أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد علي مقلد - مأزق حزب الله :فائض عسكري وخواء سياسي















المزيد.....

مأزق حزب الله :فائض عسكري وخواء سياسي


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 2086 - 2007 / 11 / 1 - 11:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


طوى حزب الله ( أو تظاهر بأنه طوى ) صفحة مشروع الدولة الإسلامية ، في أوائل تسعينيات القرن الماضي ، يوم شارك في السلطة مشاركة جزئية ، راضيا أن يكون جزءا من السلطة التشريعية ورافضا أن يكون شريكا في السلطة التنفيذية ، حتى لا يتلوث بفسادها ، على ما كان يعلن في خطابه السياسي . يومذاك رسم بوضوح حدود مشروعه السياسي وحصرها بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ، ورأى أن الاكتفاء بذلك قوة للمقاومة وإبعاد لها عن منزلقات السياسة اليومية .
إذن صار حزب الله يقاتل من غير مشروع سياسي داخلي . ذلك أن التحرير وحده هو برنامج نضالي يستهدف عدوا خارجيا ، في حين ينبغي أن ينطوي أي مشروع داخلي على مواجهة معيقات التطور البنيوية ، أي مواجهة التخلف بكل وجوهه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وهو ما لم يكترث حزب الله إليه بتاتا .
لم يكن ذلك الأمر نقيصة حزب الله وحده ، بل نقيصة كل حزب يدعي الانتماء إلى قوى التغيير السياسي . ذلك أن من بديهيات العمل السياسي أن الحزب الذي يبني كل مشروعه على أساس العداء للخارج فحسب ، إنما يؤسس للاستقالة من مهمة التغيير الداخلي ، ويؤسس ، فضلا عن ذلك ، لبناء وعي شوفيني عصبوي ضد الآخر ، الأخر الغريب ،أو المحتل أو الأجنبي أو المستعمر أو المستكبر، أو الأخر المختلف ، أو الآخر"العميل" لأي واحد من هؤلاء . هذا هو الوعي الدائري الذي يطوق نفسه بسياج من الإيديولوجية المغلقة على نفسها ، المشابهة لكل الإيديولوجيات العنصرية ، التي يتحول الآخر بموجبها إلى عدو ، لأنه آخر ،أي لأنه مختلف بالرأي أو بالزي أو بالطقوس . تلك هي التعبئة الكتائبية التي شحنت نفوس اللبنانيين قبيل الحرب الأهلية على الفلسطيني لكونه " غريبا " ؛ الغريب ذاته في التعبئة الكسروانية لدى المارونية السياسية عموما . وهي التعبئة ذاتها لدى شيوعيي الفكر الميكانيكي الأصولي الذي يعادي الرأسمالي لأنه رأسمالي ، والصحيح أن الشيوعية كحضارة أو كنظام متخيل هي نقيض للنظام الرأسمالي وحضارته ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر القومي ضد الشيوعية باعتبارها فكرا مستوردا ، أي غريبا ؛ وهي التعبئة ذاتها في الفكر الديني ضد فروع متحدرة من أصول الفكر الديني ذاته وضد سواها أيضا ، مما يعتبر في نظره منتميا إلى الآخر ، السنة ضد الشيعة والشيعة ضد السنة كما يحصل اليوم في العراق ، أو المرجئة ضد الخوارج مثلا ، أو حال التكفيريين ضد بعضهم بعضا ، الخ .
في ظل هذا الوضع ، الذي يحصر العداء بالغريب الخارجي و بعميله الداخلي ، يتعاظم الخوف من الداخل ، ويتحول جزء كبير من النضال إلى تحصين النظام في الدولة أو في الحزب ضد أي اختراق ، فيتعزز دور الأمن وأجهزته وتتسع مسؤولياته ، لتطغى مع الوقت على كل المسؤوليات ، ويغدو النظام محكوما بالخوف من جمهوره لا بالثقة به ، فيتحصن منه بدل أن يحصنه ضد أمراض العصر التي تسمى التخلف .
دليلنا على هذا التوصيف متوفر في تجارب الشعوب والدول ، لا سيما المحيطة بلبنان ، وخصوصا في التجربة اللبنانية بالذات . النظام الأصولي في أفغانستان لم يجد ما يفعله في الداخل سوى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو ظلام العصور الوسطى ، لأن وعيه السياسي لم يكن يتسع إلا للعدو الخارجي ، ولم ينتبه إلى حفاة الأقدام من أبناء شعبه ممن يعضهم الجوع بنابه . صدام حسين انهار نظامه القوي لأنه بناه على العداء للاخر ، الصهيونية والاستعمار والفرس ، والشيوعيين ، وكل بعثي معارض . كل واحد من هؤلاء كان يمثل الآخر الغريب ، الآخر العدو ، بل لأن العداء للآخر شكل الجزء الأساسي من برنامجه الداخلي ؛ حركة 14 آذار العارمة سقطت في امتحان الحكم في لبنان لأن معيارها خارجي أساسا ، وهي لم تنتبه أبدا إلى إعادة بناء الدولة ، بينما بدت كأنها متفرغة فحسب للدفاع عن نفسها ضد المخططات السورية والإيرانية ، حسب تعبير خطابها السياسي ، أو للتخطيط لقلب النظام السوري حسب لغة الخصوم ( من أين لهم أن يفعلوا ذلك ، وإن كانوا يتمنون حصوله )؛ أما حركة 8 آذار فاستنادها إلى المعيار الخارجي أكثر وضوحا ، ذلك أنها لم تنتظر مرور شهر على اغتيال الحريري حتى انتظمت في مظاهرة شكر لسوريا ، في وقت لم يكن دم الحريري قد جف بعد ، ولا جفت دموع الذين يبكونه ويتهمون سوريا ( وعملاءها طبعا ، حسب اللغة الدارجة ) بإهدار دمه ؛ اليسار كله ، يسارنا ، كان يسميه خصومه اليسار الدولي ، لأنهم اعتبروه وكيلا ليسار خارجي ، أي غريب ، وكان هو ، من جهته ، يقيم الاعتبار ، بالأولوية ، للتناقض الخارجي ؛ هكذا فعلت الأحزاب الشيوعية العربية في موقفها من تقسيم فلسطين ، حين تبنت موقف الاتحاد السوفياتي في مواجهة سائر المواقف العربية ، ( ليت العرب جميعهم تبنوا هذا الموقف يومذاك !)، وكذلك فعل الحزب الشيوعي الجزائري حين تبنى موقف الرفاق الفرنسيين وأهمل موقف الشعب الجزائري من الاحتلال الفرنسي ، وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني ، يوم وقف إلى جانب ترشيح الرئيس فرنجية لولاية جديدة بصفته " قوميا عربيا " معاديا للإمبريالية والصهيونية والاستعمار ، حسب تعبير بيان المكتب السياسي في حينه ( عام 1988 على ما نذكر ) ، إلى آخر لائحة طويلة من الأمثلة على تغليب العامل الخارجي واعتباره معيارا أول في رسم الخطة السياسية .
في ظل غياب البرنامج الداخلي يتحول هم السلطة ، في النظام أو الحزب ، إلى مجرد الحفاظ على نفسها ، أي أن السلطة تصبح هدفا بذاته . هذا ما ظهر في سلوك الأنظمة السياسية العربية التي كانت ترى الأوطان بخير إن هي كانت بخير ، وهو ما اقتدى به حزب الله بعد حرب تموز 2006 ، إذ سبقه النظام السوري إلى إعلان مثل ذاك النصر في إعقاب حرب تشرين ، وصار يحتفل كل عام بالمناسبة ، مع أن نتائج المعركة يومذاك انجلت عن احتلال إسرائيل لمناطق واسعة من الأراضي السورية .
في مثل هذه الحالة لن يجد "المنتصر" سبيلا إلى إقناع الجمهور بنصر غير مقنع إلا استخدام أساليب ترهيبية كالتخوين مثلا الذي يمكن أن يرمى به كل معترض . لقد تناولت أقلام كثيرة هذا الجانب من الموضوع وأشبعته بحثا ، مفندة الحجج الانتصارية ، داخضة مزاعمها ، مستخدمة من الأدلة ما هو مقنع بالمنطق الصوري والمنطق العملي بأن الخسارة السياسية من هذه الحرب كانت أكبر بكثير من كل البطولات الفعلية ، وهي بطولات لا يرقى إليها الشك ، في مواجهة العدو الصهيوني . لذلك لا يعنينا هنا معاودة تفنيد مزاعم الانتصار ، بمقدار ما يعنينا أن نبين كيف دفعت المزاعم بحزب الله نحو المأزق .

مأزق الخواء السياسي
نقصد بالخواء السياسي غياب برنامج سياسي واضح يناضل حزب الله تحت رايته ، نقول ذلك من غير أن نغفل أهمية الدور الشخصي لعدد من العلماء والسياسيين والمعممين في قيادات الحزب العليا والوسيطة ، غير أن دور الأفراد لم يكن أبدا ، في التاريخ ، بديلا عن البرنامج السياسي .
لقد تورط حزب الله حين قرر سلفا أنه سينتصر في المعركة مع إسرائيل ، وهو ما وعد به أمينه العام اللبنانيين عموما والمحازبين خصوصا ؛ ذلك أن المبررات والحجج والبراهين التي تستخدم في الوعد لا يمكن أن تكون هي ذاتها بعد المعركة . في الوعد يمكن أن تستخدم كل وسائل التعبئة والنخوة والاستنهاض بكل أنواعها، الوطنية والقومية والإيديولوجية ( ومنها الدينية ، وخصوصا الفكرة المهدوية لدى الشيعة الإثني عشرية ) ، أما بعد انجلاء غبار المعارك فمن المنطقي أن يكون العلم هوالأساس في الحسابات الدقيقة للربح والخسارة .
في خضم المعركة يعتبر الإيمان ، الإيمان بالقضية ، عاملا أساسيا في بناء الثقة والصمود والمواجهة ، ويدان كل نهج يشكك أو يضعف المعنويات أو يزرع الإحباط أو يبعثر الجهود أو يخون الوطن، الخ ، الخ . أما عند نهاية المعركة فكل حساب يستند إلى الإيمان والاستنهاض والنخوة والعواطف فحسب ، الخ . هو بالضرورة حساب مغلوط .
في حالة الانتصار يأخذ المنتصر من المهزوم . حزب الله لم يستطع أن يأخذ من إسرائيل شيئا،على غرار ما حصل غداة حرب نيسان 1996 ، لذلك ارتد إلى الداخل اللبناني ، وراح يطالب الأطراف الداخلية بثمن الانتصار . ذلك كان باب الدخول في المأزق . لقد كان ممكنا أن تتصرف قيادة حزب الله، على غرار القادة الكبار في التاريخ، بما يفتح الباب أمام نقاش علمي لما جرى ، فتستقيل القيادة وتدعو إلى مؤتمر عام للحزب يجري فيه نقاش كل شيء ، لكنها أصرت على محاسبة الشعب اللبناني بدل أن تحاسب نفسها ، وعلى دفع الاحتقان المذهبي إلى ذروته ، وعلى تصعيد الصراع السياسي على السلطة ، ودائما من غير برنامج إلا السعي إلى السيطرة على السلطة ، ما شكل تورطا في تعميق المأزق .
حزب الله فضح مأزقه عندما استقال من الحكومة ، ذلك أنها المرة الثالثة التي يستنفر ضدها . المرة الأولى عندما رفض مشاركتها استنكار التهجم على رئيسها (يوم وصف الرئيس السوري رئيس الوزراء اللبناني بالعبد المأمور لعبد مأمور) ، والثانية حين رفض الموافقة على مطالبتها المبدئية بمحكمة دولية (يوم اغتيال النائب جبران تويني ) والثالثة اعتراضا على الموافقة الرسمية على مشروع المحكمة الدولية . في المرات الثلاث حرص على التمايز عنها دفاعا عن سوريا لا دفاعا عن لبنان من عدوان إسرائيلي .
كان سبق هذه الرغبة بالتمايز ، على أساس شعارات وطنية ، إعلانه الصريح والواضح تضامنه مع سوريا في مواجهة اللبنانيين المتألمين على اغتيال قياداتهم (بصرف النظر عن صحة الاتهام أو عدمه ) ، في مظاهرة الوفاء لسوريا في ساحة رياض الصلح ، وفي التجمع الحاشد في الجنوب الذي نظم خصيصا لترفع فيه شعارات التخوين الصريحة وصور التقبيح الشنيعة . ثم تلا ذلك شهر عسل مع " الخونة " الذين صاروا من الرموز الوطنية الكبرى ! كل ذلك في غضون أشهر تقلبت فيها معايير الوطنية والخيانة وانقلبت رأسا على عقب ، أكثر من مرة . تقلب المعايير هو الدليل بعينه على هذا المأزق .

فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية
بين أن يكون عون في خطاب حزب الله " حالة إسرائيلية " ( بالإمكان العودة إلى أرشيف الصحف للتأكد من ذلك ) ، وأن يصير دخوله الحكومة تجسيدا أصيلا للوحدة الوطنية ، مفارقة تخالف كل منطق .ولئن كنا لا نوافق على أي من طرفي المفارقة ، فنرى بأنها ناجمة عن فهم مغلوط لمعنى الوحدة الوطنية . الوحدة الوطنية هي الانتماء إلى وطن واحد وشعب واحد . إلى وطن سيد حر مستقل . ولا يمكن أن تتجسد الوحدة الوطنية بتجمع أطراف يرشقون بعضهم بعضا بتهمة الخيانة الوطنية والعمالة للخارج ، سيان إن اجتمعوا في حكومة أو مجلس نيابي أو احتفال ؛ هذا فضلا عن أن حزب الله كان قد وافق على المشاركة في الحكومة من غير أن ينتقص غياب العماد من وحدتها أو من وطنية بيانها الوزاري . المدخل إلى الوحدة الوطنية إذن يبدأ بالكف عن هذا السجال التخويني المجنون ، وبالعودة إلى لغة الحوار العاقل الهادىء ، والمسؤولية الأولى في ذلك تقع على عاتق حزب الله قبل سواه ، وعلى عاتق كل المشاركين في جوقة التخوين المقيتة التي لم تترك سترا إلا وهتكته أو شرفا إلا ودنسته ، خلافا لكل الأعراف الوطنية والاجتماعية وحتى الأخلاقية . تعالوا نناقش كيف يمكن أن يمارس كل منا حقه في بناء تحالفاته الخارجية ، مع سوريا وإيران أو مع أميركا ، من موقع الانتماء الراسخ إلى الوحدة الوطنية ، وإلى لبنان السيد الحر المستقل ، من دون أن يرمى بتهمة التكفير والخيانة .
الوحدة الوطنية تبدأ ببناء الدولة ، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص ، دولة الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية ، دولة الفصل بين السلطات والتناوب على السلطة، الخ .والمدخل إلى مثل تلك الدولة قانون انتخاب يعتمد النسبية ولبنان كله دائرة انتخابية واحدة . إذذاك لا يعود لأحد الحق في أن يحتكر تمثيل طائفة أومذهب أو منطقة ، ولا يعود بمستطاع أحد جر طائفته ، على غرار ما فعلته الكتائب بالمسيحيين في بداية الأزمة ، وعلى غرار ما يتهدد مستقبل الشيعة اليوم ، إلى مغامرات الحروب الأهلية المجربة على امتداد عقود ، والمتكررة على امتداد قرون ، والتي يخسر الجميع فيها ولا ينتصر أحد ، حتى لو كان هذا "الأحد " سوريا أو إسرائيل أو أي طرف محتمل نظريا في الشرق أو في الغرب .

ماذا لو احتل حزب الله لبنان ؟

حزب الله في تصريحاته حريص على الوحدة الوطنية ، وعلى الديمقراطية ، وعلى نبذ الحرب الأهلية . غير أن جمهورا كبيرا من اللبنانيين تنتابه الخشية على مصير الوطن ويعيش في حالة من القلق الدائم على مصيره العائلي والمالي ، من هنا يبدو الإقبال كثيفا على الهجرة . بمعزل عمن يملك الحقيقة من بين أطراف الصراع في لبنان ، يبدو من الملح أن تبحث جميع القوى السياسية عن مخرج من أزمة الشحن المذهبي المدمر ، وعلى عاتق حزب الله أكثر مما على عاتق سواه تقع مسؤولية ذلك ، لأنه الوحيد ، نظريا على الأقل ، الذي يملك ترسانة من الأسلحة والوحيد الذي تجعله تلك الترسانة مهيأ ، نظريا أيضا ، لمغامرة الحرب الأهلية ، أو متهما ، على الأقل بذلك .
ليس ذلك من قبيل الافتئات على حزب الله ، بالرغم من تقديرنا بأن اللبنانيين لم يتخلوا فعليا عن السلاح الذي ربما يكفيهم فحسب للمباشرة بالحرب الأهلية ، وبعد ذلك الله هو المدبر . أما ما جرى تسليمه من السلاح للسلطة اللبنانية بعد الطائف فلم يكن إلا تعبيرا سياسيا ، أي رمزيا ،عن الموافقة على اتفاق الطائف . لكن لنفترض أن حزب الله يملك القدرة أكثر من سواه على الحرب وعلى جني انتصار عسكري منها ؛ لنفترض أنه قادر بترسانته ،التي يتباهى بها ،على احتلال لبنان ، فماذا بإمكانه أن يفعل بهذا الانتصار ؟ بإمكانه أن يستلم السلطة مباشرة أو عبر أحد حلفائه ( العماد عون مثلا ) ، لكنه سيجد نفسه أمام مهمة وحيدة ممكنة ، هي إدارة الأزمة اللبنانية بدل حلها ، هذا إذا كان يعتمد في منطق تحليله على أن العوامل الخارجية هي الأساس في رسم إطار الحل للأزمة اللبنانية . وهذا يشكل ، في نظرنا ، وجها آخر من وجوه المأزق ، لأنه في مثل هذه الحالة سيجسد ، بالملموس، ارتباط تضحياته بقضايا خارجية وبقوى خارجية ، أكثر منه بمصلحة الشعب اللبناني .
إن حزب الله ، على ما يقول في تصريحاته ، يملك قوة عسكرية بشرية تفوق الحاجة إلى عمليات مقاومة ضد الاحتلال ( لا هو ولا سواه احتاج إلى أكثر من مئات المقاومين لتحرير الأرض المحتلة) ويملك عدة عسكرية تفوق الحاجة إلى مقاومة الاحتلال ( من بينها آلاف الصواريخ على ما يصرح قادته ) . إذن ما هي حاجته إلى هذا الفائض العسكري ؟ طرح هذا السؤال أمر منطقي ، عند من يعرف أن تنامي أية قوة عسكرية هو بحد ذاته مشروع حرب أو بحث عن مشروع حرب ، وتزداد خطورته إذا هو لم يقترن بمشروع سياسي واضح . بسبب هذا ( لا بسبب الخيانة ) قيل في السر وفي العلن أن حزب الله هو الذي هيأ للحرب مع إسرائيل ، لأن من الطبيعي أن يتساءل اللبنانيون عن الغاية من الأنفاق والتحضيرات العسكرية الواسعة النطاق ، بما فيها إدخال الصواريخ بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000 ، ولن يكون السؤال منطقيا لو كان ذلك قد حصل قبل ذلك .ومن الطبيعي أيضا أن يتساءل اللبنانيون عما إذا كان حزب الله يهيء اليوم شمال منطقة الليطاني ، وصولا إلى عكار ، إلى ما سبق وهيأه لجنوبها ؟ إن حزب الله الذي يحتكر القرار بشأن السلاح والحرب والسلم ، بعيدا عن أي تشاور ، يصر من ناحية أخرى ، على أن ينتزع من الأكثرية حقها في ممارسة السلطة . تلك مفارقة لا يمكن لأي خطاب ، مهما يكن بليغا ، أن يحولها إلى معادلة منطقية . إذ كيف يكون حزب الله مع المشاركة الكاملة في شأن ومع احتكار القرار في شأن آخر ؟ إن ما لا يبنى على المنطق والإقناع العقلي ليس سوى ضرب من "التشبيح " السياسي ، يشبه كل صنوف التشبيح التي مارستها ميليشيات الحرب على أموال الناس وأعراضها وأفكارها ، من خارج القانون . بسبب هذا النوع من التشبيح ، خلافا للقانون، يمكن أن تتهم المقاومة بأنها ميليشيا ، مع أنها، في سلوكها الأخلاقي والمالي ، تجل عن هذه التسمية . إنه تشبيح القهر ، وإرغام الناس على الاقتناع قسرا بما لا يقتنعون به عقلا ، والتهويل على الرأي المخالف بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وأدناها التخوين ، وادعاء تمثيل مصالح من لا يقبلون بأن تمثل مصالحهم بالشحن الطائفي والمذهبي، وادعاء احتكار المعرفة في العلم وفي أمور الدنيا وتحويلها إلى معرفة غيبية محاطة بالقداسة فيما أمور الدنيا والسياسة ، ومنها تلك التي يدافع عنها حزب الله ، مدنسة بالمصالح المادية وبعيدة عن أية قداسة .
... الحل في حوار حول بناء الدولة والوطن .






#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة كتاب :اغتيال الدولة
- النصر الإلهي : أما آن أوان النقد الذاتي؟عن التسعير المذهبي ف ...
- علي مقلد يقدم لـ-صدى البلد- قراءة شاملة لتقرير المجلس الوطني ...
- جورج حاوي: مقطع من وصية لم تكتب
- الماركسيون بين اضمحلال الدولة وبناء الدولة
- اليسار بين الأنقاض والإنقاذ - قراءة نقدية من أجل تجديد اليسا ...
- تجديد اليسار أم يسار جديد؟
- قراءة سياسية في نتائج مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني
- رسالة من شيوعي إلى السيد هاني فحص


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد علي مقلد - مأزق حزب الله :فائض عسكري وخواء سياسي