أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي (مناقشة مع الصديقين عادل سمارة ومسعد عربيد)-1















المزيد.....



الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي (مناقشة مع الصديقين عادل سمارة ومسعد عربيد)-1


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 2077 - 2007 / 10 / 23 - 10:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قبل أن ينشر الصديقان عادل ومسعد رأيهما عبر موقع كنعان الذي يشرفان عليه، وفي الرسالة التي يعممها الموقع، كانا قد نشراه على الإيميل المشترك للقوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي التي انطلقت على ضوء النداء الذي صدر في باريس في 18/9/2006، ولقد نشرت ردي هذا على الإيميل ذاته. أجريت هنا بعض التدقيقات والتوضيحات فقط، وشطبت الجمل التي إعترضا عليها في رسالة عممت على الإيميل المشترك ونشرت على موقع الحوار المتمدن كذلك (الحوار المتمدن تاريخ 10/10/2007)، والخاصة بالإشارة التي أوردتها بأن في نقاشهما ما يبدو أنه رد على ورقة تخص الدولة الديمقراطية العلمانية نشرتها على الإيميل المشترك، كونهما أشارا إلى أنهما لم يقرآها.
**********

قدّم الصديقان عادل سمارة ومسعد عربيد مداخلة انطلقت من نقد هدف الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين، معتبرين أن البديل هو الحل الاشتراكي. ورغم أن هناك الكثير من القضايا التي نتفق معها، فقد لحظت أنها وضعت في سياق مربك، وقادت إلى استنتاجات إشكالية. الأمر الذي يشير إلى أن منهجية التحليل هي مرتبكة. حيث نلمس عدم منطقية وغياب ترابط. مما أفضى إلى أن يوضع الحل الاشتراكي في مواجهة الدولة الديمقراطية العلمانية. وربما كان الإشكال الأساسي في الحوار الآن هو أن النص لا يشير إلى الذين يناقشهم، وبالتالي ربما يقود ذلك إلى أن يكون الحوار حول مسألة الدولة الديمقراطية العلمانية مربكاً وإشكالياً، خصوصاً وأنه يعطي لحل الدولة الديمقراطية أبعاداً ومضامين ليست فيه، وحمّله ما لا يحتمل، وبالتالي كان سهلاً الوصول إلى النتيجة المحددة مسبقاً، وهي: رفضه.
في كل الأحوال سوف أتناول في هذه المناقشة الحل الاشتراكي والحل الديمقراطي في إطار نظري عام، لأن الموضوع يحتاج إلى هذا المدخل. ثم أتناول نقدهما للدولة الديمقراطية العلمانية. وبالتالي رؤيتهما للحل الاشتراكي في فلسطين.

(1)
الحل الاشتراكي والحل الديمقراطي
إذن سوف أبدأ من "مستوى نظري"، هو أساسي في رؤية الوضع الراهن، ومدخل تحديد إستراتيجية القوى الماركسية (أو الاشتراكية كما يحب الصديقين تسميتها). وبالتالي فإن أهميتها نابعة من كونها مفصل تحديد السياسات والتكتيكات والتحالفات.
المهمات الديمقراطية والمهمات الاشتراكية
والصديقان يبدآن من مقابلة الحل الاشتراكي بالحل الديمقراطي، يطرحان الحل الاشتراكي كبديل عن الخيار الديمقراطي. لهذا يعنونا النص بـ: "نحو حل إشتراكي في فلسطين: مناقشة نقدية في حل "الدولة الديمقراطية العلمانية"". وهما هنا يطرحا الحل الاشتراكي النهضوي العربي القائم على تحقيق الوحدة والتنمية والتحرير. من أجل إقامة دولة عربية فيدرالية، موحدة، إشتراكية، ومتطورة. ويدعوان إلى قيام حركة إشتراكية عربية تمثل الطبقات الشعبية. وينطلقان من ذلك لمواجهة حل الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين بالحل الاشتراكي. وهو النقاش الذي يوحي بأن طبيعة المرحلة الراهنة تفرض الحل الاشتراكي وليس الحل الديمقراطي. وهذه مسألة يبدو أنه يجب أن نعيد النقاش فيها، رغم أنها إستحوذت على نقاشات واسعة في الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين (خصوصاً السنوات من 1950- 1970)، وبدا أن المسألة قد تبلورت في صيغة "الثورة القومية الديمقراطية" وليس الثورة الاشتراكية، التي ظل قطاع محدود من الماركسيين يؤكد عليها.
لهذا ربما من المفيد تركيز الأفكار حول هذه المسألة، لأنها أساس نظري لكل السياسات التي ترسم، وأساس تحديد المهمات ودور الطبقات والتحالفات كما أشرت للتو. إن ملخص النقاش حول هذه المسألة يشير إلى أن التباساً حدث في إطار الماركسيين بعد أن تحولت الرأسمالية من حدودها القومية لتصبح نمطاً عالمياً يفرض مصالح رأسمالية المراكز على أمم الأرض، وبالتالي تنحّت البرجوازيات في الأمم التي لم تصبح رأسمالية عن لعب دورها في بناء الصناعة وتطوير قوى الإنتاج، وبالتالي في تحقيق المهمات الديمقراطية الضرورية لتطور اقتصادي كهذا (أي الدولة الحديثة، وحل المسألة القومية، وحل المسألة الزراعية، والحداثة الفكرية)، ولقد إنجدلت مع الرأسمالية الإمبريالية من موقع التابع. لهذا ظلت هذه الأمم عاجزة عن الانتقال إلى مرحلة الصناعة والدمقرطة والحداثة (وبعضها التوحيد القومي). ولقد أصبحت الرأسماليات الإمبريالية والمحلية مضادة لصيرورة التطور والحداثة هناك، وبالتالي أصبح كل تطور يجب أن ينطلق من الصدام معها، وهو لن يتحقق إلا عبر هزيمة هذه الرأسماليات.
في هذا الوضع طرح خياران، الأول: ينطلق من الإصرار على الفكرة الأصلية لماركس، والقائلة بـ "حتمية" الانتقال من المرحلة الإقطاعية إلى الرأسمالية، وهو الانتقال الذي يتحقق بقيادة البرجوازية، ولن يتحقق بغير ذلك. وسنلحظ هنا أن هذا التيار في الماركسية لم يلحظ تحوّل مسار البرجوازية المحلية بعد ترابطها مع الرأسمال الإمبريالي، حيث لم تعد معنية ببناء الصناعة وتطوير قوى الإنتاج، بل أصبحت توظّف الرأسمال في القطاع الهامشي، في التجارة والخدمات والمال، وهو القطاع المتراكب مع سيطرة الرأسمال الإمبريالي، وبالتالي مع سياساته. وهي لهذا لم تعد معنية بتحقيق المهمات الديمقراطية، بل حافظت على استمرارية البنى المؤسسية والأيديولوجية التقليدية. ونتيجة ذلك أصبح الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية وفق الصيغة النظرية التي تطرحها الماركسية (ماركسية ماركس)، والمستمدة من صيرورة الانتقال في أوروبا، غير ممكن. حيث استمرت البنى الإقطاعية، التي أخذت شيئاً فشيئاً تتكيف مع النمط الرأسمالي وتتحوّل إلى رأسمالية هامشية، وأُخضعت الأمم المخلفة لآليات السيطرة الإمبريالية، لتبقى دون قوى إنتاج قادرة على المنافسة، وبقيت في الغالب أمم زراعية متخلفة، أو تعتمد على المواد الأولية.
الخيار الثاني: هو الانطلاق من أن مواجهة الرأسمالية تفرض تحقيق الاشتراكية، حيث أن الطبقة العاملة لا تحمل سوى مشروع واحد هو: الاشتراكية، بغض النظر عن الظروف الواقعية، وبالتالي المهمات التي يطرحها الواقع. وكما لمسنا للتو فإن الواقع لم يكن قد تجاوز سيطرة الإقطاع، أو تجاوز التكوين الزراعي، وظلت الصناعة هامشاً محدوداً، كما ظلت البنى التقليدية هي المسيطرة، وكانت المهمات الديمقراطية كلها لم تتحقق بالتالي. وهذا ما فرض طرح صيغة "إشكالية" من قبل بعض التيارات الماركسية هي صيغة "البرنامج الانتقالي" في إطار ثورة إشتراكية. أو ربما يكون قد أدى إلى تمييع معنى الاشتراكية كما سنلاحظ تالياً. بمعنى أنه قد أُخرج عن أساسه الطبقي فأعيد إلى المعنى السابق للماركسية، والذي نقده كل من ماركس وإنجلز في الفصل الأخير من "البيان الشيوعي"، وأشار إليه إنجلز في كتابه "الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية"، أو "تطور الاشتراكية من طوبى إلى علم".
بمعنى أن المنطق الذي حكم هذين الخيارين إنطلق من الإجابة على سؤال: هل أن المهمات هي التي تحدد طبيعة الثورة (أو التحول أو التغيير) أم أن دور الطبقات هو الذي يحدد ذلك؟ مَنْ إنطلق من المهمات فقط إتبع "الطريق التقليدي" للتطور، والذي شهدته أوروبا في تحولها إلى الرأسمالية، وبالتالي إستنتج بأن البرجوازية هي التي يجب أن تحقق التغيير، وأنْ لا طريق غير ذلك، وبالتالي بنى منطقه على حتمية هي حتمية الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية. ومَنْ إنطلق من دور الطبقة العاملة بعد أن رأى عجز البرجوازية، ظل متمسكاً بالفكرة الماركسية "التقليدية" التي تقول بأن مهمة الطبقة العاملة هي تحقيق الاشتراكية، لأن هذه هي مهمتها "التاريخية"، وهنا كمنت حتمية أخرى. لقد تأسس المنطق الأول على أن هذه المهمات التي هي مهمات حققتها البرجوازية إبان صعودها، هي مهماتها. لهذا لن يحققها طرف آخر، إنها مهماتها. وما دامت الطبقة العاملة قد تشكلت، وما دام الحزب الماركسي أصبح قائماً، فعليهما أن يدعماها لا أن يحلا محلها. هنا الربط الميكانيكي المحكم بين المهمات والطبقة التي تحققها (بناءً على التجربة الأوروبية). وتأسس المنطق الثاني على أن عجز البرجوازية عن تحقيق التطور، أو تخلي البرجوازية عن دورها "التقليدي"، وبالتالي إنتهاء دورها "التاريخي"، يفرض أن تقوم "الطبقة النقيض"، أي الطبقة العاملة ما دامت قد تشكلت، بتحقيق برنامجها، الذي هو تحقيق الاشتراكية. وهنا نلمس الربط الميكانيكي المحكم كذلك بين الطبقة العاملة و"مهماتها التاريخية". وسنلمس بأن كلا المنطقين يتجاهل الواقع، وينطلق من فكرة أتى بها ماركس وهو يحلل واقعاً معيناً، جرى تعميمها، أو تحويلها إلى قانون. هل هي قانون؟ لكن كيف يمكن أن تتحول إلى قانون دون أن تدرس تجريبياً في مكان وزمان آخرين، في مكان وزمان غير مكان وزمان ماركس؟ هذا ما تناوله لينين ليتوصل إلى ما هو مخالف لهذه الفكرة ولتلك.
سنلحظ بأن في كلا الإجابتين ما هو صحيح، وإن كانتا إجابتان خاطئتان. حيث أن كل منهما يعتمد زاوية نظر مختلفة عن الأخرى، وهي صحيحة في حدودها لكنها تكون خاطئة حينما تتحول إلى حكم. الحكم المبني على دوغما تنطلق من فكرة لماركس (وليس من منهجيته). وهنا يكون مطلوباً تجاوز الربط الميكانيكي المحكم بين الطبقة والمهمات. فصحيح أن المهمات هي مهمات ديمقراطية تلك التي حققتها البرجوازية في أوروبا والتي لازلنا نسعى إلى تحقيقها. مهمات بناء الصناعة وتطوير القوى المنتجة، الوحدة القومية، الحداثة المتضمنة الدمقرطة والعلمنة. لكن لم تعد البرجوازية (العالمية والمحلية) معنية بتحقيقها كما أشرنا منذ البدء. وليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية دون تحقيق هذه المهمات. لا إشتراكية دون أن تصبح الصناعة هي أساس قوى الإنتاج، وبالتالي أن تتشكل الطبقة العاملة كطبقة لذاتها. وكذلك دون أن تتحقق المسألة القومية والدمقرطة والحداثة. حيث لا المجتمع متكون بما يسمح بذلك، ولا الطبقة العاملة ( قليلة العدد، ومحدودة الوعي نتيجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي ذاته) قادرة على حمل مشروع تحقيق الاشتراكية. إنها بحاجة لأن تتحقق المهمات الديمقراطية، كما أن حجمها يفرض عليها أن تتحالف مع كل الطبقات المعنية بتحقيق المهمات الديمقراطية(خصوصاً الفلاحون والفئات الوسطى المدينية). وما من شك في أن سعيها لتحقيق الاشتراكية يعزلها عن هؤلاء، ويبقي هدفها بعيداً، وليبدو أنه خارج الإمكانات الواقعية.
إذن، هناك مهمات واقعية لم تعد الطبقة التي حققتها في سياق التطور التاريخي الأوروبي معنية بها، وهناك الطبقة العاملة التي لا تستطيع تحقيق مشروعها الاشتراكي نتيجة حجمها، وطبيعة المهمات التي يجب أن تتحقق. هنا الحتمية تتحدد في ضرورة تحقيق المهمات، لأنها تتعلق بالتطور التاريخي الذي لا تتحقق صيرورته إلا بتحقيق المهمات التي يطرحها الواقع ذاته. لكن إنتهاء الدور التاريخي للبرجوازية يفرض أن تقوم الطبقة التي لن تتحقق مصالحها إلا إذا حققت مصالح الأمة، ولتتحول هي الأمة، هذه الطبقة هي الطبقة العاملة. وهنا تتحدد الحتمية الأخرى، أي أن تلعب الطبقة العاملة دوراً فاعلاً وقيادياً لعملية التغيير والتطور.
/ ملاحظة: الحتمية هنا لا تعني حتمية أن يتحقق التطور، فهذه مسألة خاضعة للممكنات، لكنها تعني أنه من الضروري تحقيق المهمات الديمقراطية، ولا إشتراكية دون ذلك. وأيضاً أن تحقق ذلك يفترض أن تلعب الطبقة العاملة الدور الفاعل والقيادي/

هذا الوضع طرح الصيغة المركبة، التي بدأها لينين (رغم أنها تطورت خلال القرن العشرين)، القائمة على التأكيد على ضرورة تحقيق المهمات الديمقراطية، حيث ليس من تطور دون ذلك، لكن أولاً بأن تلعب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالتالي الحزب الذي يمثلهما، الدور الفاعل والقيادي، دون تجاهل التحالف مع بقية الطبقات الشعبية، وكذلك التحالف مع الأحزاب المعبّرة عن تلك الطبقات. هنا لا تعود المهمات الديمقراطية حكراً على البرجوازية (وإنْ كانت قد حققتها في الماضي)، كما لا تعود مهمة الطبقة العاملة تحقيق الاشتراكية فقط، بل يجب عليها أن تحقق المهمات الديمقراطية تلك لكي يكون بإمكانها الانتقال لتحقيق الاشتراكية. إذن، المهمات الديمقراطية (وأشير إلى أن الصديقين عادل ومسعد لا يطرحان أكثر من هذه المهمات كما سوف أوضّح تالياً) من جهة، وضعف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ولكن مقدرتهما على التحالف مع الفلاحين المتوسطين ومع الفئات الوسطى المدينية من جهة أخرى، يجعلان التأكيد على الطابع الديمقراطي للمرحلة (أو للثورة) مسألة أولية، خصوصاً في الوطن العربي، حيث أن المهمات الديمقراطية واسعة: الاستقلال في فلسطين والعراق ومناطق أخرى، الوحدة القومية وحل مسألة الأقليات، تطوير القوى المنتجة وخصوصاً بناء الصناعة وتحديث الزراعة، الدمقرطة والعلمنة والحداثة. بمعنى أنه يجب ملاحظة المهمات من جهة، والكتلة الطبقية القادرة على تحقيقها من جهة أخرى، ودون ذلك لن يكون ممكناً تحقيق التطور، لا الديمقراطي ولا الاشتراكي. وهذه "الكتلة التاريخية" (كما أشار غرامشي) هي الطبقات الشعبية (أي العمال والفلاحون الفقراء والمتوسطون والفئات الوسطى المدينية)، وإذا كانت الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء يمكن أن يدعموا إلغاء الملكية الخاصة فإن بقية الطبقات سوف ترفض ذلك لأنها تسعى إلى التملّك، وتحلم بالتحوّل إلى رأسمالية. وبالتالي فإن المطالبة بتحقيق الاشتراكية، أي بإلغاء الملكية الخاصة (وهو ما يشير إليه الصديقان بشكل عابر على كل حال)، سوف لن يسمح بتحقيق التحالف الذي هو وحده القادر على تحقيق المهمات الديمقراطية.
طبيعة الحل الاشتراكي الذي يطرحه الصديقان
لقد حدد الصديقان المهمات في: الوحدة، التنمية (ومرة حدداها بالتنمية الاشتراكية)، التحرير (ومرة بإضافة تعبير: وصولاً إلى الاشتراكية). لكنهما إعتبرا أنها هي "الحل الاشتراكي"، كما إعتبرا أن الطبقات الشعبية (دون تحديد من هي) هي صاحبة المصلحة الحقيقية في تحقيق هذه الأهداف. ولهذا دعوا إلى قيام حركة إشتراكية عربية منها.
الصديقان هنا يطرحان المهمات الديمقراطية (أو بعض هذه المهمات). لكنهما يعتبران أنها أهداف المشروع الاشتراكي، لأن تحقيق هذه المهمات هو في تضاد مع الرأسمالية. فـ "بما أن رأس المال الكمبرادوري يخون، بشقيه السياسي والثقافي، فلا مناص من حل غير رأسمالي هذه المرة هو الحل الاشتراكي". بمعنى أنه مادام لم يعد حلاً رأسمالياً فهو إذن حل إشتراكي. ولاشك في أن هذا الاستنتاج متسرع وشكلي، لأن صيرورة الواقع أعقد من أن تحسم بهذه الطريقة "اللفظية". هل أن معنى غير رأسمالي تساوي الاشتراكي؟ على الصعيد التجريدي نعم، لكن في الصيرورة الواقعية لا. لأن طبيعة الحل تتحدد بطبيعة المهمات أكثر من تحددها بطبيعة الطبقة القائدة. وبالتالي فإن خيانة الرأسمالية لا تلغي أن هناك مهمات ديمقراطية يجب تحقيقها. وإن كانت باتت تتحقق بقيادة طبقية أخرى، هي قيادة الطبقة العاملة التي هي وحدها منْ يتبنى تحقيق الاشتراكية "العلمية"، أي تلك القائمة على إلغاء الملكية الخاصة. لكنها معنية أولاً بتحقيق المهمات الديمقراطية في إطار تحالف طبقي سياسي واسع، وبالتالي لا يمكنها طرح إلغاء الملكية الخاصة كهدف، إضافة إلى أن ممكنات الواقع لا تحتمله ما دامت لم تتأسس قوى منتجة تستطيع حمل المشروع الاشتراكي.
أولاً هل أن المهمات التي يطرحها الصديقين هي مهمات إشتراكية؟ بالتأكيد لا، حيث أنها المهمات التي أنجزتها البرجوازية إبان صعودها في أوروبا. وهي مهمات الانتقال من "مجتمع القرون الوسطى" إلى "المجتمع المدني الحديث". مهمات الانتقال من الإقطاع، تجاوز الإقطاع على صعيد البنى القائمة، أي تجاوز المجتمع الزراعي والأيديولوجيا المطابقة التي تشكل الوعي العام، نحو مجتمع مدني حديث يقوم على الصناعة. ولاشك في أن نقلة قوى الإنتاج هذه مهمة وحاسمة كذلك، لأنها الأساس في تشكيل "المجتمع المدني الحديث"، أي على صعيد البنى المؤسسية والوعي والعلاقات، وتشكل الطبقات (الطبقة العاملة خصوصاً).
ومهمات الانتقال في الوطن العربي هي: الاستقلال (لعديد من المناطق فيه)، والوحدة القومية وحل مسألة الأقليات القومية، الدمقرطة والعلمنة والحداثة، وبناء الصناعة وتطوير القوى المنتجة والبنى التحتية. وهي المهمات التي طرحها رواد النهضة العربية لكن البرجوازية العربية الناشئة منذ نهاية القرن التاسع عشر لم تكن معنية بتحقيقها، لأنها تشكلت بالإنجدال مع الرأسمال الإمبريالي، وتوافقت مع سياساته –النابعة من مصالحه – في تكريس البنى التقليدية والزوغان عن بناء الصناعة وتحديث المؤسسات والوعي. وبالتالي هل لأن الرأسمالية لم تفعل ذلك سيكون الحل الاشتراكي هو البديل؟ إذن ما معنى الحل الاشتراكي؟ هل نقصد هنا أن الاشتراكيين (وأنا أقول الماركسيين) هم من يجب أن يحقق هذه المهمات؟ في هذا المعنى الجواب نعم، وبالتالي يجب أن نشير إلى كيف (وهذا ما فرض أن يكون حل الاشتراكيين هو تحقيق المهمات الديمقراطية. بمعنى أنه يجب التمييز بين الحل الاشتراكي، أي ذاك الذي يقوم على تحقيق الاشتراكية، وحل الاشتراكيين الذي ليس هو بالضرورة الحل الاشتراكي. أي الفصل بين الذات –الحزب- والموضوع –المهمات- من أجل إعادة ترتيب العلاقة بينهما جدلياً). أم أنها تعني تحقيق الاشتراكية التي تقوم على إلغاء الملكية الخاصة، ولن تتحقق دون ذلك؟ هنا تبرز الإشكالية، حيث أن الطابع الاشتراكي للحل (وللثورة أو التغيير) يقوم على بناء اقتصاد إشتراكي، أي قائم على إلغاء الملكية الخاصة. وهنا لن يكون ممكناً تأسيس تحالف طبقي سياسي يضمن تحقيق المهمات الأخرى، التي هي مهمات جوهرية لتحقيق التطور، والانتقال إلى الاشتراكية.
وبالتالي ليس لأن البرجوازية قد فقدت دورها التاريخي يصبح الحل هو الاشتراكية، وتتحول المهمات ذاتها إلى مهمات إشتراكية. إنها هي ذاتها المهمات الديمقراطية التي يجب على الماركسيين تحقيقها.
وإذا كانت هذه المهمات لا تتحقق إلا على الضد من النمط الرأسمالي وذيوله المحلية، فإن ذلك لا يحوّلها إلى مهمات إشتراكية بل يقدّم الأساس لأن تلعب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالتالي الحزب الذي يعبّر عنهم، الدور الفاعل والقيادي لكي يحققها. هنا تتغير الطبقة القائدة التي يلقى عليها تحقيق المهمات الديمقراطية. إن عدم تحقّق المهمات الديمقراطية إلا بالضد من الرأسمالية هو مدخل التأكيد على أن لا إمكانية لتحقيق تلك المهمات إلا بقيادة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، مع ملاحظة أن ذلك يتحقق في إطار تحالف طبقي سياسي كما أشرنا للتو. بمعنى أن ذلك لا يحولها إلى مهمات إشتراكية بل يحوّل في دور الطبقات، ويعطي الطبقة العاملة الأفضلية.
إن وسم هذه المهمات بأنها إشتراكية هو تحميل لها بأكثر مما تحتمل، وتضييع لمعنى الاشتراكية، التي تفترض مستوى معيناً من التطور بنشوء قوى إنتاج حديثة قائمة على الصناعة، ومتجاوزة للمهمات الديمقراطية، وتقوم على إلغاء الملكية الخاصة. لهذا سنلمس بأن "الحل الاشتراكي" المطروح يُبهت معنى الاشتراكية، ويتميع، ويتحوّل إلى شعار يتضمن طموح فئات وسطى تسعى لتحقيق المهمات الديمقراطية ذاتها، لكن في ظرف ليس مؤاتياً، هو بالضبط ظرف سيطرة الرأسمالية الإمبريالية، وبالتالي احتجازها التطور "الطبيعي" (العفوي، التقليدي). فتموّه تلك الفئات مشروعها، تغطيه بالألفاظ، تعطيه طابعاً لفظياً، عبر تسميته: الاشتراكية. هذا ما وسم البعث والناصرية، اللذين أعطيا للاشتراكية معنى مساواتياً (الإصلاح الزراعي)، وحداثياً (دور الدولة الاستثماري الاجتماعي، والتخطيط المركزي)، مع تأكيدهم على تقديس الملكية الخاصة. وكان كل ذلك يعيد إنتاج الفائض لمصلحة فئة من الفئات التي شكلت السلطة الجديدة كما لاحظنا في النصف الثاني من القرن العشرين، وما يتبدى واضحاً أمامنا الآن. إن تعقيد الوضع نتيجة السيطرة الإمبريالية، والضرورة التي تفرض الحاجة إلى التغيير في وضع وظروف الفلاحين والفئات الوسطى الريفية آنئذ، والذي كان يفترض مواجهة الرأسمالية، فرض تبني نقيضها، لكن بعد إفراغه من معناه الحقيقي. لقد أصبحت الاشتراكية مدخلاً أيديولوجياً لفرض سيطرة الفئات الوسطى تلك، ولتحقيق مصالحها هي بالذات.
الاشتراكية هنا هي النقيض الشكلي للرأسمالية، لكنها في الواقع الغطاء الذي تتحقق في ظله مصالح رأسمالية. وهو نقيض شكلي لهذا السبب بالذات. لهذا كانت إشتراكية تنطلق من الملكية الخاصة (وهي هنا ليست إشتراكية، بل إشتراكية طوباوية). وكانت إشتراكية "الجماهير الشعبية"، هذا التعبير الهلامي الذي يغطي على الطبقات من أجل فرض سيادة الفئات الوسطى. وهو يتجاوز التحديد الدقيق للطبقات، من تسميتها، ومن تحديد مصالح كل منها سوى ذلك المتعلق بالعام المشترك.
هل يكرر الصديقات ذلك؟ أخشى أن يكونا كذلك. وإذا كانا يعتبران أن تحقيق المهمات الديمقراطية هو تحقيق للحل الاشتراكي، فلسوف نلمس أنهما يؤسسان لضبابية أخرى حينما يعتبران أن هذا الحل تحققه الطبقات الشعبية، ويساويان بينه وبين التنمية. وكل ذلك يفرض طرح السؤال: ما هي طبيعة الاشتراكية التي يطرحانها؟
إن تعبير الطبقات الشعبية يستخدم عادة، لكنه يتحدد في أنها: العمال والفلاحون والفئات الوسطى المدينية. لكن حينما تستخدم دون تحديد يجب أن تثير التساؤل. هل لأن التكوين الطبقي القائم مميع، أو غير محدد؟ أو أنهما يريا أنه غير محدد؟ في هذا الوضع يجب أن يتحدد أولاً، لأنه دون تحدده ليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية. حيث أن "الكتل الهلامية" لا تطرح على ذاتها مهمات إشتراكية. أم أن الرؤية التي يُنظر منها إلى الواقع هي "الهلامية" لهذا لا ترى الطبقات؟ طبعاً ليس من تكوين طبقي واضح بالمطلق، حيث هناك تداخلات عادة، لكن أساس التحديد مهم هنا، هل هو البدء من الاقتصادي، أي من العمل والملكية؟ أم من السياسي، أي من المهمات السياسية بالذات؟ في المستوى الأول يمكن تمييز الطبقات بوضوح، أما في المستوى الثاني فلا يمكن ذلك لأن المهمات المطروحة هي القاسم المشترك بين "الطبقات الشعبية". لكن هنا تضيع الخيارات المختلفة للطبقات الشعبية. وهذا ما يبرزه التحديد الاقتصادي للطبقات.
إن هذا التعبير سيبدو غامضاً ومموهاً دون تحديد طبقي واضح. وربما كان هذا الغموض هو الذي يشي بإشكالية معنى الاشتراكية المشار إليه للتو. الطبقات الشعبية معنية بتحقيق الوحدة والتنمية والاستقلال (أو التحرير كما يرد في النص)، وأيضاً معنية بالحداثة والدمقرطة والعلمنة، لكن هل هي كلها معنية بتحقيق الاشتراكية القائمة على إلغاء الملكية الخاصة؟ وهل هي كلها، بالتالي، تقبل بأن لا تراكم الرأسمال لكي تصعد، وبالتالي تتحول إلى رأسمالية؟ هنا نلمس حلم الفئات الوسطى الريفية والمدينية التي هي جزء من الطبقات الشعبية. فأمام مسألة الملكية الخاصة تفترق أحلام المساواة التي تنتشر عادة بين الفلاحين، وتؤسس لنشوء "الاشتراكية الفلاحية"، وأحلام البرجوازية الصغيرة المتمحورة حول دور الدولة، والتي تؤسس لنشوء "إشتراكية البرجوازية الصغيرة"، عن إشتراكية الطبقة العاملة. حيث تسعى الفئات الوسطى الريفية والمدينية لأن تترسمل، وتكون أطروحاتها حول المساواة ودور الدولة القائمين على "تقديس الملكية الخاصة" مدخلاً لإنتاج اللامساواة والتمايز الطبقي. وإذا كان ماركس وإنجلز قد ناقشا ذلك في الفصل الأخير من "البيان الشيوعي" لأنه كان منتشراً في أوروبا آنئذ، فقد لمسناه نحن في الوطن العربي مع نشوء تيارات كحزب البعث والناصرية، ولمسنا نتائجه في الواقع، وبالتالي يمكننا توصيف عملية التحول تلك، وإنقلاب المساواة (المتحققة في الإصلاح الزراعي) إلى لا مساواة، وتحول الدولة إلى مركز إعادة توزيع التراكم، وبالتالي نشوء طبقة رأسمالية جديدة في ظل شعارات تحقيق الاشتراكية.
إذن، يجب الخروج من الضبابية التي تلف معنى الطبقات الشعبية وتحديد الطبقات بشكل واضح، وبالتالي التحديد الدقيق لمصالح كل منها كطبقات، ولمس "طموحاتها" وإستراتيجياتها. أي تحديد الاختلاف فيما بينها، قبل تحديد توافقاتها ومصالحها المشتركة، وبالتالي نضالها المشترك. وإذا كانت الاشتراكية تقوم على مفصل إلغاء الملكية الخاصة، فإن تمايزاً واضحاً سوف ينشأ بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء من جهة، وبين الفلاحين المتوسطين، والفئات الوسطى المدينية (المسماة كلها بالبرجوازية الصغيرة) من جهة أخرى. حيث سيبدو طرح البرجوازية الصغيرة للاشتراكية كأوهام أيديولوجية لأنها تقيمها على أساس الملكية الخاصة، وهو ما ليس ممكناً، ويفضي في الممارسة إلى الترسمل وليس إلى الاشتراكية. وسنلمس أن تناقضاً واسعاً يخترق "الطبقات الشعبية"، بين من يعمل على إلغاء الملكية الخاصة ومن يعمل على تكريسها وإنْ كان قبل بدور الدولة الاقتصادي.
وبالتالي، فإذا طرحت الاشتراكية بمعناها الواضح القائم على إلغاء الملكية الخاصة، فلسوف ينفرط عقد التحالف بين الطبقات الشعبية، ولم يعد من الممكن توحيدها لتحقيق المهمات الديمقراطية (الوحدة والاستقلال والدمقرطة والعلمنة والتنمية)، ما دمنا نعتبر أن مهمتنا الراهنة هي تحقيق الاشتراكية أيضاً، وأن طابع المرحلة (أو الثورة أو التحول) هو إشتراكي بهذا المعنى. أما إذا تحددت الاشتراكية بالمعنى الفلاحي أو البرجوازي الصغير فهذا يعني تجاوز المعنى العلمي لها، والغرق في تهويمات البرجوازية الصغيرة التي لا توصل سوى إلى تطور هامشي، وعودة لإنتاج رأسمالية تابعة (كمبرادورية) جديدة، دون تحقيق أيٍّ من الأهداف الأساسية. وهنا يكون الحديث عن طبقات شعبية أو عن الجماهير الشعبية ملازما لهذا المنطقً، لأن الاشتراكية هنا لا تطرح كاشتراكية لا تحققها سوى الطبقة العاملة، بل يكون "التعميم الطبقي" (أو التعويم الطبقي) ضرورياً. إن عدم تحديد معنى الاشتراكية هنا هو أمر يشي بأن الاشتراكية هي إشتراكية الفئات الوسطى التي هي بالتالي ليست إشتراكية.
بمعنى أنه إذا تحددت كاشتراكية تقوم على أساس إلغاء الملكية الخاصة فإن الحديث المعمم عن "الطبقات الشعبية" سوف لن يكون له معنى سوى خلق إرباك لا يفيد العمل السياسي، ولا يؤدي إلى تأسيس تحالف بين هذه الطبقات. أما إذا لم تتحدد وظلت عامة فسوف تؤسس لأوهام أيديولوجية كذلك لن تسهم في تحقيق المهمات المطروحة. فتحالف الطبقات الشعبية يجب أن يبنى على سياسة اقتصادية لا تلغي الملكية الخاصة، لكنها تعزز من دور الدولة في مجالات الاستثمار والحماية والضمان الاجتماعي والصحي والتعليم. لكن هذا لا يعتبر إشتراكية، بل هو جزء من المهمات الديمقراطية المطروحة والمطلوب تحقيقها.
هل يساوي الصديقان بين إشتراكية الطبقة العاملة واشتراكية الفلاحين والبرجوازية الصغيرة؟ وإذا كانا يساويان، فهل تقوم هذه الاشتراكية على إلغاء الملكية الخاصة، أم على أساس الملكية الخاصة؟ إذا قالا بأنها تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فهذا يعني أن تحالف الطبقات الشعبية سوف لن يقوم، ولن تتحالف من أجل تحقيق مهمات التحرير والوحدة والتنمية. وإذا قالا بأنها لا تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فهما هنا يطرحا "إشتراكية البرجوازية الصغيرة"، ويكررا تجربة البعث والناصرية وكل تجارب "حركات التحرر في العالم الثالث"، التي كانت تنطلق من بناء إشتراكية "عربية" أو "عالمثالثية" تقوم على التمسك بالملكية الخاصة وليس على نفيها كما تفعل الاشتراكية الماركسية.
في كل النص يربط الصديقان الاشتراكية بالتنمية ولا يشيران إلى مسألة الملكية سوى في مكان محدد هو فلسطين، في سياق التأكيد على أحقية الحل الاشتراكي، وانطلاقاً من "ضرورات" الواقع، استناداً إلى التنازع الممكن على الأرض والموارد. حيث لأن الفلسطينيين لن يقبلوا الشراكة مع المستوطنين في ظل النظام الرأسمالي، ولأنه يستحيل تحقيق الشراكة في الأرض،والمساواة في ملكيتها في ظل النظام الرأسمالي، فإن الحل الاشتراكي هو البديل. الذي يقوم على "إلغاء الملكية الخاصة"، ووضع الأرض والموارد ووسائل الإنتاج في ملكية المجتمع. "وبهذا تخلع الاشتراكية مبرر وجود الصهيونية بما هي حركة طبقية رأسمالية بالأساس. وتمنع الصهاينة من اغتصاب الأرض واحتكارها، وتحرم نهب حقوق وملكية الآخرين. وأيضاً تمنح الفلسطينيين تبريراً للقبول بالشراكة مع اليهود في نظام إشتراكي عادل". بمعنى أنه حل لمسألة التنازع على الأرض بين أصحابها الأصليين (الفلسطينيين) والمستوطنين الجدد الذين باتوا يعتبرون أنها ملكيتهم. طبعاً هنا الحل "براغماتي"، أي غير ناتج عن قناعة بضرورة إلغاء الملكية الخاصة، أو على الأقل يبدو هكذا، بل نتج كحل لمشكلة محددة. وهذا يطرح السؤال: هل ينطبق ذلك على الدولة العربية الفيدرالية الاشتراكية الموحدة؟ أي هل سيقوم النظام الاقتصادي الاجتماعي على إلغاء الملكية الخاصة؟
إذا كانت الاشتراكية التي يدعوان إليها تقوم على إلغاء الملكية الخاصة فإنها هنا تتناقض مع دعوتهما لأن تتحقق من خلال الطبقات الشعبية. لأن هذه الطبقات كما أوضحنا ليست متوافقة على هذه المسألة، وبعضها يحمل مشروع تطور هو في جوهره رأسمالي. الطبقات الشعبية تتوافق على تحقيق المهمات الديمقراطية وتختلف في الموقف من الملكية، وبالتالي من مشروع التطور الاقتصادي الاجتماعي. لهذا ينفرض في مرحلة تحقيق المهمات الديمقراطية تأسيس شكل للتطور الاقتصادي يقوم على دور الدولة (التي تخضع لقيادة القوى الاشتراكية)، وفي إطار السماح للملكية الخاصة. وبالتالي فإن الدعوة إلى الاشتراكية هنا تتناقض مع كل المشروع المطروح، لأنها لا تؤسس لوحدة الطبقات الشعبية، وتحصرها في الطبقة العاملة فقط.لهذا فإن وضع الاشتراكية كهدف هنا يلغي ممكنات تحقيق أي تطور.
لكن التركيز على الطبقات الشعبية يعطي مؤشراً على أن التباساً يطال هذه المسألة. يكمله أن الصديقين يساويان الاشتراكية بالتنمية، يقزّمان الاشتراكية إلى تنمية، رغم أهمية التنمية وضرورتها في مجتمع يفتقد قوى الإنتاج الأساسية. لكن التنمية ليست الاشتراكية. الاشتراكية تحقق تنمية، لكنها تحققها في مجتمع إلتغت فيه الملكية الخاصة. الاشتراكية بالتالي لا تساوي الدور الاقتصادي (الحمائي والاستثماري الإنتاجي) للدولة. وبالتالي فإن الاشتراكية المطروحة هنا، والتي تتحدد في تحقيق التنمية، والتي تحققها الطبقات الشعبية، هي إشتراكية مشوشة، وفي الغالب تعبّر عن نزوع فئات وسطى، لكن في تصادم مع المشروع الرأسمالي الإمبريالي، وتطمح لتحقيق التقدم. لهذا تتراكب مع المهمات الديمقراطية (بما فيها تحقيق التنمية)، وتصبغها بصبغة إشتراكية شكلية هي إشتراكية الفئات الوسطى. أي أنها تهدف إلى تحقيق التطور الرأسمالي، لكن في ظرف عالمي لا يسمح بذلك، لهذا تستعير التعبيرات النقيضة للرأسمالية (الاشتراكية)، وتقزّمها إلى تنمية فقط. وتربطها بـ "الطبقات الشعبية" التي تتبدى وكأنها الفئات الوسطى فقط.
إذن، إن التأكيد على الاشتراكية مرتبطاً بدور الطبقات الشعبية وبتحقيق التنمية فقط يؤشر إلى إشكالية لا يبددها النص حول الملكية الخاصة الوارد في إطار الحل الفلسطيني. وإذا ما جرى تعميم هذه الفكرة سنشهد تشوشاً آخر يتعلق بتناقض مصالح جزء من الطبقات الشعبية مع الحل المطروح، وبالتالي عدم إمكانية تأسيس هذا التحالف أصلاً.
ما أشرت إليه يوضح بأنه لا يجب الخلط بين تحقيق المهمات الديمقراطية وتحقيق الاشتراكية، حيث أن لكلٍّ القوى الطبقية التي تحققه. وستكون المهمات الديمقراطية هي مجال إجماع هذه الطبقات، لكن الاشتراكية تفرّق بينها. ولما كان تطوير الواقع يفترض تحقيق مهمات سابقة للاشتراكية، ولأن المهمات الديمقراطية تفترض تحالف الطبقات الشعبية، أصبح على الطبقة العاملة (التي هي المعنية بتحقيق الاشتراكية) الإسهام في تحقيق تلك المهمات. بمعنى أنه مادام التطور يفرض تحقيق المهمات الديمقراطية لأنها مهمات مؤسِّسة لتكوين اقتصادي اجتماعي وسياسي جديد، فعلى الطبقة العاملة أن تتشارك مع الطبقات الأخرى في تحقيقها، وان لا تطرح ما يجعل التحالف مهدد بالانفراط، أو بعدم التحقق أصلاً. وهنا التطرق إلى إلغاء الملكية الخاصة من أجل تحقيق الاشتراكية هو الذي يفضي إلى عدم التحقق أو الانفراط.
لكن المسألة الضائعة هنا هي أنه إذا كانت البرجوازية عاجزة عن تحقيق تلك المهمات فقد تبيّن بالملموس أن الفئات الوسطى عجزت كذلك (تجارب البعث والناصرية وحركات التحرر)، وبالتالي فإن قيادة هذه الفئات للثورة (أو للتغيير) لن يقود سوى إلى تكرار الفشل. هذا ما يجعل (كما كان الوضع منذ لينين) الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هي التي تقود عملية تحقيق المهمات الديمقراطية، في إطار تحالف الطبقات الشعبية. هنا الطبقة العاملة التي هي الأكثر تناقضاً مع الرأسمالية، وحاملة مشروع تحقيق الاشتراكية، هي التي تحقق المهمات الديمقراطية بالاستناد إلى ذاك التحالف. وهي بالتالي لا تحقق الاشتراكية الآن، بل سيكون تحقيق المهمات الديمقراطية مقدمة تحقيق الاشتراكية. وهذه الصيغة هي التي أنجزت المهمات الديمقراطية في التجارب الاشتراكية، وإن كانت تحققت في ظل "وهم" تحقيق الاشتراكية. فقد أنجزت المهمات الديمقراطية في الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، بغض النظر عن "فشل" الاشتراكية.
إذن، يجب الفصل بين المرحلة الديمقراطية والمرحلة الاشتراكية، لكن في إطار دور الطبقة العاملة الفاعل والقيادي في المرحلة الأولى لكي ينجح الانتقال إلى المرحلة الثانية.
إن توضيح الطبقات هنا، وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى الطبقات الشعبية هي مسألة منهجية وأكثر من ضرورية، نتيجة التناقضات والتصورات المختلفة لهذه الطبقات، التي تتوافق على تحقيق المهمات الديمقراطية. ولهذا سيبدو النمط الاقتصادي الذي سيمارس في فترة سيطرة الطبقات الشعبية، ونتيجة الإشكاليات الاقتصادية الواقعية، نمطاً مركباً، لا يلغي الملكية الخاصة، لكنه يعزز من الدور الاقتصادي للدولة، ويؤسس الاقتصاد على أساس مخطط، وفي إطار ملكية الدولة، إلى أن يتشكل اقتصاد متطور يحتمل الانتقال إلى الاشتراكية. ودور الطبقة العاملة الفاعل والقيادي هو الذي يحدد ممكنات نجاح هذا الانتقال.
ما يطرحه الصديقان تحت عنوان "الحل الاشتراكي" هو حل مموه، يخفي مصالح الفئات الوسطى، وهو عن قصد يهمل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ويعمم استخدام تعبير: الطبقات الشعبية بدل تعبير: الجماهير الشعبية الذي كان يستخدم في الماضي من قبل الفئات الوسطى. وبالتالي فإن أي حل "إشتراكي" يجب أن تحمله الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، لأنها تقبل بإلغاء الملكية الخاصة، فهي لا تملك بالأساس، عكس الطبقات الأخرى. ولقد لمسنا ذلك في تجارب النظم القومية، وكيف أن الفئات الوسطى الفلاحية والمدينية التي كانت تنادي بتحقيق الاشتراكية القائمة على "تقديس الملكية الخاصة"، كيف نهبت الرأسمال المتراكم بيد الدولة، فخرج منها رأسماليين كبار، وهي لا تزال تلهج بالاشتراكية.
الاشتراكية إذن تحققها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وهي تحققها حين تصبح الظروف الاقتصادية الاجتماعية والفكرية السياسية مهيأة لذلك.
ما قلته في الصفحات السابقة هو أن الصديقين يطرحان المهمات الديمقراطية لكن تحت غطاء إشتراكي، أو تحت تسمية: الحل الاشتراكي. لكن كيف يفهما المهمات الديمقراطية؟
الحل الديمقراطي العلماني:
أشرت إلى أن الأهداف التي يطرحها الصديقين هي: الوحدة العربية، التنمية، وتحرير الأرض المحتلة. معتبرين أنها الحل الاشتراكي. والصديقان يرفضان حل الدولة الديمقراطية العلمانية المطروح لفلسطين، ليس لأنه لفلسطين فقط، بل أنهما يرفضان الطابع الديمقراطي والعلماني، أو على الأقل يتجاهلانه، وإن كانا يقرران حق الأقليات. وهما يواجهان حل الدولة الديمقراطية العلمانية بالحل الاشتراكي كما أشرنا، دون ملاحظة أنه حتى الحل الاشتراكي يجب أن يتضمن أهداف الديمقراطية والعلمنة. أي أن المشروع النهضوي العربي يجب أن يتضمن ليس فقط الوحدة والتنمية والتحرير، بل كذلك الديمقراطية والعلمنة والحداثة (وهو ما أكد عليه رواد النهضة العربية منذ البدء). وبالتالي يجب أن تكون الدولة العربية الفيدرالية الموحدة التي يدعوان إليها أيضاً ديمقراطية وعلمانية وتقرّ حقوق الأقليات القومية.
لهذا فإن الدولة الديمقراطية العلمانية هي هدف مطروح في كل الوطن العربي، وفي كل دولة فيه، لأن المسألة هنا تتعلق بتأسيس نظام سياسي ديمقراطي يقوم على أسس حداثية تبدأ من إقرار المواطنة (أي المساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو الإثنية)، وفصل السلطات واستقلال القضاء وحداثة المؤسسات. كما على الحريات والانتخابات. ولكن أيضاً على فصل الدين عن الدولة، ورفض التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو طائفي أو إثني، مع الحق في ممارسة المعتقدات الدينية. ودون كل ذلك ليس من الممكن تأسيس النظام الاشتراكي، حيث أنها يجب أن تكون متضمنة في كل وعي إشتراكي، وبالتالي في كل مشروع إشتراكي. وهي مرتبطة بتحقيق القطع مع البنى السياسية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، والبناء على أسس جديدة تقوم على مبدأ المواطنة بدل الرعية، والانتماء إلى الأمة بدل الملة، وتكريس إرادة الشعب بدل الإرادة الإلهية. وبالتالي تشكيل النظام السياسي القائم على كل ذلك. وهي العملية ذاتها التي تفرض القطع مع الأيديولوجيا القروسطية، مع يقينيتها لمصلحة الشك، ولنصيتها لمصلحة العقلانية، ولمنطقها الصوري لمصلحة الجدل المادي. وهي العملية التي تفرض إعادة صياغة البنى السياسية على الأسس سالفة الذكر.
هذه المسألة نابعة من ضرورة داخلية، ولم تكن نتيجة وجود الكيان الصهيوني الذي قام على أساس ديني (اليهودية) رغم أنه مشروع إمبريالي بالأساس وفي الجوهر. لهذا تناولها رواد النهضة في الوطن العربي قرن قبل نشوء هذا الكيان. فهي مشروع الانتقال من القرون الوسطى إلى الحداثة. ومن هذا الأساس هي في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني لأنها تكشف "أصوليته"، ورجعيته، كما كل الحركات الأصولية. وبالتالي فهي الحل الذي يتجاوز المنطق الديني ويؤسس لرؤية تقوم على أساس ديمقراطي، يمكن شمل اليهود المضللين أيديولوجياً بها. حيث يجري "تحييد" الدين. وبهذا يسقط المنطق الديني المؤسس للدولة الصهيونية. كما يجري تحديد البديل القائم على أساس المساواة القانونية في إطار المواطنة. الأمر الذي ينزع عن الصراع طابعه الديني، ويعيده إلى أساسه الحقيقي الذي هو صراع من أجل السيطرة والنهب.
والتأكيد على العلمنة في هذا الوقت ضروري، نتيجة "التدخل الديني" في الصراع السياسي، من إعطاء الصراع السياسي غلاف ديني، وبالتالي تحويله من كونه صراع طبقي (أو قومي) إلى كونه صراع ديني. من وجود أيديولوجيا سادت في عصور قديمة تتخذ من الدين عقيدة سياسية وتشريعية، تحاول أن تستمر في السيطرة، أو أن تعيد سيطرتها، رغم أن التطور يفترض تجاوزها كأيديولوجيا وكعقيدة سياسية وتشريعية وكنظام اقتصادي اجتماعي، وبالتالي تحويل الدين شأناً شخصياً مصاناً في القانون. إن الانتقال إلى مجتمع مدني حديث يفرض هذه النقلة، أو يفرض هذه القطيعة ( القطيعة مع الدور السياسي الأيديولوجي للدين وليس مع الدين). وليس من الممكن الانتقال إلى الاشتراكية دون تحقيق هذه القطيعة، وبالتالي تأسيس دولة ديمقراطية علمانية.
وسنلمس أن البرجوازية لم تكن معنية بهذه الخطوة، وكانت الرأسمالية الإمبريالية معنية بتكريس البنى التقليدية ذاتها. لهذا أصبح تحقيق ذلك مناطاً بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وبالقوى الماركسية. وهو في أساس الحل الذي يطرحه الماركسيون.
أخشى أن يكون الصديقين يقابلان الديمقراطية والعلمانية بالاشتراكية، يرفضان الديمقراطية والعلمانية تحت مسمى تحقيق الاشتراكية. أخشى ذلك حقيقة، لأن الصيغة التي يطرحانها قد توحي بذلك. وربما كان لازال هناك خشية من تناول العلمانية نتيجة فاعلية الأصولية والميل العام للتدين. وبالتالي هنا يكرران إشكالية الفكر القومي العربي الذي تجاهل ضرورة العلمانية فإتخذ موقفاً ملتبساً منها، سمح –مع أسباب أخرى – إلى إعادة إنتاج الأصولية. أو أن هذه الخشية نبعت من دور بعض الحركات الأصولية المقاوم (حزب الله مثلاً)، وبالتالي خوفاً من عدم المقدرة على التنسيق، والتصادم معها في وضع يفرض التحالف مادام الصراع مع المشروع "الرأسمالي- الإمبريالي- الصهيوني" هو الصراع الرئيسي. بمعنى أن السياسي هنا يشل كل إمكانية لتجاوز الأيديولوجيا التقليدية، وتجاوز مشروعها الأصولي. وهو ما يفضي إلى تكريس البنى التقليدية والوعي التقليدي الذي هو بيئة الأصولية، ويمنع تحقيق التطور الضروري، لأننا نكون قد همشنا جزءاً مهماً من مشروعنا، وهو المتعلق بزحزحة الأيديولوجيا التقليدية وتعميم مشروع سياسي واقتصادي اجتماعي بديل. هنا التوافق على مسألة (هي المقاومة مثلاً) يفضي إلى التنازل عن كل المسائل الأخرى، ويقود إلى تكييف وعي الاشتراكيين مع الوعي التقليدي. إن "التحالف" مع قوى "أصولية" نتوافق معها على المقاومة (إذا ما كانت ضرورة) لا يفرض تغييب مشروعنا، أو حتى بعض نقاطه، بل يفرض توضيح الاختلاف كذلك، وإلا تحول التحالف إلى إلتحاق، وقاد إلى التماهي ولم يعد تحالفاً يقوم على توافق في موقف محدد وممارسة معينة، مع رؤية الاختلاف والتناقض في كل المسائل الأخرى، وهو ما يجب أن يكون واضحاً، ليس لنا فقط، بل لدى الطبقات كلها.
أخشى ذلك لأنني أرى بأن العلمنة ضرورة، وهي –في ظل انتشار الموجة الأصولية- باتت أكثر من ضرورة، وأن تحديدها بوضوح، وتحويلها إلى هدف، هي مهمة الماركسيين (أو الاشتراكيين والشيوعيين) بالأساس، أو قبل غيرهم. لأن عودة الأصولية تؤشر إلى أن الفكر العربي لم يقطع مع الأيديولوجيا التقليدية القائمة على أساس ديني. لهذا فعلى هؤلاء تحقيق ذلك: أولاً في الوعي (تجاوز المنطق الصوري/الأرسطي/ الديني)، وثانياً في السياسة (التمسك بهدف العلمنة). وفي ثنايا ذلك تحل المسألة اليهودية كما كل المسألة الدينية.
إذن، نحن نختلف حول خيار الماركسيين (أو الاشتراكيين أو الشيوعيين)، هل هو تحقيق الاشتراكية أم انه تحقيق المهمات الديمقراطية؟ إننا نتحدث عن خيار الماركسيين، أو خيار الاشتراكيين، وليس عن الخيار الاشتراكي، هل هو خيار تحقيق المهمات الديمقراطية (أو كما تسمى: الثورة القومية الديمقراطية)، أم خيار تحقيق الاشتراكية الذي يشمل بعض المهمات الديمقراطية، هذا الخيار الذي يقول به الصديقان؟
وهنا التحديد لا ينبع من "الأيديولوجيا" (من الفكر) بل من الواقع. وسنلمس بأن خيار الماركسيين الراهن هو تحقيق المهمات الديمقراطية. لأن الواقع لم يتجاوز بعد مشكلاته القروسطية رغم سيطرة العلاقات الرأسمالية، وهي العلاقات التي أفضت إلى التبعية والالتحاق لأنها لم تأتِ نتيجة نشوء قوى الإنتاج الحديثة، أي لم تأتِ نتيجة نشوء الصناعة وبالتالي تبلور طبقة رأسمالية صناعية. ولأنها نتجت عن التشابك مع الرأسمال الإمبريالي لم تحقق المهمات الديمقراطية في مجالات الفكر والسياسة. لهذا ورثت الطبقة العاملة (وفي إطار تحالف طبقي) هدف تحقيق هذه المهمات قبل أن يتهيأ المجتمع لتحقيق الاشتراكية. وهي تتحقق بالتناقض مع الرأسمالية التابعة تلك، ومع الرأسمالية الإمبريالية بالأساس. وهو الأمر الذي يعطي الطبقة العاملة مركز القوة الذي يؤهلها لأن تلعب دوراً ريادياً، ويربط تحقيق تلك المهمات بدورها ذاك.
سنشير هنا إلى أن لدى الصديقين خلطاً بين الوصول إلى نتيجة هي: أن البرجوازية باتت عاجزة عن تحقيق الاستقلال والوحدة والتنمية، والقطيعة الفكرية، أي التطور الذي حققته مثيلتها في أوروبا، وحيث بات تحقيق هذه المهمات يقوم على التناقض مع البرجوازية وتجاوز الرأسمالية. وبين القول بضرورة تحقيق الاشتراكية كشكل وحيد لتجاوز الرأسمالية. وهو الخلط الذي يجب أن نتجاوز كماركسيين لكي يصبح ممكناً لنا أن نحقق المهمات التي يطرحها الواقع، والتي هي مهمات ديمقراطية. إن تحقيق المهمات الديمقراطية ضرورة لا يمكن القفز عنها، وأيضاً لا يمكن خلطها بمهمات إشتراكية، وكذلك لا يمكن أن تتحقق إلا بقيادة إشتراكية.
إن التأكيد على أن التطور يقوم على الضد من الرأسمالية هو أمر صحيح وضروري، لكنه لا يساوي القول بأن المهمات تتمثل في تحقيق الاشتراكية، وبالتالي خلط المهمات الديمقراطية بالمهمات الاشتراكية. وهنا يبرز تعقيد الواقع وطابعه المركب الذي لا يمكن أن يختزل في "ترسيمة"، أو في شكل تخطيطي مبسط. الواقع الذي يفرض أن يتحقق القطع مع القروسطية في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، كما في الفكر والسياسة. لكن في وضع طبقي يجعل هذه المهمة هي مهمة الطبقة التي تعمل من أجل إلغاء كل ملكية وتأسيس النظام الاشتراكي، دون أن يكون الواقع ذاته مهيأ لتحقيق ذلك. وبالتالي يفرض عليها أن تنجز مهمات كان يجب أن تتحقق قبل وجودها، وكانت هي نتاج هذا التحقق.
إن الخيار المطروح في الوطن العربي هو خيار تحقيق المهمات الديمقراطية (التحرر/الاستقلال، الوحدة وحل مسألة الأقليات، الدمقرطة والعلمنة، تحقيق التطور الاقتصادي الاجتماعي بما هو بناء الصناعة أولاً، والحداثة في الفكر والسياسة ووضع المرأة والتعليم والمؤسسات). وهو خيار يجب أن تحققه الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء (وبالتالي فهو خيار الحزب الماركسي المعبر عن هؤلاء). أي أن نحقق ثورة ديمقراطية بقيادة إشتراكية (ماركسية)، وبتحالف مع الطبقات الشعبية الأخرى (وكذلك مع الأحزاب المعبرة عن تلك الطبقات). مع ملاحظة أن القيادة هنا لا تُفرض فرضاً بل تُكتسب عبر الممارسة والفاعلية ودقة الرؤية والتكتيك. حيث أن تحديد الهدف العام يسمح بتحديد التحالفات بشكل دقيق، وكذلك بتحديد المهمات بشكل واضح.






#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة تقسيم العراق مرة أخرى -2
- الباحث الفلسطيني :تصاعد التيارات الأصولية سببه تراجع دور الي ...
- سياسة تقسيم العراق مرة أخرى-1
- ورقة حول مهمات حركة مناهضة العولمة
- متابعات الوضع الفلسطيني
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -2
- حول توحيد الشيوعيين في سوريا
- سياسة تقسيم العراق
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -1
- تنظيم القاعدة في العراق
- اليسار والموقف من حزب الله
- العراق المحتل: عن دور الماركسية في العراق
- القديم في إستراتيجية بوش -الجديدة- في العراق
- حوار مع جريدة النهج الديمقراطي المغربية
- إتفاق مكة -صفقة تقسيم الغنائم-
- القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام
- واليسار الفلسطيني أيضاً
- رد إجمالي على ملاحظات عصام شكري على -نداء الى القوى والأحزاب ...
- الجديد في إستراتيجية بوش الجديدة في العراق
- واليسار الفلسطيني


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي (مناقشة مع الصديقين عادل سمارة ومسعد عربيد)-1