حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 2078 - 2007 / 10 / 24 - 12:33
المحور:
الادب والفن
لكل شخص كتابه.
وضعت كتابي لأرتاح من التفكير ومحاولة الفهم. فيه تصنيف للقيم والمراتب.
هو فعل كسول وكاشف للعميق المضطرب و المعطوب.
وضعت نفسي ومن يشبهني في أعلى المراتب كما يفعل جميع الأغبياء. وهكذا حصرت نفسي وتجاربي,مع الفضاء الذي أجهله,في ممارسة عتيقة تخلو من المعرفة والمتعة,ولا تترك مجالا للجديد_عدا المدهش والمثير.
بقيت أصوات خافتة وضعيفة للغاية تأتيني,من الأعمق, ما تفعله خاطئ وأشبه بالانتحار. بالتدريج فقدت المقدرة على التعاطف,وتسلل الغضب والاحتقار إلى بقية سلوكي وأفكاري,بعدها تسمّمت حياتي وتعطّلت إرادتي الحرة,ورغبت فعلا بالانتحار.
....حدث ذلك على مدار سنين طويلة.
لم تكن كتابتي سوى تعبير قهري عن مشاعر الغضب والمرارة,أعرف وأعترف.
.
.
ليس ذنبي أنني ولدت_شأن الأغلبية_ في بيت مسموم بالغضب والمرارة والعنف الصريح,ثم أكملت مؤسسات البلد وسلطاته المختلفة,القضاء على جذور الإرادة الحرّة والمسئولة, لأتحوّل في خريف العمر إلى كهل بائس يثير الشفقة, لا شك.
حياتي مسؤوليتي الكاملة.
في دورة من العنف المكظوم أهدرنا_فريدة السعيدة وأنا_ ربع قرن,نستحضر من أبوينا أكثر ما كرهناه فيهما, ونصرّ بعناد غريب على إحياء سلوك العليّين أبوها وأبي,الأسوأ, الحماقة والتعصّب وقصر النظر, وتجاهلنا عمدا الجانب اللطيف والطيب في الشخصيّتين,صحيح كان ضامرا وبالكاد يلمح في البيت,حين يخلو من الغرباء وتنكشف الشخصية السوريّة الأصيلة والمتوارثة عبر القرون.
*
ثلاث مرات ظننته المطر نزل أثناء نومي,وامتلأ البلكون بماء المطر. اليوم عرفت_رأيت ذلك بعيني_ أن المصرف مسطوم وعاطل, وقد انعكست وظيفته وآلية عمله الطبيعية,بدل أن يترك الماء يعبر إلى المجارير,يعيد دفعه إلى الأعلى...ليبدو وكأنها تمطر في بيتنا لوحده!
وهذا بالضبط ما يحدث في بيتنا وحياتنا. بدل أن نترك الماضي يمضي في طريقه الطبيعي والمناسب,لتحلّ أيام جديدة بخبراتها ومشاعرها وشخوصها وأحداثها,نعيد اجترار صور الماضي,بعد تقطيع أوصالها بطرق فظيعة...لتبدو الرأس مكان اليدين والأذن مكان الأنف والمؤخرة هي العيون...وبقية المشهد الفظيع و المقرف بالفعل.
*
"لا وعي أزيلت أوساخه"....تلك العبارة بترجمة وجيه اسعد,تتكرر كثيرا في الكتب التي نقلها إلى العربية,ويشبّه اللاوعي بالمرشّح والمصرف في حالتي عمله الطبيعية والمرضية,وكيفّ أنّه ينقّي الحياة والتجارب قبل وصولها إلى الوعي والإرادة أو العكس, يضيف أوساخه عليها في حالة العطب النفسي والأخلاقي.
وما يحدث على درجات المقياس النموذجي,حدث معي بالضبط:
أ_ الإنكار ثم الإنكار,حتي تتسمّم الحياة بالكامل, وينهك الوعي والإرادة وبقية مكوّنات الأنا الفردية الأصيلة.
ب_ فيضان أوساخ اللاوعي,في البداية بتنشيط الكحول وبقية المحرّضات, على مختلف الممارسات المشتركة,ويبدأ الآخرون بالنفور والهرب. وربما لحسن حظي_في تلك المرحلة بالضبط_ تعرّضت لتجربة الاعتقال سنة 92 وكانت الصدمة المزدوجة لعالمي الداخل والخارج....ليتبعها الانهيار الشامل.
ج_ الطور الانتحاري....عدم مطلق,أيقظتني فريدة بالطريقة الملائمة لهكذا حالات...أشعلت النار في البيت...وتركناه يحترق من أساسه.
في نهاية هذا الطور أتخبّط, وفي محاولات يائسة للخروج بلا مساعدة,منذ 15 سنة!
.
.
تبادلنا الاحتقار ومختلف أنواع الإساءة,وعجزنا عن التسامح.
بيتنا الذي كان يشبه القاووش في الماضي,تحّول إلى زنزانة منفردة بعد ذلك.
بيت تصفر فيه الريح والخواء ويختنق بالمرارة.
*
الشهر القادم ننتقل إلى بيت على ساقية بسنادا,يستغرب أصدقائي لا مبالاتي بالحدث السعيد,خصوصا أنه بيت ملك,ولا مؤجّر ولا ترحيل قسري, بل انزعاجي الصريح.
.
.
تحدّثت أكثر من مرّة عن تلازم الخطّين المتوازيين في حياتي,خطّ المأساة ويقابله خطّ الحظ الاستثنائي,ولولا ذلك لما استطعت البقاء إلى اليوم.
مع البدء ببيت بسنادا جاءتني الغرين غارد الأمريكية,بدون توقّع أو انتظار, وكنت لأقبل بالنتيجة القادمة من دوائر الهجرة هناك,بلا تذمّر...من حقّهم حماية بلدهم من الغرباء والمتطفّلين ووضع الشروط التي يرونها للقادمين الجدد.
لكنها جاءت من "موظّف سوري غيور" في دائرة البريد, لقد طوي رسالتهم التالية لي أو سرقها بالأصحّ....وربما خلفه جهاز يشارك بالمؤامرة,على المتشرّدين حسين وفريدة!
دعوهم يتعفّنوا هنا....هي العبارة الملائمة لفعل خسيس كهذا,وأظنهم قالوها بفخر.
الموظّف ذاك وكلّ من يشبهه ويوافقه أو يجاريه....يحكمه لاوعي وسخ وقذر أكثر من حالتي, وهم جميعا يحتاجون إلى معالجة اسعافيّة.
*
إن كان ولا بدّ,سنمضي بقية عمرينا على ساقية بسنادا, من الملائم التخلّص من أوساخنا المتراكمة...أو التخفيف منها,ومحاولة البدء من جديد. قلت لنفسي.
حياتي الماضية هي مسؤوليتي ولا أتنكّر,لكن حياتي القادمة هي الأهمّ.
ليس من السهل أبدا,في بلاد تحتفي حكوماتها ورجال دينها والغالبية الساحقة من أهلها, بمسلسل هزيل ومليء بالقيم المتعفّنة(باب الحارة)...أن تبدأ حياة نظيفة وبسيطة,كيف وأنت تحمل كل هذا الميراث العظيم....كذب وقح مع احتقار صريح وواضح للقيم الإنسانية الأساسية...حريّة_مساواة_عدالة...!!!!
لا بدّ من المقارنة مع برنامج الدكتور فيل. ثقافة حياة مقابل ثقافة موت.
.
.
سأعود إلى المصنّف الذي وضعته فعليا سنة 1998, وأدرجت أشباهي في المعيار الأعلى,فقط لأعكسه.....وأتمنى لفريدة السعيدة ولي....ولمن يصله هذا الكلام,بداية حقيقية تحتفي بالجديد وتعطيه ما يستحقّ من الجهد والانتباه والمسئولية,وتحترم الماضي_أعلى درجات الاحترام_ بتركه يمضي وينتهي نفسيا,كما انتهى في الزمان والمكان والواقع.
الشغف والحماس أمامنا,بعد تنظيف المرشّح النفسي والأخلاقي,يمكن الضحك من أعماق القلب والروح. هذا ما أحدس به....ربما أيام قادمة...حلوة...ربما.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟