أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - سيبويه رائحة التفاح















المزيد.....

سيبويه رائحة التفاح


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2068 - 2007 / 10 / 14 - 09:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اينما يذهب المرء انذاك (القرن الثامن/الثاني الهجري) في مجالس الثقافة سواء في بغداد او البصرة او اي مدينة اسلامية اخرى ينتعش ويحتدم بها النقاش الفكري والجدل المعرفي وحين يسمع بالكتاب مجرداً من اي وصف فانما يقصد به كتاب ابي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر البصري (760 – 796) المعروف بسيبويه (سيبويه كلمة فارسية معناها رائحة التفاح) حين خرج الكتاب الى النور كان سيبويه قد مات في ريعان شبابه، اخرجه بعده تلميذه ابو الحسن الاخفش الى الوجود دون اسم، عرفاناً بفضل استاذه فاطلق العلماء عليه اسم "الكتاب" ، انه اول كتاب في النحو، وهو اول كتاب منهجي ينسق ويدون قواعد اللغة العربية وجاء على لسان الجاحظ: " لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله" وواضح لكل من المَّ بتاريخ علوم اللغة العربية الاساسية والتقليدية ( القراءات/ التفسير/ البلاغة/ علم الكلام/ علم الاصول/ النحو... ) انها نشأت لتخدم النص القرآني، شكلاً ومنهجاً، نصاً ومضموناً، اي انها نشأت كلها حول النص القرآني، ولخدمته ولفهمه ولتأويله، بما يخدم اغراض المسلمين على مستوى الافراد والجماعة والاحزاب والملل، وعلى مستوى السلطة والمعارضة. لكن الكلام لا يستقيم حين نذهب ونقول بان سيبويه هو واضع علم النحو بل يجمع العلماء المتقدمون المعتد بهم ان الامام عليّ عليه السلام هو المؤسّس الاول لعلم النحو، المشتمل على فنيّ الاعراب والتصريف، وانّ ابا الاسود الدؤلي قد اخذ هذا العلم عن عليّ. يذكر ابو حيان التوحيدي (941 – 1035 ) بان "عليّ بن ابي طالب، رضوان الله عليه، سمع قارئاً يقرأ على غير وجه الصواب، فساءه ذلك فتقدم الى ابي الاسود الدؤلي، حتى وضع للناس اصلاً، ومثالاً، وباباً، وقياساً، بعد ان فتَّق له حاشية، ومهد له مهاده، وضرب له قواعده" (التوحيدي/ البصائر والذخائر) وياتي من الكاتبين المعاصرين د.عصام نور الدين (استاذ اللغة العربية المساعد في الجامعة اللبنانية) في دراسته "نشأة النحو العربي" بحشد كبير من اقوال العلماء والمؤرخين لدعم تلك الفكرة ( ابو سعيد السيرافي ت877 /ابن النديم

ت998 / ابن الانباري ت1182 / ياقوت الحموي ت1252 / ابن الاثيرت 1223 ...) كما يورد عصام الدين في نفس الدراسة آراء المشككين بوضع عليّ للنحو العربي وعلى راسهم من المعاصرين احمد امين الذي قال بعد ان اورد رواية وضع عليّ للنحو: " وكل هذا حديث خرافة فطبيعة زمن عليّ وابي اسود تأبى هذه التعاريف وهذه التقاسيم الفلسفية... والعلم الذي ورد الينا من هذا العصر في كل فرع، علم يتناسب مع الفطرة، وليس فيه تعريف ولا تقسيم. انما هو تفسير آية او جمع لاحاديث، ليس فيها تبويب ولا ترتيب" ويتساءل سعيد الافغاني: " لست ادري هل ابقت الحروب والفتن لعليّ وقت يفرغ فيه للتاليف في العلوم وتنقيحها ؟!" (الافغاني/ اصول النحو).
اذا تجاوزنا الفترة التاسيسية لعلم النحو والاختلاف حولها فلا شك كان سيبويه هو واحد من المبدعين النادرين الذين اخذوا دروسهم من علماء البصرة النحويين واللغويين وعلى راسهم الخليل ابن احمد الفراهيدي(ت 770 ) واستطاع هذا النابغة ان يؤسس في كتابه لمنهج نحوي صعب الاختراق ظل ليومنا هذا الاساس البنيوي المتين لعلمي النحو والصرف بالاضافة لعلم الاصوات ويمكن القول بان تاريخ اقفال المناقشات النحوية والصرفية يعود الى لحظة سيبويه التي لا تتجاوز النصف الثاني من القرن الثامن. فقد كان كتابه "الكتاب" بمثابة التاسيس الاولي للمرجعية اللغوية التي شاعت وهيمنت فيما بعد بصفتها المرجعية الوحيدة، وما عداها لا يعتد به ولا يعتمد عليه وذهب البعض على ما كان لعمل سيبويه من سحر واغراء بحيث اسكرتهم رائحة التفاح واطلقوا على كتابه اسم "قرآن النحو" واصيب الدرس النحوي بعقم نتيجة انشداد النحاة واعجابهم به فداروا جميعهم في فلكه ولم يتقدموا خطوة مرموقة لتطوير اللغة العربية.واللافت للنظر ان واحداً من المثقفين المعاصرين يدخل منطقة الممنوع التفكير به، المنطقة التي يخشى الكثيرون الدخول فيها ويُنطق المسكوت عنه في الثقافة العربية، اذ فعلها الكاتب شريف الشوباشي ( وكيل وزارة الثقاة المصرية) واصدر كتاباً مثيراً بعنوان " لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه " في عام 2004 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ( يقع الكتاب في مائتي صفحة من القطع المتوسط) وقد اثارهذا الكتاب جدلاً واسعاً وفتح الباب على مصراعيه لاندلاع معارك نقدية وحوارية حول الموضوع وصل بعضها الى التسييس وزج التدين في النقاشات.



يطالب شريف الشوباشي باعادة النظر في القواعد الاساسية للغة العربية لتصبح اداة فعالة في تفجير طاقات العقل العربي المحتبسة في هيكل اللغة المقدسة، ويقول " انا على ثقة من انني اترجم المشاعر الدفينة في نفوس ملايين العرب وانا اهتف قائلاً: يسقط سيبويه " فاللغة كائن حي يولد وينمو ويتطور ويشب وينضج ثم يشيخ، وكثيراً ما يموت لذا ينبغي اعادة الشباب الى اللغة من خلال اجراء عمليات تجميل لازالة التجاعيد التي تراكمت بعد قرون من الممارسة الناجحة، فاللغة العربية هي اللغة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تتغير قواعدها الاساسية منذ 1500 سنة كاملة، وقد طرح الشوباشي بعضاً من الافكار المثيرة للجدل، ومن بين تلك الافكار: الغاء "المثنى" الذي انقرض واصبح في كل لغات العالم كالدينصور على الارض، الغاء "نون النسوة" و"جمع المؤنث" لنقل : "النساء كلهم اكلوا" بدلاً من "النساء كلهن اكلن" ومما يقوله الشوباشي " لماذا لا نقول: تسع رجال وتسع نساء بدلا من تسعة رجال وتسع نساء؟! لماذا لا نوحد الارقام حتى نوفر على انفسنا تعقيدات لم تعد تناسب العصر؟!" ومن الكتاب الذين تناولوا افكار كتاب " لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه" الكاتب والاذاعي فاروق شوشه الذي راى ان المناداة بان تحيى اللغة العربية امر واجب ومشروع، ومرحب به، بل هو شعار يجب ان يرفعه كل متكلم بهذه اللغة من اجل المحافظة عليها وتطويرها، اما المناداة بسقوط سيبويه - يقول شوشه- معناه الوحيد الدعوة الى هدم النظام النحوي والتركيبي الذي تقوم عليه اللغة العربية، والذي بدونه لا تكون لغة، ولا يكون لاي كلام بها معنى او دلالة. وحول الموضوع نفسه، يرى الناقد رجاء النقاش " ان كل اللغات فيها صعوبات، والنطق الصحيح يقتضي ان يكون الاسلوب السهل الجميل هو الحل اللغوي السليم وان ما يمكن تبسيطه من قواعد اللغة العربية او اية لغة اخرى لابد من تبسيطه دون تردد".
ان الجمود في اللغة يؤدي حتماً الى جمود في العقل، والتحجر في اللغة يقود الى تيبس في الذهن،لذا اذا ما اردنا ان نندرج في مسارات الحداثة علينا ان نفتح كل الاضابير التي تراكم عليها الغبار وان نتعلم ابجدية الحوار المعاصر والمتمدن، اي احترام الراي والراي الاخر ولا نقلق من الابواب التي تفتحها المقالات او الكتب بين حين واخر، والتي تجتهد من اجل تصحيح مساراتنا الثقافية، المسارات التي تلخص تاريخها دائماً بنفي الاخر:اما انا واما انت. فقبول الاخر والحوار هما اللذان يفصلان اينا على صواب واينا على خطأ حتى ولو في اعسر القضايا واكثرها حساسية وسخونة مثل قضية رائحة التفاح.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صالح بن عبد القدوس
- بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
- تصحيح التصورات حول المراة
- الانهيار الحزين
- الورقة الرابعة:المثقف الاشكالي بين نارين
- الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة
- الورقة الثانية:مدارات العتمة
- اوراق مستحيلة في زمن الخراب
- ابن رشد...ضياع الفرصة التاريخية


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهدي النجار - سيبويه رائحة التفاح