أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عصام عبدالله - ضبط الكلمات .. العولمة نموذجا















المزيد.....

ضبط الكلمات .. العولمة نموذجا


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2087 - 2007 / 11 / 2 - 12:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


هناك قول لاتيني مأثور هو: «للكلمة قوة الفعل» … verba valent usu … لا ينطبق قدر انطباقه اليوم على لفظة - Globalization - التي ترجمت إلى «العولمة» في عالمنا العربي، رغم أن الأقرب إلى الدقة اللغوية مفردة أخرى هي «الكوكبية»، ذلك أن «لفظ الكوكبية» Globalization مشتق من اللفظ اللاتيني -Globus- أي كوكب الأرض. ومن ثم فإن الكوكبية تعني التعامل مع الأرض على أنها وحدة غير مجزأة. وكان تياردي شردان هو أول من تنبأ بالكوكبية. يقول في كتابه «بناء الأرض»: «إن عصر الأمم قد ولى ومضى، والمهمة الملقاة علينا الآن، إذا تجنبنا الفناء، هي أن نبني الأرض». وأفضت هذه العبارة إلى التعامل مع الأرض على أنها تمثل حضارة واحدة».
من هنا فإن استخدامنا للفظة «العولمة»، والتي سبق وأجازها مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نقصد به كوكب الأرض أو الكوكبية، وليس «الكونية»، Universalism-، من الكون، أو «العالمية» -Mondialisme وهو ترجمة للمصطلح في صورته الفرنسية، وذلك منعًا للبس أو الخلط. ولأن المصطلحات النظرية لا تصف كميات دقيقة يمكن تدوينها وضبطها في صيغ رياضية، وإنما هي تعبير عما يسمعه الناس فيها أو يريدون سماعه فيها، فإنه من الطبيعي أن يتفاوت فهم الأفراد للفظة «العولمة»، ومضامينها المختلفة، وبالتالي يصعب حصرها في تعريف واحد مهما اتصف هذا التعريف بالشمول والدقة. من هنا فإن صياغة تعريف دقيق لها مسألة شاقة نظرًا لتعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساسًا بانحيازات الباحثين، الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء «العولمة» رفضًا أو قبولاً، فضلاً عن أنها ظاهرة غير مكتملة الملامح كونها عملية مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى فإن «العولمة» تقدم نفسها منذ الوهلة الأولى كمصطلح مليء بالإيحاءات والاسقاطات، ولعل تضخم وتضارب الاجتهادات حول «العولمة»، لا يكشف عن فهم عميق لآلياتها وأبعادها فضلاً عن دلالتها، أو حتى عدم الفهم لمضامينها «إذ أن الأشياء التي نتحدث عنها كثيرًا - حسب ديدرو - عادة ما تكون معرفتنا بها أقل»، وإنما يكشف بالأحرى عن تكرار نفس الأفكار في معظم هذه المحاولات، التي تخلط بين العولمة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات، وتطابق بينها وبين غيرها من الظواهر المختلفة في الوقت نفسه، وهو ما يستلزم ضبط المفاهيم والتصورات منذ البداية.
وينشأ الالتباس عندما نفهم «العولمة» كمذهب سياسي أو نظرية اقتصادية أو عقيدة فلسفيـة، على غرار ما تفهم مثلاً «الليبرالية» أو «الماركسية»، في حين أن المسألة تتعلق بجملة إجراءات وعمليات حضارية أو تاريخية، هي ثمرة الثورة العلمية والتكنولوجية. وأيضًا حين نخلط بين «العولمة» التي هي نزعة «عالمية» من نوع جديد، وبين عالمية العصر الصناعي أو العصر الزراعي، ذلك لأن العولمة - كما سنرى - عنوان يندرج تحته تحولات هائلة يتغير معها العالم ببنيته ومشهده، بأدواته ومؤسساته، بمفاهيمه وقيمه، فضلاً عن إيقاعه وزمنه.
صحيح أن التاريخ الإنساني يزخر بالأفكار المتعلقة بـ «تنميط» العالم ككل أو توحيده، على الأقل خلال الألفي سنة الماضية، كذلك الأفكار ذات العلاقة بالعام والخاص التي شكلت جوهر الحضارات الكبرى، بل إن تعبيرًا مثل «الرابطة المحلية الكونية» أو الرابطة الكونية المحلية» أطلق منذ القرن الثاني قبل الميلاد، على لسان «بوليبيوس» - Polybius - في كتابه «التاريخ العالمي» إذ يقول في معرض إشارته لقيام الإمبراطورية الرومانية: «في السابق كانت الأشياء التي لا تقع في العالم لا يربطها ببعضها شيء .. لكنه منذ ذلك الحين، أضحت كل الأشياء موحدة في حزمة مشتركة» .. وذهب المؤرخ الإنجليزي المعاصر «إريك هوبسباوم» - Hobsbowm -، إلى أبعد من ذلك حين قال «حتى وقت قريب نسبيًا كان هناك اعتقاد واقعي بأن الإنسانية تتحول بسرعة، من الناحية الفيزيقية، إلى مجتمع واحد».
بيد أن هذه الأفكار المتعلقة بـ «تنميط» العالم ككل أو توحيده لا تعبر عن «العولمة» بدقة .. أول محاولة تجريبية للإحاطة بفكرة «العولمة» قام بها «بول فاليري» في كتابه «نظرات على عالم اليوم» عام 1931، رغم أن كلمة «العولمة» نفسها لم تظهر فيه، ربما لأن الوقت كان جد مبكر، ومع ذلك فقد أحصى «فاليري» خمس سمات أساسية لظاهرة العولمة تميزها عن كل الأفكار السابقة. يقول: «في وقتنا الراهن، أصبحت كل الأراضي الصالحة للسكنى معروفة ومستكشفة، ومسجلة، ومقسمة، فيما بين الأمم. لقد انتهى عصر الأقاليم المجهولة، والأماكن التي لا تخص أحدًا، ومن ثم انتهى عصر التوسع الحر (……) لقد بدأ زمن العالم المنجز, ويتواصل الجرد العام للموارد وإحصاء اليد العاملة، وتطوير أجهزة الاتصال. فهل هناك ما هو أشد بروزًا وأهمية من هذا الجرد، هذا التوزيع، هذا الترابط فيما بين أطراف الكرة الأرضية؟ إن آثار ذلك هائلة بالفعل. والنتيجة المنطقية لهذا الواقع الرهيب هو قيام تضامن جديد تمامًا، مفرط وفوري، بين المناطق والأحداث (…) إن العادات والطموحات ومشاعر الود التي انعقدت أواصرها خلال التاريخ السابق لا تكف أبدًا عن التواجد. ولكن نقلها عن نحو غير رشيد إلى وسط يختلف هيكله تمامًا، يفقدها مغزاها وتصبح فيه أسبابًا لجهود غير مجدية ولأخطاء».
ومن أبرز تعريفات العولمة، التي تدور حول فكرة دمج «العالم في نسق واحد يشمل كل المجالات، ويجمع أطراف الكرة الأرضية في مجتمع عالمي واحد" ، هي : « العولمة هي كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع واحد» (مالكوم واترز). وهي «اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش» (رونالد روبرتسون). وهي «مرحلة من مراحل بروز وتطور الحداثة، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي» (انتوني جيدنز). وهي «ترتبط شرطيًا بكل المستجدات خصوصًا المستجدات الاقتصادية التي تدفع في اتجاه تراجع حاد في الحدود الجغرافية والثقافية والاجتماعية القائمة حاليًا» (كينشي أوهماي).
كل هذه التعريفات وغيرها، تكاد أن تُكون المقومات الأساسية لتعريف واحد جامع للعولمة، لكنها تظل جزءًا من الحكاية وليس كلها. فقد طرح تعبير «العولمة»-Globalization - في التداول السياسي من قبل مفكرين أمريكان في السبعينبات من القرن العشرين، وبالتحديد كتاب (ماكلوهان) وكينثين فيور حول «الحرب والسلام في القرية الكونية»، وكتاب «بريجنسكي» بعنوان «بين عصرين: دور أمريكا في العصر الإلكتروني». وتبلور هذا المصطلح بسرعة، بالتزامن مع تقدم وسائل الاتصال والأقمار الصناعية، وجاءت شبكات الإنترنت بوساطة الكمبيوتر لتضيف مبررًا آخر لتعزيز فكرة «العولمة»، ولعل هذا ما دفع «روبرتسون» في كتابه «العولمة» إلى التأكيد على أنها تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطًا وانكماشًا في الوقت نفسه». و «جون بابيت» الذي رأى أن القوى التكنولوجية والتكتلات الاقتصادية الجديدة ستلعب الدور الحاسم في تشكيل البشرية خلال القرن الحادي والعشرين، وهو ما أشار إليه بالتفصيل «ألفين توفلر» في ثلاثيته الشهيرة" «الموجة الثالثة»، «صدمة المستقبل»، «تحولات القوة» والتي أسهمت في تحديد سمات هذه المرحلة الراهنة .



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أصبحت الإمارات رمزا للتسامح ؟
- الدولة القمعية
- شعار التنوير
- الأسس الفلسفية لليبرالية
- مسائل تخص العقل والإيمان
- أليست فكرة جديرة بالتمثل ؟
- ماذا بقي من الدولة ؟
- آخر .. ما بعد الحداثة
- دين حقوق الإنسان
- العنف والحق الطبيعي (3)
- العنف والحق الطبيعي (2)
- العنف والحق الطبيعي (1)
- مشروعية العنف
- محور مفاهيم الحداثة
- دوامة العنف الكوني
- دين الفلاسفة
- هوبز المفتري عليه
- اللا مفكر فيه .. عربيا
- نقد التسامح الخالص
- قاضي العالم الأعلي


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عصام عبدالله - ضبط الكلمات .. العولمة نموذجا