أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - آفة الزمن الأغبر














المزيد.....

آفة الزمن الأغبر


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 09:09
المحور: الادب والفن
    



في مدن المنافي الجميلة ، نظيفة المباول والأرصفة ، جلس يحلم بالأرصفة المترملة المتربة ، وبقمامات الزوايا المعفنة بالرطوبة ، تمنى الحلم على بلاطة ينش الزمن عنها ليستريح ساعة يواجه بها دجلة . دلو الحزن كان أحمقا بما اترع من فيض . تتساقط من عينيه ماسات حارة من كورة نفسه . ولما أعتاد ان يواريها على سريردافىء ، يطرق بابا ، يتسلل عبر ضوء ارتمى فجأة بين قدميه نحو مرفأ لعبور مستنقع السأم .

ــ " يا قارب روحي ، انقذني ! .. فيّ وطن ، مسكون بالجن وسكاكين من قصب قاسي . من ألف ألف عام وعام لا يعرف ســوى حركة طواحين تدور .. تــدور رحاها أبدا على قطـع لينة مدماة ، تعجن مخدرات البيوت الطينية منهأ سخاما يلّوثن بــه وجوههن ، يتوشّحن به عــدة ، خوف لذة الغرباء .. وثريدا لمعزين ثوابا في صحون من فافون مدورة تمتد على سماط طويل بين زحمة كوفيات ولحى مغبرة تهمهم بالسبع المثان للقتلى .. للمنفين .. وللشائكة صدورهم بالحسرة .
... أشكيك من آفة تبتلع ، تبتلع ، تبتل ، تبت ، تب ، ت ، ولا تشبع ! "
تأخذه اليد الأنيسة ، تتخلل عينيه المنداة بعيون الشوق تفتح ثغرا كزهرة رمان ، تمسح شغافها بقايا رماد ماسات أنطفأن قبل قليل بين الرمش وجرف الشفة . توسده ابطا للنوم ..

ــ " نم ساعة .. " يتمطق بالحنو بيت الرمان .. " جهزت وسادك "
ــ " كيف ، وقد ضيعت رأسي " ؟!

كلب عجوز ترجفه آفة الحياة ، كان في الظلمة ، يولج رأسه داخل كوة كيس قمامة مركون عند ناصية شــارع خال الا من هسيس الصمت .. كان يقظم شيئا قاســيا كأنه العظم داخــل الكيس المركون عند الناصية ، يعيد الكرة من ناحية أخرى في الشيء القاسي .. يستطعمه . شيئا فشيئا يولج رقبته ، كل رقبته داخل ظلمة ذلك الكيس المركون عند الناصية .. يستطعم .. يلج بقوة ، يدخل قائمتيه الأماميتين أولا ، ثم الخلفيتين . تستهويه الظلمة في الكيس المركون عند الناصية . بعد لحظات يسحب ذيلا مرتجفا خلفه داخل ظلمة الكيس المركون عند الناصية .. يتلاشى الجسد الضامر .. يسكن هريره .. تبا للمبلوع .
في تلك الليلة كان الوطن المسكون بالجن وسكاكين القصب القاسي ، يتابع المشهد ؛ جافاه النوم فبقي مسمرا على قطعة بـلاط نش عنها زمن أغبــروجلس موليـا دجلة ظهره . جزعا كان ، ومنقوعا بالخمرة . مر به بدو قبل ساعة .. بصقوا عليه .. ضحكوا ، ثم مالوا عنه مستغفرين !
في الصباح جاءت سيارة جمع القمامات ، تناوشت أيدي راكبها ما حملت من ناصية الشارع ، الى جوف الشاحنة الصفراء . وفي لحظة متقنة لملمت الأيدي الماهرة بقايا رأس آدمي مهشم وكلب نافق أندلق من كيس مهترىء ليودعاه مع غيره . الشاحنة قبل ان تغادر المكان انطبق فكيها الحديدين على كل ما في الجوف مهيأة مكانا لقمامة أخرى .
في مكان ما من دائرة الضوء الباهر ، كانت نقطة رمادية تتحرك بصمت مطبق . النقطة التي كانت هي تكبر تحت المجهر شيئا فشيئا ، بدأت اخيرا على هيئة رجل ، كان يحفر حفرة بمجرف صغير في مكان ما من صحراء مترامية الأطراف لاتستطيع العين لملة أطرافها . كان منهمكا بأنفاس لاهثة على مواصلة الحفر . وكان مجهول الهوية والعنوان ، فلو لم نقّرب موشور المجهر الى وجهه عنوة ، لما عرفنا انه أحد سكان الأرض .
لم يكن الرجل معنيا بما يدور حوله ، ولا حتى للنقطة الأخرى التي بدأت تتوضح لنا ، ونحن نراقب المشهد بفضول زائد . كانت النقطة كصفر يقترب نحو الرجل من مكان قصي ، ولكي نعرف حقيقتها بالضبط سلطنا مجهرها نحوها بصبر غير قليل حتى بدت على هيئة جذع كلب مرقط بالأسود والأبيض من دون رأس أو ذنب ، كان يسير على قوائم مصنوعة من أسلاك شائكة ، بدلا من قوائمه الحقيقية .
عندما أقترب الكلب من الحفار أفترش الرمال قريبا من الحفرة . ومع ان الكلب لم يكن يملك رأسا ، الا اننا أدركنا من هيئة جلوسه قرب الحفرة ، انه كان منتظرا ان ينهي الحفار عمله ، قبل ان يفعل شيئا .
بعد أكثر من ساعة ، كان الرجل قد أختفي داخل الحفرة التي كانت تبتلعه كلما زاد عمقها ، مما كان يدفع الكلب للزحف نحو الحفرة كيما يستطيع ان يرى صاحبه ، ولما كان الحفارقد توارى بعيدا في قعر غير منظور ، فقد كان على جذع الكلب ان يختفي هو الآخر داخل تلك الحفرة .
فجأة غطت عدسة المجهر كومة من رذاذ طيني كانت تنزاح عاليا من الحفرة ، قبل ان يغطي المكان برمته طوفان من الماء الهادر .

مدت الأنيسة يد رجائها الى جسده لتحركه . ولما لم ينفع توسلها بشيء عادت ثانية تغطي رأسها معه تحت الغطاء السميك .



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جودت التميمي .. شاعرا وانسانا
- وحدة المصفدين
- شهادة أخرى
- لكي لا نفاجىءبالموت أيضا
- قصة قصيرة
- بين نازك وأمي سراط لمواصلة الانسان
- الفوضى الخلاقة .. لماذا ؟
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- خطوة في الفراغ الجميل
- لقاء مع الدكتور ميثم الجنابي
- لقاء مع المناضلة والكاتبة المعروفة سعاد خيري
- السلام العادل.. بين الأصالة والثورية
- لقاء مع الاستاذ سعيد شامايا ـ عضو سكرتارية مجلس كلدوآشور الق ...
- مع عيسى حسن الياسري رفيق الرحلة في منزل الاسرة العالمية


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - آفة الزمن الأغبر