أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم حجازين - بعل يستطيب القرابين الجديدة














المزيد.....

بعل يستطيب القرابين الجديدة


ابراهيم حجازين

الحوار المتمدن-العدد: 2083 - 2007 / 10 / 29 - 11:24
المحور: الادب والفن
    


في الصباح يستوي بعل على عرشه في الأعالي هناك على قمة جبله .وذات صباح نظر بعل إلى عبيده ورعاياه وصنائعه التي جعلها على صورته ..فتذكر بعل عبده وصنيعته الذي أحبه كثيرا "أماكيدو" وقال في نفسه : لعل عبدي "أماكيدو" يقدر ما فعلته له .
في ذلك الصباح خرج "أماكيدو" وأسرته إلى حقله . وكان يتقدمهم وإلى يمينه في الخلف ولده "قارحو" ذو الثلاثة عشر عاما ، ومن خلفهم الأم "مناة" ومن ثم "ملجات" ابنتها البكر وبقية أخواتها ، وفي ذيل الجماعة وخلفهم جميعا كانت "سمس" ابنة "ملجات" تركض متعثرة في خطواتها .كان "أماكيدو" يلتفت بين الفينة والأخرى إلى الوراء ليحدث "قارحو" بشأن العمل في الحقل ، والذي بدوره يكرر ما يسمع من التعليمات إلى أمه وأخواته دون أن يلتفت إليهم .
اتجه "أماكيدو" مباشرة لتفقد نبتات البندورة في حقله .كان الإنتاج وفيرا . نظر إلى حقله فإذا أحد بيوت البندورة يشتعل بنار غريبة دون أن يحترق ، اقترب "أماكيدو" من النبتة ليتحقق من الأمر ، فسمع صوتا عميقا يقول : "لا تنظر إلي لأن من يراني موتا يموت" ، فوقع "أماكيدو" أرضا وكاد أن يغشى عليه ، واستطرد الصوت قائلا : "انظر إلى جبلي هناك في الأعالي فكأنك تراني ..أنا بعل الذي صنعك على صورته ورزقك كل ما تملك الآن فقد أعطيتك هذه الحقول والمراعي التي تسرح فيها خرافك . وأعطيتك زوجا قانعا مطيعا لا يخالف رأيا لك ، ورزقتك سبع بنات "ملجات" وأخواتها اللائي يجمعن ثمار حقلك ويرعين قطعانك ويحلبن أنعامك ويصنعن من حليبهن الجبن واللبن ويعصرن الزيتون ويقطفن العسل ويصنعن من كروم العنب خمرتك ، كما وهبتك ابنك الوحيد "قارحو" ، أنا أسمع صلاتك في الصباح لأنك تصلي وتدعو بصوتك العالي حيث تباركني وتشكرني على نعمي". تمهل بعل قليلا ثم أردف بصوت عميق وعال كالرعد :" فهل أنت تمجد وتقدر ما فعلته لك فعلا "؟ أجاب "أماكيدو" بسرعة وهو يرتجف : "نعم أيها البعل" .
فقال البعل: "إذا غدوت باكرا أصعد بابنك "قارحو" إلى جبلي ذاك الذي تنظر إليه ، هناك ستجد مذبحا ومحرقا ، قدم لي "قارحو" قربان تقربا وتعبدا وشكرا . واحرص أن تمزج دمه بخمرة معتقة من خمرتك تلك التي صنعتها ابنتك "ملجات" .وبعد أن قال البعل هذا اختفت النار من بيت البندورة دون أن يحترق ذلك البيت . وبقي "أماكيدو" وحده مغتما وخائفا ومغرقا في التفكير .
انطلق "أماكيدو" باحثا عن زوجه ، وحينما وجدها أخذها إلى مكان ليس مرتفعا ولا توجد فيه نباتات حرصا على ألاّ يسمعه البعل ، واخبرها بما حدث وقال :"إنه لن يضحي بوحيده "قارحو" مهما كانت النتائج" ، أطرقت الأم قليلا ، ثم سألته : "ألن يغضب البعل ويأخذ كل ما أعطانا إياه" ؟ فقال "أماكيدو" : "سأجهد أن لا يغضب وسأقدم له قربان لن يرفضه" . فقالت الأم عندئذ : "افعل كما تشاء يا بعلي.فأنت أدرى بما يجب أن يفعل" .
في الصباح الباكر أصعد "أماكيدو" ابنه "قارحو" و"ملجات" وبقية أخواتها إلى جبل البعل، وتبعتهم "مناة" من بعيد مرتجفة ومترددة وبقيت تنتظرهم أسفل الجبل أما الصغيرة "سمس" فكانت تركض لاهثة وراءها .
توقف "أماكيدو" أمام مذبح البعل وهيأ الحطب على المذبح ووضع آنية الخمر أسفل المذبح لمزجه مع دماء الضحية كما طلب منه بعل أن يفعل، ونادى "قارحو" الذي اقترب من والده بثقة واقتربن بقية الأخوات من الوالد ،كانت "ملجات" تقف وتنظر مشدوهة بما يفعله والدها . حمل "أماكيدو" "قارحو" وأوثقه على المذبح وهيأ سكينه وجهز الحطب لإشعال النار بعد نحر الضحية . نظر "أماكيدو" يمنة ويسرة عله يرى كبشا قد أرسله البعل للتضحية به بدلا من ولده "قارحو" إلا أنه لم ير شيئا ، وكان هذا آخر أمل له قبل القيام بخطوته اللاحقة .
في غفلة من الجميع فك "أماكيدو" وثاق "قارحو" وبسرعة رفع ابنته "ملجات" ووضعها مكان "قارحو" على المذبح . في البداية نظرت "ملجات" إلى أبيها بارتباك قبل أن تفهم ماذا يحصل ثم سيطر عليها الهلع ممزوجا بالارتجاف وفكرت بطفلتها الصغيرة "سمس" . وسمعت والدها وهو يقول : لا يسعني أن أضحي بولدي الوحيد . وتساءل أيضا بصوت خافت كأنه يكلم نفسه : من سيرثني ؟ ومن سيحمل اسمي من بعدي ؟ سمعت "ملجات" كل ذلك ولم تستطع الإجابة ، كانت نظرات "أماكيدو" تلجمها عن الكلام والصراخ والاحتجاج وكانت كافية لتدفعها إلى الاستسلام والهدوء كما عودها والدها عندما يهم بفعل أمر ما . إلا أن ألما شديدا انفجر في صدرها وصل حتى قمة رأسها ودمعة حارة سالت على وجنتها ولم يكن هناك من معز لها سوى خوفها ، كانت أخواتها واقفات ينظرن دون تعابير على وجوههن ...كن فقط واقفات هناك يراقبن والدهن كأنه القدر يفعل فعله.
استل "أماكيدو" سكينه ونحر "ملجات" ابنته وانتظر إلى أن سالت دماؤها وامتزجت بالخمرة اسفل المذبح ثم أشعل النار ..... تصاعدت رائحة الشواء إلى الأعالي ، وما هي إلا لحظات حتى هبت ريح أتت على القربان وآنية الدماء الممزوجة بالخمر .
سمع الجميع صوت البعل عميقا يقول : "غافلتني أيها الفلاح وقدمت لي قربان لم أطلبه لكني استطيبته أكثر من كل القرابين التي تذوقتها حتى الآن ، أنا أعفو عنك وأعلم الجميع بأن كل القرابين التي ستقدم لي من الآن فصاعدا يجب أن تكون مثل ذبيحة عبدي "أماكيدو" الذي احب .
شعر "أماكيدو" بالارتياح بعد سماع قول بعل ، رغم أنه كان يتوقع قبول بعل بالقربان والفرح به . فنزل هو و"قارحو" والبقية من أعلى الجبل، "أماكيدو" في الأمام ومن خلفه "قارحو" ثم اقتفتهما بقية الأخوات ولكن دون "ملجات" .. أما الأم مناة التي كانت تنتظر في أسفل الجبل فقد أحست بالفرح لدى رؤيتها وحيدها "قارحو" حيا ، اقترب منها "أماكيدو" وقال بصوت سمعه الجميع : "من الآن فصاعدا فلتحضر ابنة "ملجات" للعمل... لا يصح أن يأكل أحد دون أن يعمل ، ثم استطرد بصوت خافت سمعته الأم جيدا : يجب ألأّ تنقصنا الأيدي العاملة ، وستحل الطفلة مكان امها.
وكان "قارحو" يرى ويسمع ويحفظ كل هذا في قلبه.



#ابراهيم_حجازين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكونفدرالية تطل برأسها من جديد
- ديالكتيك الصراع ومشروعية المقاومة
- هل يوجد تقرير فينوغراد عربي
- العراق بين ما هو قائم وما هو قادم
- الليبرالية الجديدة والإصلاح السياسي - الجزء الأول
- الليبرالية الجديدة والإصلاح السياسي - الجزء الثاني
- إنها جريمة بحق الأردن ..وكانت نهاية المشهد
- الامبريالية لا تزال اعلى مراحل الرأسمالية – الحلقة الأولى
- الامبريالية لا تزال اعلى مراحل الرأسمالية – الحلقة الثانية
- صفحات من نضال اليسار -5 في الذكرى الخمسين لإلغاء المعاهدة ال ...
- صفحات من نضال اليسار -4 في الذكرى الخمسين لإلغاء المعاهدة ال ...
- صفحات من نضال اليسار –3 في الذكرى الخمسين لإلغاء المعاهدة ال ...
- صفحات من نضال اليسار -1 الذكرى الخمسون لإلغاء المعاهدة الأرد ...
- صفحات من نضال اليسار -2 الذكرى الخمسون لإلغاء المعاهدة الأرد ...
- آفاق المشاريع الشرق أوسطية – القسم الأول
- آفاق المشاريع الشرق أوسطية – القسم الثاني
- عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في قطاع غزة دروس من غزة -الحلق ...
- عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في قطاع غزة دروس من غزة -الحلق ...
- عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في قطاع غزة دروس من غزة -الحلق ...
- (( الرنين ))


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم حجازين - بعل يستطيب القرابين الجديدة