أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار















المزيد.....

الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2079 - 2007 / 10 / 25 - 03:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الامتحان الصعب الذي واجه عباس الفاسي، في منصبه كوزير أول، هو امتحان تشكيل الحكومة وتوزيع حقائبها. فمباشرة بعد أن أنيطت به هذه المهمة وجد نفسه غارقا بين عدة اختيارات متضاربة، كلها عبارة عن معادلات سياسية ومآزق توليفية كان مطلوبا منه أن يتعامل معها بذكاء ويفك تعقيداتها المتشابكة في ظرف زمني وجيز حتى لا يطول المخاض أكثر من اللازم فيكون الحل الوحيد هو التدخل الجراحي والولادة القيصرية تماما كما حدث في نهاية المطاف.
ولأن عباس الفاسي كانت لديه حسابات أخرى كثيرة غير حسابات المنهجية الديمقراطة التي سهلها عليه الناخبون من خلال الترتيب الذي أفرزته أصواتهم في صناديق الاقتراع، فقد ضاعف لنفسه بنفسه عدد المطبات والعراقيل التي كان ينبغي عليه أن يتلافاها حتى يدرك ما يريد، أي تشكيل حكومة امتداد للأغلبية السابقة يكون حزب الاستقلال هو اللاعب الرئيسي فيها ويكون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حارس بوابتها، رغم هزالة حصيلته الانتخابية، وذلك ضمانا لسكوته وعدم عودته إلى صفوف المعارضة.
هذه الهندسة المتعنتة للتشكيلة الحكومية، في ظل السباق المحموم للأحزاب نحو المشاركة فيها بنصيب، جعلت عملية اقتراح اللوائح الوزارية أشبه ببورصة علنية للمساومة والتفاوض غابت عن أجوائها مناقشة البرامج والمشاريع السياسية وهيمنت عليها، عوض ذلك، حسابات العدد وحسابات الأسماء، إذ أن المعايير التي طغت هي معايير القرابة والنسب والمحسوبية والولاءات الشخصية والعلاقات المصلحية لا معايير الكفاءة والاستحقاق والإلمام السياسي والتقني بالملفات.
وعلى العموم كان عباس الفاسي وحزبه ضليعين في هذا الاتجاه "العائلي" و"الزبوني" و"المصلحي" في اختيار الأسماء المقترحة، حسب ما راج إعلاميا في فترة المشاورات، ولم تخالفه الأحزاب المتحالفة معه في هذا المنحى غير الديمقراطي، حيث أصبح الحديث عن طلبات حقيقية للاستوزار توضع على مكاتب زعماء الأحزاب وأمنائها العامين، على طريقة مكاتب التوظيف والبحث عن عمل لا عبر الترقي الحزبي والتزام القيم الديمقراطية المتعارف عليها.
لقد أسعفت بعض الدراسات السوسيولوجية التي فككت النسق السياسي في المغرب في الاهتداء إلى بوابات المطابخ التي تصنع فيها النخب بمختلف أشكالها السياسية والإدارية والعسكرية، وبمختلف توجهاتها التقليدية والعصرية. ونفذت بعض هاته البحوث من عتبة البوابات الخارجية إلى مركز آليات ودواليب وقنوات هذا النوع من "التصنيع"، حيث يمكن أن نذكر على سبيل المثال كتاب جون واتربوري حول النخبة السياسية في المغرب باعتباره نصا مؤسسا سارت على خطاه العديد من الدراسات والمقاربات التي قام بها باحثون مغاربة في هذا المجال.
وهكذا فإذا كان الاستوزار كحلقة عليا وأخيرة في سلاليم الفرز والتنخيب قد احتفظ بارتهانه لمعايير واتربوري ممثلة في الانتماء العائلي والقبلي ومعايير الثروة والشرف والجاه وأعاد إنتاج آلياتها في كل التجارب المتوالية منذ الاستقلال، فإنه في ترتيب الأولويات الذي فرضته التحولات الجذرية للقيم السياسية مؤخرا، أصبحت الصدارة وبشكل أساسي لرضى المُنْتَخِب وتزكيته و"بركته" وهذا المنتخب هو فرد واحد له الكلمة العليا سواء كان زعيما حزبيا أو فاعلا سلطويا نافذا يملك بعض مفاتيح سلطة القرار السياسي، أما مسألة الكفاءة والخبرة أو التخصص فلا ينظر إليها إلا في حالات خاصة وقليلة، لأن "قانون" التوزير والاستوزار في المغرب لا يخضع لمنطق الإشعاع العلمي أو النجاح الإداري أو الدهاء السياسي وإنما لقانون الجار والمجرور، والدافع والمدفوع، مادام كل شيء في النهاية يمكن تعلمه بالممارسة والتجربة والخطأ حتى كيف يكون المرء وزيرا.
ولتغطية هذا النزوع الذي يدني ما يدني ويقصي ما يقصي رضخ عباس الفاسي أثناء مسلسل مشاوراته الماراطونية مع الأحزاب لمبدأ وضع الشروط في ما يخص الأسماء المرشحة لتولي مهام وزارية، حيث فصلت شروطه الانتقائية وفق مقاسات وبناء على خلفيات في مجملها غير مفهومة، فعلى سبيل المثال كان شرط النجاح في الانتخابات التشريعية بالنسبة للذين خاضوا غمارها شرطا مجحفا وغير عقلاني ولا مبرر، لأن الفشل في الحصول على مقعد لا يسحب الشرعية عن الراسب ولا ينتقص من أهليته اللازمة لتولي منصب الوزارة خصوصا أن هذا الفشل يختلف معناه من جهة إلى جهة ومن دائرة إلى دائرة حسب درجة المنافسة ونوعية المتنافسين، ففي بعض الدوائر التي سميت دوائر الموت مثلا لا يعني فوز مرشح ما في الأخير أن منافسيه أقل حنكة سياسية أو كفاءة للاضطلاع بمهمة النيابة أو الوزارة، وحتى في حالة فوز أحدهم بأغلبية الأصوات فإن ذلك لا يعني أنه الأكثر جدارة بين الآخرين في ظل نسبة العزوف المرتفعة، وفي ظل الاستعمال الملحوظ لسلطة المال والنفوذ من قبل البعض.
إن هذا الشرط لا يمكن أن تصبح له دلالة معينة إلا إذا كانت الحكومة ستتشكل في مجملها من أشخاص الذين تنافسوا في الانتخابات ونجحوا فيها، وهو ما ليس صحيحا بدليل أنه لم يستبعد، مثلا، في أية لحظة من المشاورات والمفاوضات اسم الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي تحت طائلة هذا الشرط.
كما أننا يمكن أن نقول نفس الشيء عن عوامل أخرى كالسن والسمعة السياسية، فبعد إعلان التشكيلة النهائية لحكومة الفاسي تبين أن هناك وزراء مسنون بلغوا من الكبر عتيا وآخرون ذوي مشاكل صحية واضحة كما أن اسم ربان هذه الحكومة بذاته ارتبط في أذهان المواطنين بأشنع فضيحة سياسية واجتماعية عرفها المغرب في السنوات الأخيرة أي فضيحة "شركة النجاة" الإماراتية. ثم إن قضية السمعة الجيدة، أو ألمعية الكفاءة السياسية والتقنية، لم تكن هي المحدد الأساسي للاختيار في كل الأحوال لأن بنية الحكومة الحالية تضم بعض الوجوه التي مررت في آخر لحظة عبر القنوات غير الحزبية والطرق المختصرة حينما اشتدت أزمة المخاض وتعسرت الولادة، وهو ما يمكن أن نعبر عنه باشتغال فاعلية المعرفة لصالح فاعليات نكرة في التزكية والفرض عبر الإنزال من فوق.
أخيرا هذان حديثان شريفان فيهما عبرة نوردهما هكذا على الهامش بدون تعليق للتأمل لا غير:
ـ عن أبي موسى قال دخلت على النبي (صلعم) أنا ورجلان من بني عمي فقال أحدهما يا رسول الله أمِّرْنَا على بعض ما وَلاَّكَ الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك فقال إنا والله لا نُوَلِّي هذا العمل أحداً يسْأله أو أحداً حرص عليه.
ـ وعن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله (صلعم) يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعْطِيتَهَا عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها وإن أُعْطِيتها عن مَسْألة وُكِّلْت إليها.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم الهجرة نحو الوسط
- في الحاجة إلى معارضة حزبية قوية
- ملاحظات على هامش انتخابات سبتمبر
- البذور المنتقاة لديمقراطية بوش
- الانتخابات والأمية بالمغرب: -إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب-( ...
- التعليم في المغرب: صانع السم لا يذوقه
- تعديل الدستور: نحو حكومات تحكم وتحاسَب
- السباق نحو تدبير الأزمة
- باتش وورك
- وعي العزوف السياسي
- زبانية الجنة
- الحكومة التي ننتظر
- الحملة الانتخابية: فعل ديمقراطي بأدوات تواصلية
- محاربة الفساد تبدأ من أعلى
- كَمَرَادْ عبد -العالي- الليبرالي ورفاقه
- في مواطنة الخم.. للدجاج أيضا حقوق(!).
- على تغييرها قدراء
- خيمياء التراكم: البطالة.. حل(!)
- الوسط المعتل والفعل الأجوف: عن التعددية الحزبية في المغرب
- مورفولوجية الرمز وخطاب التميمة


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار