قد يتساءل البعض عن الحل ليقول بأن هذه القراءة قاصرة و لم تقترح حلولا. و الواقع أن الحل بسيط جدا و يكمن، ببساطة، في عكس ما ذكرناه. فالفكر الاشتراكي اليوم يتطور بشكل كبير على الصعيد العالمي بينما الاشتراكيون لدينا في سبات عميق و يمارسون نفس الكسل الأيديولوجي الذي مارسه أسلافهم. و الفكر الليبرالي أيضا لا يقل تطورا على الصعيد العالمي بينما دعاة "الليبرالية" عندنا غائبون عن الساحة تماما و يتباهى معظمهم ببضع كلمات من لغة موليير فيما العالم الذي يقود الحركة الليبرالية العالمية يفكر بلغة شكسبير و يكتب بها. و لا شك أنهم سيظلون ينتظرون اليوم الذي يترجم فيه الفرنكفونيون بعض المفاهيم المتقادمة في العالم الأول لكي يرددوها أمامنا بكثير من التباهي و العجرفة.
إن الحل بسيط فعلا: إقرأوا أكثر، و اجتهدوا أكثر، و تواصلوا مع الناس أكثر، و اندمجوا في روح العصر قولا و فعلا، و كونوا ديموقراطيين فعلاً وأقل حرصاً على المقاعد. و سترون أن الناس لن يعزفوا عن السياسة أبدا.



#عبد_الرحيم_الوالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نضال نعيسة: مشروعية السؤال و سؤال المشروعية
- هَل تُصلِحُ الأمم المتحدة ما أفسده جورج بوش؟
- تموز العراقي أمريكياً: قتلى أقل، نيرانٌ معاديةٌ أكثر!
- ما قبل جورج بوش و ما بعده: عالمٌ يوشك أن ينهار
- من الحزام الكبير إلى الأحزمة الناسفة
- انخراط شعبي تلقائي يفشل المخطط الإرهابي بالمغرب
- انتخابات 2007 أو معركة الأسلحة الصدئة: المغرب بين المراهنة ع ...
- أميركا والإسلام والعرب: من أجل العودة إلى الأصول
- تحسين صورة أميركا في العالم العربي: أسباب الفشل وفرص النجاح
- الحركة الأمازيغية بالمغرب: وليدة الديموقراطية أم بذرة الطائف ...
- التجربة -الليبرالية- بالمغرب: نحو مقاربة نقدية
- الإرهاب و الدواب
- تفجير الدار البيضاء الأخير: هل كان عملية عَرَضِيةً بالفعل؟
- شهادة من قلب الحدث: هذه بعض أسباب الإرهاب بالدار البيضاء


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الرحيم الوالي - أسئلة ما بعد 7 شتنبر بالمغرب: بؤس السياسة و سياسة البؤس