أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحق طوع - المرآة















المزيد.....

المرآة


عبد الحق طوع

الحوار المتمدن-العدد: 2070 - 2007 / 10 / 16 - 10:54
المحور: الادب والفن
    



دون تحية المساء جلست لورديس إلى جانبي والدموع تراقص الحروف قالت :
ـ أشعر بنقص كبير أمام نزيلات المصحة. وخصوصا من ينمن تحت سقف غرفتي . يرفضن الحديث معي ، أشعر بالإقصاء التام من الجميع خصوصا في قاعة الأكل . هل لأنني ذميمة ؟
كنت أقرء رواية الشيخ والبحر وضعت ريشة الحمام بين الصفحتين 90 و91 وبالضبط في صراع العجوز سنتياغومع السمكة الكبيرة الذي إصطادها وهو يحاول أن يحافظ على توازنه ، مجددا شبابه الذي رحل مع عراك الحياة ودورة الفصول في سهووخلسة . بإسترجاع صور تنطق بالقوة العزم المغامرة الشجاعة والصبر .
آه !
حتى أنت سيدي سنتياغو خنتني .
وأنت الذي علمتني أبجدية المقاومة .
سنتياغو:
عن أي عالم تفتش ؟ اللغة مقام بديل؟ ماالذي يزعجك وأنت تخطو خارج دفئها ؟ أين يعلن الموت حضوره أفي الأصل أم البديل ؟ كيف تراوغه ؟ هل تزعجك الشيخوخة ؟ ماالذي يقلق سنتياغو ؟ هل وجد أخيرا دفئه الجميل؟
سنتياغو:
البهجة عشتَها، الألم حملته معك ، عشت ويلات الحرب ، سافرت كثيرا ، أحببت ألف إمرأة ، شربت النبيد في كل حانات مدن وقرى أوروبا ، كتبت وعرفت الشهرة . وماذا بعد؟
وأنت الذي علمتني أبجدية المقاومة .
وقلت لي :
ـ الإنسان لم يخلق لليأس . خلق لخلق مكان لائق للعيش وهذا طبعا يتطلب منا تضحيات كبيرة . قد تعصف به أحيانا سموم ريح حزينة وإحباط وهو يركض خلف حلمه . وقد يتعثر ويسقط ، لكن الإنسان لم يخلق لليأس ويبقى حيت سقط . ينبغي أن ينهض حيت سقط وقد إستوعب الدرس وأدرك الخطء ويواصل من جديد ….
أبله…
أبله من لا يتلفع بمعطف الأمل ، في وقت تقلبات الجو وسخط القر والحر والعواصف .
ويجيبه غاضب أخر فان كوخ :
كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقاً بها… لأجل ذلك أغادرها في أوج اشتعالي.. ولكن لماذا؟!إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهي البؤس أبداً…
خنتني برصاصة سيدي سنتياغو وحطمك أخيرا اليأس أيها الملاكم القديم .
وهي تكفكف دموعها قالت :
ـ هل لأنني ذميمة عبدول يرفضني الجميع ؟
أنا في الحقيقة أحتفل بالباطن . وأعرف جيدا أن أهل الباطن لايعمرون طويلا . كأس سقراط وصليب المسيح وشطحات الحلاج يحتفلون بالباطن . أهله يموتون في محطات غريبة وبطرق بشعة وإن كان محظوظا تنتهي حياته تحت سقف مارستان .
يقال أن قارئ كف وضعوا أمامه صورة لكف إنسان . وقال القارئ :
ـ هذه كف رجل قذر ولص خطير ...
وتمعن في خطوطها وأضاف .
ـ وقاتل .
ذهب القارئ المشعود ضحية الإيمان بالظاهر .
الكف كانت لفيكتور هوجو .
أعدت سنتياغو إلى قبره على رف بين شلال من الكتب كل ورقمه تماما كالسجناء والأموات ، وقلت في نفسي :
ـ فاقد الشيء لا يعطيه . وقد يعطيه إن توفرت التربة الجيدة مع السماد الجيد والماء الكافي. ولاأحد وجدها كمايشتهي .
وأضافت السيدة لورديس :
ـ لماذا الله خلقني ذميمة ؟ ألم يقل وقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ؟ أنظر المرآة تسخر من تقويمه . لم أشتري قط مرآة في حياتي . نعم زوجي الملعون ليذكرني بحقيقتي في عيد ميلادي أهداني مرآة . صدقني حطمت رأسه بزجاجة نبيذ . نقلوه إلى المستشفى وأنا إلى المخفر. أطلق سراحي في المحكمة بعد أن تفهم القاضي أحوالي النفسية .
سألتها :
ـ وأين زوجك الأن ؟
ـ في السجن .
كررت :
ـ السجن ؟
ـ نعم . إغتصب شرف إبنتي إبنته وخنقها بسلك كهرباء .
وساد صمت بيننا .
قلت :
ـ حاولي معهن مرة أخرى .
ـ لاجدوى عبدول
ـ هل تحدثي مع الإدارة ؟
ـ هم أيضا يكرهونني ويتمنون رحيلي . هل أنا مزعجة إلى هذا الحد ؟
ـ وأنا ؟
ـ أنت مثلي ، نتقاسم نفس الإحساس أقصد الإقصاء .
ـ وهل أنا ذميم أيضا ؟
ـ لا
ـ إذن ؟
وصمتت وهي تفكر وأضافت :
ـ أرجوك لاتغضب مني عبدول .
بهدوء :
ـ تكلمي لورديس .
ـ إنك مورو ( تطلق لفظة مورو على كل عربي يملك بشرة سمراء ، وعموما سكان شمال إفريقيا وقد تكون شتيمة حسب طريقة النطق بها . قذر، متخلف ، محتال ، لص..... )
قلت والضحك يسابق الحروف :
ـ إذن أنا خطء تاريخي فادح ووجودي بينكم يترجم قبحي الشاسع . ؟
ضحكت وبرزت أسنانها الأمامية السوداء المكسورة وقالت :
ـ نعم .
قلت :
ـ في الحقيقة أنا لاأشعر برفض من أحد ، بالعكس .
ـ أنت تتوهم بهذا القبول .
ـ إنه إحساسي وأنا حر فيه .
ـ أنت مريض مثلي ومعقد .
ـ هذا حكمك الخاص وأنا لايهمني .
ـ إنها الحقيقة
ـ أرجوك لورديس ، إذا كانت طبيعة حوارك بهذا الشكل أكيد سيرفضك الجميع . سأتركك الأن موعد الدواء قد حان ، لاتهتمي سنواصل الحديث وقت ماشئت أوكي .
ـ أوكي عبدول .
................................
...............................

في قاعة الأكل جلست إلى مائدة لوحدها تقضم الخبز وتكلم نفسها . ومن قانون المصحة الأكل مع الجماعة . كل وطبقه وعلى الطبق منديل لف داخل خاثم صغير خشبي نقش عليه إسم كل نزيل .
حملت طبقي وجلست أمامها . أعرف جيدا أن الإدارة ستعاقبني . والعقاب نوع وأنواع وأشدهم قسوة ، أن تقف أمام مرآة وتمسح زجاجها طوال اليوم صغيرة تعكس فقط الوجه . ويضعون إلى جانبك مذكرة بأوراق عذراء وقلم ويطلبون منك أن تكتب كل ماتراه في المرآة من أفكار وأحداث .
وإذا عدت بالمذكرة دون حرف ، يكررون نفس العقاب في الغد . وإذا لم تطاوعك المرآة ، لك عقاب أخر :
طيلة أسبوع لايكلمك في المصحة نزلاؤها ولا من يعمل تحت سقفها . صمت مطلق ، وينبغي التفكير فقط في الخط التي رسمته لك الإدارة مثلا لماذا حملتُ الطبق وجلستُ إلى جانب لورديس ؟
يسمون حالة لورديس بالضحية ويؤكدون هذه اللعبة تفسد شخصية الإنسان ، والتمادي يضاعف من عزلة الفرد ....والعزلة تقود إلى الكأس ومشتقاته . أو إلى أمراض نفسية حادة والقيام بتصرفات غريبة صبيانية .
وأحيانا إلى وضع نهاية لهذا التعب بحبل أو رصاصة .
هل كان سنتياغو سجين هذا الإحساس ؟
قالت لي وبصوت حاد وبحركة هيستيرية :
ـ خد طبقك وعد إلى مكانك .
ـ أنا فقط .....
قاطعتني :
ـ أنا لاأريد شفقة من أحد وبالخصوص من مورو مثلك .
وطوحت بطبقها في الهواء .
وتركت قاعة الأكل باكية .
أمام مديرة المصحة جلست :
ـ هذا ماكانت لورديس تبحث عنه . لقد حققت رغبتها .
ـ أنا فقط...
ـ طوال حياتك تلعب دور المنقذ . وأنت الغارق في ورطة جحيمك .
وأضافت :
ـ عقابك ...
قاطعتها :
ـ المرآة



#عبد_الحق_طوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم ليلة الأمس
- ملح الكتابة (1)
- ( تيه ....)
- عين العدم ( أبناء في المزاد العلني )
- فصل من رواية عين العدم ( ليلة إغتصابي ...ليلة موت العالم في ...
- فصل من رواية عين العدم
- مسرحية قصيرة جدا...جدا
- عين العدم ( 3) فصل من رواية
- ( عين العدم ) رواية : الفصل 1 2


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحق طوع - المرآة