أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرزوق الحلبي - الأصولية هنا الآن!















المزيد.....

الأصولية هنا الآن!


مرزوق الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 2067 - 2007 / 10 / 13 - 12:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



"الثالثة ثابتة"ـ عبارة نقولها عندما "لا تضبط معنا" مرتين فنتمنى أن تكون المرة الثالثة موفّقة. وهذا ما حصل للفنانة أمل مرقس عندما حسبت أن عرضها "نعنع يا نعنع" في كفر قرع، الأسبوع الماضي، سيكون فاتحة لموسم خير عليها وعلى جمهورها وعلى الثقافة المحلية. فبعد أن وصل الفنيون إلى قاعة العرض لإنجاز المقتضيات التقنية أخبروا أن العرض نُقل بضغط أوساط متدينة إسلامية النزعة إلى قاعة في عرعرة. وما أن وصلوا القاعة للغرض نفسه، في اليوم التالي، حتى أُخبروا أنه تمّ نقل العرض، للمرة الثانية، إلى قاعة سمينار "جفعات حفيفا".
في المرتين كان نقل مكان العرض بضغط من أناس ادعوا أنهم متدينون وأنه من غير اللائق أن يتم العرض في رمضان! ولم يكن الحديث بين الضاغطين وبين رئيس مجلس كفر قرع المحلي، زهير يحيى، ولا مع مسؤولي قسم الثقافة هناك ولا مع صاحبيّ القاعتين في كفر قرع وعرعرة حديثا ودّيا بالطبع، بل اتخذ طابع التهديد والوعيد. وفي الحالتين هدّد القيمون على رمضان كريم بمقاطعة القاعتين ومن ثم بإضرام النار فيهما وكلام من هذا القبيل. وقد اضطُر صاحبا القاعتين إلى إلغاء التعاقد مع منظمي العرض، رغم تدخّل نائبين على الأقل هما جمال زحالقة ومحمد بركة. وفضّلا المخاطرة الاقتصادية على التورّط مع أناس كان في كلامهم ما يكفي من عنف ونار وكبريت باسم الدين ورمضان. وهو ما حدا بالمنظمين إلى نقل العرض إلى رحاب سمينار "جفعات حبيبة" التي غصّت بالحضور.
حادثة لم تنعكس في وسائل الإعلام، من تواضع، أو من سكوت على الضيم، أو الأصولية، أو للسترة وعدم فتح باب لشيطان الإكراه الديني والعنف باسم "المقدّس"! وهي ليست المرّة الأولى لظهور الأصولية الدينية إذ تعرّض نشاط جمعية نسوية في كفر قرع إلى تهجمات وقمع باسم الدين ومن أناس يرفعون راية التديّن إلى السماء السابعة. لكن مثل هذا القمع جرى ويجري في مواقع أخرى. ففي احد القرى تمّ التعرّض لتمثال فني باسم الدين وفي مدينة أخرى اشترط أمين معرض على إحدى الفنانات أن تلتزم في أعمالها الاحتشام لأن أهل البلد متدينون وهكذا. ومن هنا فإن القمع باسم الدين والله ورمضان متواصل لكن من غير أي نقاش يُذكر أو أي مواجهة حقيقية من المبدعين ومناصري الحريات والقوى العلمانية الدمقراطية. كأننا حيال مؤامرة صمت على منظومة إكراه تنشأ وتتطور بين ظهرانينا! هذا علما بأننا كنا نقيم الدنيا ونقعدها عندما كانت أذرع الدولة المعلنة والمستترة تُقدم على اعتقال زجال أو مطرب شعبي أو التحقيق مع كاتب أو شاعر لقصيدة أو نصّ "وطني" أو "مقاوم" نشرهما. الدولة فعلت باسم الأمن تلك البقرة المقدّسة والمتشددون عندنا باسم الدين و"المقدّس"! إنه الإكراه والقهر من صنع أيدينا وهو ما يقلق وينبئ بمستقبل أسود في حقل الحريات لا سيما حرية الغناء والإبداع والفكر. كأن ما نشهده من أصولية في المحيط العربي يتسرّب إلينا رويدا رويدا ليصير جزءا من المشهد، من "الثقافة" السائدة. وهي بوصفها كذلك ليست شأنا لأمل مرقس أو مجلس كفر قرع أو رئيسه الذي رفض إلغاء العرض، بل هو شأن عام خصوصا أن الأصولية المحليّة ولها مروجون ومريدون ومنفّذون بدأت تستحوذ على الحيّز العام في قرانا ومدننا وتمارس العنف الكلامي والجسدي ضد "المخالفين" من أناس يسعون إلى عيش حرّ وكريم.
أما إقامة العرض في "غفعات حبيبة" ففيه أكثر من دلالة وليس في حدود العرض بعينه! فكأننا حتى نُبدع أو نتحرر ونغني ونرفع أصواتنا فإننا بحاجة إلى متّسع لدى الآخر! هناك فقط يُمكن للواحد منّا أن يُمارس ذاته بحرية! وهذا طبعا استنتاج مهلك بالنسبة لجماعة وطن أصلانية تطالب في حياتها وسعيها إلى ممارسة هويتها أن تمنحها الدولة شكلا من أشكال الحكم الذاتي وإدارة شؤونها بذاتها أو حق تقرير المصير في حدود الدولة! وها نحن لا نستطيع أن نقيم عرضا فنيا موضوعه أغاني الجدات والأجداد وحياة الجماعة وطقوسها! كنا ننتقل إلى أوديتوريوم "نتسيرت عليت" أو "كرميئيل" لعدم توفّر مثله عندنا، وها نحن ننتقل إلى قاعة "غفعات حبيبة" لأننا ممنوعون، ليس بحكم قانون الدولة أو قرار السلطة أو القمع البوليسي بل بحكم التشدّد الديني والأصولية والتهديد بالنار، من ممارسة أبسط أنواع الحياة وأشكالها وجمالياتها. ونشير هنا إلى حقيقة أن أذرع الدولة كانت تهدّد الأحرار والوطنيين من أبناء وبنات شعبنا بالسجن أو تخريب بيوتهم أو بالقضاء على مستقبلهم إذا ما تجرأوا على ممارسة نشاط أو الاتيان بحركة في الاتجاه الوطني، وها هم الأصوليون يهددون بتخريب بيت صاحب القاعة ومقاطعته، وإذا لم يرعوِ فبإضرام النار في القاعة ومحتوياتها! (جِد الفرق!) بمعنى أن الحريات التي تحدّدت بقوة السلطة في سنين خلت ثم انطلقت من قمقمها فوق القمع وفوق قبضة السلطان تواجه اليوم قمعا أشدّ وأكثر فتكا لأنه في إطار البيت الواحد والعائلة الواحدة! مثل سفاح الأقارب، غالبا ما يظلّ رهن السرّ والتكتّم الشديد لئلا تقع الفضيحة! ومثل هذا المبنى من علاقات داخلية يُشكّل دوسا للحريات الشخصية وحريات الإبداع الفني في الحيّز الاجتماعي الخاص. وهو في الوقت ذاته يشكّل إضعافا أخلاقيا للجماعة وطروحاتها المطلبية والوجودية المرفوعة في وجه قهر السلطة وسياساتها!
لا يستطيع القائمون على الأطر الدينية أن "ينفضوا زيقهم" مما حصل بدعوى أن مَن فعل ذلك إنما فعل باسمه الشخصي أو بدون تفويض من أحد. كما إن سكوت القوى والأحزاب الوطنية العلمانية غير مفهوم ولا مبرّر وإن كنا نقدّر أسبابه وفرضياته. وهنا يأتي دور الأطر التي تُعنى بحقوق الإنسان والحريات والدفاع عنها. فالمسالة تتدحرج إلى عتبة مركز "عدالة" مثلا أو جمعية "الميزان" أو المنظمة العربية لحقوق الإنسان أو "مساواة" أو "كرامة". فهي أطر نشطت بمنهجية دفاعا عن حقوق الجماعة العربية هنا والأفراد فيها في وجه سياسات السلطة وأجهزتها وأبلت بلاء حسنا. فماذا تراها فاعلة في مجال التربية والتثقيف والحماية القانونية لحقوق أفراد أو جماعة تتعرض لدوس في إطار العلاقات الداخلية لمجتمعنا! فما الذي يُمكن أن تقدّمه في سبيل تكريس ثقافة حقوقية شاملة في مجتمعنا تنتفي فيها حالات قمع الحريات أو المسّ بالحقوق فيما بيننا من علاقات! لا أحد يستطيع أن يرمي بالمسؤولية عن كتفه لأن ثقافة مجتمع ما في حقل من الحقول هي محصّلة لأعمال ومساهمات كل مركبات ومؤسسات وفعاليات المجتمع ومرجعياته. لا الأحزاب ولا الفعاليات المجتمعية والدينية ولا مؤسسات المجتمع المدني محررة من إلحاح سؤال الحريات لا سيما حرية الإبداع ومن سؤال الإكراه الديني وسدّ الأفق بأصولية عنفية التوجّه! وإلا فإن الأنشطة التقدمية والدمقراطية والإنسانية ستذهب سدى كالغبار مع الريح الشرقية! الوطني لا يُمكنه إلا أن يكون إنسانيا. والحريات المطلوبة للجماعة ينبغي ألا تأتي على حساب الحريات الفردية أو بدون إقامة توازن عادل بينهما. فكيف يُمكن أن يناضل أحدهم من أجل حريته في التدين وممارسة شعائره الدينية كلها وأن يقوم في الوقت ذاته بمنع عرض فنيّ باسم الدين! سؤال للمتدينين وأكثر للدمقراطيين من أنصار الحريات والحقوق وحُماتها!

(دالية الكرمل)





#مرزوق_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الثقافة والمثقفين
- أفكار عن الثقافة والمثقفين
- الأول من أيار: مع انتهاء التسوية التاريخية بين الرأسمال والع ...
- عن قمع المرأة من باب آخر!


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرزوق الحلبي - الأصولية هنا الآن!