أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز حيسو - إشكالية الوعي الشبابي















المزيد.....



إشكالية الوعي الشبابي


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 12:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تشكل الفئات الشبابية بشكل عام الأفق المستقبلي للتطور الاجتماعي ، و الوقوف على إشكالاتها وأزماتها يعتبر ضرورة ملحة لتحديد إمكانيات وآفاق التطور الاجتماعي وسيرورته المستقبلية . و تتحدد تجليات هذه الإشكالية وأسبابها البنيوية والجوهرية بالواقع الموضوعي والذاتي الراهن ، ومن الصعوبة بمكان إقامة الفصل بين السيرورة الواقعية والموضوعية لهذه الفئات وإشكالاتها الذاتية، وما تعاني منه باقي المكونات والبنى الاجتماعية من إشكاليات . وهذا يدلل موضوعياً بأن بنى المجتمع و الفئات الاجتماعية المتنوعة تخضع نسبياً إلى ذات العوامل السائدة والمهيمنة ، وبالتالي فإن الفصل إن تمكنّا من إقامته يبقى على المستوى البحثي دون أن يعني الفصل الموضوعي الواقعي ، العياني الملموس .
لكن ما يفُترض ملاحظته هو أن الفئات الشبابية بما تمتلكه من اتقاد فكري وحماس وشعور بالاستقلال والتعالي بشكليه السلبي والإيجابي ، وإمكانياتها على التطور والتلاؤم والتبدل والتغير و توليد الجديد والمختلف والمتطور عن السائد اجتماعياً ، والمتناقض عما هو سائد في بعض الأحيان ، وهذا يدلل بأن الرهان على إمكانية التغيير لفتح آفاق صيرورة جديدة متطورة يقع على عاتقها ، وهذه السمات يفتقدها الفرد في المراحل العمرية المتقدمة مما يضفي عليه مزيداً من الرصانة والرطانة والهدوء والمحافظة الفكرية والذهنية ، ونضج التجربة التي يحتاجها الشباب ( ويترابط ويتشابك مع هذه الفئات مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والتشكيلات السياسية والمدنية .. التي تمتلك مشروعاً لبناء مستقبلي متجاوز بمنظومته المعرفية والسياسية والثقافية .... لما هو راهن وسائد ومهيمن ) ، إضافة إلى ناحية مهمة تتمثل في أن الفئات الشابة لكونها تكوّن شريحة اجتماعية واسعة ، وتمتلك سمات خاصة بها تفتقدها باقي الفئات الاجتماعية، فهي تتماهى في التعبير مع الحالات الاجتماعية / السياسية في طورها الأول التي تعبر موضوعيا ًعن وضع ثوري / راديكالي / جذري ، قابل للتطور والتحول والتغير والتجدد ، ( لكن هذا الوضع لا يتطابق مع الحالات التي تمثلها الحركات الدينية السلفية ، أو بعض الحالات الأيديولوجية التي تحاول قياس اللحظة الراهنة على الماضي ، وتكرس منظومات فكرية وثقافية تجاوزها التطور التاريخي ... )، لكن مع تقادم هذه التجارب فإن بعضها يميل إلى المحافظة على إرثها التاريخي وتجربتها المحققة في سياق ممارستها السياسية، وتزداد إمكانية تعمق الروح المحافظة بأشكالها الأصولية التي من الممكن أن تصل لحدود الممارسة النظرية والسياسية السلفية في بعض الحالات مع وصول بعض هذه التجارب إلى مراكز صناعة القرار ، ويتماهى ويتقارب مع هذه الحالات موضوعياً وإن بأشكال نسبية في مستوى التجربة الفردية : سلطة الرجل الأبوية / البطريركية المحافظة ، والقائمة على العديد من الأشكال الثقافية والوعي الاجتماعي والقوانين الوضعية والإلهية ، متمحورة ومتمركزة بفعل الوعي السائد على الفكر الديني المحافظ بأشكاله البطريركية ،الأبوية ، الرجولية ، وزوال أشكال الوعي البطريركي والتراتب الاجتماعي المعبّر عنه بأشكال سلطوية تاريخياً ، مرتبط جدلياً بمدى التطور في أنماط الوعي الاجتماعي والمستويات المحددة لأشكال وأنماط التطور اجتماعياً . وتحاشياً من الوقوع في الاستنقاع النظري ، وتخلف الممارسة السياسية يفترض ، العمل على تطوير البنى المعرفية والممارسة النظرية بشكل دائم وبما يتلاءم مع الواقع الراهن وآفاق تطوره .
وبالتالي فإن الفئات المؤهلة لتجاوز الأشكال الثقافية وأشكال وأنماط التفكير المحافظ بمستوياته التقليدية ، والمترافق والمعبر عن الثبات الاجتماعي بمفهومه الركودي ، وإن بمستويات نسبية متباينة هي الفئات الشابة التي تمتلك وعياً وثقافة تتجاوز فبها ومن خلالها الأشكال الثقافية وأشكال الوعي الاجتماعي السائد والمهيمن ، ولذلك يعتبر الشباب طليعة المجتمع في سيرورته التغييرية والتطورية لتملكها القوة الكامنة لإمكانية التغيير والتطور الارتقائي، الذي تتقاطع فيه مع التشكيلات والتنظيمات السياسية والمدنية والثقافية المؤسسة على مفهوم الديمقراطية بوصفها قيمة تحفظ وتحقق إنسانية الإنسان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية وانطلاقاً من الواقع العياني الملموس المجسَّد من خلال تجليات مختلف تجارب السلطات السياسية ، وتحديداً في البلدان ذات النظم الشمولية ، فإن هاجسها الأساس هو كيفية استقطاب واحتواء الفئات الشبابية في تنظيمات وتشكيلات وهيئات ومنظمات مدنية ، سياسية ، تربوية ، مؤدلجة، تستطيع من خلالها تنميط وعي الشباب خصوصاً وباقي الفئات الاجتماعية عموماً ، وتحديد آليات التفكير الاجتماعي وفق أشكال ثقافية تحافظ من خلالها على استمرار سيطرتها الثقافية ، السياسية ، الأيديولوجية .. ليُصار لاحقاً إلى الحد من فاعلية التشكيلات السياسية والمدنية المعارضة .
وبناءً على الميل الاحتوائي والهيمني وفق أشكال محددة من السيطرة الثقافية ، السياسية ، الأيديولوجية للأجهزة السياسية والثقافية المسيطرة ، و المعبّر عنها من خلال إشكاليات الممارسة السياسية ، والخلل في البنى الثقافية للتشكيلات السياسية المعارضة التي تفتقد إلى عوامل التأثير و السيطرة في سياق التطور الاجتماعي في أشكال تجلياته الراهنة ، فإن الطليعة الشبابية عموماً تتموضع في اصطفافاتها الثقافية في سياق انتماءاتها بمختلف مراحل تطورها المتعاقبة ضمن الأجهزة المسيطرة ، مما يشكل خللاً وإشكالية في تشكل ونمو وانبساط وتطور التشكيلات المعارضة ، لتنعكس موضوعياً على المعارضات بأشكالها ومستوياتها الراهنة بالضعف والترهل والانحلال الذي يقود إلى تراجع وغياب تأثيرها على آليات تطور ونمو وتغير البنى الاجتماعية بسياقاتها المتنوعة وأنساقها المختلفة والمتباينة ، مما ينبئ موضوعياً بتجاوز القوى الاجتماعية غير المنظمة بالتشكيلات المعارضة التنظيمات المعارضة ذاتها لكونها لا تمثل فعلياً وموضوعياً مصالحها الأساسية والجوهرية ، و يتجلى هذا بوضوح لحظة تفاقم الأزمة الاقتصادية التي بدأت ملامحها تتوضح ، والتي من الممكن أن تترافق مع أزمة سيطرة وهيمنة سياسية بمفاعيل وأسباب داخلية / خارجية ، بمعنى تمظهر الأزمة وتحددها بكونها أزمة عامة لا يمكن حل أو تجاوز تناقضاتها إلا بتغيير الأشكال والآليات السياسية الراهنة والمسيطرة ، وقد يتم تكريس استمرار الأوضاع الراهنة بتجلياتها المعبرة عن الأزمة المرشحة للتفاقم ، بزيادة دور المؤسسة الأمنية ، ويضاف إلى هذه العوامل إشكاليات المعارضة وتناقضاتها الذاتية والموضوعية ، ليلتقي في لحظة محددة ترهل فكري سمته العامة المحافظة بأشكالها الأصولية / السلفية ، وغياب الكوادر الشبابية عن حقول الممارسة المدنية السياسية المعارضة العلمانية والذي يشكل سبباً ونتيجة لبعض تجليات أزمتها الراهنة ، لتبقى السلطات المسيطرة المتملكة لهذه الفئات بفعل سيطرتها السياسية والاقتصادية قادرة من خلال آليات ممارستها السياسية ، وبفعل توظيف الطاقات الشبابية على إدامة تجددها وتجدد أشكال وعيها المسيطر ، وبالتالي تجديد سيطرتها على مفاعيل وآليات التطور الاجتماعي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وبما أنه ليس لكل الفئات المسيطرة سياسياً القدرة والإمكانية على امتلاك وعياً وثقافةً اجتماعية متجاوزة لأشكال الوعي الاجتماعي السائد المشكّل لوعيها الراهن ،ولأنها تميل إلى المحافظة على ذاتها وعلى وعيها من خلال مفاعيل وعوامل هيمنتها المختلفة .
فإنها في سياق تشكل وعيها الثقافي ، السياسي تقوم على توطيد وتكريس وترسيخ ما هو قائم ، أي لا تمتلك عوامل وأشكال الوعي الراديكالي المتجدد ( أو الوعي الجديد والمتجدد والمتجاوز بذات اللحظة لما هو قائم وسائد من أشكال الوعي الاجتماعي ) القائم على القطع المعرفي مع الأشكال الثقافية المهيمنة ، وأشكال الوعي السائد . وبالتالي فهي تعتمد في تجديد ذاتها على بعض ٍ من أشكال الوعي السائد ، وتحديداً الوعي الديني لكونه يشكل غطاءً شرعياً لسيطرتها .
ومن خلال هذا يمكننا أن نلاحظ بأنها تفرض التعايش التوافقي والتوفيقي البراغماتي الموظف مصلحياً لإدامة استمرار وتجديد السيطرة الطبقية لفئات محددة ، بين أشكال من الوعي الثقافي الموروث ، و بين منظومات وأنساق و أشكال معرفية حداثية ، علمية ، ماركسية ، قومية ، ... قد تصل لدرجة التناقض البيني ، وبذلك فإن التعايش بأشكاله الراهنة يتناقض ويتنافى مع جوهر ومضمون فكرة التطور المتنامي في سياقه / الديمقراطي ، العلماني .
هذا الترابط والتعايش بين جملة من التناقضات الثقافية المتجاورة في بنية الوعي الاجتماعي العام والخاص والفردي ، ينعكس بأشكال مختلفة ، ومستويات متباينة على كافة الشرائح الاجتماعية تبعاً لمستويات وعيها وإدراكها وقدراتها التحليلية .....
ومن الطبيعي أن ينعكس التعايش باختلاف أشكاله ، والذي يصل إلى حدود التناقض المعرفي في مستويات الوعي الاجتماعي عموماً على أشكال تجليات الوعي المجتمعي / الاجتماعي بشكل عام ، وبأشكال نسبية ، لنلحظ بأن التناقض في أشكاله العامة ، ومستوياته المختلفة والمتباينة يتجلى من خلال الممارسة الجماعية والفردية عبر تعايش أشكال من الوعي المختلفة في ذات الفرد الذي يتشكل بناءه المعرفي على التنابذ والتناقض بين أشكال متباينة من أشكال الوعي الذي يصل إلى درجة التناقض البنيوي الداخلي الذي من الممكن أن يؤدي إلى الانتقالات والتبدلات الحدية و المتناقضة بين موقع معرفي محدد وآخر ، بأشكال تتنافى مع أشكال التغيرات المعرفية الفردية وفق سياقها الموضوعي والمنطقي .
وهذا يدلل على أن التعايش بين أشكال من الوعي الاجتماعي يتجسد في المستوى الفردي / الخاص/ الاجتماعي العام / من خلال التضايف والتجاور والتعايش الذي يحتمل التناقض في لحظات محددة ، وفي لحظة الأزمة تحديداً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضافة إلى ما أوردناه فإن التعميم في أشكال تأثير الوعي الاجتماعي المتجسد في الممارسة المعرفية للفرد يساهم في إظهار أثر الأشكال الثقافية التي تحاول الفئات المسيطرة تكريسها اجتماعياً ، والتي لا ينحصر أثرها على فئة اجتماعية محددة ، بل يطال تأثيرها مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية بدرجات متباينة ضمن إطار وحدود تتخذ سمات اجتماعية عامة .
ويترابط في هذا المستوى ووفق هذه الأشكال مختلف أشكال الوعي الاجتماعي المتلبس سمة الوعي السائد ، والمتشكل وفق أشكال محددة ، محدودة ومجتزئه من منظومات معرفية متعددة تساهم في تشكيل الوعي العام وفق سيرورة معرفية / ووعي اجتماعي بسمات أيديولوجية تكرس وعي يؤسس لسيطرة الفئات السياسية المسيطرة . وهذه الأشكال المترابطة والمتعايشة إرادوياً تتمثل في بعض أشكال المنظومة المعرفية الدينية والإثنية ،المذهبية ، الطائفية ، العشائرية... (أشكال وعي ما قبل وطني ) المتنافية والمتناقضة مع أشكال الوعي ما فوق وطني ( قومي / ليبرالي ، شيوعي / ليبرالي .... ) .
جميع هذه المنظومات المتعايشة وغيرها تساهم بأشكال ومستويات محددة ، في تشكيل وتجسيد أشكال من الوعي و الثقافة والتفكير ، تتجسد في الممارسة اليومية التي تتجلى عبر أشكال من التسليم ،الطاعة ،الولاء ،التبعية ، الرضوخ ، التقديس بأشكاله العقائدية في حقول معرفية متنوعة ، التضخم الفردي النرجسي ، تأليه القائد الملهم الفساد السياسي والقضائي والإداري ......... وتعتبر هذه التجليات في لحظات محددة مناخاً خصباً ومناسباً لنشوء وتطور الفساد المعمم اجتماعياً ، وتحديداً في لحظة التطور الاجتماعي المحكوم بالقوة والخوف والتأليه الشخصاني والمشخصن والتغييب والتهميش الجمعي اجتماعياً ، والاحتواء والاحتكار ( احتكار المعرفة ، احتكار مصادر وعوامل القوة المعنوية والمادية .... ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكون العام يتجسد في الخاص ، و الخاص تعبيراً عن العام المذوتن . فإن هذا يفترض بأن أي فرد أو مجموعة ، أو فئة لا تخرج عن سياق هذه القاعدة إلا بأشكال ومستويات نسبية ، وبالتالي فإن الفئة الاجتماعية الشبابية في سياق السيرورة الاجتماعية تخضع إلى نفس المفاعيل الاجتماعية العامة ، لكن الإرادة والحماس والتطلع المستقبلي المحكوم بأمل التغيير ،والمستقبل الأفضل ، يضعها في طليعة المجتمعات الإنسانية لتكون قائدةً للتغيير على اختلاف أشكاله الايجابية منها أو السلبية . و نركز على السلبية لكون المناخ العام / المحلي يسيطر عليه : وعي عام يتجلى من خلال ثقافة معولمة وفق أشكال وعي حداثوي استهلاكي ، سطحي ، مبتذل . / وعي محلي يسيطر عليه أشكال وأنماط من الوعي الأصولي المتعايش مع منظومات و أنساق معرفية متعددة ومتباينة بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة . ويترابط هذين المستويين في تشكيل الوعي بأشكاله الراهنة .
وفي ظل فقدان الأمل ،يمكننا أن نرى بأن الميل العام لوعي هذه الفئات يميل في سيرورته إلى العطالة أولاً ، وثانياً إلى الوعي الخلاصي القائم على النزعة الفردية المشوهة التي يتشابك معها و فيها التخلع الهيكلي العام المنعكس على الذات الفردية في أشكال مختلفة ومتعددة :
1 ــ موجة الارتداد الديني التي نشهد تجلياتها منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي ، والتي تعبر موضوعياً عن ميول نكوصية / ارتكاسية على مستوى الوعي السياسي / الاجتماعي ، التي يعاني منها المجتمع لحظة الانحدار والتراجع الاجتماعي في مستوى الوعي العلماني ، و يتقاطع في هذه اللحظة غياب القوى العلمانية وتزايد حدة الاستبداد على المستويين العالمي / المحلي . و يزداد تأثير تنامي امتداد الميول الدينية عمقاً واتساعاً على مساحات الوعي المؤثرة في سياق نموها وامتدادها الأفقي والعمودي نسبياً في مختلف شرائح المجتمع بما فيهم الشباب . وتتجلى هذه الموجة بالتمسك الارتدادي بالأصول الدينية بأشكال سلفية متناقضة مع الواقع الملموس للتطور الحداثوي بشقيه المعرفي والتقاني ، ليتماثل الناشطون مذهبياً مع أشد المشايخ تعصباً وتعنتاً . وبهذا تنتقل شرائح كبيرة من الأوساط الشبابية إلى الحقول الممارسة السياسية بأشكال دينية ومذهبية سلفية ، ويمثل الشباب بنسب متزايدة قيادات وطلائع ووقود هذه الحركات ، وفق مستويات متعددة من الممارسة النظرية للفكر الأصولي السلفي ( التنظير المعرفي ، والممارسة المباشرة من خلال الحركات الجهادية لتكريس المفاهيم الدينية واقعياً وموضوعياً على المستويات الاجتماعية المتنوعة . ) .
2 ــ تراجع المد العالمي والمحلي للفكر العلماني / الحداثي بأشكاله الشيوعية ، القومية .. نتيجة لفشل التجربة السوفيتية والتجارب القومية ،التي اعتمدت الممارسة السياسية الاحتكارية والاحتوائية و الشمولية بأشكال أمنية .
3 ــ تخلع المنظومات القيمية المحدِدة والضابطة للوعي الاجتماعي بالترافق مع تنامي الحركات الجهادية السلفية التي تكرس منظومة قيمية تتناقض وتترابط جدلياً على المستوى العام مع الوعي الثقافي الحداثوي بسماته وأشكاله السلبية (الانحلالية والتحللية ) والإيجابية .
مجموع هذه الأشكال الإشكالية تجعلنا نقف أمام مناخ موضوعي عام لتناقض ٍ ثقافي يتحدد بالتناقض الرئيسي بكونه المحدِّد الموضوعي وفق معطيات سيرورة محددة يمكن اختصارها بأثر الوعي الثقافوي المعولم ، الذي يمثل تهديداً لأشكال الثقافة المحلية ، والوعي الاجتماعي بأشكاله ومستوياته المتنوعة والمتعددة ، ومهدداً بذات الوقت بتحلل الهوية الثقافية التي لا يمكن اعتبارها شكلاً ومضموناً مجرداً و ثابتاً ، بل تخضع في صيرورتها إلى عوامل تغيير ناتج تطور بنيتها الداخلية المنجدلة موضوعياً مع البنية الاجتماعية العامة . ومترابطة بمجمل المستويات المؤثرة في سياق تطورها على تغير وتطور المستوى والأشكال الثقافية المرتبطة موضوعياً بأبعادها وعواملها البنيوية الداخلية الموضوعية بالتأثيرات الثقافية العالمية المعولمة ، والتي تتزايد في حدة تأثيرها منذرة ليس فقط بتراجع مفهوم الهوية الخاضع كما أسلفنا إلى التغيير والتبدل ( من ، في ، إلى ) في السياق المحدد أو السياقات المختلفة والمتنوعة ، لكنه يتحدد الآن بكونه مهدداً بتحلل مفهوم الهوية الثقافية الوطنية بأشكالها ومستوياتها التي يمكن أن تؤسس لمفهوم ثقافة بأشكال ومستويات علمانية متجاوزة لأشكال من الثقافة / السلفية ، الشوفينية ، التقديسية ، الغيبية ، الأصولية .. / ويتناقض جبهياً وبنيوياً في هذا تياران أساسيان هما : الفكر الحداثوي بأشكاله المتنوعة والمتعددة ، والتيارات الأصولية /السلفية.
وفي هذا الإطار يجب أن نؤكد بأن طليعة المجتمع في التغيير والمتمثلة في الفئات الشبابية تخضع إلى عوامل تخريب لهويتها الثقافية داخلياً على مستويين : يتمثل المستوى الأول في سيطرة الوعي السلطوي الذي تحاول السلطات السياسية عبر أجهزتها المسيطرة على تحديده وفق مفاهيم الطاعة ، الولاء ، والتسليم ، والتبعية ، التقديس الشخصاني . ثانياً : يترافق المستوى السابق مع تزايد تنامي ونمو الميول السلفية .
ويتواجه هذين الميلين مع الانفتاح الفضائي وثورة الاتصالات والمعلومات ، التي باتت ترسم أشكال الهوية الثقافية المنعكسة ليس فقط على المستوى المحلي ، بل على كافة المستويات العالمية في سياق من التشابك والترابط تتحدد فيه الأشكال الثقافية بما يتلاءم ويتوافق ويتكيف مع الأطراف المهيمنة عالمياً بمفاعيلها وأدواتها المتنوعة .
ضمن هذا الإطار يتوجب علينا تعيين المفاهيم والمقولات والأشكال الثقافية السائدة ، ليس وفق تجلياتها الراهنة والناتجة عن السيطرة الثقافية بفعل الأسباب والعوامل المحددة داخلياً / محلياً . بل بما يتوافق ويعبّر عن المستوى المتطور والمتغير ( ليس الوعي الثقافي المعولم بأشكاله السلبية ) للوعي الثقافي العالمي الذي بات يفرض ذاته في تعينات وأشكال موضوعية في سياق من الترابط والاختلاف والتبادل والتناقض ، تتجلى فيها بعض أشكال الثقافة العولمية التي يجب التعامل معها بحذر كونها تؤثر بأشكال سلبية على تطوير الهويات الثقافية ، بكونها الأوسع انتشاراً لما تمتلكه من عوامل هيمنة يغيب فيها ويتراجع في سياق سيرورتها المتنامية أفقياً وعمودياً مفهوم الهوية الثقافية الوطنية / العلمانية بأشكالها المتعددة والمتنوعة والمتباينة ، ليتم في سياق هذه الميول تحول مفهوم الهوية الثقافية الوطنية من ــ في ــ إلى وعي ثقافي أصولي / سلفي ، ووعي معولم سمته الأساسية التذرر الاجتماعي.
ويتجسد هذا الميل نتيجة الأزمات والتناقضات الفردية الممثلة موضوعياً لإشكالية موضوعية عامة على المستوى الوطني ، ليترابط في هذا المستوى تشابكياً الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وأشكال الوعي المشكّل لمستويات وأشكال الثقافة عموماً ، والذي يمكن أن يتلاقى بأشكال ترابطية وعبر وسائط متنوعة ولأسباب عدة مع الميل النزوعي المتماهي مع أشكال الممارسة الثقافية الاستهلاكية والإعلامية الهامشية والسطحية المبتعدة نسبياً عن العمق المعرفي القائم والمرتكز على التحليل والتركيب الفلسفي / العلمي ، مجسدة الميول التي تكرس التمسك بالشكلانية في الممارسة الثقافية / النظرية ، والممارسة العملية اليومية ، في التعبير عن مستوى الوعي الثقافي الموضوعي بأشكاله السائدة .
وموضوعيا ً فإن النزوع الفردي والاستهلاكي الشخصاني المتجلي حاليا ً، يترافق مع التحلل النسبي من القيم الأخلاقية التي تمثل وتعبّر عن الروابط الضامنة للتماسك الاجتماعي بشكل عام ، والتي ما نزال نلحظها في الأوساط الاجتماعية المحافظة على منظومة القيم الاجتماعية الأخلاقية . والتي تعبر عن بعض المفاهيم والمقولات والأسس الأخلاقية والاجتماعية السائدة ، والتي تعبر عنها ، وتمثل بعضاً منها السلطة السائدة سياسية كانت أم دينية أو أياً من الأيديولوجيات الأخرى ، عبر أجهزتها التربوية والإعلامية والثقافية السائدة والمسيطرة .
وفي هذا الميل المتراجع للنظم والضوابط الأخلاقية والاجتماعية والتربوية ، فإن مفهوم الهوية الثقافية ينحو باتجاهين :
أولاً : التحلل النسبي من المنظومة القيمية الأخلاقية والاجتماعية الضابطة للممارسات الاجتماعية ، والتحول إلى مجموعة من الأشكال والتجليات القيمية والثقافية والأخلاقية المعولمة غير المعبّرة عن واقع البنى الاجتماعية ومنظوماتها الثقافية ووعيها الاجتماعي ، والتي لا تمتلك إمكانية الضبط المعياري ،لافتقادها إلى التجذر الاجتماعي ، وهي بذات الوقت لا تعبر عن المنظومة الأخلاقية / القيمية الغربية الأصيلة بقدر ما هي تعبيراً وتجلياً عن بعض الأشكال الثقافية والإعلامية والقيمة المبتذلة التي تقود إلى زيادة التحلل الاجتماعي القيمي والثقافي الذي يتجلى ويتمظهر بـــ : ميول استهلاكية ، التذرر والتذرير الاجتماعي ، الجنس ، العنف ، الفردية ..... وفي هذا السياق تغيب العوامل الجمعية المنظمة في أشكالها المتنوعة / المدنية والسياسية .. أمام ضغط عوامل مختلفة :
ــ الضغوط و التحديات الخارجية التي تتجلى من خلال ازدياد الفجوة و التباين في مستوى التطور التقاني والمعرفي وأساليب الحياة اليومية .... الذي يفرض وبالقوة الموضوعية على المجتمعات عموماً والمتخلفة تحديداً انفتاحاً ( نسبياً ، مطلقاً ) تتلقى عبره بعضاً من الأشكال الثقافية و المنظومات القيمية وعادات استهلاكية ومفاهيم سياسية جديدة وإشكالية بذات اللحظة والتي تساهم في رسم وتحديد الميول الجديدة لمجمل التغيرات الثقافية والمعرفية والحياتية .
ــ الضغط الناتج من قبل الأجهزة السلطوية المسيطرة ، والتي تحاول في ميلها المتراجع والرجعي بالمستوى المعرفي والفكري والثقافي أمام التطور الثقافي والغزو الإعلامي الخارجي تأطير الأفراد واحتواءهم وأدلجتهم بمفاهيم ثقافية لا تتناسب مع عوامل وأشكال وميول التطور الموضوعية ببعض أشكالها الراهنة ، وبالتالي فإنها في هذه الممارسة تمثل ميولاً رجعية .
ــ الإشكاليات التي تعاني منها التنظيمات والتشكيلات المدنية / السياسية ، والمتجلية بغياب الديمقراطية بكونها قيمة محدََِّدة ، ومفتاح التغيير على كافة المستويات وبكافة الأشكال ، وتكريس مبدأ الطاعة والولاء والتقديس ...... متماهية بذلك مع بعض الجوانب والمستويات الثقافية السائدة التي تعمل السلطة السائدة على تكريسها والتي تؤسس موضوعياً للاستبداد ، وبذلك فأنها تمارس سياسة انتباذية طاردة للكوادر المتميزة بتفكيرها النقدي ، وهذه الحالة ليست بجديدة على بعض التشكيلات السياسية .
ثانياً : إن النزوع الرجعي يتمثل بأسطع أشكاله وأشدها رجعية وتخلفاً في الميل المتنامي للقوى والتشكيلات المذهبية / الطائفية / الدينية بأشكالها السلفية ، والتي تمثل موضوعياً ميولاً بائدة أمام التطور العالمي ، لكن وبحكم الخوف من التلاشي والاضمحلال وفقدان الهوية أولاً ، وبحكم التفارق الواسع والعميق بين التطور الثقافي العالمي وبين هذه التشكيلات التي تشعر بأنها مستهدفة بمنظومتها الثقافية و القيمية ثانيا ً ، لهذا فإنها تميل بناءً على هذا التناقض إلى بناء التكتلات المذهبية / الدينية الأصولية / السلفية في بعض ٍ من أشكالها ومستوياتها مستفيدة من أشكال وعوامل التناقضات المحلية / الدولية / . و الإشكاليات السياسية والثقافية والقيمية التي يعاني منها المجتمع عموماً و الأجهزة الرسمية التي باتت سمتها الأساسية الفساد والإفساد ، والتشكيلات السياسية والمدنية العلمية المتنوعة ، التي تعاني جملة من التناقضات النابذة والطاردة للشباب ، وبالتالي فإن مجمل العوامل المترابطة والمتشابكة على المستويين المحلي / العالمي ، تفترض تصاعد الميول الدينية / السلفية ، وازدياد تناميها الاجتماعي أفقياً ، وتحديداً في الأوساط الشبابية( المفتقدة للأشكال والأطر السياسية والمدنية العلمانية )عموماً ، مشكلة ً بذلك خطراً على الهوية الثقافية بأشكالها وتجلياتها وميولها الوطنية / العلمانية المتجاوزة ، أو التي يفترض أن تكون متجاوزة لأشكال الوعي الما قبل وطني .
وبالتالي فإن تزايد تنامي الوعي المذهبي / السلفي والجهوي يتناقض موضوعياً مع السياق العالمي / العام والواقع الموضوعي الراهني ، و يشكل ميولاً متخلفة ومتراجعة عن أشكال ومستويات الفهم الديني المعتدل الذي يميل إلى تجاوز إشكالاته وتناقضاته البنيوية مع المتغيرات والتطورات السياسية الراهنة ، وهذه الميول المعتدلة تحاول إيجاد أشكال توافقية ، وفق أشكال سياسية وثقافية تتوافق مع تطورات الواقع بأشكاله ومستوياته الراهنة .
وتمثل الميول الدينية المذهبية بأشكالها السلفية ميولاً متنامية أفقياً ، لكنها مع ذلك ، وفي ذات الوقت تمثل ميلاً رجعياً متخلفاً يعبر عن أزمة عميقة في فهم المفاهيم الدينية التي يتم إدخالها في حقل الممارسة السياسية المتعارض والمتناقض مع قدسية النص الديني بالنسبة للمؤمنين وليس للمتدينين شكلانيا ً والقابعين تحت عباءة الدين لمصالح وأهداف وغايات سياسية ، ويعبر أيضاً عن أزمة عميقة في الخطاب الديني بأشكاله السائدة والمهددة بزوال هويتها أمام تأثير المد الإعلامي والثقافي العالمي والمعولم ، وما هذا التمدد والانبساط إلا تعبيراً عن أزمة قديمة بأشكال متجددة يعاني منها المجتمع ، والتي تعبر عن انعكاس وتجلي لأزمة السيطرة السياسية للفئات المسيطرة ، والفئات الشبابية خصوصاً بفقدانها الأمل في المستقبل ، نتيجة جملة من العوامل الموضوعية والذاتية المحلية / والدولية ، والناتجة عن الأزمة الاقتصادية والسياسية المؤثرة بترابطها الموضوعي على كامل المستويات الاجتماعية وأشكالها المشكِّلة والمكوِّنة لأزمة عامة وشاملة ، مركبة ومتراكبة . وعليه فإن الأزمة الثقافية بأشكالها المطروحة والناتجة عن تراجع وغياب نسبي للمؤسسات والجمعيات والأحزاب العلمانية الموضوعية وتنامي المد الديني السلفي في الأوساط الشبابية تعبر عن أزمة موضوعية راهنة لحظية يُِفترض تجاوزها في سياق التطور الموضوعي للواقع الموضوعي الراهن بأشكاله الحالية المحلية والدولية من خلال العمل على تفعيل وتطوير أشكال ممارسة ثقافية ومدنية وسياسية أكثر تقدماً وتطوراً تكون فيها الديمقراطية المتطورة في سياق التطور الاجتماعي القيمة الأساسية ، ويكون فيها الفرد هدفاً وغاية ، ويكون فيها الوعي عموماً والأشكال الثقافية خصوصاً تعبيراً عن أفاق واقع جديد متجاوز بالممارسة النظرية النقدية كخطوة أولى الأشكال الأيديولوجية بأشكالها السائدة الرسمية وغير الرسمية ، والأشكال التي كانت سائدة والتي يحاول حتى الآن رموزها المؤدلجين استعادة الحياة إليها .
لكن وبحكم التطور الموضوعي فإن التناقض والتنازع الثقافي على أساس تعدد البنى والأشكال الثقافية المتباينة والمتناقضة أحياناً سوف يحسم بشكل أو بآخر في سياق التطور الموضوعي المتحدد بناءً على موازين القوى المعبرة عن الهويات الثقافية المهيمنة ، من دون أن يعني هذا الفقدان النهائي لمفهوم الهوية للهويات المتراجعة أمام المد الثقافي بأشكاله المعولمة ، أو الاضمحلال والانتهاء الجيو قيمي لمجموع النظم القيمية الموجودة ، بقدر ما يعني تراجع فاعليتها على مستوى الوعي الاجتماعي .
وهذا يدلل على أن تنامي الميل الديني بأشكاله السلفية في لحظة معينة لا يعني في سياق التطور الموضوعي العام إلا خطوة إلى الخلف سرعان ما يتم تجاوزه بخطوات في سياق التطور الموضوعي الحضاري المتساوق مع مستوياته العامة المعبرة عن قوانين التطور الاجتماعي العامة والأساسية ، لأن الميول السلفية لا تعدو أن تكون ميولاً رجعية وتراجعية يحاول أفرادها والقيمون عليها المحافظة على تصورهم لماض ٍ في أذهانهم و يحاولون عبثاً استعادته لكن التاريخ كما نعلم لا يعود القهقرى ، فكيف إذاً في حالة يتم فيها تصور وضع اجتماعي ومرحلة اجتماعية من التطور التاريخي لم يكن لها وجود موضوعي مطابق لما عليه هو الآن في المخيال الذهني والتصوري للفرد الذي يحاول القياس عليها ، فإن الأزمة سوف تكون أشد عمقاً . ويترابط هذا مع تسارع وتيرة التطور والتغير والتبدل التي لا تترك مجالاً للرجوع خلفاً أو حتى الوقوف في المكان .
إن مفهوم الهوية الثقافية كأي مفهوم اجتماعي آخر .. معرضة للتغير والتبدل بما يتناسب مع الشرط العام ،وليس بمقدور أياً يكن المحافظة على شكل محدد ومنمط وثابت للهويه أو أياً من الأوضاع الاجتماعية لأنها وبالعموم خاضعة للتغير والتطور .....
وإذا قلنا بأن سمة المجتمعات المتخلفة الثبات والمحافظة على الأشكال الماضوية والتاريخية خوفاً على وجودها المتجسد والمتجلي بهوية محددة ، وفق أشكال ماضوية ورجعية بائدة أمام رياح التغيير ، وكذلك بعض التجارب الراديكالية التي تمثلها الأحزاب الثورية لحظة وصولها إلى دفة السلطة بميلها إلى المحافظة على ذاتها وعلى وجودها من التغيير والتغير في سياق تحويلها لأدواتها المعرفية إلى أيديولوجيا دوغمائية جامدة ، كذلك ينطبق الأمر على فكر الفرد الذي يمثـّل انعكاساً مفهومياً موضوعياً لهذه الأنساق المعرفية والسياسية عند شيخوخته تحديداً ، فنراه يعيش على ذاكرته ، وعلى استراجع تاريخه باستحضاره الدائم إلى الذاكرة في لحظته الراهنة ، والحنين إلى ذاك الماضي الذي يحاول المحافظة عليه وعلى تاريخه من الضياع و الفقدان ، وتجسيده بأشكال متجددة تكون السبب في سيرورته المتوازنة راهنيا ً ، وبالتالي فأنه بقدر ما يحافظ على ذاك الماضي المزركش حتى لو كان تعبيراً عن سلسلة من الهزائم فأنه يحافظ على هويته الراهنة . و كما هو واضح فإن الواقع المتسم بالهزائم والخيبات والإنكسارات يفترض الحنين إلى الماضي واستحضاره بشكل دائم من خلال تصويره على أنه تاريخاً متمايزاً ومتميزاً بتطوره عن ما هو راهن ، وذلك لتحقيق الاستقرار والتعايش مع اللحظة الراهنة .
أما الشباب فأن ماضيهم الذاتي والشخصي نسبياً لم يتشكل ، والحاضر لا يعدو أن يكون لحظة تحول وانتقال للمستقبل الذي لم يتحقق بعد . ولكون الشباب صورة الحاضر في المستقبل ، فإن من المؤسف أن نرى مستقبلنا ومستقبل مجتمعاتنا مزرراً ومشتتاً بين أشكال ثقافية استهلاكية مفرغة من مضامينها القيمية الأخلاقية والعلمية الإيجابية متجلية بأشكال من ثقافة ووعي يهيمن عليها التسيب الأخلاقي والقيمي المتجلي بأشكال متعددة ومتنوعة ، تتنازعها الميول الدينية والمذهبية والإثنية والجهوية والطائفية المؤدلجة بأشكالها السلفية الأصولية المتشددة / والعنفية أحياناً ، وبعض التشكيلات السياسية والثقافية العلمانية شكلاً ..... لتبقى السلطة المسيطرة بفعل أجهزتها المتعددة الطرف الأقوى والأبرز في سيطرتها على البنى الاجتماعية .
وعليه فإنه من الصعوبة بمكان تجاوز الأزمة الراهنة في أوساط الفئات الشبابية بتوجيهات وتعليمات وبرامج محددة ومصاغة سلفاً ، لتبقى المهمة الأساسية والمركزية تتمحور في تجاوز الأطر الأيديولوجية الأصولية / السلفية ، والتأكيد على ضرورة التربية العلمية الديمقراطية المتحررة من القيود الغيبية المطلقة والدوغمائية ... في سياق العمل والاشتغال على رسم توجهات لمنظومات وأنساق معرفية يساهم فيها الشباب أنفسهم لكونهم الأقدر على رسم وتحديد أشكال مستقبلهم عندما يكونون أحراراً من الغيبيات ومن الاستبداد والاحتواء ومن الأدلجة المزيفة ، ومن الظلامية والقدرية وكافة القيود المفروضة على حرية الفكر .
ويترابط هذا موضوعيا ً مع التحرر من كافة الأشكال الثقافية التي تحاول الجهات الدينية وباقي الجهات الأيديولوجية والأجهزة الرسمية فرضها على الفئات الشبابية في سياق التأطير والتنميط والتعمية .
إن الممارسة النظرية والسياسية المؤدلجة بأشكالها الراهنة تحاول عبثاُ أن تعمي بصيرة الشباب وأفراد المجتمع عموماً عن عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية .... التي يعاني منها المجتمع ، وبالتالي فإن تحقيق أو الاشتغال على تحقيق الأمل في مستقبل متحرر من ربقة وهيمنة الماضي بمفاهيمه السلفية المعيقة ، والتي تحاول بعض المؤسسات استحضارها الآن ، تشكل في مجموعها أشكالاً من الإعاقة التي ترسم وتحدد أشكال ومستويات الأزمة الراهنة ، والمترابطة بأشكال ومستويات متباينة ومختلفة مع أزمة الهوية الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفردية المهددة من الخارج ، يمر بالضرورة من ممر التحرر الاجتماعي العام ، وعلى كافة المستويات الاقتصادية ، السياسية ، الثقافية .....
وبالتالي فإن التحرر الشخصي والفردي والاجتماعي من قيود الماضي السلبية و المعيقة هو الخطوة الأولى في إنضاج الحاضر ورسم تفاصيل المستقبل ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بمفاعيل شبابية تمتلك عقولاً منفتحة ومتحررة ، مفتاحه الاعتراف والإقرار بأن الديمقراطية قيمة مطلقة ، ووسيلة مفتاحية وأساسية لأي شكل من أشكال التغيير الذي يقوم على الاعتراف بحقوق المواطنة و إطلاق الحريات السياسية وضمان الأمن الفردي والشخصي من غوائل المستقبل ومن تحكم الأجهزة الأمنية .



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة في تجلياتها السياسية والاقتصادية/ تعقيب على نتائج الل ...
- جدلية العلاقة بين الداخل والخارج
- ناشطو مناهضة العولمة في سوريا :واقع وآفاق
- ما العمل
- الجزء الأخير : نقض النقد : متابعة الحوار مع : السيد فؤاد الن ...
- الجزء الثالث : نقض النقد : متابعة الحوار مع : السيد فؤاد الن ...
- الجزء الثاني :نقض النقد : متابعة الحوار مع السيد : فؤاد النم ...
- الجزء الأول :نقض النقد : متابعة الحوار مع السيد فؤاد النمري
- حول نداء اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين
- إصلاح القطاع العام أم خصخصته
- مرة أخرى : الماركسية والماركسيون - تعقيب على الإستاذ فؤاد ال ...
- الماركسية والماركسيين
- إضاءات على الأزمةاللبنانية
- نحو مجتمع مدني - ديمقراطي - عراقي
- نقد الوثيقة الأساسية لتجمع اليسار الماركسي _ تيم
- ضرورة اليسار -- بمناسبة الأول من آيار
- الجزء الثالث تحولات المنظومة القيمية
- الجزء الثاني - تحولات المنظومة القيمية
- الجزء الثاني --- تحولات المنظومة القيمية
- تحولات المنظومة القيمية


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتز حيسو - إشكالية الوعي الشبابي