أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهده محمد علي - خرج ولم يعُد ... قصة تسجيلية















المزيد.....

خرج ولم يعُد ... قصة تسجيلية


ناهده محمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 09:15
المحور: الادب والفن
    


كان( حسام ) ولداً طيباً وسيم الملامح يتمتع بمحبة وإعجاب الجمبع وخاصة فتيات الجامعة , وكثيراً ما يقود سيارة والده الفارهة بدون علم والدته , وهو فرِح بنظرات الإعجاب من قِبل زميلاته في الجامعة , إلا أنه كان يحب فتاة واحدة لم تسنح لها ظروفها المادية أن تتعلم في الجامعة وتسكن منطقة شعبية , ولا تملك غير وجهها الجميل وماكنة الخياطة والتي تساعد بها والديها من خلال مبيعات الملابس البسيطة التي تخيطها لأهل منطقتها .
جاء حسام ذات يوم لأمه وقال : اُمي اُريد الزواج من فتاة فقيرة وطيبة الأخلاق , ولم تُمانع الأم وقامت بتحضير بعض الهدايا للذهاب الى عائلة الفتاة , وحُدِد الوقت الملائم وكان هذا الوقت بعد حفلة تخرج حسام والتي ستقام بعد شهر . كانت الأم فرحة وكثيراً ما تسأل حسام عن مظهر الفتاة وجمالها , فيجيبها بأنها جميلة لكنها ليست أكثر جمالاً منك , فتحضنه الأم وتستمر بألضحك وهي ذاهبة إلى المطبخ . مرَّ اسبوع وحسام ينتظر بفارغ الصبر لإنتهاء حفلة تخرجه لكي يتقدم لخطبة حبيبته ( سلوى ) , وجاء إحتفال التخرج وإجتمعت العائلة وقَدِمَ أُخوة حسام حاملين معهم الهدايا لكي يذهبوا بها الى فتاة حسام , ومرَّ اليوم سعيداً مشمساً ورائعاً , ونام حسام وهو يحلم بفتاته وبسعادته المقبلة . أصبح صباح اليوم التالي وإستيقظ الجميع على طرق الباب الخارجي طرقات لاتتوقف حتى فُتح الباب من قِبل حسام ثم عاد الى داخل البيت وبيده مظروف , ثم فتحه , فإصفر وحهه وهرول مسرعاً إلى أُمه , قال أُمي : أنا ذاهب إلى الجبهة , أجابت الأم وهي مرعوبة , إلى الجبهة ؟ , أجاب إلى الجبهة , وكانت الحرب العراقية الإيرانية في نهاياتها , لكن الكثير من أفواج الخريجين يرحلون إلى أتونها . أخذت الأم تبكي ثم إعتكفت في غرفتها وفتحت سجادتها ثم أخذت تصلي وكانت هذه عادتها كلما واجهت مشكلة صعبة , ثم كانت تقول بعد نهاية صلاتها ( أفرغتُ همي أمام الله ) .
ذهب بعد اسبوع حسام الى الجبهة في طابور طويل من الشباب مختلفي الخلفيات الثقافية والإجتماعية يجمعهم رابط واحد هو الخوف من الموت وحُب الحياة , كان الوطن في قلوبهم عزيز جداً لكن أحداً منهم لم يعرف سبب مقاتلة الجيران , ويسأل بعضهم بعضاً بسخرية شديدة لِمَ نحن ذاهبون ؟ , وهل سنعود إلى بيوتنا ؟ . وصل حسام إلى الجبهة ووجد آلاف الجنود يتندرون عن سهولة الموت هنا وكأنه لعبة الإختفاء الطفولية , إلا أن الداخل إلى حفرة النفق لا يخرج حياً , وكلما ذهب فوج إلى الصفوف الأمامية ودع الباقين مؤمناً بالعودة الى الثكنات . ذهب الكثير منهم ولم يعودوا . وقد كسب حسام محبة الجميع وخاصة الضابط المسؤول عنه , وقد أنقذه هذا الضابط عدة مرات , مرَّة من عقرب صحراوية وأُخرى من حادث إختطاف , لم يكن حسام مُلماً بأساليب القتال , وكثيراً ما كان يجلس مع زملائه ليلاً متذكراً أوقات المساء الجميلة والتي كان يقضيها في حديقة المنزل مع اُخوته وأُمه أو مع أصدقائه خارج المنزل .
أخذت الأم تنتظر بفارغ الصبر موعد الإجازة حين يأتي حسام كل ثلاثة أشهر لتقوم بإطعامه بيديها وبغسل ملابسه العسكرية ثم تجلس لتنظر إليه بهدوء ولا تسأله عن شيء بل تبقى صامته وهي تنظر ولا يعلم أحد بماذا تفكر , ثم تذهب الى غرفتها ممسكة ( مسبحتها ) وتغلق الباب , وتبقى جالسة على فراشها تنظر الى السماء , همست إحدى الأخوات إنها لا تتوقف عن النظر الى السماء . ذهب حسام مودعاً أُمه , وبقيت الأم لأيام طويلة تبكي أحياناً وتسكت أحياناً اُخرى , وحين عاد ثانية حسام تهدأ وتحاول أن تنسى أنه سيرحل ثانية , وبعد أن تنتهي الإجازة ويحين موعد الذهاب تبقى الأم هادئة وهي تراقب حسام حينما يفتح سجادته في غرفة الإستقبال ويصلي ثم يبقي السجادة مفتوحة لكي يعود إليها ثانية .
إنتظرت الأم الإجازة التالية بفارغ الصبر , جاء بعض أبناء الجيران من العائدين من الجبهه , وعلَت الزغاريد فرِحة بعودة الأبناء سالمين , إنتظرت الأم حسام وهي على فراشها ثم أمسكت بصدرها وهي تحس بألإختناق , كانت في الخمسين ولا تعاني من أي مرض لكنها شعرت بقلبها يخفق بشدة , ففتحت الشباك ونظرت طويلاً كأنها تنتظر طائراً من بعيد , قامت كبرى الأخوات بفتح باب الغرفة ثم أغلقتها بسرعة وقالت لأختها الصغرى لقد دخلت في غيبوبة عن العالم إذهبي وإنتزعيها منها .
مرت الأيام يطيئة جداً , وكلما عرض التلفزيون أنباء عن المقاتلين والأسرى تُسرع أُم حسام الى نظارتها وتقترب من الشاشة علَّها تجده بينهم , لكن الصور سرعان ماتختفي ويختفي معها أملها فتعود ثانية الى غرفتها .
دخلت الاُخت الصغرى الى غرفة أُمها وأمسكت بيدها وقادتها الى الأُرجوحة في الحديقة , جلست الأُم وهي تنظر الى الزهور , ثم طلبت من إبنتها أن تسقي الحديقة بالماء لتشم رائحة الأرض , هب النسيم العليل بعدها , فأغمضت الأُم عينيها ونامت بهدوء . أصبحت أُم حسام تبدو وكأنها في السبعين رغم أنها في الخمسين من عمرها , ومرت سنتين وتزوج أحد أبنائها لكنها لم تشعر بالفرح الحقيقي وإبتسمت للجميع وهي تظمر حزنها , كان الكل يزغرد ولم يسمعها أحد وهي تزغرد , ثم همست الأخت الكبرى لأخواتها قائلة : إن اُمي تقف في الباب وكأنها تنتظر أحداً , أسرعت الأخت الصغرى وأخذت أُمها من يدها وقالت لها لا فائدة يا اُمي الضيوف يطلبونك .
في صباح ذات يوم جاءت إحدى الجارات فرِحة بعودة إبنها وهي توزع ( خبز العباس ) , وسألتها اُم حسام عن إبنها وهل شاهد حسام بألصدفة , فأسرعت الجارة لتسأل إبنها فنفى رؤيته .
مرت شهور عديدة والأم تتسقط أخبار الجنود والأسرى من نساء المحلة ومن نشرات الأخبار ولا أحد يعرف عن حسام شيئاً , وكلما نظرت الى صفوف الأسرى العراقيين أو الإيرانيين وهم رافعين أيديهم فوق رؤوسهم تضرب كفيها على رجليها وتقول ( شباب مثل الورد يا ويل اُمهاتكم ) , ثم تعود تجلس قرب الشباك وهي ممسكة بألمسبحة وكأنها تنتظر طارقاً على الباب.
ظلت الأم لمدة عشرين سنة وهي تجلس على كرسيها قرب الشباك بعد أن تفرغ من أعمالها المنزلية المخففة لزواج معظم بناتها وبقاء إبنتها الصغرى معها , وكلما طُرِق الباب تُعدل نظارتها لترى ملهوفةً من الطارق , وكانوا على الأغلب أولاد الجيران , وكثيراً ما تتأمل أن يكون هو لكن في قرارة نفسها هي تعلم بأنه ذهب ولن يعود .
وجاء الإحتلال وظنت الأم بأنه قد يعود مع بعض الأسرى , وكثر الكلام عن الأسرى في الصحافة والتلفزيون , وبدأ أبناؤها يقرأون لها مايقولونه في الصحافة , فلا تُظهر لهم أي إهتمام لأنها لا تريد أن تفقد الأمل .
أصبحت الأم تعاني من أمراض كثيرة وتصاب بنوبات قلبية الواحدة بعد الاُخرى , وقد أخبر الطبيب إبنها الكبير عن تعجبه عن مدى تمسك اُمه بألحياة رغم صعوبة حالتها المرضية , وهي تتقبل أي دواء في سبيل البقاء على قيد الحياة , وقد رفضت تغيير رقم التلفون عسى أن يتصل بها حسام ذات يوم , وكلما رن جرس التلفون بعد الساعة الثانية عشر ليلاً تضع الأم يدها على قلبها إذ أن هذا الوقت هو الوقت الذي توزع فيه الجثث على البيوت , وهي تعتقد بأن إبنها قد يكون معهم رغم فارق الزمن والسنوات الطويلة , ولأنها لم تعد قادرة على التفريق بين حرب واُخرى أو بين زمن وآخر . وكلما علمت يأن ميتاً جديداً دخل الى الحي أو خرج منه تظهر على وجهها علامات الإعياء والرعب الشديد ثم تذهب الى غرفتها .
وفي صباح اليوم التالي كان الأبن الأكبر يخبر أخواته بشيء مهم , حيث قد قرأ في الجرائد اليومية بأن إيران تنفي وجود أي أسرى عراقيين لديها , وأبلغ أخواته بأن لا يخبرن الأم بذلك لكن الأم كانت قد سمعت الحوار وهي عند باب غرفتها , وسمعتهم أيضاً بأنهم يريدون إقامة العزاء الأخير لأنه لن يعود أبداً , ثم طلبت الأخت الكبرى من الجميع بأن يصمتوا حتى لا تسمع الأم . وفي الصباح الباكر في اليوم التالي بحثت عن اُمها في غرفتها ولم تجدها , فرأتها جالسة على الكرسي قرب الشباك , فأخبرتها الصغرى بأنها بقيت طوال الليل على الكرسي وتمتنع من الذهاب الى غرفتها , فهمست الكبرى تعالي يا اُمي لترتاحي قليلاً في غرفتك , هل أنت نائمة ؟ , لكنها لم تكن نائمة بل بقيت عيناها مفتوحتان نحو الباب وهي ميتة بإنتظار حسام .



#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسباب النفسية للسُمنة عند النساء في البلدان العربية !!
- الأطفال والمراهقين ذوي الإحتياجات الخاصة - المُعاقين
- خاتمة كتاب العنف والشباب والعقاب
- ما بين القصرين وبين القبرين
- سيكولوجية الفرد العراقي في مراحل التغيير
- دار سينما ( الأيماكس ) الحديثة بعد التغيير
- ماذا عن المرأة بعد التغيير
- نحن أطفال العراق الى انظار اليونيسيف
- بغداد
- أطفال تحت الأنقاض
- الطالب الأشد عنفاً - الجزء الثالث
- الطالب الأشد عنفاً - الجزء الثاني
- الطالب الأشد عنفاً - الجزء الاول
- من كتاب - العنف والشباب والعقاب- - الادمان والعدوانية
- بمناسبة الذكرى الاولى لرحيل القاص العراقي المعروف مهدي عيسى ...
- قصة تسجيلية مستمدة من احداث واقعية حدثت في مدينة بغداد في ال ...
- ?ماذاعن اطفال العراق
- مشكلة العنف_نتائج هذه المشكله في العالم
- العنف والشباب والعقاب / الجزء الثاني
- من أغضب من في 11 سبتمبر !؟


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهده محمد علي - خرج ولم يعُد ... قصة تسجيلية