أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد علي مقلد - مقدمة كتاب :اغتيال الدولة















المزيد.....



مقدمة كتاب :اغتيال الدولة


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 11:24
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


تمهيد
خمسة عشر عاما من الكتابة حول قضية إعادة بناء الوطن والدولة ، وإعادة بناء اليسار والحزب الشيوعي اللبناني ، لم تذهب هباء ، وذلك رغم كل مشاعر اليأس والإحباط والمرارة التي أصابت المئات من الكادرات والآلاف من المناضلين ، ورغم موجات العزوف عن الانخراط في الشأن العام . استشهاد الحريري أخرج الشعب اللبناني من قمقمه ، وأثبت أن الأجيال الجديدة لم تنكفىء ، بل ملأت ساحتي الشهداء ورياض الصلح ، أملا بلبنان جديد ، كما أثبت اسشهاد جورج حاوي أن شعب اليسار لم يعتزل ، وأن غيابه هومجرد احتجاج صامت على الموت البطيء الذي يتمناه له أعداؤه ويعجل به ارتباك قيادة الحزب الشيوعي اللبناني .
النص ، في ظاهره ، مقالات متفرقة ، لكنه في حقيقته نص واحد ، بدأ باقتراح تقدمنا به أمام الاجتماعات التمهيدية للمؤتمر السابع للحزب الشيوعي اللبناني ليشكل ، في حال إقراره ، خطة للحزب من أجل إنقاذ الوطن .غير أن القيادة لم تتبن الاقتراح واستبعدته عن مشروع الوثيقة الرسمية، بل اعتبره المتشددون في حينه محاولة " خبيثة " أو ذكية نحو انحراف " يميني " من شأنه ، إذا ما أقره المؤتمر ، أن يحول الحزب إلى حزب ليبرالي غريب عن الماركسية اللينينية وتقاليدها ونظريتها الثورية . بسبب ذلك إذن لم يحالفه الحظ في بلوغ المؤتمر.
نص الاقتراح غير مدرج ، للأسف ، في متن الكتاب ، وربما يكون موجودا في أرشيف الحزب . لكننا لم نسع إلى البحث عنه أو نبشه ، لأننا ، حين أصرينا على إعادة طرحه أمام الحزب ، ألقيناه على شكل محاضرة في المجلس الوطني، بدعوة من رئيسه الرفيق نديم عبد الصمد ، ثم نشرناه مقالة في صحيفة النهار، وكان بعنوان : أزمة الديمقراطية في مشروع الحريري وفي مشروع الحزب الشيوعي اللبناني .(راجع نص المحاضرة – المقالة )
استمع إلى المحاضرة عدد قليل من أعضاء المجلس وغاب العدد الأكبر ، لكن فكرة الاقتراح وصلت إلى الغائبين بالتواتر ، وربما من خلال قراءة النص منشورا في جريدة النهار . وشكلت ردة الفعل على نشره مفارقة . ذلك أن الرئيس الحريري ومستشاريه اتصلوا بي مهنئين على ما تضمنه النص من جرأة ، معربين عن سعادتهم في استقبالي ساعة أشاء ، لكنني شكرتهم ، واكتفيت بالامتناع عن تلبية دعوة لزيارة " القصر " ، خشية أن يفسر ذلك من قبل دولته أو من قبل الحزب وأجواء اليسار المحيطة بي تفسيرا خاطئا يسيء إلى سيرتي النضالية ، خاصة وأن عددا من المتحدرين من أصول يسارية وجدوا ضالتهم في الالتحاق بأهل السلطة . أما أنا ففضلت أن أصون " النقاء " الثوري الذي تربيت عليه ، وأن أحافظ على موقعي كمثقف يساري يخشى من أن " تدنس " ثقافته ويساريته إذا ما تحول إلى واحد من مثقفي البلاط .
غير أن قيادة الحزب ، أو النافذين فيها ، من مدعي التمسك بالماركسية اللينينية ، تنكروا لكل صنوف القيم الأخلاقية والاجتماعية و" الثورية " و رجموني ، رغم علمهم بما حصل مع الرئيس الحريري ، بتهمة الانحراف ، وأشاعوا في قواعد الحزب كل ما يمكن أن تتفتق عنه قريحة "الجهاز" من تجديف ، وصار دوري ، بدل أن أتابع " التبشير " باقتراح البرنامج الانقاذي ، أن أدرأ عن نفسي تهمة العلاقة برجل تعامل معي بمنتهى اللياقة والاحترام ، فكان لا بد من أن أتابع الكتابة في الصحف نقدا لسياسة الحريري ، في جانب من النقد الوارد أصلا في المقالة وكنت مقتنعا به ، فنشرت نصا عن غياب المشروع السياسي في برنامج الحريري . مع ذلك ، ظلت صلتي بالأجواء "الوطنية" في صيدا متوترة ، لما تنطوي عليه علاقاتها بالحريري من حساسية ، ولم تجد التوضيحات نفعا إلا مع المناضل النقابي حسيب عبد الجواد ، الذي اقتنع وحده بوجهة نظري ، لكنه لم يعمل على إقناع المحيطين به والمريدين ، من الذين شكلوا جوقة التجديف ، بالتعاون مع بعض التافهين في قيادة الحزب الشيوعي في الجنوب ، ومع بعض دكاكين اليسار .
فضلا عن المحاضرة المشار إليها ، تيسر لي أن أناقش الاقتراح مع قيادة الجنوب التي اقترحني المكتب السياسي أن أكون في عدادها ، فأصدرنا نصا جنوبيا تضمن الفكرة ، ونشرناه في كراس ووزعناه على الشيوعيين الجنوبيين . لكن القيادة ، بعد أن وافقت على نشره وتوزيعه ، استدركت ! واعتقدت أنها وقعت ضحية مكيدة ، و أن في النص من " المخاطر " ما جعلها تتبرأ منه ، وتشن حربا عليه، بذريعة ما تضمنته مقدمة كتبها مراسل النهارأحمد منتش ، تمهيدا لمقابلة أجراها معي بمناسبة نشر الكراس المشار إليه .( راجع نص المقابلة )
كل ما كتبته ونشرته لاحقا من مقالات هو دفاع عن اقتراح البرنامج الانقاذي ، وهو سجال مع القوى السياسية ، ومع قيادة الحزب الشيوعي خصوصا . كان الصدى بين القوى السياسية بمثابة كلام في الطاحون ، بعضهم عبر عن انزعاجه وبعضهم عن إعجابه ، عبر رسائل واتصالات مباشرة أو بالواسطة . الرئيس الحريري أصر على الاستماع إلي مباشرة في ثلاث جلسات ضمت عددا من المثقفين والناشطين في الحقل العام ، في سهرة طويلة على مائدة الوزير الفضل شلق ، وفي لقاء طويل مع الرئيس الحريري في دارته ، ثم في لقاء ثالث في القصر الحكومي . في الجلستين الأولى والثالثة تحدثت طويلا ( سأسرد ما أذكره من تلك الجلسة ) وفي الثانية لم أتكلم أبدا ، وحين سألني الحريري عن سر صمتي ، قلت له : فهمت من الجلسة الأولى أنه لا مكان في السياسة اللبنانية للاقتراحات والبرامج ، طالما أن أجهزة الظل هي صاحبة القرار .
أما قيادة الحزب فقد استمرت تنظر إلى أزمة الوطن من زاوية أزمة الحزب ، في حين كان عليها أن تفعل العكس تماما . ولذلك أمعنت في التشرنق وتنظيم الخلاف والاختلاف بين الشيوعيين بديلا عن واجبها في تفعيل الحوار ، لا بين الشيوعيين فحسب ، بل بين كل مكونات اليسار اللبناني ، فكان من الطبيعي ، أن تعمل على وأد النقاش وعلى حصر الحوار في الأمور التنظيمية ، وأن تشحذ ذهنها لاجتراح حلول تنظيمية لأزمة الحزب دون أزمة الوطن ، ظنا منها أن القضية قضية انضباط ، ومعيارها مدى احترام الحزبي للنظام الداخلي . كما كان من الطبيعي أيضا أن يتضاءل الهم القيادي ويتقلص حتى حدوده الدنيا ، أي حتى الحفاظ على موقع القيادة في سلطة الحزب . وقد قلنا لهم في حينه : أنتم أيها الرفاق مناضلون ، من غير شك ، خضتم ، وأنتم في قواعد الحزب ، كل المعارك النضالية ، بكفاحية عالية ، لكن همومكم ، وأنتم في القيادة ، لا تؤهلكم لحمل هموم الحزب وهموم الوطن ، وينطبق عليكم قول المتنبي :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
كانت قيادة الحزب تقدم كل يوم دليلا إضافيا على غرقها في مستنقع أزمتها الداخلية . فحين قرر المؤتمر السادس إحداث تعديلات في بنية الحزب التنظيمية ، كان قد قصد من تلك التعديلات تحويل اللجنة المركزية إلى مجلس وطني ، وإنشاء محكمة حزبية عليا أحكامها مبرمة ، على أن يكون ذلك مدخلا للفصل بين السلطات ، تخفيفا للمركزية الصارمة التي تميزت بها التنظيمات الستالينية ، وسعيا لتوسيع الأطر والعلاقات الديمقراطية بين الهيئات ، على أن يكون المجلس الوطني بمثابة هيئة تشريعية والمكتب السياسي هيئة تنفيذية والهيئة الدستورية هيئة قضائية .لكن القيادة انشغلت ، من حينه وحتى كتابة هذا النص ، في كتابة لوائح داخلية ، أي نظام داخلي يحدد طريقة عمل هذه الهيئات ، كيف تجتمع وكيف تحسب النصاب ، وحق الكلام وحق الرد وحدودهما ، الخ . لكن المجلس الوطني ظل يعمل كلجنة مركزية بقيادة الأمين العام الذي يترأس الجلسة ( رئيس المجلس الوطني اقتصر دوره على تسجيل لائحة الحضور وأسماء الراغبين بالكلام ) ، ومنح صلاحياته ، بما في ذلك اقتراح جدول العمل ، للمكتب السياسي الذي يقرره ويبلغه للرئيس . وهكذا غابت عملية التحول الديمقراطي وماتت في مهدها ، مبقية الحزب في دوامة النقاش العقيم حول قضايا التنظيم الداخلي ، نائية به عن نقاش قضايا الوطن . فلو تيسر للقيادة أن تناقش قضية الديمقراطية في الحزب أولا، لأمكن لها أن تناقش قضية الديمقراطية في المجتمع والدولة ، ولو بذلت الحد الأدنى من الاهتمام بها في الداخل ، لأمكن لها أن تجد مكانا لائقا للحزب في معركة الحرية والسيادة والاستقلال .
مع ذلك ، استمر السجال حول برنامج الانقاذ ، منذ اقترحناه قبل المؤتمر السابع ، حتى بيان الانقاذ الذي أطلقناه مع مجموعة من الرفاق في ربيع 2005 ، وما دار حوله وما استتبعه من كتابات وإجراءت .
ما هو جوهر الاقتراح؟ ولماذا قامت القيامة عليه؟

فكرة الاقتراح يلخصها شعار البرنامج : إعادة بناء الوطن والدولة
وحيثياته بسيطة :
لبنان لم يتحول ، عبر تاريخه ، إلى وطن نهائي لجميع أبنائه ، بسبب أخطاء كانت ترتكبها السلطات المتعاقبة ، وبسبب سلوك قوى التغيير التقدمي . فكانت السلطة الحاكمة تنتهك سيادته ، بتوزيعها السيادة على سيادات الطوائف ، بحيث بدت المحافظات الإدارية فيه استمرارا لعهد الولايات العثمانية ، وغدا الوطن تجمعا كونفدراليا للولايات ، وبفعل تخليها عن بعض صلاحياتها السيادية للمؤسسات الدينية ولزعماء الطوائف،فتعددت القوانين المرعية في إدارة شؤون المواطنين ، وتوزعت سيادته وثرواته حصصا على أهل النفوذ في الدولة ، وتماهت السلطة بالدولة ، وغلب الانتماء إلى الطوائف على الانتماء إلى الوطن ، وبات لبنان كما تقول أغنية زياد الرحباني :
"هاي مش بلد ... هاي قرطة عالم مجموعين ، لأ مطروحين ، لأ مقسومين ..."
وتفاقمت انتهاكات السيادة في الحرب الأهلية حين ارتضى كل فريق أن يرتبط بقوة خارجية على حساب الولاء للوطن ، ما جعل المهمة الأساسية أمام اللبنانيين ، اليوم ، وخصوصا بعد الطائف، من وجهة نظرنا ، هي العمل على ترسيخ الولاء الوطني ، أي إعادة بناء الوحدة الوطنية والانصهار والمواطنية، بديلا عن أي ولاء أو انتماء آخر ، للطائفة أو الدين أو المذهب أو الأمة أو غيرها ، ومن غير تناقض معه . ولن يكون ذلك ممكنا من غير سيادة القانون الذي لا يتجسد بغير الدولة .
ثم دخلت انتهاكات السيادة حد المأزق مع ظاهرة العولمة . ذلك أن فكرة الدولة الحديثة مرتبطة ، ارتباط علة بمعلول ، بالحضارة الرأسمالية . غير أن العولمة استبدلت أولوياتها ، فقدمت الاقتصاد على السياسة ، ولم تعد السياسة هي التي تدير ميادين النشاط البشري الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، فحلت المؤسسات الاقتصادية محل الدولة ، التي غدت شأنا يمكن الاستغناء عنه . لقد تيتمت الدولة إذن ، حين لم يعد يتبناها أحد ، وحين عادت شؤون الحل والربط إلى دوائر أخرى ليس القانون ولا دولة الحق في عدادها .
كان من الطبيعي أن يتناقض الاقتراح مع مصالح أسياد الترويكا وزعماء الطوائف ، ومع النظام الأمني ، ومع القوى التي تربط مصيرها بمصالح القوى الخارجية على اختلافها ، وخصوصا النظام السوري الذي تعزز نفوذه بعد الطائف . أما قيادة الحزب الشيوعي فقد نفرت من الاقتراح للسبب المشترك إياه الذي أجمعت عليه قوى ليست إعادة بناء الوطن والدولة من أولوياتها ، أو هي من الأولويات ولكن بالدرجة الثانية ، بعد قضايا أخرى كالقضية القومية والقضية الفلسطينية والاشتراكية والدولة الاسلامية ، وسواها من القضايا ، المهمة والجوهرية بحد ذاتها ، لأنها تشكل صلب مشاغل اللبنانيين واهتماماتهم ، لكنها تشكل موضوع خلاف واختلاف على الأولويات . وهي نفرت لسبب آخر مرتبط بموقف " يساري " من مسألة الدولة ، ذلك أن الدولة، في التقاليد الماركسية ، تخضع لمفاهيم مغلوطة ماركسيا، حسب رأينا ، وهذا ما سعينا إلى توضيحه في مقالة : الماركسية بين بناء الدولة واضمحلال الدولة .
كما كان من الطبيعي أن يتناقض الاقتراح مع أي سلوك سياسي ينطلق من خارج أولوية بناء الدولة والوطن ، ما كان يستدعي سجالا مع أصحاب هذا السلوك ،جعلناه بمثابة دفاع عن الاقتراح وتعميق له وتوسيع دائرة النقاش حوله . ونزعم ، في هذا المجال ، أننا نحن الذين أطلقنا مصطلح "المحاصصة " الذي تعمم فيما بعد في السجال السياسي اليومي ، وقد استوحيناه من التشابه الذي وجدناه بين النظام اللبناني الحديث ، الذي يتقاسم فيه السياسيون ثروة البلاد وميزانيتها والمقاولات والالتزامات والمؤسسات ، والنظام السابق عليه أيام العصر الاقطاعي العثماني ، حيث كان يجري توزيع الانتاج بين الفلاح والاقطاعي عن طريق المحاصصة ( المرابعة والمخامسة والمزارعة والمقاسمة ، الخ ) ، وحيث كان نظام الفرمانات الإنكشاري بديلا عن القانون ، والمحافظات ولايات تابعة للسلطان ( ومن وحي هذه المقاربة اشتق الأستاذ حبيب صادق لقب والي الجنوب ) .
كان يزداد " إعجابنا " بهذا المصطلح الجديد كلما توسعت دائرة استعماله وشاع في اللغة السياسية المتداولة ، خاصة وأن تركيبه اللغوي قابل للتصريف ، أفعالا وأسماء ، حتى بات نعت المحاصص أفضل وأدق وأبلغ تعبيرا من كل النعوت التي أسندت إلى السياسيين ، كالاقطاع السياسي و الطغمة المالية و العمالة ( للاستعمار والصهيونية ، أو لسوريا )، و الانعزالية ، واليمين واليسار ، خصوصا بعد أن ضاعت الحدود بينهما ، والقومي والوطني ، لاسيما بعد التعديل الجذري على سياسة الدولة ، وتحولها إلى نسخة مشوهة من النظام السوري ، الذي هو بدوره نسخة مشوهة من النظام الشمولي الستاليني ، الذي هو بدوره نسخة مشوهة من أحلام ماركس الوردية . بفضل هذه الطاقة الدلالية للمصطلح بات ممكنا القول عن كل شريك في السلطة السياسية أنه محاصص ، حتى لو لم يكن له إلا اللوحة الزرقاء وأجره الشهري وتقدمه الصفوف في الحفلات والمآتم ، وبات ممكنا ، براحة ضمير ، نعت رجال الدين بالمحاصصين وكذلك أجهزة الأمن السورية واللبنانية وكل المسؤولين وأتباعهم وسماسرتهم . وبقدر ما اقتنعنا بأن هذا المصطلح يقع كالحفر والتنزيل في وصف النظام اللبناني ، رأينا أن المحاصصة هي علته ، في مواجهة من يقول أن الطائفية هي علته ، واقترحنا ضرورة إعادة النظر في كل ما كتب عن الطائفية ، لا لتبرئة النظام من عيوبها ، بل لأن الحياة أثبتت عقم استخدام مصطلح الطائفية مفهوما إجرائيا . كان ذلك ، في نظر القيادة بمثابة مغامرة " تهدد " كل المنظومة الفكرية السياسية التي تربينا عليها ، ولم يسلم اجتهادنا الفكري هذا من رميه بالانحراف الليبرالي . ( راجع النصوص)

أخذت تتكشف أهمية فكرة الدولة وأولويتها ، لأسباب موضوعية طبعا ، حتى كادت تتحول اليوم إلى ما يشبه الإجماع لدى أهل اليسار وأهل اليمين ، و صار الأفق أمام تحقيق هذا الشعار مفتوحا ، اليوم أكثر من أي وقت مضى . لكن ، حتى هذا الاستنتاج عد من قبل " فلاسفة " القيادة مغامرة محفوفة بمخاطر ما يمكن أن يترتب عليها .
إن أولوية فكرة الدولة والسيادة تتنافس أيضا مع قضية العلاقة بين القطري والقومي ، وفي هذا السياق تندرج المساجلات المتعلقة بحركة التحرر العربي وأزمتها ؛ ومع قضية الاستقلال ، اي العلاقة بالحضارة الرأسمالية وتجسيداتها في السياسة العالمية ، خصوصا في ظل العولمة ؛ ومع ظاهرة حركات الاسلام السياسي والأصوليات الدينية ، ومع الظاهرة الطائفية في لبنان . ولئن بدت عناوين المقالات موزعة على مروحة من القضايا ، إلا أنها ، مجموعة في كتاب ، بمثابة تفصيل لاقتراح برنامج إنقاذي ، محوره قضية بناء الدولة .
كان من الطبيعي أن يصطدم الاقتراح بالأولويات التي رسمتها القوى السياسية لنفسها ، حيث أعطى بعضها الأولوية للتحرير وبعضها للوحدة العربية أو الوحدة الاسلامية أو لقضايا التنمية أو بناء الاشتراكية . لذلك لم يوفر السجال أحدا من أهل " اليمين واليسار" ، من أهل السلطة والمعارضة، واقترحنا أن يكون الموقف من إعادة بناء الوطن والدولة المعيار الوحيد أو الأساسي في التحالفات الداخلية والخارجية ، وبنينا على أساس ذلك خريطة طريق ترسم العلاقة مع حزب الله وأمل وسوريا والحزب الاشتراكي والقوى والشخصيات والتيارات المسيحية والأسلامية ، فكان من الطبيعي أن نجد في كل منها حليفا في مسألة وخصما في مسألة أخرى . ولئن اتخذ السجال مع طروحاتها ، في أغلب الأحيان ، طابع النقد والاعتراض ، فذلك اعتقادا منا أن بناء الجديد لا يتم إلا بالقراءة النقدية واستخلاص العبر والدروس من الممارسة النظرية والسياسية ، ولذلك بدا النقد أكثر قسوة على من يصنفون أنفسهم في خانة قوى التغيير ، وبصورة خاصة على قيادة الحزب الشيوعي التي ، رغم كل هذه السنوات من النقاش الحامي ، أبت أن تقحم نفسها وتقحم الحزب معها في هذا النقاش ، وتشرنقت على همومها الداخلية ، فلم يقرأ الرأي العام نصا واحدا لأحد أعضاء القيادة طيلة هذه الأزمة ، ما خلا البيانات الدورية الصادرة عن اجتماعات المكتب السياسي والمجلس الوطني ، وبلغ التشرنق مداه حين عزلت القيادة نفسها وعزلت الحزب عن مجريات الصراع وبدت متفرجة عليه وغريبة عنه وعن المجتمع ، وظنت أنها تعوض عن هذا الخوف من خوض الصراع الوطني بشجاعة مفتعلة وإجراءات تأديبية بحق الشيوعيين ، وبجفاء مع اليساريين ، حتى بات الحزب " معلقا في الهواء كالمشنوق " وبدا كأنه مقطوع عن شجرة تاريخه النضالي الفذ وعن مستقبل الوطن .

أصوليات وصراع حضارات
لا ندعي أن فكرة بناء الدولة ابتكار شخصي ، لكن طرحها ، بعد الطائف ، كأولوية على جدول العمل الوطني هو تحد للفكر السياسي السائد والمهيمن منذ قرنين من الزمن ، وهو رسالة احترام للشهيد الوطني الكبير كمال جنبلاط الذي صرح قبيل استشهاده بأن مشروع الحركة الوطنية اللبنانية لا يهدف إلى أكثر مما هدفت إلى تحقيقه الثورة الفرنسية . يعني أننا لم نكن نطمح ، بعد انقضاء قرنين على تلك الثورة، إلى أكثر من بناء الجمهورية ، بنت الحضارة الرأسمالية ، على حساب دولة الإمارة أو السلطنة أو المملكة ، أو الدولة التيوقراطية ، أو دولة الانقلاب العسكري التي ابتكرتها الحركة القومية العربية في منتصف القرن العشرين .
يعني ذلك أن مشروع الدولة كان ممكنا ، نظريا على الأقل ، منذ قرنين ، فما الذي عرقل احتمال تنفيذه ؟ العراقيل تجسدت في الفكر الأصولي بفروعه الثلاثة الدينية والقومية والماركسية ، وفي الحركات السياسية التي استلهمته وعممته وجعلته يربض على صدر هذه الأمة .
حين اقترحت الحضارة الرأسمالية (حول وصفها بأنها حضارة يمكن العودة إلى أحد النصوص) على العالم العربي ( وكان في حينه جزءا من تركة الرجل المريض ) أن يتبنى إنجازات الرأسمالية ، تهيبت الأمة من الاقتراح ، وأجمعت قواها السياسية والثقافية على رفضه ، وكان من الطبيعي أن تتشرنق الأمة على ذاتها ، وأن تنبش من تراثها ما يمكن أن يشكل بديلا أو بابا للتملص منه (الشورى بدل الديمقراطية مثلا ) ، وأن تتذرع بمثالب الرأسمالية ، وهي كثيرة ، ( الوجه الاستعماري على سبيل المثل ) لكي تغدو هذه الحضارة الوافدة غريبة ، فترشق بكل التهم ، وتتحصن الأمة ضدها على امتداد القرنين .
في البداية كانت الأصولية الإسلامية ، الوهابية والمهدية والسنوسية وغيرها من الحركات السياسية التي أخطأت في تشخيص أسباب التخلف وحصرتها في ظاهرة الاستعمار، ولم تنتبه إلى أن مسار الحضارة العربية قد بدأ مشوار انحداره مع نهاية الألفية الأولى ، أي مع تفكك الدولة العباسية وانهيار الدولة الأندلسية ، أي قبل بروز الظاهرة الاستعمارية بمئات السنين . لذلك حاولت ، على أساس التشخيص الخاطىء ، أن تنفض الغبار عن التراث الثقافي العربي الغني ، وأن تبدأ نهضتها من الجانب الإيديولوجي ، أي بمحاولة التجديد الديني . لكن عجلة التطور كانت أسرع منها ،لأن الحضارة الحديثة لم تنطلق من مستوى واحد بل من كل المستويات معا ، اقتصاديا وثقافيا ، وسياسيا على وجه الخصوص ، ولهذا بالتحديد سجل فضل السبق للثورة الفرنسية التي كانت السباقة ، بين بلدان أوروبا الناهضة ، في قضية بناء الدولة الحديثة وإقامة الجمهورية .( ناقشنا هذه الناحية في كتابنا : قضايا حضارية عربية معاصرة )
استمرت الإيديولوجية الغيبية مسيطرة في العالم العربي قرنا ونيف ، إلى أن أتت مرحلة الاستقلال الوطني ونشوء الأحزاب الشيوعية ، فتحالف الفكر الغيبي والفكر الاشتراكي ضد الدولة ، ولكل منهما مبرراته ( عالجنا ذلك بتوسع في كتابنا : الأصوليات ، بحوث في معوقات النهوض العربي ) ، إلا أننا سنذكر عينة من الجمود العقائدي الذي هو بمثابة النسخة الماركسية من الأصوليات .
أما الفكر القومي فقد كان له نصيبه الأكبر من مجافاة الدولة ، معتمدا على توليفة من الفكر الغيبي والفكر الاشتراكي ، أمكن له ، بموجبها ، أن يستعير أسوأ ما في التراث وأسوأ ما في الحضارة الوافدة ، فقضى قضاء مبرما على بذور ديمقراطية ناشئة حديثة العهد في الشرق . فضلا عن ذلك ، كان هذا الفكر القومي الشوفيني بارعا في القضاء على بعض المنجزات التي حققها بنفسه ، وبذلك لم تعد الديمقراطية ضحيته الوحيدة ، بل وقعت الشعوب العربية كلها ضحية استبداد سياسي وديني وثقافي ، تولت إدارته الحركة القومية العربية وأحزابها ، باسم المصالح القومية العليا والصراع مع الصهيونية والاستعمار .
أما الجمود الماركسي فقد تجلى في الموقف من بعض المبادرات التجديدية ، النظرية والسياسية ، حين حاولنا أن " نفكر بصوت عال " كتابة ، أو نقاشا مع القيادة ، وتقدمنا باقتراحات للتجديد النظري والسياسي :
الاقتراح الأول استند إلى أصوات ماركسية عديدة كانت قد بدأت تظهر مع الانهيارات الكبرى ، داعية إلى إعادة النظر في توصيف الطبقات الاجتماعية ، على ضوء التحولات التي طالت عملية الانتاج وآلياتها في ظل الرأسمالية ونسختها الحديثة . فقد أنطلقنا من ذلك ودعونا الحزب إلى التخلي عن استخدام مصطلح "الفلاحين " في أدبياته ،( يقول الحزب إنه حزب العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين ... الخ ) وحجتنا النظرية والعملية في ذلك أن الفلاح الذي تحدث عنه ماركس ، ومن بعده لينين ، لم يعد موجودا في بلادنا ، أي في لبنان على الأقل ، وأن طبقة الفلاحين ، أي الفئة المناوئة للاقطاع في عملية الصراع الطبقي ، تحولت إما إلى مزارعين أو إلى عمال زراعيين .
الاقتراح الثاني تناول عملية الصراع الطبقي بالذات ومآله . ذلك أن عملية الصراع الطبقي في الترسيمة الماركسية كانت تتم ، في كل مرحلة من مراحل التاريخ ، بين طبقتين أساسيتين ( بين الأسياد والعبيد في مرحلة ، ثم بين الاقطاع والفلاحين في مرحلة لاحقة ، ثم بين البرجوازية والطبقة العاملة في الحضارة الرأسمالية ) . وإذا كان مآل الصراع في المرحلتين الأوليين لم يفض إلى انتصار إحدى الطبقتين المتصارعتين ، بل إلى انهيارهما معا ، وإلى انتصار طبقة ثالثة من خارجهما ، هي طبقة الاقطاعيين في المرحلة الأولى ، والطبقة البرجوازية في المرحلة الثانية ، فلماذا يصر الماركسيون على انتصار الطبقة العاملة في المرحلة الرأسمالية ؟ يترتب على هذه المعادلة المنطقية بحث نظري في طبيعة الطبقة الجديدة التي يمكن لها أن تنتصر، عند انهيار البرجوازية والطبقة العاملة في نهاية مشوارهما الصراعي ! تهوينا على المتشددين ، نصحنا بالعودة إلى أحد كبار الماركسيين ، غرامشي ، زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي ، الذي اقترح استبدال الطبقة العاملة بالكتلة التاريخية التي تضم شرائح من كل الطبقات .
الاقتراح الثالث يتعلق بفكرة الدولة ، ومفاده إعادة النظر بتأويلات الماركسيين لأفكار ماركس حول الدولة ، ذلك أن ماركس ، في اعتقادنا لم يتحدث عن إلغاء الدولة بل عن اضمحلالها ، ما يعني أنها قد تكون حاجة للتطور والتقدم ، قبل أن تضمحل .
جواب القيادة على هذه الاقتراحات ، وعلى سواها مما كان مهدي عامل يسميه مغامرة نظرية ضرورية لتجديد الفكر ، لم يتجه إلى فتح النقاش حولها ، بل إلى إقفاله ، وإحالتها إلى التصويت . قلنا لهم : لو كانت الحقيقية تثبت بالتصويت لكانت الشمس هي التي تدور حول الأرض ! ومع ذلك ، صوت المجلس الوطني على عدم صحة الاقتراحات ، ومضى نحو التشدد ضد كل محاولات التجديد النظري أو السياسي ، واستعاد أسلوب محاكم التفتيش ، انطلاقا من أن فاقد الشيء لا يعطيه .
استنادا إلى مواقف كل الأصوليين من قضية الدولة ، أجزنا لأنفسنا القول بأن ما يجري في لبنان وفي الشرق هو صراع بين حضارتين، بغير المعنى الذي أراده هنتنغتون ، وبغير المعنى الذي تمناه أعداء الدولة الحديثة ممن أطلقوا على هذا الصراع إسم حوار الحضارات .إنه الصراع بين حضارة الديمقراطية والاقتصاد الحر والفكر العلمي من جهة ، وحضارة الاستبداد والاقتصاد الريعي التحاصصي والفكر الغيبي من جهة أخرى، وهو صراع يحتل فيه الموقف من قيام دولة الحق الهيغلية ، أي دولة القانون ، موقعا أساسيا .
إما أن تكون مع دولة القانون الديمقراطية أو أن تكون مع دولة الانكشارية بأسمائها المتعددة : الطائفية ، التحاصصية ،الملكية ، السلطانية ، الاستبدادية ، الشوفينية ، المخابراتية ، الأمنية ، القبلية العشائرية ، التشبيحية، الخ . وهي كلها أسماء شائعة الاستعمال حتى اللحظة في أنحاء واسعة من هذه الأمة ، خصوصا حيث ما زال البشر يعودون ، في حل مشاكلهم وتدبير شؤونهم وإدارة أحوالهم ، إلى أطر أخرى غير الدولة ، كالقبيلة والعشيرة وقوة التقاليد .
انطلاقا من كل ذلك ، رأينا أن نجمع ما كتبناه حول إعادة بناء الوطن والدولة ، وفضلنا ألا نجري أي تعديل فيه ، تاركين للقارىء أن يقدر الخصوصية الظرفية لكل نص ، زاعمين ، أو ربما متوهمين ، أن ما قد يسقطه الزمن من المساجلات اليومية ضئيل جدا .
ورأينا أن نوزعه على محاور ، هي في الحقيقة بحث في معيقات بناء الدولة ، وهي معيقات تطال العلاقة الجدلية بين بناء الدولة و التحرر الوطني ، بناء الدولة والمحاصصة ، بناء الدولة والأصوليات الدينية ، بناء الدولة وأزمة اليسار اللبناني .
يبقى أن نشير إلى أن هذا البحث لايطال غير جوهر الفكرة ، ويكتفي بتوصيف الدولة المأمولة توصيفا عاما ، بصفتها دولة مدنية ، أي دولة القانون والحق و الديمقراطية والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والكفاءة وتكافؤ الفرص ، وهذه كلها ، بالمصطلح الماركسي ، مواصفات دولة رأسمالية كان ينبغي على البرجوازية أن تضطلع بمسؤولية بنائها لكنها استنكفت . أما اليسار، لا سيما الشيوعي منه ، فمأزقه على هذا الصعيد أكبر من مأزق سواه ، وقد وضعناه مع هذا الاقتراح أمام تحد جديد قديم يمكن صوغه بالسؤال التالي :
إذا كان مستحيلا أن يتولى أهل السلطة من الطائفيين وزعماء الطوائف وسواهم عملية بناء الدولة المدنية ، فهل يمكن أن يتولى اليسار الشيوعي مهمة بناء دولة البرجوازية ؟
في مرحلة لاحقة من النضال لتجديد الحزب ، أطلقنا صيغة من التعاون مع بعض الرفاق المعارضين ، أسميناها " قوى الإصلاح والديمقراطية " ، أخذت على عاتقها صوغ وثيقة برنامجية تكون دليلا للمعارضين أمام مؤتمر استثنائي للحزب ، فجعلنا اقتراحنا المتعلق ببناء الدولة جزءا من مشروع الوثيقة المقترح الذي يتناول قضية الحزب ، إلى جانب أجزاء أخرى متعلقة بهويته وببرنامج الاصلاح الاقتصادي . غير أن بعض الرفاق كانوا يلمحون إلى أمر آخر غير الإصلاح ، ويضمرون في حركتهم بناء حزب جديد ، فلم يعتمدوا الاقتراح ولم يثابروا على صياغة مشروع ، فطوينا صفحة جديدة من رحلة السجال ، وتقدمنا بالورقة ذاتها إلى الهيئة التحضيرية لمؤتمر الحزب التاسع ، ولأول مرة دخلت الفكرة إلى وثائق المؤتمر لكنها لم تشكل المحور الأساسي لبرنامجه، ذلك أن لجنة الصياغة استعارت من الوثائق السابقة قضية مركبة ، يشكل بناء الدولة أحد عناوينها ، إلى جانب عناوين أخرى متعلقة بالتحرير والقضية الاجتماعية والطائفية وسواها من القضايا الثابتة في برامج الحزب .
تعدد عناوين القضية في وثيقة الحزب ، هو تضييع للحلقة المركزية في القضية وفي الوثيقة وفي نضال الحزب . هذا هو الأساس الموضوعي لظهور أعراض انقسامية انشقاقية لم تتخذ صيغة تنظيمية . فقد صار لكل فريق في الحزب قضيته المركزية ، ذات الأولوية ،التي تتمحور حولها سائر القضايا . للنقابيين القضية الاجتماعية ، للصحافيين قضية الحريات الديمقراطية ، للمقاومين المهددين بالبطالة قضية التحرير ، وللأغلبية الساحقة من الشيوعيين المغلوب على أمرهم قضية الحفاظ على النقاء الشخصي ونظافة التاريخ والاعتكاف خلف الحنين والخروج من الصراع على تاريخ الحزب . وبما أنه يوجد بين القوى السياسية اللبنانية فرقاء يشبه كل منهم فريقا داخل الحزب ، كان من الطبيعي أن يبدو الحزب منقسما موزعا مشتتا بين الأولويات الوطنية ، فيبدو فريق القيادة الحالي أقرب إلى تأييد الموقف السوري ، من موقع انحيازه إلى أولويات القضية القومية والصراع مع الأمبريالية والصهيونية ، في حين يفضل فريق آخر التحالف مع قوى 14 آذار ، بينما ندعو نحن إلى الخروج من هذه الاصطفافات ، لعل أولوية بناء الدولة توحد الحزب حول قضية جامعة ، وتعيد لليسار موقعه الرائد في قيادة عملية التغيير التقدمي الديمقراطي .
حال الحزب من حال الوطن ، حيث القوى السياسية تضيع ، هي الأخرى ، الحلقة المركزية ، لكن الأسباب والذرائع أكثر وضوحا لديها مما هي لدى الحزب الشيوعي . إنها قوى ذات مصالح في السلطة ، وفي مصالحها تتجسد أولوياتها . ومن الثابت أن تغييب الدولة هو الطريق الأقصر إلى تأمين هذه المصالح ، وتغييبها يعني تغييب القانون والديمقراطية والوحدة الوطنية ، واستبدالها بنقائضها ، أي بنظام الميليشيات الطائفي واستدراج التدخل الخارجي ، ليحمي كل طرف نفسه ومصالحه بقوة خارجية ، لها هي الأخرى مصالحها . ولأن العلاقة بين القوى الخارجية وأتباعها ، أو حلفائها في الداخل ، محكومة بموازين القوى ، فمن الطبيعي أن تصير القوة الداخلية طرفا ضعيفا في المعادلة ، وأن تصير الدولة هي الضحية .
في هذا السياق من التحليل يندرج الاستقواء بالتدخل السوري والاسرائيلي والعربي والدولي والإيراني . وإذا كان من غير الجائز وغير الصحيح وضع جميع هذه القوى في سلة واحدة ، وذلك لأسباب شتى معروفة ، فإن القوى اللبنانية كلها ، من غير استثناء ، هي التي تتساوى في سعيها إلى استدراج التدخل الخارجي ، أي في ارتكابها فعل "خيانة " بحق الدولة والوحدة الوطنية ، ولا يخفف من هذه التهمة لا المبررات ولا التبريرات ولا اتفاق القوى تلك ، في الطائف ، على العفو عما مضى وفتح صفحة جديدة ، خصوصا وأن الصفحة لم تفتح بهدف إعادة بناء الوطن ، بل بنية ابتكار صيغ جديدة للاستدراج ، للأسف ؛ وبدل الانخراط في عملية نقد ذاتي قاس وصريح يعيد الجميع إلى جادة الصواب حيال الوطن ، رمت تلك القوى أولوية الوحدة الوطنية خلفها واستعادت مشاريع فوق وطنية أو تحت وطنية ، قومية ودينية ، على حساب الوحدة الوطنية .
لقد تجلت هذه الظاهرة على امتداد عمر الوطن . البرجوازية ، ومن يمثلها من الطبقة الحاكمة ، انتصرت لحلف بغداد على حساب الوحدة الوطنية في الخمسينات ، اليسار أخذ جانب الدفاع عن الحركة القومية على حساب الوحدة الوطنية في السبعينات ، وحركات الإسلام السياسي والقوى القومية تنتصر للدور السوري على حساب الوحدة الوطنية ، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان . وقائمة الأمثلة تطول . ولا حل لأزمة الوطن وأزمات قواه السياسية كافة ، وخصوصا اليسارية منها، إلا بالوحدة الوطنية وأولوية إعادة بناء الوطن والدولة .



#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النصر الإلهي : أما آن أوان النقد الذاتي؟عن التسعير المذهبي ف ...
- علي مقلد يقدم لـ-صدى البلد- قراءة شاملة لتقرير المجلس الوطني ...
- جورج حاوي: مقطع من وصية لم تكتب
- الماركسيون بين اضمحلال الدولة وبناء الدولة
- اليسار بين الأنقاض والإنقاذ - قراءة نقدية من أجل تجديد اليسا ...
- تجديد اليسار أم يسار جديد؟
- قراءة سياسية في نتائج مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني
- رسالة من شيوعي إلى السيد هاني فحص


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إلى غزة بعد وصولها م ...
- -نيويورك تايمز-: إسرائيل أغضبت الولايات المتحدة لعدم تحذيرها ...
- عبد اللهيان يكشف تفاصيل المراسلات بين طهران وواشنطن قبل وبعد ...
- زلزال قوي يضرب غرب اليابان وهيئة التنظيم النووي تصدر بيانا
- -مشاورات إضافية لكن النتيجة محسومة-.. مجلس الأمن يبحث اليوم ...
- بعد رد طهران على تل أبيب.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات ...
- تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين قد يتأجل للجمعة
- صور.. ثوران بركاني في إندونيسيا يطلق الحمم والرماد للغلاف ال ...
- مشروع قانون دعم إسرائيل وأوكرانيا أمام مجلس النواب الأميركي ...
- بسبب إيران.. أميركا تسعى لاستخدام منظومة ليزر مضادة للدرون


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد علي مقلد - مقدمة كتاب :اغتيال الدولة