أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عوده - عن عنتر قاهر الموت .. وحكاية عشق .. !!















المزيد.....

عن عنتر قاهر الموت .. وحكاية عشق .. !!


سامح عوده

الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 04:14
المحور: القضية الفلسطينية
    


للموت جلالة وقدسية في حياة الفلسطينيين ، فهو وحده القادر على ( قهرنا .. ) لكننا في كثير من الأحيان نصرعه .... ننتصر عليه بإرادتنا وعزيمتنا التي لا تقهر ، فالموت من اجل وطن نمى فينا حتى الوجع هو بحد ذاته الهدف الاسمي لعشاق الشهادة ، لمن استطاعوا أن ينسجوا الأسطورة ، ويطوعوا القدر خدمة ً لهدفهم الذي يسعون إليه ، هكذا كانت قوافل الشهداء تعبر الفردوس المعهود من صحراء موجعه لتخلد تحت أجنحة السماء ، مجللة بالمجد والشرف الذي ضحت من اجله لتكتب فصول التاريخ بدماء زكية فسطرت أروع ملاحم البطولة والفداء بإباء يفوق الخيال وثبات يفوق الوصف ، لذلك كان الفرسان الذين هابهم الموت .. فقهروه .. !! حاملين الأرواح على الأكف ، مرتلين لحن الفجر القادم ، معانقين أطياف من رحلوا ومسجلين على ألواح القدر ما سيكون ، هكذا كانوا وما زالوا .. يرددون النشيد تلو النشيد لذلك وجدت الموت ينحني لهم حينما يمر في سمائهم .
الشهداء الأكرم منا جميعا ً ، في كل يوم يكتبون بمحبرة الدم ألف حكاية .. وحكاية .. تعجز الأقلام عن كتابة عباراتهم التي يرددون ، عابرون إلى دار الخلود الأبدي محملين بطهارة ونقاء ، وعنتر ما هو إلا مثل من أمثال أولئك الماضين عبر حقول الأشواك ، وكان الاسم
( عَنْتَر ّ ) لم يأت ِ من الفراغ أو العبث ، حينما نستذكر هذا الاسم الراسخ في التاريخ نستذكر قصص العشق الأسطوري ، وكأننا أمام رواية عشق جديدة لم نقرأ فصولها بعد ، لكننا نتخيلها كليلة عاصفة ( زَمجَرَت ) الرياح فيها فقرعت نوافذنا وزلزلت وجداننا ، أمام هزيع هذا الموقف ترانا نرتجف لسطوة شيء ما .. !! اقتحمنا عنوة على غير موعد .. !! عنتر هذه المرة عنتر آخر أتى من نسل الأرض الطاهرة .. !! سلك الدروب الموغلة ، واقتحم بعنفوانه المعهود حقول ألغام ٍ لم تثنه عن الاستمرار في درب عشقه المعهود .. !! لقد ( َسطَرَّ ..) قصة حب من نوع آخر فكان عنتر العاشق ( الناسك ) المتعبد في معبد محبوبته ، الراكع في محرابها .. المقدم لها روحه الطاهرة فداء ً لها ، معبداً طريق الوصول اليها بجراح اكتسى به جسده وبأيام طويلة من المنفى ولظى الزنازين ، لقد كان عنتر العاشق لجراحها وآلامها ونكساتها .. فعشق الهواء ، والماء والتراب .. عشق كل شيء فيها ، حتى ذاب هياما بها ، فلم ( يَرَ .. ) إلا بياضا ً كوجهها الذي رسمه في حلمه ، أو الذي نقشه على جدار زنزانته حتى لا تغيب صورتها عن مخيلته ، رآها بيضاءَ كسرير المستشفى الذي مكث فيه لإزالة شظايا القذائف الــتي ( عَلِقَت ْ ) بجسده ، لم يكن هذه المرة عنتر عاشقا ً لأنثى بشرية من جسد ، ودم ، وروح .. لقد كان عشقاً
( لعبلة ) الأخرى عبلة التي قيل فيها القصائد وعلقت صورها في رقابنا قلائد ، لقد عشق هذه المرة عبلة الكنعانية ، السامرية لقد عشق ( فلسطين ) الأرض والناس والكيان والهوية ، فقهر الموت من أجلها ، قهر المستحيل فجعله ينكسر على عتبات تصميمه النبيل ، في سبيل أن يكون العاشق بامتياز لما تحويه من طهارة ونقاء ، فقدم ما قدم من سنوات طويلة وأيام عجاف لم تحمل له بين طياتها إلا ( ظَلام ) سجن ، وظلم سجان ، وتضاريس بارزة ً من الجراح حفرت أخاديدَ ودهاليزَ عميقة في جســـده حفرت حـــدودها
( كالخارطة .. ) لأجل أن يكون ( قُرّبانا ً .. ) لأرضه التي عشق .. ارض تربى عليها طفلا ً صغيرا ً شرب من مائها الزلال واستنشق عبير هوائها الطري فحمل في قلبه زفرات العشق لعاشق وصل بحدود عشقه حد السماء ، فعاد إليها ليدفن بين أحشاء ترابها الطاهر الذي احتضنه فرحا ً مهللا بهذا العاشق في زمن تراجعت فيه مفاهيم العشق .. والتضحية ..
فكان ( العنتر ) بامتياز .. انه الشهيد القائد ( محمود حسين حسن نصرالله الحنني ) .
رحلة طويلة بين قواعد ومعسكرات الثورة الفلسطينية في الخارج الوطن وتحديدا من الضفة الشرقية فلم يكن اختياره عشوائيا لتنفيذ العمليات المعقدة واجتياز الحدود والأسلاك الشائكة ( المكهربة ) ً لقد اختير لتلك المهمة لأنه فارس لا يهاب الموت جلمود كمحارب قديم غزى البلاد ، ولم تنل منه رياح الموت فلم يتسلل الخوف الى قلبه لذلك ( تَمَرَّسَ .. ) في فنون اجتياز الحدود ، والتسلل عبر الأسلاك الشائكة ، وتمويل المجوعات بالذخيرة والسلاح غرب النهر .. !! حكاية أشبه بالخرافة لكنها لم تكن من نسج خيال راوٍ أراد أن يدغدغ مشاعرنا بحكاية بطولية .
استمر على هذه الحال سنوات حتى كانت آخر مرة عندما وقع ( عبد الفتاح العراقي ) في حقل ألغام أقامه العدو على الحدود التي اجتازوها ، هنا يتعانق العلمان الفلسطيني والعراقي ليجسدا شموخ البطولة والأخوة أمام عدو واحد هو الاحتلال الإسرائيلي ، فاشتبك معهم بما امتلكت يمناه من ذخيرة وسلاح ، ولم يبال ِ وزخات الرصاص الحاقد تنهال عليه كالمطر ، فالرصاص أتى من كل الاتجاهات ( فقاوم الموت وسط الموت ) بل ربما لم يأبه به وهو يحاول إسعاف صديقه الذي ( بُتِرَت ْ .. ) ساقه ، أربعة أيام وعنتر مازال جريحا ً عشرات الرصاص وشظايا القنابل تنخر جسده الطاهر إلى أن وقع بعد ذلك في يد الجناة .. من اغتصبوا حبيبته وفضوا بكارتها .. !! ويبدأ فصل من المعاناة والمرض داخل الزنازين جسم مثقل بالجراح وقلب ينبض بالعشق لوطنه .


ليدخل مشفى سجن الرملة فيتلذذ المحتل بتعذيبه أجريت له عدة عمليات جراحية لاستخراج عشرات الرصاصات والشظايا التي حملها في جسده أياما ً طويلة ، لينقل بعد ذلك من سرير المستشفى إلى قاعة المحكمة فيحكم عليه مؤبدات طويلة ، أدرك الان ان المحتل الغاصب يريد إعدامه وفنائه لذلك قرر ( أن يصارع الموت لا من اجل الحياة ، بل من اجل ان يهزم القرار الصهيوني ) في العام 1983 م وخلال عملية تبادل الأسرى كان من ضمن المفرج عنهم لكن هذه المرة إلى المنفى بعيدا ً عن صدر الوطن الذي عشقه .. !! ليجرب طعم المنفى حيث مكث سنوات طويلة ليناضل مرة أخرى فالتحق بصفوف الثورة الفلسطينية إلى أن عاد الى ارض الوطن بعد التوقيع على اتفاقيات أسلو فعاد الى ارض الوطن معانقا التراب في العام 1996 م .
على تراب الوطن الذي طالما منى النفس بعناقه عادت ظلال الموت تخيم من جديد في سمائه ، أيقن هذه المرة بعد واحد ٍ وثلاثين عاما من قهر الموت أن الأجل قد انتهى فادخل المشفى ليموت شامخا ً كجبال ( الكرمل ) التي أسمى مولودته البكر باسمها .
عنتر قاهر الموت هو عنوان لكتاب أصدره الدكتور ( زاهر الجوهر الحنني ) أستاذ فلسفة اللغة في جامعة القدس المفتوحة ، والذي اقتبست منه عنوان المقال ، والدكتور زاهر كما اعرفه ثائراً قبل آن يكون أديبا ً ومحاضراً وشاعرا ً ، لم يولد في فمه معلقة الذهب بل وجد نفسه قبل أن ينهي حلم الطفولة يذوق برد الزنازين وعتمتها ، وصقيع العزل في معتقل النقب الصحراوي ، فكان السجن مدرسته الثانية هناك استطاع أن يلتقي كبار الأدباء والمثقفين القابعين خلف القضبان الأمر الذي ( صَقَلَ ) تجربته الأدبية والثقافية وجعله يعرف معنى الألم والعذاب ، حينما تكون سجينا في وطنك بعيدا ً عن الأحبة والأهل ، وبعد رحلة طويلة من التعليم والاعتقال أغلقت جامعته ( جامعة النجاح الوطنية ) التي كان ملتحقا ً بها فقضى فترة ً طويلة ً ما بين السجن والجامعة الأمر الذي ( إضطره ) الى مغادرة الوطن طلبا ً للعلم في العراق فما بين بغداد والموصل كانت الرحلة الشاقة التي تركت في نفسه الأثر البالغ ، فجعلته يعيش الألم بكل ما تعنيه كلمة ( ألَم ْ ) ذات الحروف الثلاثة الموجعة .
يسجل للدكتور زاهر محاولته الناجحة توثيق التاريخ الشفوي لحياة مناضل عشق الأرض وأفنى نفسه من اجلها ، فالبرعم من الأعباء المادية والأعباء الجسدية التي تحملها في فترة توثيق حياة الشهيد ( محمود حسين حسن نصرالله الحنني ) استطاع وبجدارة أن يخرج عملاً للنور ( عَرَّفَ .. ) جمهور القارئ الفلسطيني والعربي بسيرة بطل وسجل عبر صفحات نقية حروفا ً ( نَقِيَة ) تعتبر مرجعا ً مهما ً للأجيال اللاحقة ، فالذاكرة الشفوية لا بد أن تنسى بعض التفاصيل المهمة ومع تقادم الوقت ومرور الأيام لن يبقى من ملامح ذلك الحدث شيئا ً إن لم يتم توثيقه بموضوعية تامة .. !!
والذاكرة الفلسطينية الحافلة بشريط ٍ ملبد ٍ طويل ممن مروا على مذبح الحرية مقدمين أنفسهم ( قُربانا ً ) ربانيا ً ( لِقِبْلَة ٍ .. ) عشقوها .. لذلك وفاءً لهم ولدمائهم الطاهرة من الأجدر بالمثقفين والنخبة الفلسطينية والعربية التي يقع عليها العبء الأكبر في تنوير الجماهير وتحديد بوصلتها العمل على توثيق سيرة الخالدين ممن قدموا دمهم زيتا ً تسرج بها قناديل الحرية ، فأضاءوا ليالينا الحالكة ، ورسموا معالم الطريق لغد ٍ مشرق ٍ قادم لا محالة .
اعلم جيدا ً أن القضية الفلسطينية الآن تمر بمنعطف ٍ خطر بعد ما أهدر من دماء عبثا ً لا تخدم إلا أعداء الأمة وقاتليها ، لكنني مقتنع أن هذه المرحلة ليست هي الكل .. وليست الصفحة المشرقة في تاريخ شعب كان يوما ً ما فيه أمثال ( عنتر .. ) فهناك ملايين الصفحات يجب ان تدون .. قصص ٌ وحكايات وبطولات لم يسمع بها القارئ حتى الآن تنتظر من يوثقها ، تنتظر من يعلق الجرس لتدوين ما جرى من أحداث لم تصلها عدسات
( الكاميرات ) ولا أقلام النقاد والكتاب ، الأمر الذي سيجعل حركة أدبية مسرحية سينمائية ، فنية تشكيلية نشطة إذا ما ( سُلِطَت ْ .. ) الأضواء جيدا ً على الحدث منذ بدايته وحتى نهايته .




#سامح_عوده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقطة ضوء على تصريحات .. ( جون .. بوغارد .. )
- جعجعة .. مواطن ( الأسعار .. نار .. ) .. !!
- الاشجار تموت واقفه .. !!
- الصورة في صباحات زياد جيوسي
- فصل امني ام فصل عنصري ؟
- الحب يطلُ من شرفةٍ عاليةٍ
- المغتصبه !!
- بوس الواوا !!
- شموع منتصف الليل
- أصل فكرة حقوق الإنسان وإطارها الفلسفي
- هل حقا القدس عروس عروبتنا ؟
- أزمة قيادات أم تصحر !!!
- طفوله ماسوره واحلام مبتوره
- اغتيال الذاكره
- ليلة شتاء مجنونة
- الدكتور !!!
- لعن الله الفتنة !!
- نقطة ضوء ....... أمريكيا والإرهاب
- كل عام والوطن بالف خير
- عندما يكون من الموت فلسفة


المزيد.....




- رصدته كاميرات المراقبة.. شاهد رجلًا يحطم عدة مضخات وقود في م ...
- هل تعلم أنّ شواطئ ترينيداد تضاهي بسحرها شواطئ منطقة البحر ال ...
- سلطنة عُمان.. الإعلان عن حصيلة جديدة للوفيات جراء المنخفض ال ...
- في اتصال مع أمير قطر.. رئيس إيران: أقل إجراء ضد مصالحنا سيقا ...
- مشاهد متداولة لازدحام كبير لـ-إسرائيليين- في طابا لدخول مصر ...
- كيف تحولت الإكوادور -جزيرة السلام- من ملاذ سياحي إلى دولة في ...
- محاكمة ترامب -التاريخية-.. انتهاء اليوم الأول دون تعيين مُحل ...
- حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في عمان يتقبل التهاني ...
- كاتس يدعو 32 دولة إلى فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة على إيران ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامح عوده - عن عنتر قاهر الموت .. وحكاية عشق .. !!