أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى أحمد التكموتي - قراءة في رواية * أحلام فوق النعش * للكاتب المغربي محمد التطواني















المزيد.....


قراءة في رواية * أحلام فوق النعش * للكاتب المغربي محمد التطواني


فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة


الحوار المتمدن-العدد: 2084 - 2007 / 10 / 30 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


استهواني عنوان الرواية * أحلام فوق النعش * لكاتبها محمد التطواني , المغربي الموطن , كنت في الوهلة الأولى , لما أخذت الرواية في يدي أتأمل فيها الرسم على غلافها الذي يعبر فيه عن البحر وماذا يحوي في طياته , خاصة تلك الظاهرة التي يعرفها المغرب كسائر الدول العربية , التي شب شبابها على فكرة الهجرة ما وراء البحر , لإيجاد رغيف العيش , والحياة الهنية , التي ستحمل معها كل أمل ضائع تاه وسط البطالة في وطن من الأوطان العربية , التي يكثر فيها الشباب عن الشيب , وعدم وجود أي أمل حتى ولو كان سرابا في وجود عمل داخل أرض الوطن , متوسلين بذاك الأمل ومتشبتين به إلى نهاية العمر , فإما أن يكون أو أن لا يكون , أمل فيما وراء البحر , حياة أو موت , ذاك هو الرجاء المتنى في داخل كل شباب المنطقة العربية الذين فقدوا الأمل في أوطانهم , سابحين بأحلام اليقظة والنوم أملا فيما وراء البحر , والمغرب كسائر الدول العربية الذي سكب الخالق فيه روعة جمالية طبيعية وجهتان بحريتان على ضفاف المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط , شبابه الذين يعدون أكثر نسبة الساكنة فيه , والعمل مفقود مطلقا بين جوانح أقسام الوظيفة العمومية أو حتى كانت الخاصة منها , فالغلاف دال لا محالا على قوارب الموت التي تحمل في كل يوم بل في كل ثانية شبابا له قدرات خيالية في العمل , ذهب أمله في وطنه وفقد الثقة فيه , متجها إلى الضفة الأخرى منه , إلى ما وراء البحر , حاملين ذاتهم وأنفسهم بين مجاذف القوارب فإما أن توصلهم إلى الضفة الأخرى حيث تحقيق الأمل , وإما رجوعهم إلى وطنهم بأكفان بيضاء أو حتى بدلة من البلاستيك الأسود إلى بيوتهم تلكم هي الفكرة التي تدور حولها هذه الرواية * أحلام فوق النعش * .
ابتدأ الكاتب * محمد التطواني * في روايته بمقدمة استهل فيها عن طريقة كتابة هذه الرواية التي اعتبرها أنه خرج عن المألوف الحكائي للرواية , لكي لا يقع في متاهات الكتابة كما ذكر , فقد لجأ إلى طبيعة السرد الحكائي الطبيعي التلقائي , الذي يعايش ظاهرة واقعية , تعانق الواقع بأحضان تائهة بين الفرح ومرارة العيش , وحتى لا يمل القارئ العربي عامة والمغربي خاصة عندما يتناول هذه الرواية قصد قراءتها , في زمن انعدم فيه القارئ للكتاب بكل معنى , سوى ما فرضته الظروف إما في الدراسة الأكاديمية التي تستوجب قراءة الكتب والبحث والتنقيب , أو عند الهواة بل العاشقين لقراءة الكتاب من أي نوع كان , وهذا الأخير انعدم وأصبح ندرة الندرة في عالم العولمة , الذي اتخذ فيه شعار : السرعة , والوصول بدون معاناة , هذا بالنسبة للقارئ العادي البسيط الأفق , أما بالنسبة للناقد الذي يقف عند كل حرف وكل جملة من وصف وسرد حكائي للحدث , فإن الكاتب تنازل له عن هذه الأعمدة التي تشترطها كتابة الرواية , حتى يعطي ساحة شاسعة بل ليرسم القارئ سواء أكان عاديا بسيطا أم ناقدا سيناريوهات حسب ما فهمه وحسب تجاربه وهذا بالضبط ما ذكره الكاتب في مقدمة الرواية .
فالكاتب أراد من هذه الرواية , أن يعانق الواقع بكلما يحويه من تناقضات , فرح ومرارة العيش والبحث عن البديل للحياة لا للموت , بدلا من المثالية التي ذهبت في ريح أتيت من زمن أفلاطون أو حتى من كرم الطائي , فهي أضحت أحلاما واهية , نصنعها عندما نريد الهروب من الواقع , أو حتى عندما نمل كلما يدور حولنا من طقوس عبادة المادة , فننهض مسرعين إلى تلك اللحظات التي يعيش فيها فكرنا في خلوة ذاتية مع نفسه , لكنها تبقى لفترة قصيرة جدا أقرب من لمح البصر , ولكن الواقع المعاش المرير يرغمنا في الدخول والغوص فيه وحتى التيهان إلى درجة الذوبان فيه وفقدان الأمل في الوجود , وهنا استرأى الكاتب أن يضع روايته في قالب واقعي يعالج ظاهرة البحث عن الكيان في الضفة الأخرى أو الموت على ضفاف نهر الآمال والأحلام , فماهي الأحداث التي تناولها الكاتب في روايته لسرد هذا الواقع ؟

ملخص الرواية

ابتدأت الرواية كخبر سقط على ألسنة أناس بسطاء يرددون بينهم هذا الخبر : * ماتوا جميعا غرقى ... واستقرت أجسادهم في بطون الحيتان بعد أن كفت سواعدهم عن التجذيف * .
فبهذا الخبر الذي تناقلته الألسن , لم تهنأ إلا أن تسقط اللوم والعتاب , إن لم يكن هناك سخرية من أعمدة الصحف التي تركت فراغا تنعي فقط هؤلاء الذين ماتوا غرقى ... بصورة إنسانية , وتحسر عليهم لما أكلت الردى أنفسهم ... !!!!!!
والمسؤولون في الضفة الأخرى أخذوا احتياطاتهم بكل الوسائل المشروعة لديهم لعدم تسلل أحد الباحثين عن لقمة العيش إلى أرضهم .
وتبدأ الرواية تأخذ منحى آخر عندما يسرد الكاتب قصة فتاة * فاطمة * جامعية المستوى , لما وصلها هذا الخبر , بعد أن تاه عقلها وقلبها في قصة حب رماها إلى متاهات غيابه جب الذات , وأغرقها في أملها الذي تحطم بين صخور البحر وأذهب بحبيبها إلى الموت . الحزن والبكاء رفيقاها , فلا الحكمومة ولا الشرطة سيعوضانها ما يخالج صدرها وما سارت إليه .
فحبيبها * عبد القادر * لم يسافر على متن القارب كما وعدها !!!!!! إنه سافر بطريقة شرعية ؟ ! إذن فهو لم يمت . هذا ما قالته لنفسها , إلى أن ذهبت بها جميع الافتراضات إلى وقوع الأسوء في حياتها , هنا هاجر وفارق * عبد القادر * * فاطمة * , حبه الذي وعدها أنه بعد عودته وتحقيق أمله بالزواج بها , فلم يتوقف تفكيرها , يذهب يمنة ويسرة تائهة في عالم ذاتها التي تقول لها : * ... الأيام تمر , والبطن إلى الأمام يندفع ومئات الألسن لا ترحم ... * .
تتغيب عن حضور محاضرات الكلية , خشية من ألسنة زملائها وهي في شهرها الثالث , هنا قررت الإقامة مع زميلتها * حنان * , التي عاشت نفس ظروفها ولكن توجت في الأخير بالزواج .
كانت ل * فاطمة * خالة * مريم * , تزورها مرة في الأسبوع , تقدم لها أعذارا بسبب إقامتها مع زميلتها بدعوى أن لها دروس المقرر والامتحان على الأبواب , لكن هذه كلها إرهاصات وأكاذيب تحاول فيها تضليل خالتها , خوفا من معرفتها الخبر , خبر حمل فاطمة , هذه الأخيرة التي فقدت أبويها في حادث سير مفجعة , وعاشت مع خالتها التي هي الأخرى مات زوجها و تساعد نفسها على البحث عن رغيف العيش ببيعها أثوابا في السوق الشعبي لكي تغطي مصاريفها و مصاريف ابنة أختها التي أخذتها ابنة لها , موفرة لها كلما تحتاجه لإتمام دراستها .
وعندما قربت لحظة الوضع , وبين الفينة والأخرى يزورها المخاض , وهي في بيت زميلتها * حنان * قررت أن تقول كل شيء لخالتها , فهرعت بالخروج من البيت الذي آواها طيلة فترة الحمل , وما أن دخلت أجواء الحارة التي فيها مسكن خالتها وجدت أناسا محاطين بالبيت كبارا وصغارا , نساءا ورجالا , هنا كانت الفاجعة , موت خالتها , بعد مرور ثلاثة أيام حيث طفحت ريح كريهة من البيت , اكتشفها صاحب الدكان الذي كان يبيع أزرار الأقمشة لخالتها . في ظل هذه الأجواء صرخت * فاطمة * صرخة مدوية تجمعت حولها نسوة الحي , وكانت من بينهن * مولدة * , فقالت لهن إنها حامل , تساءلت النسوة فيما بينهن عن مكان زوجها حتى يخبرنه .... !!!!!!!!
وضعت * فاطمة * بعد أن أقيمت الجنازة من طرف سكان الحارة , وإقامتها في منزل صاحب الدكان هو وزوجته , فقررت بعد إتمام أسبوع من شفائها الرجوع إلى بيت والديها مع ابنتها التي وضعتها * زينب * , وهنا دخلت الرواية إلى بؤرة التشابك .
انتقلت هذه السيدة التي كابدت المحن رغم صغر سنها منزل والديها إلى مدينة * القصر الكبير * , تعرفت على راهبة عجوز , تنحدر من أصول إسبانية , وفدت إلى المغرب في عهد الحماية 1933 , ربطت بينهما صداقة حميمية , وحكت * فاطمة * لهذه الراهبة * روزا مارتينك * حكايتها , فاقترحت عليها العمل , خاصة وأنها على أبواب التقاعد * الراهبة * , في المشفى الذي تعمل فيه كممرضة , في مقابل أن ترعى هذه الراهبة العجوز ابنتها * زينب * , وبعد تفكير قوي , قررت * فاطمة * العمل , وتركت ابنتها في أحضان الراهبة الاسبانية , في تلك الأثناء , كان هناك شاب يراود السيدة الصغيرة كثيرا , طلبها للزواج بها , لكنها كانت تمتنع دائما , لأن قلبها لازال يذكر شخصا اسمه * عبد القادر * , وأنه لم يمت , وسيأتي يوما ويتزوجها ويأخذها وابنتهما معه حيثما يكون , استمرت هذه الفكرة معها حتى وصلت ابنتها سن الرابعة عشر , حيث رأت أن شبابها سيضيع في التيهان وراء شيء نسي مع قسوة الزمن عليها , والمسؤولية كل المسؤولية على عاتقها , هنا تحولت بالتفكير الجدي للارتباط , فكان ذاك الشاب * حميد * الذي كان يعمل في نفس المشفى الذي تعمل فيه من نصيبها الذي أخذته بمحض إرادتها . ولما وصلت ابنتها للالتحاق بالمرحلة الجامعية , طلبت الراهبة من * زينب * لمرافقتها إلى * مدريد * حيث مسقط رأسها , وكانت * زينب * مترددة كثيرا , كيف تترك أمها التي وضعتها وسكنت تسعة أشهر في أحشائها وبين أمها التي نهلت منها التربية الحقيقية والحنان والعطف , فالاختيار كلاهما مر , أخذت رأي والدتها * فاطمة * فكانت حكيمة الرأي في القرار الذي اتخذته تجاه مصير ابنتها , فوازنت بين مستقبل ابنتها في وطنها ومستقبلها على الضفة الأخرى , خاصة وأنها سستخرج كمترجمة بعد حصولها على الشهادة العليا الجامعية , وأنها ستشتغل في قصر العدالة عندما تعود إلى وطنها , كما فكرت إن بقيت ابنتها في وطنها فالدراسة الجامعية مصاريفها كثيرة جدا وهي غير قادرة عليها , هنا وافقت الأم * فاطمة * على سفر ابنتها مع الراهبة إلى مدريد .
وصلت * زينب * مع الراهبة * روزا مارتينك * , إلى الديار الإسبانية , وقد قامت هذه السيدة العجوز بتسجيل عقد البيت الذي تملكه ل * زينب * , وهاجرت إلى الدير في خدمة الرب , وبقيت * زينب * لوحدها , تسكب وحدتها في بيت كله سكون قاتل , ووحدة مريرة , لكن عزاؤها كله تفرغه في الدراسة , تتصل دائما بأمها التي ربتها * الراهبة * , ووعدتها بقدوم عيد ميلاد المسيح أنها ستزورها , ويذهبان معا إلى الدير , في هذه الأثناء تعرفت * زينب * على فتاة اسبانية في معهد اللغات * بيترا * التي استدعتها يوما لشرب القهوة , وما إن جلستا حتى لحق بهما شاب اسباني يدعى * رامون * قدمته لها * بيترا * على أنه رسام محترم , يمتلك صالون للفن التشكيلي , ولوحات لكبار الرسامين العالميين , هنا انقبضت * زينب * تاركة إياهما في المقهى بدعوى أن لها أشغال كثيرة تريد القيام بها , فتسللت منهما بهدوء .
وعند مجيء اليوم الذي ستزور فيه الراهبة * زينب * للذهاب إلى الدير, استيقظت باكرا , وهي تنتظرها , تذهب جيئة وذهابا بفكرها تتساءل عن سبب تأخر الراهبة عنها , وفي سكون البيت الذي تسكن فيه , قررت الخروج والبحث عنها إلا أنها لا تعرف إلى أين ستذهب و لا تعرف مكان هذه الأم الحنونة التي عطفت عليها , وفي الأخير قررت الذهاب إلى أي دير وهناك سيعرفون هذه السيدة العجوز * روزا مارتينك * , وفي طريقها صادفت أخت الراهبة * ماريا * الآتية من قرطبة , حيث كانت تريد أن تقضي مع أختها * روزا مارتينك * , عطلة عيد الميلاد المجيد , وذهبتا هما الاثنتين إلى الدير التي توجد فيه الراهبة , فكانت المفاجأة سيدة الموقف هناك , ماتت الراهبة , وتركت * زينب * في هذه المدينة لوحدها , وفي ذاك البيت الذي يدل على السكون القاتل والوحدة المميتة كصاحبتها التي دفعت حياتها كلها في خدمة الرب والقديسة مريم والمسيح . كانت الصدمة ل * زينب * أكبر صفعة أخذتها لما وطأت قدمها إلى هذه البلاد الغريبة عنها بكل المقاييس , حاولت أن تتأقلم مع الوضع الجديد لها , فانكبت على الدراسة و التردد على المكتبات , تعرفت على * عاطف * , من أب مغربي وأم اسبانية , ربطت بينهما قصة حب امتلأ فيها الحب ذات * زينب * رغم معرفتها لقصة والدتها التي وضعتها , والأب المجهول أو التائه أو حتى المفقود أو الميت , لم تكثرت بقصة أمها وأخذ العبرة منها , فذهبت مع هلوسات ذاتها وعواطفها , حتى جاء ذات يوم وذهبت معه إلى البيت فتعرفت هناك على أمه * صونيا * , وأب * عاطف * المغربي الذي يدعى * أبي * , وهنا صارت العلاقة بينهما أعمق خاصة بعدما وعدها بالزواج , لكن حالة أبيه الصحية وضعت حاجزا منيعا للزواج , فاقترحت * زينب * على * عاطف * الذهاب إلى المغرب , وهناك يتزوجان ولكن بعد موافقة أب * عاطف * على هذا الاقتراح , خاصة وأنه سيقوم بإجراء عملية في اسبانيا , فوافق الأب اقتراح * زينب * وبارك لهما الزواج .
رجعت * زينب * و * عاطف * إلى المغرب بعد أن قامت * فاطمة و زوجها * حميد * بواجب الضيافة , لكن الابنة الخجولة * زينب * قدمت * عاطف * لأسرتها على أنه طالب معها , لكن الأم * فاطمة * أحست أن هناك شيء أكبر من تلك العلاقة التي تربطهما في الدراسة , فخافت من كلام الناس , وكيف سيتقبلون أن ابنتها أتت بمن تحبه إلى أحضان أسرتها , بل كيف ينظر زوجها * حميد * إلى تصرف الابنة الخجولة ولأمها التي تزوج بها ......... ؟؟؟!!!
بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك , أن تكون ابنتها قد ارتكبت نفس خطأ أمها , فقررت فتح الموضوع مع الضيف * عاطف * وأن تحط الأمور في نصابها , وما إن فتح الموضوع , حتى رن هاتف * عاطف * الخلوي يخبره بأن أباه مات , في هذه الأثناء , فكرت الأسرة * فاطمة , حميد * إلى جانب * زينب * أن يرافقوا * عاطف * إلى اسبانيا , ويقومون بواجب التعزية , لكن المفاجأة هذه المرة كانت صاعقة , كانت أقوى من فكرة الخيال أو التصور , تفاجأت * فاطمة * أن الأب المتوفي هو ذاته * عبد القادر * , والد * زينب * , فرجعت بها الذاكرة إلى الوراء مع دموع الحسرة والندم عن حياتها التي أفقدتها احترام نفسها , وعن الضحية التي تركتها بدون قصد , وعن ذاك الشخص * عبد القادر * الذي وعدها بما لا يملك أن يوفي به , كانت تنتظره حيا وهو الآن أصبح ميتا , تاركا وراءه أكبر فاجعة هزت كيان * فاطمة * , فقررت قبل الرحيل , أن تترك رسالة ل * عاطف * تعرفه قصتها مع أبيه , والرابطة التي تربطه ب * زينب * , تدعوه فيها للابتعاد ريثما تقول المفاجأة الصاعقة لابنتها , ف * زينب * و * عاطف * إخوة من أب واحد , جمعهما الحب فصارا عشيقين !!!!
!!!!!!!!!!!!!


تحليل الرواية

نرى من خلال سرد الرواية التي قدمها الكاتب , سلط الضوء على حلم كل فتاة بما يخالج ذاتها , من بحث عن الحب والاستقرار الأبدي , مع الحبيب الذي سكن الفؤاد قبل العقل , وعن الشباب الذي يبحث عن رغيف العيش في وسط فقدان الأمل داخل وطنه والهروب إلى الضفة الأخرى منه , تاركا وراءه أملا آخر ينتظره أو بالأحرى ضحية تنتظر مجيئه غافلة أن من يذهب إلى ذاك المكان ويفعل ذاك الفعل لا يرجع البتة , كما قام بسرد وتصوير أفكار سكان الحي , والثقافة التي يحملونها من تقاليد وشيم معروفة لديهم * حضرت القيم العليا والشهامة المغربية , ونزلت رحمة الله , وانشغلت النساء , يتسابقن لفتح بيوتهن , ونقلت فاطمة إلى بيت إحدى الجارات , ريثما تلد *.
كما لم ينس الكاتب استحضار التاريخ المغربي خاصة عهد الحماية الاسبانية على شماله والتي كانت سنة 1933 , و صرح ضمنيا أن الذين كانوا يتواجدون فيه هم من الاسبان بكل شرائحهم حتى منها الدينية , وهنا قام الكاتب بتسجيل بل كأنه يؤرخ تاريخ هذه المنطقة بل وتاريخ المدينة * القصر الكبير * التي تعتبرمن أعرق المدن المغربية، حيث تذهب بعض المراجع إلى أن المدينة كانت محتلة من طرف الفينيقيين و كان هناك اتصال بالقرطاجيين و خاصة عبر نهر لوكوس، و كانت تسمى في عهد الرومانيين ب * ابيدوم نوفوم * و تعني القلعة الجديدة ، و قد وجدت شواهد قاطعة على ذلك تتمثل في أخجار ونقائش , ونقد روماني , أثناء إصلاح المسجد الأعظم , حيث وجدت نقيشة مكتوبة باللغة الإغريقية , كانت في عهد الموحدين والمرابطين , معبرا للمجاهدين للدفاع عن الإسلام في الأندلس , وبني فيه سور وبعض القصور، و أصبحت قلعة جهادية، أما في عهد المرينيين فقد حظيت باهتمام بالغ، حيث أنشئت فيها عدة منشآت علمية منها: المدرسة العينانية ، و ازدهر فيها العلم وزارها ابن خلدون . كما أصبحت مدينة * القصر الكبير* في القرن 16 من أهم المواقع والقلاع ضد الاحتلال الأجنبي , ولعل معركة وادي المخازن الشهيرة خير دليل على ذلك، كما ان منذ بداية القرن 16 عرف أنشطة اقتصادية وتبادلا تجاريا في السلع بين الداخل والخارج , حيث كانت المواد تتجمع فيها وتصدر عبر العرائش وطنجة , وتحتوي مدينة * القصر الكبير* على عدة مآثر تاريخية تتمثل في الزوايا والأضرحة والمساجد والقصور والأسوار .
ويعتبر المسجد الأعظم متحف المدينة للهندسة المعمارية والزخرفية , والطابع الذي يمتاز به ففيه نقاش رومانية وإغريقية وفيه أيضا الطابع الإسلامي . وتعتبر هذه المدينة * القصر الكبير * مدينة تاريخية وأهم المعارك التي سجلها التاريخ معركة وادي المخازن .
هذه المدينة بكل أصالتها , تعرف الآن في عصر العولمة انقطاع في التيار الكهربائي , الذي يصيب كل أجواء المدينة , وهنا يشير الكاتب بسخرية كبرى في هاته الجملة * مدينة القصر الكبير بكاملها كالعادة يصيبها قطع في التيار الكهربائي * !!! , هنا يثير الكاتب نقمته على أن أبسط الأشياء لا تملكها هاته المدينة , ومن بينها المرافق الترفيهية , ويظهر من هذا الوصف الذي قدمه الكاتب في روايته* للقصر الكبير* تحسره على هذه المدينة العتيقة التي ولد فيها , ويكن لها الحب الكبير , أنها ليست في أيدي آمنة من الذين يقومون بحراستها وتسييرها في إطار المجلس البلدي لمدينته !!! تظهر لنا هنا شخصية أخرى للكاتب , شخصية السياسي وشخصية المواطن الذي يغار عن وطنه بداية من المدينة التي ولد فيها إلى الوطن الأم , وما الذي يجب أن يكون في الشخص السياسي الساهر على حماية المدينة ورقيها , سخطه هنا يوجه بصورة كبيرة إلى من بأيديهم السهر على رقيها * المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير * . دون أن ينسى أن يقوم بمقارنة بين * القصر الكبير * و مدينة * طنجة * المكان الذي فيه جميع أنواع االرفهيات والتسلية , فهي * مدينة دولية بامتياز * فيها من يبيع ... وما يباع ... ومن يباع ... هنا يتضح أن الكاتب ليس فقط يكتب ويسرد أحداثا بقدرما يسجل تاريخا ....
كما أنه وصف الجزيرة الخضراء , وصفا دقيقا , ذكره على الفور * طارق بن زياد * الفاتح البربري الذي أدخل الإسلام إلى هذه المنطقة من المغرب , و كذلك الشاعر * ابن زيدون * الذي جمع في شعره روعة الأسلوب العربي وترانيم الأندلس , بقصائد أندلسية خالدة , فهذا الرجوع بالتاريخ من طرف الكاتب لهذه المنطقة * الجزيرة الخضراء * يرجع بنا لتحسره وتحسرنا نحن معه على تاريخ الأندلس وفقدانها منا بعدما كانت لنا مفخرة أصبحت لنا الآن مذلة ...
وعندما تطرق الكاتب في روايته , لتلك الاسبانية التي تعرفت عليها * زينب * وعلى ذاك الشاب السباني الذي اقتحم خلوة * زينب * مع زميلتها * بيترا * لما كانتا في إحدى مقاهي مدريد , هما في الحقيقة الإغراءات التي تواجه أي شخص التحق بالغربة بكل ما فيها من بعد عن أحضان الوطن والأسرة , بدءا من الحياة الصاخبة إلى الضياع المطلق , وما كان الموقف الذي اتخذته * زينب * من الزميلة والشاب الاسبانيين إلا أحد الركائز والقيم التي تسلحت بها * زينب * لمواجهة الحياة , رغم أن التربية التي أخذتها هي من راهبة اسبانية المولد والنشأة , إلا أنها أبت أن أخذت بدون شعور جرعة المبادئ والقيم السمحة في دينها الإسلامي الذي لم تتخلى عنه حتى وأنها في أحضان خادمة الرب والقديسة مريم وعيسى , ولم تنغرس في الطقوس الدينية لمربيتها , مع احترامها لدين الراهبة , هنا يطلعنا الكاتب أن الدين الإسلامي هو دين تسامح واحترام , يقدس دين الآخر كيفما كان , وهذه هي الصورة الحقيقة للإسلام , وإسقاطها على من حمل هذه الأفكار وترجمتها حتى صارت رواية .
ولم يترك الكاتب وصف البيت الذي كان لبطل روايته في اسبانيا * منزل عاطف * الذي مزج بين الأتاث الأوربي والعربي والمغربي , هنا يحيلنا إلى التزاوج الذي وقع , في تاريخ الأندلس , إلى الثقافة العربية الإسلامية التي تمتزج بين حضارة الشرق بحضارة الغرب , وحضارة المغرب الذي هو جزء من القطر العربي , في هكذا منحى يتحسر الكاتب ونحن معه عن الأندلس و عن أندلس العرب في التاريخ الماضي , وأندلس الغرب في الحاضر .
بهذه القراء في رواية * أحلام فوق النعش * لكاتبها * محمد التطواني * , وللنهاية التي وضعها لما وصلت روايته إلى بؤرة التصادم والتشابك و مع عنصر المفاجأة ينبه الكاتب بل أنه يدق جرس الخطر على كل من يفقد كرامته وشرفه , داخل وطنه , باحثا عن أمل أو حتى سراب في الضفة الأخرى منه , فلا بد أن يترك وراءه ضحايا , وأول هؤلاء الضحايا يكون الأبناء الذين لا وزر لهم إلا لكونهم أبناء , أو زوجات معلقات ماهن بزوجات أو مطلقات , أو بأنفسهم إما وصولهم إلى مأرب الأمان وتحقيق أحلامهم أو رجوعهم بأكفان بيضاء إلى أوطانهم .



#فدوى_أحمد_التكموتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص بدون عنوان
- كآبة الذات
- ثورة سجين
- سر الهوى
- نسيج أروقة الذات
- الفانوس الضائع
- حب إلى درجة الجنون
- القرار المتخذ
- دعوة إلى التغيير المتنى
- تحسرات الذات
- الحلم المستحيل
- الدماء بدل الأمان
- قسوة الزمن
- حبل الوريد
- قراءة في النتائج الأزلية للانتخابات البرلمانية المغربية 2007
- حرية التفكير
- طعنات هلكى
- الحب ... وأشواك السلام
- الصمت الرهيب
- قرار في الرحيل


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى أحمد التكموتي - قراءة في رواية * أحلام فوق النعش * للكاتب المغربي محمد التطواني