أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-















المزيد.....

العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2086 - 2007 / 11 / 1 - 11:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد أن قمت بكتابة مقال " عمامة برجوازية في باريس"في أحد المنتديات المحلية فوجئت بردود الفعل والتي تحمل قدرا كبيرا من التشنج والتوتر الذين ينمان عن الحساسية المفرطة من كل نقد أو معالجة تمس عصب الفكر الديني التقليدي مهما كانت الأساليب المتخذة أو مهما كانت خلفيات المتبنين لها، لمست ذلك في التعليقات المدرجة على هامش المقال والتي فاقت حجم المقال نفسه وبالغت في الذهاب بعيدا في تفسير الدوافع والنوايا ولست أجانب الصواب حين أقول أن السبب الرئيسي لهذه الهستيريا الانتقامية هو الخشية من انفراط تماسك الساحة الدينية «السائدة» والمهيمنة، والجنوح في زحزحة الإشكاليات العديدة في واقعنا.

ولست هنا لأقيم تلك الردود الغاضبة خاصة وأنني أتفهم الغالبية منها بوصفها تنطلق من غيرة وحمية وخشية كبيرة من انتهاك القلاع الحصينة لليمين الديني ولكن ما دعاني للكتابة مجددا وصول رسالة من أحد الأصدقاء يمكن أن تكون بمثابة تعليق أو مقال يرد فيها على ما كتبته، بل إنه على الأرجح كان يحاول تقديم تقييم كامل يطال شخصيتي ودوافعي للكتابة!، هذه الرسالة وصلتني بعد أسابيع من نشر المقال، وهي تتضمن الكثير من الشخصنة وقد تجاوزت التعليقات الآنفة الذكر في حميتها الدينية المفرطة حيث استشاط صاحبها غضبا وتجاوز كثيرا حدود اللباقة.



ورغم أن المتوقع أن يتمحور موضوع الرسالة وتلك التعليقات حول نقد ما جاء في مقالنا السابق إلا أننا لا نجد جملة واحدة تمس الموضوع وتقترب منه إلا شيئا واحدا هو «التعميم»، تلك التهمة الجاهزة التي غالبا ما يتحصن بها المستفيدون من «امتيازات» الوضع القائم. وأخشى ما يخشونه هو السعي لتجاوزه أو إصلاحه.

تضمنت الرسالة مواقف وأحداث كثيرة لست أبالغ لكم أيها السيدات والسادة حين أقول أنني نسيتها وذكرني إياها هذا الناصح المشفق، تلك المواقف والأحداث والوقائع السابقة لها دلالتها الخاصة في سياق التغيرات الأساسية في القناعات والتوجهات التي لا تروق للكثيرين ممن يغيظهم تحريك المياه الراكدة! كان الدافع من ذكرها هو التشكيك بتلك المواقف والأفكار التي تشكلت عقب تغيرات أساسية في قناعاتي الشخصية حيث يريد القول ضمنا أنها تفتقد الأصالة وتتسم بطابع الالتقاط الفكري من مصادر ومنابع آسنة تحوي السم الزعاف في نظره. ويمكن الاعتقاد أن كل تغيير على هذا الصعيد هو في نظر هذا النمط من الفكر والثقافة بمثابة «ردة» يقاطع صاحبها ويلجم ويقام عليه الحد «معنويا» بعد أن يستتاب!

الجدران وحدها التي لا تتغير ولا تتحرك أما الإنسان والذي يجب أن يكون حرا في اختياراته واعتقاداته فإن التغير بالنسبة له سنة وهو أمر مطلوب شريطة أن يكون هذا التغير والتحرك في مواقع الفكر والمجتمع يأتي في سياق تدبير واع وإرادة حرة، نعم هو أمر مطلوب لأن المنظومة الفكرية التي يرثها المرء من محيطه ومجتمعه وذويه لا يمكن أن تصمد أمام أية فكرة نقيضة تفد عليه، ولذلك هنالك فرق بين «إنا وجدنا آبائنا..» وبين ما نرمي إليه، ولذلك أيضا ستبدو تلك التغيرات شاذة غير مألوفة أبدا، كما أنها ستؤدي إلى استجابات غاضبة وحادة لأنها ستحدث دويا واهتزازا في الساحة الدينية والتي غالبا ما تتسم بالركود، هذا طبعا ينطبق على كل الصيحات النقيضة مهما كان دويها خافتا ومهما كانت مغمورة، وما حدث مؤخرا للمسلسل التلفزيوني «للخطايا ثمن» مثال يتطابق تماما مع ما قلناه.

من هنا فإن الشذوذ صفة قد تكون مستحسنة في واقع كهذا!، لأن الأفكار المتسقة والمتماهية مع السائد والرائج والمهيمن لا تحتاج لمزيد من المشقة لتداولها وإعادة إنتاجها بخلاف من يحاول بناء الفكرة وتنشيطها والعمل على حراكها وتفاعلها مع أفكار أخرى حتى يصل به المطاف للقناعة انطلاقا من الوعي والتأمل والتفكير وليس من: «إنا وجدنا آبائنا...» ويبدو أن التآلف المطلوب عند أخينا الناصح ومن يمثلهم لابد أن يشمل حتى طرائق التفكير بما في ذلك المصطلح والمفهوم، وهنا تبرز ظاهرة يمكن وصفها بفوبيا المصطلح والارتياب منه، المصطلح بوصفه «عملية فكرية مكثفة» ضروري وهام جدا في أي معالجة فكرية أو ممارسة نقدية، أستغرب هذه الخشية من المصطلح، فهل المطلوب هو مجاراة الثقافة الشفهية والاتباعية والابتعاد قدر المستطاع - بذريعة النخبوية أغلب الأحيان - عن السعي لتنظيم الأفكار ضمن قوالب تسمى مصطلحات حتى وإن أدى ذلك إلى الوقوع في السطحية أو الإطناب في عرض الفكرة؟!

بين ثنايا وسطور رسالة الناصح المشفق هذا نجد الكثير من النقاط والملاحظات تستدعي التوقف والانتباه كما أن بعضها يكشف عن ملابسات وسوء فهم لا تكفي هذه المداخلة لمعالجتها ولشد ما يؤسفني هذا الانحدار في أخلاقيات التواصل بين الاتجاهات المختلفة، فأن أختلف معك يعني أن أناصبك العداء ولا شيء آخر، إما أن تكون معي أو أن تكون ضدي، ولا يمكن أن توجد منطقة محايدة من خلالها يمكن أن نتواصل ونتعايش! وإني لأظن أن ذلك بسبب منظومة القيم والحقوق التي يكرسها الفهم الديني الرائج الذي تأثر في تصوري بقانون «الوسط المرفوع» فانعكس ذلك على نظرتنا للآخر وتعاملنا معه، فالاختلاف مهما كان ضئيلا فإنه يستدعي الكراهية والتنافر، والتوافق مهما كان طارئا فإنه يستدعي اندماجا كاملا وأن شئت قلت «حبا مفرطا»! لذلك فالشيء المفقود وسط هذا الاصطفاف والتناحر هو كل ما يرتبط بأخلاقيات التسامح والتعايش.

إننا بحاجة ملحة لروح التسامح في مجتمعنا وفي تعاملنا مع بعضنا ومع الآخر أيضا، فليس المطلوب إلغاء التمايزات الفكرية، المذهبية وحتى الدينية، وليس المطلوب توحيد الاتجاهات السياسية وإذابة المشارب الثقافية في إطار الثقافة الواحدة والمجتمع الواحد، فذلك أمر محال، وهو كمن يريد توحيد كافة الطرق في اتجاه واحد لكي لا تقع الحوادث المرورية!

قيم التسامح والديمقراطية هي الكفيلة بتنظيم وترتيب سائر الاختلافات والتمايزات الفكرية والسياسية في المجتمع وليس إلغائها، بحيث تمنح الجميع فرصة التعبير عن الذات في جو هادئ تماما.. ليس من شأن التسامح قبول الرأي الآخر وحسب بل أيضا الاستئناس به والتلذذ بالاختلاف معه، أكثر من ذلك، السعي لخلقه ومساعدته في بلورة مشاريعه وبرامجه وفي الإعلان عن نفسه.

أقول ذلك وانا أتذكر كيف تخضع العلاقات الاجتماعية وقواعد الاتصال في مجتمعنا لتوجيه ديني مركز، حتى في داخل الأسرة، فضلا عن خارجها، يقبل المرء على أخيه وزملائه وأصحابه فقط حين يتوافق معه في الفهم الديني وليس فقط في الدين، فإن تمردت على فكرة هامشية أو مركزية في المنظومة الدينية الحاكمة فإنك إن لم تتعرض للهجران والمقاطعة وعدم الاحترام والتقدير الذي يتوق له كل إنسان فإنك على الأقل ستواجه عدم اكتراث وقلة اهتمام، ليس لشيء سوى لأنك لم تكن مذعنا بما فيه الكفاية ولم تقبل لنفسك أن تكون وعاء تصب فيه كل الرؤى التي تحظى بالقبول من هذه العمامة أو تلك!

اليوم تسود قيم " الانسنة" و منظومة «حقوق الإنسان» أي إنسان، مهما كان شكله أو دينه أو عرقه أو سلوكه، الإنسان مهما كان، له حقوق ومن ضمنها الاحترام الضروري لأية علاقة مهما كان مستواها.. أما البعض الآخر ممن يحاول تقديم الدين بفهمه هو وبصورة أحادية ونمذجة وحيدة لا تراعي التطور والتحول التاريخي فإنه يحاول أن يضع الحقوق على خلفية العلاقة مع الله.. هذا الواقع يجعل التابع و«المؤمن» يحجب الاحترام والحب والتعامل الإنساني عن الجميع باستثناء من أعطي «من قبل العمائم الفاخرة!» إشارة مرور وشهادة حسن سيرة وسلوك وإلا فهو لا يستحق الاحترام والتقدير.. ذلك هو ما جعل الاحترام وبالتالي التسامح سلعة غالية الثمن لا تقدم لأي إنسان!!

يحكى أن ملكا في أحد الأعوام تطير من أمطار السماء فأمر بتخزين كمية كافية من المياه إلى العام الذي يليه، بحيث يكفيه ويكفي حاشيته!، فلما هطلت الأمطار وتناول منها العامة من الناس حدث ما توقعه الملك والمنجمون فأصاب الناس الخبل، فأوعزوا إلى بعضهم البعض خلع الملك لإنهم لمسوا فيه انحرافا عن الجادة والحكم الرشيد، فلما بلغ ذلك الملك عزم على تناول كمية من تلك الأمطار حتى يصيبه ما أصاب الناس! فيتراجعوا عن قرار العزل وهذا ما حدث فعلا! ... يبدو من الواجب أن أفعل مع صاحبي «الناصح المشفق» ما فعله هذا الملك، فأكون عنده مرضيا!




#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-