أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كازيوه صالح - رسائل لم تقرأ قبل الموت















المزيد.....

رسائل لم تقرأ قبل الموت


كازيوه صالح

الحوار المتمدن-العدد: 638 - 2003 / 10 / 31 - 03:16
المحور: الادب والفن
    


 قصة: كازيوه صالح  ترجمة : عبد الله قره داغي

    حبيبي دلارام….

أنى لي اللقاء بك وأنت حبيبي الأسمر الذي لا سبيل لي إلى إيجادك إلا في ضوء القمر..لكن تيَقّنْ بأن لي من العمر الآن سبعة وعشرون سنة وتسعة أشهر ويوم أو يومان. وكما تعرف، فأنني أتحلى بالصبر ولي القدرة على الدفاع عن نفسي و رد جميع "الفواخت* المهزومة، إلا إنني لا أملك الوقت الكافي لذلك، لأن عمري ليس إلا زخة مطر خريفية ومواسمه قصيرة، وهو أحلى من أن أفسح فيه مجالا لـ"اولئك" وإذ تكون أنت جزءاً مني، فإنني أقول لك بأني قد رأيت اليوم عددا من أفراد الشلة المهزومة تلك، والتي لا تمتلك أغنية يمكن تسميتها بـ"الطهارة".، ولا تستطيع تصوير الجوانب الرائعة للحياة، كما أن الحياة نفسها تأبى قبول تلك الشلة بقذاراتها تلك.
"كان أفراد الشلة قد تهافتوا على مكتبة المدينة ليخرجوا كل جملة جديدة مفيدة لإلصاقها ببعضهم، فبدأت عملية تصفيف الكلمات في كشكولهم من هناك. بعد بذلك، كانوا يرمون الكتاب من فوق المنضدة إلى أسفل ليتبلل حد النقع في ادرارهم الذي كانوا قد بللوا أنفسهم به. بذلك كانوا يبهتون أصالة الجمل التي كانت قد ضربت جذورها بعمق في الحياة. وهكذا، فقد بدأت عمليتا السرقة والتبول على النفس من هناك. بعد ذلك قدموا إلى الحديقة لرش الأشجار والنباتات والورود أيضا بالبول. وبغية الإلقاء على سرية تبولهم قرروا تبليل كل شئ; الطبيعة، والإنسان على الأرض بالبول. في البداية اجتمعوا على جعل أنفسهم أبطال أحلام جميع فتيات المدينة، فحبكوا في أخيلتهم العديد من القصص التي جعلوا أنفسهم أبطالا لها، وقد صوروا أنفسهم على أنهم يشكلون كل شئ في حياتهن. لقد تولدت هذه الأوهام في أنفسهم بسبب نجاحهم في التسلل إلى عقول أمراء المدينة مصورين أنفسهم وتصرفاتهم بمظاهر بطولية. ومنذ ذلك اليوم تراهم كل صباح يزاحمون الشارع الرئيسي في المدينة ليتبولوا على الناس. أما في الأماسي فأنهم يتوجهون إلى مقهى"الحكايات غير المنتهية" لرواية حكاياتهم المختلفة.
  فيا دلارام العزيز.. المدينة الآن مبتلية برائحة إدرار الأصنام التافهة الصغيرة إنني الآن في حالة الهروب بغية إنقاذ نفسي من الابتلاء برائحة البول، ولهذا السبب فإنني لا أرغب في العودة إلى التجول في تلك الشوارع الموبوءة برائحة البول مرة أخرى. لهذا السبب أيضا أقول للذين حاولوا جعلي جسراً لربط عقدهم النفسية بالواقع، أقول لهم بأنك حلم جميل ونظيف وطاهر إلى حد يبطل جميع الأحلام الأخرى إزاءك، إلا أنك إذا ابتليت برائحة البول، فإنني سأقول لك…..

                                    2
السيد الأستاذ دلارام…
سيدي، ثمة سؤال يؤذيني كثيراً، ويرتبط بمستوى فهمنا للحياة وتفسيرنا لقيمها. أستاذي المحترم. كنت معجبة بأحد الكتاب العالميين، إذ انه إنساني النزعة إلى حد يقول: " إنني أصرف يومياً الدينار الذي بحوزتي إلى عشرين عملة من فئة ال"خمسين فلسا" كي أمر عشرين مرة بجانب الشحاذ وأساعده عشرين مرة وأدخل الفرح إلى قلبه عشرين مرة". انه لغريب حقا.. إنني انتظر منذ سنين عديدة معلما كبيرا من ذلك النوع الذي يعقد عليه الناس آمالا كالتي يعقدها الشحاذ عليه، والذي يجعل الشحاذين حلوين مثل الناس الآخرين، ولا يثير في نفسي إمارات الشك.. معلما آخر غير سيادتكم، إذ تدعوني تصرفاتكم ونتاجاتكم إلى الاطمئنان على مشاعركم الإنسانية . إلا أن ما يقلقني هو أنني قد مررت البارحة بأحد السراديب التي تروى فيها الحكايات المنسية ، وكان ممتلئا بمدمني مواد الغيرة والحسد وحب الموت وحب القبح، بعض من الذين في عمرك، أولئك الذين يعتبرون أنفسهم عباقرة المجتمع ويعرفون داخل المجتمع بأنهم ذئاب ضاربون في العمر، قد جمع حوله شلة من المغامرين والمحترفين مختلفي الطرائف البذيئة، وقد كانوا مثارين يزرع في نفوسهم نزعات الحب المرضي المفرط لمنطقة السكن والمحلة، وحتى الزقاق، مع زرع نزعة حب التقيؤ على الناس والطرق المبللة بالبول. بداية، رغب في الأمر عدد كبير من الناس ظنا منهم بأنهم سوف يروون لهم حكايات الذكريات المنسية، فيعيدونهم بذلك إلى أقاليم الحياة.. إلى الأماكن التي قد نسيت هؤلاء الناس، إلا إن ذلك الشخص قد جمع مختلقي الطرائف في المدينة لتشويه الذين لم يتبللوا بالبول بعد. فآخر الإبداعات قد تجسد في اختلاف الطرائف عن الناس وعن نتاجات أمثالك. فالمهم إذا هو عن أي عمر أو طاقة سيكتب.. المهم هو أن يثبت الذئب العجوز وجوده، ولو عن طريق الطرائف. ولكن لا تهتم. إذ كما تقول أنت: "فان العظمة ليست مرتبطة بالعمر، بل بالنفس العظيمة، ولهذا بالذات يبقى العظيم التافه تافها.

                            3
     صديقتي العزيزة الآنسة دلارام
 صديقتي العزيزة.. اعلمي بأننا كم ندوس بأقدامنا قلوب أقراننا في الجنس دون أي اهتمام. فالبارحة فقط سفحت بعض النسوة المعاصرات ( لا تنسي بأنهن من اللواتي قد اكتسبن رائحة البول، شرف نصف النساء من وراء جدران اعماقهن السميكة، بالرغم من أنهن كن قد مزقن أغشية آذان الأفلاك بصياحهن وهن يتهمن الأرض والله بكل شئ. كن يطعنن النصف الآخر من النساء من ظهورهن وينصبن لهن الأفخاخ. وأنا.. آه مني، كما أنا عاجزة عن التزام الصمت.. فمجرد أن فتحت فمي وعرفن بأنني لا ألتقي معهن في أي شئ، خلقن لي ألف مشكلة ومشكلة. بدأن بترتيب أسماء الأصنام اسما تلو الآخر بغية تحييدي عن جادة الصواب. مرغوني عن طريق عدد من اليغاوات الذكور، بكل آثامهم الحمقاء كي نتساوى في الآثام، لئلا… وأخيراً، هاهي آلامي توشك على أن تنسيني رواية آلام الفتاة بائعة الخبز ذات العينين الزرقاوين، والتي أذاقوها الأمرين لمجرد أنها رفضت طلب ببغاء ذكر.. أرجو أن أراك غدا عند الغروب، فقد أتعبتني هذه الحكاية.

                                4
   أيها المناضل العقيد دلارام….
            تحية ثورية
 بعد أن عرفت بأن سيادتكم شخص يحفظ نفسه من كل الأشياء الخاطئة والتافهة في الحياة، وتتعاملون بمنتهى الدقة مع إيقاعات التاريخ كي لا تلحق بتاريخكم النظيف اية وصمة.
نحن نعرف بأن سعة صدرك وحبك لأمتك قد جعلا كل (دلارام) في المدينة محبوباً وطاهراً في نظر الناس. لهذا فأنني أوجه السؤال الذي حبسته في نفسي منذ مدة طويلة دون وجل، لأنني أعرف بأنك لست من الساسة الذين يتخلض جدول أعمالهم فيَّ أنا وهم منشغلون إلى حد يصعب عليهم إيجاد الوقت الكافي . ففي السبت آثمة مهمة تمزيق أحشاء فتاة غرّر بها باسم الحب . في الأحد : جعل تقيؤ ذئب جائع في الطريق العودة المسائية لأرملة ، جعل المساء اكثر قتامة. الاثنين : تفتح نوافذ التراجع على مصراعيها أمام والدة أحد الشهداء . الثلاثاء : إعادة رواية قصص النفاق وملاحم البطولة المختلفة لشلة من الجواري . الأربعاء نشوب شجار بين عدد من المناضلين الحداثويين حول عدد معشوقا تهم . من أول خميس بدائي لكم حتى آخر خميس لهذه الكلمة: جرب أحد أبطالكم المهزومين نقيق جميع ضفادعكم المهزمة معي كي يوزع شبابي المذبوح على رفسات أحصنة عشيرتكم . ولذلك اوجه سؤالي إليك من هنا : إذا  كنت أبرياء حقا وليست تلك أعمالكم، فما هو سر سكوتكم حتى الان؟ كيف تمارسون السياسة؟، وفى ظرف لم يبق حتى يوم واحد من الأسبوع في هذه المملكة نظيفا، في أي يوم من أيام الأسبوع تضعون جدول أعمالكم؟
- 5 -

عزيزي دلارام…                   
ابني الوديع ذا الإحساس المرهف دلارام العزيز .. كم كنت أود أن أهد أعمدة إيقاعات جميع ألحاني اللامتناسقة أمام مرايا نظراتك وأعلمك الحان السعادة، كم كنت أود لو كنت طفلا يعيش طفولته وليس طفلاً كبيراً . كم أخشى أن تكبر، لأنني اعرف بأن هذا النمط من الطفولة يحيلك إلى كبير مرعب . ذلك الكبر الذي يقودك إلى مقهى الحكايات غير المنتهية، وسوف تستخدم هناك لتلميع أحذية الأسود الذين يعرفون بـ(( الأسود ذوي الأحذية)) . كانت الجدة تروي بأن هؤلاء، وبعد أن خانوا أصولهم، لعنهم آلة الأسود و الصق بالأطراف الأربعة لكل منهم، منذ ذلك اليوم ،زوجي من الأحذية ذات الروائح الكريهة . وقد أقضت تلك الأحذية اليوم مضاجع سكان المدينة. لاسبيل الآن لتلك الأسود إلى التطهير . ولأجل ذلك قرروا إيجاد أطهر كائن حي لتطهير اكابر المبتلين بالروائح الكريهة، فوقع الأطفال فقط في دائرة الحيازة أملا في أن تؤدي أرواحهم الطاهرة إلى قطع الروائح الكريهة لأطرافهم. وكما ترى، فان أطفال هذه المملكة هم جميعا صباغو أحذية. فاعذروني إذاً، يا دلارام العزيز إذ أطيل أمد طفولتك إلى قرن أخر، فأنني لا أريد أن أخرجك من قلبي إلى زحمة جحيم كبار ذوي الأحذية و الأسود الجبناء.

 

- 6 –

اأعذرني يا دلارام الـ ….
العزيز دلارام، كنت أختفي باستمرار من الظلال التي لفت أنفسها بأشباح الخيانة لئلا استقر في ظل الافياء الكاذبة.
عمري الآن أربعون سنة و سبعة أشهر وثلاثة وعشرون يوماَ ، بعد تسعة عشر يوم ، وفى صبيحة يوم اثنين ربيعي ، سأترك إقليم الحياة ويسلمني القدر إلى الموت ، وأنت الإنسان الوحيد الذي أنا مدينة له ، وينبغي أن أعتذر منه لأنني أنهيت العمر ولم أفشل في اللحاق بمكافأتك فحسب ، بل حتى في الحيلولة دون خيانتك أيضاَ . كنت أخشى الخيانة إلى حد جعلتك منقذاً وأنيساَ لكل أحلامي وآلامي . أنت من الناس الذين بحثت عنهم كثيرا . أنت بطل قصتي الذي احبه بكل عواطفي وجوارحي ، ولكن للآسف .. احترفت الخيانة إلى حد أنني أودعت عمري للموت ولم الحق بكتابتك .

     



#كازيوه_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة في نخب الماضي ..
- من أجهر بالقتل .. ؟!
- في حرب الحضارات هل تكون المراة ارملة الثقافة ؟ !
- زوجات الجنرال
- الكاتب والصحفي العراقي الكبيرعامر بدر حسون
- المرأءة الكوردية على اعتاب الالف الثالث والعصر العولمة
- من مسؤل عن حالة الاطفال العراق؟


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كازيوه صالح - رسائل لم تقرأ قبل الموت