أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبدالله الداخل - الأمم المباركة والأمم المارقة!















المزيد.....


الأمم المباركة والأمم المارقة!


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 2085 - 2007 / 10 / 31 - 06:56
المحور: كتابات ساخرة
    


يختتم الرؤساء الأميركان خطاباتهم بعبارة God bless America "ليبارك الله باميركا" *، ويظن البعض أنهم قد لا يعنونها، وهي عبارة اعتاد موظفو كتابة الخطاب speech writers أن يضيفوها الى نهايات الخطابات حتى صارت تـُعَد خاتمة ًلازمة، وبلغ منحنى استعمال هذه الخاتمة ارتفاعا كبيراً أيام الرئيس رونـَـلـْـد رَيـْـكَن! ويبلغ أوْجَه أيام الرئيس الحالي جورج بش الابن الذي طوّرها بشكل يوحي بالتجديد، كي لا تبعث على الملل! فأصبحت May God continue to bless America أي "فليواصل الله مباركته لأميركا" *؛ وبغض النظر عما إذا كان الله يواصل ذلك أم لا يواصله، ومهما تطورت هذه العبارة، تظل تعطي السامعين بعض الانطباعات. أهمها:

أولا- أن الرئيس theist أي "مؤمن بوجود إله".

ثانيا- أن الرئيس يلعب دور رجل الدين، رغم أن عبارة God bless you يتبادلها كثيرٌ من الأميركان والبريطانيين في حياتهم اليومية، وهم لا يعنونها في غالب الأحيان، فهم يقولون لمن يعطس bless you (بـْـلـَـشْيو) دون ذكر كلمة "الله"، للسرعة! (فالناس في الغرب هم مسرعون دائماً!) حيث يتحول الصوت "س" الى "ش" لأسباب في علم الصوت خارج موضوعنا! وهي تقابل "يرحمكم الله" لمن يعطس من العرب والمسلمين الذين لا يكتفون بكلمة "يرحمكم" كما يفعل معاصروهم!

ولا شك أن الرئيس ليس برجل دين، لأن رجل الدين له مقوّمات مهنية خاصة تحمل الناس على الاعتقاد بان له علاقة من نوع ما بالإله، وهذا الاعتقاد يمنحه "قدسية" بالاضافة الى بعض التباين، فرجل الدين يرتدي ملابس مختلفة، "تـُضفي عليه قدسية إضافية" لأنه ما أن يخلعها، وينضي لحيته كذلك، حتى يبدو عاديا مثلنا، بل وحتى مثيراً للتساؤل لماذا كان يرتدي تلك الملابس الغريبة! ولهذا السبب بالذات يتنكر كثيرٌ من رجال الدين (خاصة قساوسة الغرب) بملابس عادية كملابسنا! ورجل الدين نشط جداً في يومٍ معين من الأسبوع ، وله لغة مغايرة، ويتكلم باختصاصه برطانة خاصة jargon وفي مكان خاص مُعَد لهذا الغرض بالذات وخاص بنوع الدسكورس discourse أو "الخطاب" الذي يستعمله؛ ولكن الرئيس، رغم ارتدائه ملابس عادية، بوده أن يوحي للجميع جواً مقارباً من هذا على الأقل، لأن الموضوع الذي يتناوله هو مقدس ايضاً، وتقرب قدسيته من الدين ويستحق ان يكون هناك رجل دين، فلماذا لا يختصر المراسيم فيؤدي الدورين معاً، فيوفر للحضور وقتاً ثميناً؟!

وهو يلعب دور رجل الدين بحدود يعرفها ويعترف بها، ولو تجاوزها قليلاً لتغيرت لهجته، كأنْ يقول مثلاً "May the Lord bless you all" ليبارك بكم الرب جميعاً، وهذا غير ممكن لسببين: الأول أن اللورد هو ربٌّ انكليزي (رغم أنه لم يختلف عن الله كثيراً زمن الاقطاع، حين نشأت كلمة landlord أيضا والتي صارت فيما بعد تشمل حتى الرجل الذي يؤجر لك غرفة في بيته)؛ فلن يكون الكلام مفهوماً لدى بعض الأمم كالعرب مثلاً! وثانياً إن من المحتمل أن كلمة "جميعا" قد تشمل آخرين، وقد تصل آذان الرب (الكبير، لا الانكليزي) بالخطأ كأن يحصل نوع من التبديل في طريقها الى الأعالي فيأتي الرجْع بخلاف المرجو !
ثالثاً- أن الرئيس يدعو بالبركة لبلاده، وهو يشكر الخالق على انتقاء ادارته لقيادة الكوكب، وهذا شئ لطيف، لأن الرجل يبرهن، بطريقته الخاصة، ومن "موقع المسؤولية"، أنْ لا غبار على وطنيته أو إيمانه؛ وهو بذلك يختلف عن رئيسٍ او ملك عربي يختتم خطابه ب"والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"! والتي هي بدورها أمورٌ هامة قد يعنيها وقد لا يعنيها! وقد يكتفي الرئيس أو الملك أو "المسؤول" العربي بعبارة "والسلام عليكم"، لكن بعض الجالسين سيسألون أنفسهم ومن ثم آخرين ما الذي حصل ويحصل في هذه الدنيا بحيث ان سيادته أو فخامته او جلالته قام باختصار العبارة اختصارا كبيرا فان بامكانه ان يقول على الأقل "والسلام عليكم ورحمة الله" أي بدون "وبركاته"، وهذا ما يحصل احيانا، وتصبح البركة غير مهمة لأنها تأتي في المحل الثاني على اية حال، وان رحمة الله قد تشمل البركة فتكون البركة جزءا من الرحمة الشاملة؛ وهذا أمرٌ قابل لمواصلة النقاش: فإذا كان المتحدثُ "يسلـّم" على أمةٍ من الأمم فهل يعني هذا أنه يتمنى أن يباركها الله؟ لأن السلام له معنيان أساسيّان متداخلان overlapping في العربية، وكلاهما ايجابي، خاصة السلام بمعنى السلم أو الأمان والاطمئنان حين يُفسح المجال للأشغال بالانتعاش بدل الحرب ويعمل العاطلون فتأتي البركة!

وإنهاء الخطاب الرئاسي الأميركي بذلك الدعاء يُستقبل طبعا باستحسان الحاضرين وتصفيقهم، وفي جميع الحالات، وبدون استثناء، بنهوضهم عن مقاعدهم standing ovation إن كانوا قاعدين! (لأن البعض يُجْبَر على الوقوف، كما سنرى في برلمان آخر!) فهذا الدعاء بالبركة والذي يصدر من قلب رجل مؤمن، في نهاية الخطاب، يهز الجالسين من الأعماق، حتى أن بعضهم يُـسارع بالنهوض عن مقعده قبل غيره بحوالي ثـُُلث الثانية، متطلعا للرئيس المؤمن لإثبات وطنيته هو أيضا، مختلساً النظر من طرف عينه لاستطلاع ما إذا كان الباقون سيحذون حذوه وينهضون نهوضَه! (وتوفـير المقاعد هنا هو بخلاف تلك الطريقة التي يُعامَـل بها مجلس "العموم" البريطاني، وهم "ممثلو" الشعب، بضمنهم رئيس الوزراء وكل أعضاء "حكومتي"، أثناء خطاب الملكة السنوي، إذ يظلون واقفين في الباب الجانبي من مجلس اللوردات، ممثلي الاقطاع الجالسين، دون مقاعد لهم جنب الرؤوس الصلعاء والكروش المتشحة بزي خاص مزركش يغلب عليه اللون الأحمرالغامق! الى أن تـُنهي الملكة خطابها عن مشاريع "حكومتي" my government ، بخنـّةٍ من دلال مزمن، فيعودون أدراجهم إلى مبنى ممثلي "العامة" House of Commons ولكن بعد أن تعود جلالتـُها الى عربتها الذهبية (التي أهدى "شعب العراق" واحدة مثلها لصدام)، وموكبها الغريب عن العصر حيث تعج الطريق بخيول وروث وحرس بقبعات مضحكة ذات فراء وعالية تـُكسِب الحرس طولاً فوق طولهم، وأطفال ونساء مسنات وحملة اعلام صغيرة؛ وصدقوني ان هذه الإهانة توجَّه الى البريطانيين مرة كل سنة، وأنا أوردها هنا لأن تلك المرأة الوطنية هي الأخرى توجه إلى الله دعاءا مماثلاً، ويبدو أن دعاءها مسموع بحذافيره اضافة الى أدعية سرية أخرى لا يعلم بها أحد إلا هو، فهذه المرأة تملك ما يقدر ب25 بليون باون أي 50 بليون- 50الف مليون- دولـَر أميركي، أي ما يمكن أن ينقذ مجموعة من الأمم اللامباركة التي خلقها في آسيا وأفريقيا!)

لو "أسعدني الحظ" يوماً ان أكتب كلمة ًليُلقيها رئيسٌ ما، أميركيا كان أو عراقيا أو مصريا أو لملكٍ ما من ملوك القرن الحادي والعشرين، بالعربية أو الإنكليزية أو غيرها، فانني لن أبدلها الى "ليبارك الله العالم!" !God bless the World (رغم أن هذا الدعاء يعجبني أكثر من غيره، إن آمنتُ بجدوى الأدعية!)، فهذا اولاً نفاق أعرض من أن لا يُلاحظ، وقد تـُوجَّه لي تهمة كوني انسانياً أكثر من اللازم! وربما تـُهم أخرى ما أنزل هو بها من سلطان! وثانياً لستُ أرى كيف أن الله سيستجيب لدعاء كاتب يدعي تقليد كـُتـّاب عصر النهضة، إذ يكتب لأمةٍ ليس بوِسْعِها، لأسباب سياسية-اقتصادية-دينية، ان تنهض! وهو يعلم حق العلم أن اللهَ لا يكلـّف نـَفـْساً إلاّ وِسْـعَها، وأن الله يدري ما في القلوب ويعلم بعدم نيتي في أن أسبـّب لأحدٍ أيَّ اذىً من أيِّ نوع، خاصةً آلام الصحو من النوم الطويل، أو آلام النهوض، أوإزعاج النهوض من جلسة التربُّع على الأرض، مثلا، والتي تنطوي على مشقة، فالذي يجلس متربعاً يجب ان يستند بشكل ما بإحدى يديه كي يتحامل على نفسه كما يُقال، أي يُكلفها على مشقـّةٍ وفي العراق يمد الواقفُ كلتا يديه عادة لسحب الجالس الذي يُفترض أن يتحامل ويحاول النهوض لا أن يسلك كجثة! أما أسامة فقد علـّم الأمة طريقة شرعية في النهوض من التربّع وهي أن تمر بمرحلة الركوع في طريقك الى النهوض! وهذه في الواقع طريقة ملتوية بالمعنيَـيْن، المجازي و"الفيزيقي"، البدني، وتتلاعب بالاتجاهات، فهي تشبه الى حد كبير قول صدام (قبل أن يتحول الى pariah ) أن الطريق الى فلسطين يمر من بغداد شرقاً، عبر عبادان والمحمرة ثم شمالا نحو طهران! كما أشرتُ في "عمى الجهات".

عذراً لبعض الإسترسال ولكن كيف سيستجيب الله الى دعاءٍ كهذا يشمل العالم، إذ ماذا يحصل إذا تمت مباركته كله، فهذا قد يؤدي في ختام المطاف الى انقطاع بقية الأدعية؟ وهل هناك من يريد أن "يقطع رزقه" بنفسه؟! إذ يبدو أن آذان الله معتادة على سماع أدعية لا تنقطع وتأتيه من مختلف أرجاء "المعمورة"، وربما من مختلف أرجاء الكون (إن كانت هناك ثـَمَّة َ، أو ثـَمَّ، أو ثـَمَّتَ ، كما يُصر شاعرٌ كبير، حضاراتٌ أخرى) ولكن هذا الاحتمال غير ممكن لأن البشرية، بضمنها أمتـُنا، كانت قد عرفت اللهَ عندما كانت تظن أن الأرض مسطحةflat ولا نهاية لها، والتي دحاها كما تـُدْحى الرُّقاقة ُوَشـْـكَ اللمْحِ بالبصر!

بالطبع فإن الله قد أثبت للجميع أنه يستمع الى اؤلئك الميامين من رؤساء وملوك الغرب، ويبارك بلدانهم فعلاً، ولهذا نرى أنها بلدان تتطور بوتائر مذهلة، وعلى كافة "الأصعدة" أو الصُّعُد! ولست أدري ما الذي سيحصل اذا نسي أحد الرؤساء تلك العبارة في أحد خطاباته، ولو أن السيد او السيدة المسؤولة عن كتابة الخطاب لن تجازف بوظيفتها ورزق عائلتها من أجل عبارة تحرص هي نفسها على اضافتِها، ولكن لو فرضنا ذلك، فما الذي سوف يحصل؟! هل سينزعج الله من هذا النسيان؟ هل يحصل هذا وهو أدرى ما في الصدور؟!

ولكن بالمقابل هناك "رجالٌ" من نوعٍ آخرَ، صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، يرتدون عمائمَ ولحىً مُحَـنـّاة، أو طبيعية اللون، يَدْعون بدعاء مشابه ولكنهم يقرأونه على آذان الله من اليمين الى الشمال(ولا أقول الى اليسار لتجنيبه والعالم مزيداً من المشاكل)! ولا ريب أنهم من أوائل المؤمنين وأفضلِهم مَحْـتِداً وأعلاهم شجرةً وهم من خير أمةٍ أ ُخرِجت للناس: قلوبُهم طافحة ٌ بأيمانٍ حقيقي لا يَرْقى اليه الشك! وهم على استعداد للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الله، فمنهم من قام بذلك فعلا، ومنهم من ينتظرالتوجيه أو الفرصة السانحة، لكن مشكلتـَهم أن الله لا يستمع اليهم مرةً بعد مرة، ودعاءاً بعد دعاءٍ بعد دعاء، فهل يغلق الله أذنيه عن سماع دعاءِ مؤمنين حقيقيين؟! أم أنه لا يعرف العربيةَ،َ وهو الذي أنزل القرآنَ بالعربيةِ حتى ظن البعضُ أن اللهَ عربيٌّ يرتدي الكوفية َوالعقال، ألم يخلِقِ الإنسانَ على صورتهِ؟ فإذا لم يستجـِبْ للدعاء، فما عسى أن يكون السببُ؟ فهو عالِـمٌ بكل شئٍ وقادرٌ على كل شئ، ويفهم العربية َكما لم يفهمْها أحدٌ قبلـَه ولا بعده، ويأتي الدعاءُ من قلوبٍ مؤمنةٍ، لا غبار على إيمانها أبداً، فلماذا لا يُستجابُ لأدعيتهم، سنةً بعد سنةٍ، وعقداً بعد عقد وقرناً بعد آخرَ، حتى ظن البعضُ أن اللهَ يكره العربَ والمسلمينَ لأسبابٍ لا يعلمُها الا هو؟! ربما لأنهم أساءوا الى رسالته وربما كانت الأسبابُ من خصوصياته هو فقط، وله في خلقهِ وأمرهِ شؤونٌ، وإلا ّ فلماذا يباركُ اللهُ "الكفرة َالإفرنجَ" بينما جعل الموتَ الجماعيَّ والفقر والتخلف من حصةِ العربِ والمسلمين؟

فهل السبب في الفارق في الاستجابة للأدعية هو أن رؤساء الغرب مؤمنون حقيقيون وأن دعاءَهم مسموعٌ والمصفقون لهم هم مؤمنون أيضا فيُضاعف التصفيقُ هذه البركة لأن التصفيق كما هو معروف له رنة موسيقية من نوع ما وكثيرا ما يُستعمل في الموسيقى (ولو أن الايرانيين قد يحرمونهما في البصرة!)

أم ان السبب هو أن رجال الدين الغربيين أكثر إيماناً من نظرائهم في الشرق، وهل ان السبب الحقيقي يكمن في "كمية" الايمان؟ وما هي الكمية وكيف تـُقاس؟ أم في نوعه؟ وكيف يمكننا ان نعلم اي نوع يفضله الله على غيره؟

أم هل أن السبب الحقيقي يكمن في ان موسى كان اقرب الى الله عندما صعد الجبل، وأتى بالوصايا الخمس عشرة على ثلاث ألواح حجرية من نوع welsh slates فحصلت الكارثة بفقد البشرية لخمسة منها، عندما انزلق من يديه أحد الألواح التي لم يكلف نفسه عناء قراءتها وهو على الجبل ولم يُتعِب نفسه في تجميع تلك القطع النفيسة ولا هو عاد اليها فيما بعد لجمعها واعادة ترتيبها بحيث يستطيع قراءتها على قومه، بل أهمل الموضوع وربما عتب على من ناوله اياها والذي صقلها وكلف نفسه عناء التفكير وصعوبة الكتابة عليها؛ كما لم يفكر أيٌّ منهما بربط تلك الألواح الثميتة بجهاتها الأربعة كي لا تنزلق واحدة منها، وهذا الاهمال غير طبيعي من اليهود لأنهم اعتادوا مناقشة الله والاعتراض عليه ومحاججته في كثير من الأمور، رغم ان الأرثوذوكس منهم يخشونه، وعلى كلٍّ فهم مخترعوه الأصليون بصورته الحالية؛ لكن عيسى، بعد عدة قرون، لم يصعد جبلا، أما الجلجلة فتلٌّ واطئ الإرتفاع، سَمح اللهُ أن يُصلـَبَ عليه ابنـُه الوحيد كي يدفع، مقدماً، عن آثام البشرية كلها! لكن محمدا، بعد ستة قرون من ذلك، تجنب الارتفاعات المهلكة، واختار كهفاً متواضعاً، ولا نزال لا نعلم لحد الآن إن كان تجنب الارتفاعات هو السبب في التخلف!

في أواسط الثمانينات استعمل المغفور له رونـَلـْد رَيْـكَن في وصفه لاحدى الدول العربية عبارة "الدولة المنغلقة أو المنبوذة أو المارقة، سمِّها ما شئت" pariah state (تـُلفظ "بَرايا" وهي مشتقة من التاميلية وتعني "طبّالين" وهي المهنة المتوارثة في الطبقة المنغلقة عند الهندُوز). ولم يكن ريكَن، الذي يُعِدّه البعضُ من الجمهوريين "أعظمَ الرؤساء"، يعني أن رئيس تلك الدولة كان طبالا، أو أن موظفيها من كاتب الواردة الى سيادته كانوا طبالين، بل كان يشير عزلة ذلك الرئيس عن المجتمع الدولي إذ لا تربـِطـُهُ صداقةٌ مع احدٍ من رؤساء الغرب ولا تربطه رابطة باحدى المنظمات داخلَ الولايات المتحدة، كرابطة أحمد الجلبي أو غازي الياور أو "خضر" حمزة مثلا، وغيرهم كثيرٌ، يتضاعفون كـ "الطحلب" في مكان واحد في بغداد، لكون ذلك المغضوب عليه آنذاك غيرَ "منفتح"ٍ انفتاحَ آخرين مثـْلَ انفتاح بعضِ ملوكِ الخليجِ وامرائِه ورؤساء بعض الدول، وهم كثيرون، بحيث ألغيت "القاعدة" المعمول بها سابقا في التغاضي عن استقلال البعض واعتبارهم "مخلصين وإن لم ينتموا"! ؛ كما أن ريكَن، الذي كان الانفتاحُ واضحاً جداً عليه، خاصة عندما يسير متجها نحو الميكروفون، قد مارس هذا الانفتاح منذ 1950، بداية المكارثية؛ مارسه ضد عباقرة الفن في هوليوود، وظل متقمصاً لشخصيته في فيلم "القتلة" حتى النهاية؛ وقد نـَقل الإنفتاح فيما بعد الى بعض نظرائه مثل كورباجوف ويلتسِن وغيرِهِما؛ وأغلب الظن أن ريكَن لم يكن يعرف على وجه الدقة معنى كلمة pariah ويبدو أنه كان يرددها بعد سماعه لها من أحد سُوّاسه أو "مستشاريه" كما يفعل الرئيس الحالي، جورج بُش الابن، الذي "ضاهى" عبد السلام عارف، الرئيس العراقي "الخاكي"أواسط ستينات القرن المنصرم، في انزلاق اللسان و"اللخبطة" وانعدام الترابط المنطقي في الفكر والخطاب السياسيـَّيْن، وقد شرع مؤخرا بتقليد دك جَيْني في طريقة الكلام من زاوية فمه مما يشير بوضوح الى نوع التدريب الذي يخضع له!

وفي زمن جورج بُش الأب (1988-92) تطورت تلك العبارة من "الدولة المنبوذة" pariah state الى "الأمة المنبوذة" pariah nation. إستعملها الرئيس الأسبق لوصف العراق إبّان أزمة الكويت، وهي عبارة أوسع إذ تشمل الشعب اضافةً الى الدولة واستعملها الرجل مرة واحدة فقط، ولم تـُكرِّرْها وسائلُ الاعلام لاحتوائها على عنصرية واضحة. ويبدو ان كلمة pariah، التي لا نرى معناها الا في القواميس الكاملة فقط، ملتصقة ٌبشكل ما على كرسي الرئاسة أو أن أحداً قد حشرbusiness card بها تحت صفيحة زجاج منضدة الرئاسة في البيت الأبيض!

فهل هناك علاقة بين "الظاهرتين"؟ "ظاهرتـَيْ" الأمة المباركة والأمة المنبوذة أو المارقة أو المنغلقة، أو المُغلـَق عليها؟ وهل هناك نصوص دينية بهذا الشأن أم أنها "إجتهاد"؟

هل لهذا علاقة بتعبير rogue nation "رَوْكَـنَيْشِن" الذي بُدِئَ باستعماله بانتهاء ما يسمى"الحرب الباردة"، حيث كلمة rogue تعني: متشرد، محتال، تافه، شرير، خبيث، مؤذي، حَرون (للخيل)، شاذ، مختلف عن السوي، ذو مستوى أدنى من غيره، الشارد عن القطيع (للفيلة) ...إلخ، ومن الممكن الأستعاضة بكلمة واحدة وهي "مارقة" حيث أن اختيار الكلمة جاء لوصف إبتعاد سياسةِ دولةٍ أو أمةٍ ما عما يؤثر سلبا على مصالح شعبها وذلك بسلوك طريق الاستقلال. وكلمة "مارق" و"مارقين" كانت من أفضل تعابير عبدالكريم قاسم لوصف خصومه السياسيين، رغم أنه صدق فعلا في وصف كوارث العراق المقبلة بعده قائلا: "سيجعلون منكم شذر مذر"، ورغم تكراره "شذر مذر" هذه الى حد القرف (هل لها علاقة تاريخية بـ smithereens "شذرَ مذ َر ٍ" المنوّنة؟!)

لابد أن تعكس العقليات الدينية (أو التظاهر بحملها) مواقف رجعية سياسيا ومناوئة لطموحات الأمم في الاستقلال والرفاه، والعقليات الدينية الرجعية (أو التظاهر بها) ليست فقط متشابهة في المظهر والسلوك بل متحالفة في كل مكان من كوكبنا وتبصق في أفواه بعضها البعض وكلها تؤدي نفس الغرض: خدمة المصالح الطبقية الضيقة للرأسمالية الغربية والطبقات الطفيلية الحاكمة في البلدان المتخلفة عموماً.

أما كيف يجب أن يُعامل شعبٌ طيب، كالعراقيين، أجبرته الدكتاتورية إجباراً أن يُنفذ لها ما تريد، (بتشجيع وإسناد مادي ومعنوي من خارج العراق في المراحل الأولى والوسيطة للدكتاتورية، خاصة فيما يتعلق بالحرب "التحوّطية" مع إيران، نفس حجة الغرب بغزو العراق، والتي قـُررت له في السعودية إبان "حج العُمرة" قبيل إعلان الحرب)، فهذا موضوع يقودنا الى "فلسفة الإبادة"! وهذا ما ينبغي أن نسأل به واحدا من عظام البشر، بصورة "جدية"!

إذا تمكنتُ من مقابلته فسوف أوضح رأيه في مقال قادم!
______________________________________________________
* عبارة God Bless you هي في الواقع عبارة دينية أصلاً، مأخوذة من البايبل Bible(الانجيل) ومن الخطاب الديني عموماً، فهناك كلمة محذوفة من بداية العبارة، وهي الفعل المساعد(الثانوي، خادم النحو، الذي ينحصر تأثيره على تغيير الشكل أو الصيغة أو مشروطية الفعل modality) والذي هو May، (فـَلـْ ، أداة دُعاء، قريبة من "عسى أن") فلو لم يكن الأمر كذلك، لانتهى الفعل بs ، لأن صيغته لابد أن تكون مضارعا بسيطا present simple لكون الفاعل 3rd person singular ؛ لكن في حالة إضافة كلمة continue + المصدر to bless ، كما يفعل جورج بُش هنا، نرى ان الفعل May "يستعيد مكانته" في الصدارة. كما تجدر الإشارة الى أن كلمة God قد حلت محل كلمة Lord في العبارة الأصلية May the Lord bless you لأسباب تأريخية ولغوية أخرى.






#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمى الجهات
- تغيُّر الدِّيلَما
- من يوميات مفتش بسيط
- الخسارة -3- (مقاطع من مطولة بعنوان -تداعيات من العصر الغباري ...
- تعاريف خطيرة لحدود بعض العصور
- الخسارة 2 (مقاطع من مطولة بعنوان -تداعيات من العصر الغباري ا ...
- مِطرقة
- الخسارة 1 (من مطولة بعنوان -تداعيات من العصر الغباري الوسيط- ...
- مطارَد
- جئتُ الى كاوَه (مقاطع من مطوّلةٍ بعنوان -تداعيات من العصر ال ...
- جئتُ الى كاوه (مقاطع من مطولةٍ بعنوان -تداعياتٌ من العصر الغ ...
- محاولة في الخوف
- محاولة في الخوف (مقاطع من مطولة بعنوان -تداعيات من العصر الغ ...
- في الخوف -2- (مقاطع من مطوّلةٍ بعنوان -تداعيات من العصر الغب ...
- ثنائية العلم والدين في فكر الإنسان المعاصر


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبدالله الداخل - الأمم المباركة والأمم المارقة!