أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سلامة كيلة - ورقة حول مهمات حركة مناهضة العولمة















المزيد.....


ورقة حول مهمات حركة مناهضة العولمة


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 2065 - 2007 / 10 / 11 - 11:38
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


قبل البحث في طبيعة نشاطنا كحركة مناهضة للعولمة الليبرالية من الضروري تحديد بعض المفاهيم التي كانت مدار نقاش في أطرنا، حيث أن تحديدها هام من أجل تحديد ماذا نريد؟ وكيف نعمل؟

حول المفاهيم:
المسألة هنا تتعلق بتحديد طبيعة الحركة، هل هي حركة اجتماعية (وهذا ما ورد في الوثيقة الأساسية)، أم حركة سياسية؟
تمكن الإشارة إلى أ، هناك العديد من الحركات، منها الحركات الاجتماعية، والحركات النوعية، والحركات السياسية، والحركات الثقافية الفكرية. ويمكن تحديد طبيعة كل منها على الشكل التالي:
1) الحركات الاجتماعية، هي الحركات التي تنطلق من البشر، من الطبقات والفئات الاجتماعية، وتطرح مشكلاتهم المباشرة. هنا البشر هم أساس الانطلاق وليس أيّ شيء آخر، حيث تطرح مشكلاتهم كهدف لنشاط ولحركات. لهذا تشمل الحركات الاجتماعية حركات العمال والفلاحين، والفئات الوسطى، المتمظهرة في نقابات واتحادات وهيئات ولجان. كما تشمل النشاط حول المرأة والشباب، والعاطلين عن العمل، والمستهلكين. وهنا تؤخذ مشكلات البشر المنتمين إلى طبقات وفئات اجتماعية. وهي مشكلات متعددة وليست محددة في مشكلة واحدة بالضرورة، يطرحها الواقع وتحسّ بها تلك الطبقات والفئات مباشرة.
2) الحركات النوعية، وهي الحركات التي تنطلق من هدف محدد، أو حتى عدة أهداف، يمكن أن يكون هدفاً سياسياً أو اقتصادياً أو بيئياً. والهدف هنا هو الذي يجمع البشر بغض النظر عن انتمائهم الطبقي أو الاجتماعي، عكس الحالة الأولى حيث الانطلاق من البشر هو الذي يحدد الهدف. وهنا تندرج الحركات الحقوقية وحركات البيئة وحركات التضامن وحركات الحقوق المدنية والحركات الداعية إلى الحريات. ولكن منها كذلك الحركات الداعية إلى فرض ضريبة على حركة رأس المال (التوبن)، كما في منظمة أتاك، ويمكن أن نشمل أيضاً لجنة الغاء ديون الجنوب والمنتدى العالمي للبدائل.
3) الحركات الثقافية/الفكرية، التي تركز على الحوار والنقاش والإنتاج الفكري.
4) الحركات السياسية، التي تنطلق من كل ما سبق، وتوحد النشاط العام، فهي حركات تطرح مشكلات الطبقات والفئات الاجتماعية، كما تطرح أهدافاً نوعية، وتركز على الحوار والنقاش والإنتاج الفكري. لكنها أيضاً تطرح مسألة السلطة، مسألة الوصول إلى السلطة، حاملة برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً وسياسياً لا يطرح المطالب المباشرة فقط، بل يطرح البدائل كذلك.
بمعنى أن الحركات الاجتماعية والنوعية تطرح المطلبي المباشر، توضّح، تنتقد، تقوم بنشاطات احتجاجية (مظاهرات، إضرابات، عصيانات)، لكنها لا تطرح مسألة الوصول إلى السلطة. يمكن أن تدعم حزباً معيناً، لكنها لا تطرح على ذاتها هذا الهدف لأنها تتحدد في مطالب مباشرة (الأجور، الأرض، المساواة، الحريات ....). إنها تطالب وتضغط، لكنها لا تسعى لأن تتولى هي مهمة تحقيق ذلك عبر السيطرة على الدولة.

حركات مناهضة العولمة:
إلى ماذا دعونا نحن؟ لقد بدأنا من فكرة "مناهضة العولمة المتوحشة". وبالتالي فقد بدأنا من هدف، وليس من طبقات أو فئات اجتماعية. ولقد دعونا كل المتضررين من العولمة للانخراط في الحركة، والمساهمة في النشاط. وهؤلاء من طبقات مختلفة، وذوي اتجاهات أيديولوجية مختلفة، أو حتى دون اتجاهات أيديولوجية.
هنا الهدف (أي مناهضة العولمة) هو أساس الانخراط، وليس فئة اجتماعية محددة. لهذا فلا يمكن لنا أن نكون حركة اجتماعية بالمعنى المحدد. نحن حركة "نوعية" مثل كثير من الحركات التي تشكلت على ضوء اندياح العولمة، والتي فكرت بالعمل على صعيد عالمي، أو انطلاقاً مما هو عالمي، أي من هدف مناهضة العولمة، التي تمظهرت في النشاطات ضد منظمة التجارة العالمية، وضد G7، وأيضاً ضد صندوق النقد الدولي ومنتدى دافوس (المنتدى الاقتصادي العالمي). وكذلك، من ثم، ضد الحرب في أفغانستان ثم العراق. حيث تجمعت حشود في سياتل سنة 1999، وجنوى بعد ذلك (سنة 2000)، وبراغ، وعديد من المناطق التي كانت تشهد اجتماعات لتلك المنظمات الدولية. كانت تبدي اعتراضها على نشاطاتها التي كانت تضرّ قطاعات واسعة من شعوب العالم. وأظهرت بأن هناك قوى تناهض العولمة التي تفرضها تلك المنظمات نيابة عن الشركات الاحتكارية متعدية القومية. وأبانت عن قوة الإحساس بضرورة المواجهة.
ولقد نتج عن هذه النشاطات التي طافت العديد من القارات، تبلور المنتدى الاجتماعي العالمي (منتدى بورتو أليغري) كشكل لتوحيد نشاط قوى مختلفة ضد المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) الذي يعتبر "العقل المفكر" للشركات الاحتكارية ولسياسات العولمة ( وفيه تبلور إطلاق تعبير العولمة على العمليات الجارية)، ولكن نشاط المنتدى الاجتماعي العالمي شمل كل مجالات العولمة، وإعتبر ملتقى البحث عن البدائل، ومنسق النشاطات المختلفة ضد العولمة.
هذه الأهداف العامة التي كانت تتبلور في سياق تلك النشاطات، وبالتالي المنتدى، بدت وكأنها قادرة على تأسيس حركة محلية، ولهذا أصبحت أساس تشكيل ناشطو مناهضة العولمة في سوريا. اعتقدنا بأن كل الحركات المشاركة في المنتدى الاجتماعي العالمي تطرح فقط هدف مناهضة العولمة، وتنشط ضد منظماتها (منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي، منتدى دافوس، وG7)، تحت شعارات مناهضة الليبرالية الجديدة، ومناهضة الحرب، ورفض السياسات التي تفرضها تلك المنظمات.
ولاشك في أن معظم النشاط كان يجري على صعيد عالمي، أو إقليمي، أكثر مما كان يجري في إطارات محلية. فلقد فرضت عالمية العولمة رداً عالمياً، وكان ذلك ضرورياً مهماً، وشكّل رمزية ضرورية لكل نشاط محلي. لكن بعد ما يقرب العقد من النشاط المناهض للعولمة يمكن أن نطرح التساؤل حول جدوى ما جرى، وجدوى إمكانية استمراره. وربما أشير هنا إلى أنه كان لكل ذلك النشاط طابع رمزي أظهر مدى الرفض الذي تكنه الشعوب للعولمة الراهنة. ولأن العولمة هي عالمية (أي تشمل العالم)، بدا الرد العالمي ذو أهمية فائقة. لأنه بذلك قد أعطى دفعاً لكل الشعوب لكي تنهض للمقاومة. وأسس لانشقاق عالمي كبير مضاد للعولمة التي تفرضها الشركات الاحتكارية الامبريالية. وحيث بدا العالم منقسماً إلى "عالمين": عالم الرأسمال وعالم الشعوب. وكل ذلك مهم من الناحية الرمزية، أي من ناحية التأكيد على دور الشعوب في مقاومة العولمة الليبرالية المتوحشة.
لكن دخلت النشاطات العالمية في أزمة بعد ست سنوات من الفعل. ولاشك في أن تحول الهجوم الامبريالي من شكله الاقتصادي إلى شكله العسكري، أو طغيان الشكل العسكري على الشكل الاقتصادي، مع اندفاع الدولة الأميركية لخوض الحروب واحتلال الدول، قد أثر في طبيعة الصراع، وربما كان قد أبان بأن المسألة أكبر من هذا الشكل من المواجهة. وبالتالي أوضح حدود مقدرة هذا النشاط. وما من شك في أن الحشد العالمي الهائل الذي وقف ضد الحرب على العراق سنة 2003 دون أن يمنعها قد أوضح تلك الحدود. لكن فاعليات المواجهة استمرت بعد ذلك، وبدت ككرنفالات أكثر منها حشود مواجهة، رغم السعي للحوار والبحث عن بدائل، وتنظيم النشاطات السنوية. المسألة هنا بدت وكأن هذا الشكل من المواجهة ليس هو القادر على التأثير في صيرورة العولمة لمصلحة الشعوب.
ولقد تمظهرت الأزمة في المقدرة على الحشد الشعبي ضد الحرب، أو ضد الليبرالية المتوحشة. أو فيما يتعلق بالمنتدى الاجتماعي العالمي الذي كان أقرب إلى "الكرنفال" و"المهرجان"، حيث بدا استمرار هذا الحشد، الذي كان في البداية، صعباً ومكلفاً، ولا يجاوز الرمزية التي حققها في الواقع في مراحله الأولى. تلك الرمزية الضرورية آنئذ، والآن، وفي المستقبل. بمعنى أن الرمزية هذه قد تحققت من خلال النشاطات الأولى، وبالتالي لم يعد كافياً تكرار تلك النشاطات، خصوصاً وأنها ليست ممكنة في الصيغة التي بدأت فيها نتيجة ضعف الإمكانيات المالية كما قلت للتو، وباتت تحتاج إلى شكل آخر أكثر فاعلية وإمكانية. شكل يسمح بتنسيق النشاطات العالمية لكي تتفعّل في مختلف البلدان، حيث يجب الانتقال إلى الفعل الواقعي، إلى النشاط المحلي، لأن المطلوب هو أكثر من رفض العولمة الراهنة، ويتمثل في مقاومتها "على الأرض"، أي مواجهة تمظهراتها المحلية، إضافة إلى التضامن العالمي الضروري، والى التنسيق العام في الصراع ضدها. وفي هذا الإطار سنلحظ نجاح الحملة من أجل رفض مشروع الدستور الأوروبي في فرنسا، وتراجع كل النشاطات الاعتراضية على "منظمات العولمة"، وفشل العديد منها.
إن هزيمة العولمة الراهنة تفترض هزيمة صانعيها ومروجيها، وأصحاب المصلحة فيها، من أجل انتصار البديل الإنساني، والعالم القائم على المساواة والتكافؤ والتضامن والعيش المشترك.
وما من شك في أن هذه المهمة هي مهمة مجتمعات، وطبقات شعبية، لأنها تتعلق بالصراع الطبقي المحلي، الصراع الطبقي في كل بلد، قبل أن يكون على الصعيد العالمي. لأن هذا الأخير هو المحصلة للصراع الطبقي في كل بلد. ويفترض التنسيق العام حينما يرتبط بالطبقة المسيطرة عالمياً، أي رأسمالية الأمم الامبريالية، التي تفرض هيمنتها العالمية، وتحوّل الرأسماليات الأخرى إلى رأسماليات تابعة. وبالتالي فإن هزيمتها تبدأ من هزيمة الرأسماليات المحلية، هزيمة الرأسمالية في كل أمة.
وهذا العمل هو مهمة الحزب السياسي، المعبّر عن طبقة أو طبقات. وهنا لا يتحدد النشاط ضد العولمة الراهنة فقط، بل ضد الطبقة التي تطرحها كمشروع للسيطرة على العالم. الأمر الذي يطرح مسألة الموقف من الرأسمالية ذاتها، ومن النمط الرأسمالي، من أجل بديل يتجاوز الرأسمالية.
في هذا الوضع، ما هي مهمة مجموعة مناهضة للعولمة الليبرالية؟
أشرت إلى أننا مجموعة "نوعية"، ولسنا حركة اجتماعية تعبّر عن طبقة أو فئة، سواء بطرح برنامجها المطلبي أو بطرح برنامجها السياسي (أي بديلها) من خلال الحزب. لهذا ما هي المهمة التي يمكن أن نقوم بها؟ سأجيب بأنها مهمة تتعلق بدور مساعد للحركات الاجتماعية والأحزاب المعنية بمواجهة الامبريالية، عبر كشف طبيعة العولمة وآلياتها وأخطارها، والتحريض على مواجهتها، في إطار الرؤية التي أشير إليها سابقاً. وهو يحتاج إلى جهد نظري، والى جهد توعوي يطال كل القطاعات التي تتضرر منها. وهنا يتوضح بأن الانطلاق من هدف يفرض بذل جهد نظري ودعاوي جادين لإقناع القطاعات تلك بالأخطار التي تجلبها العولمة. وهذه من سمات الحركات النوعية، أو أنها ضرورية في وضع ليس واضحاً فيه أثر السياسات على الطبقات الاجتماعية. وهو مشابه لدور الحزب السياسي فيما يتعلق بهدفه تحقيق التغيير خدمة لمصالح طبقة أو طبقات معينة. بينما تنطلق الحركات الاجتماعية من مشكلة تعيشها طبقة أو جزء من طبقة. مشكلة عيانية مباشرة، تلمسها الطبقة وتعاني منها. لهذا يلعب التحريض دوراً جوهرياً هنا دون الحاجة إلى جهد نظري، أو دون الحاجة بالضرورة إلى جهد نظري. حيث يبدأ هذا الجهد حالما يجري الانتقال إلى السياسي، وهذا هو دور الحزب.
ولتوضيح ذلك من الضروري الإشارة إلى معنى العولمة بشكل تخطيطي يفيد في تبيان المهمات الممكنة. وهو تحليل (في شكل ما) لوضع العالم، ولانعكاسه محلياً.
العولمة:
العولمة هي اقتصاد وسياسات وحروب وأيديولوجيا تخدم مصالح الطغم المالية الامبريالية، وتهدف إلى إعادة إنتاج النمط الرأسمالي وفق أسس جديدة. وهي تنفذ من قبل الدول الامبريالية (خصوصاً الدولة الأميركية)، و"الهيئات الدولية الطابع" مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والـ G7 ، والحلف الأطلسي. وهي الهيئات التي كانت اجتماعاتها موعد ممارسة الرفض لسياساتها. وهي النشاطات العالمية التي بدأت بها حركة مناهضة العولمة.
وإذا كان هدف العولمة هو هدف اقتصادي في جوهره، ويتمثّل في فرض هيمنة الشركات الاحتكارية الامبريالية، وتكريس سيطرة الطبقات الحاكمة الامبريالية. فإن تحقيق ذلك يفترض تعميم الليبرالية الجديدة من جهة، من أجل تسهيل نشاط تلك الشركات وضمان سيطرتها على الأسواق المحلية. وهذا ما كان يمارسه صندوق النقد الدولي منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وتعزّز منذ التسعينات منه. وهو هدف تأسيس منظمة التجارة العالمية من خلال قوننة الليبرالية المفرطة عالمياً، وتحويل هذه القوانين إلى "قدر" مفروض على أمم العالم، ومدعوم من قبل الدول الامبريالية ذاتها. لكنه يتحقق كذلك عبر الضغوط السياسية والحصار الاقتصادي، وأيضاً الحروب والتخويف بها. ومنها تلك التي تمارسها الهيئات آنفة الذكر.
ولاشك في أن تحقيقها إرتبط بهجوم أيديولوجي ينطلق من مقولة فشل الدور الذي تلعبه الدولة في المجال الاقتصادي، وفشل النظم الاشتراكية القائمة على ذلك، لأنها كانت تلغي "حرية السوق" الذي هو وحده يسمح بتحقيق التطور وإيجاد التوازن. ولهذا جرى تعميم فكرة أن الرأسمالية هي "نهاية التاريخ". ولقد جهد الخطاب الأيديولوجي الامبريالي في تبيان مزايا "السوق الحرة"، وعلى "قدريتها". كما جهد من أجل التأكيد على "الانفتاح" والانخراط في العولمة، ضداً عن "الانغلاق" الناتج عن تحكّم الدولة في العلاقات الاقتصادية. وأظهر بأن تجاوز كل مشكلات الانغلاق يبدأ من الاندماج بالعولمة التي تعمم "الخير" على شعوب الأرض. مع الإشارة إلى أن الانغلاق مع تحقُّق العولمة بات يعني الموت.
هذا هو خطاب الطبقات الرأسمالية، خطاب أميركا وأوروبا واليابان كدول إمبريالية. وهو هدف تلك الطبقات. لكن سنلحظ بأن هذا الميل الرأسمالي العام لتعميم الليبرالية ينحكم لمصالح الرأسماليات ذاتها، والى تنافسها. حيث كانت نتيجة إعادة صياغة النمط الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية نشوء أزمة كبيرة بدأت منذ بداية سبعينات القرن العشرين، وطالت الاقتصاد الأميركي أكثر مما طالت الرأسماليات الأخرى، بسبب من المقدرة التنافسية التي أبداها الاقتصادان الأوروبي والياباني. مما جعل الاقتصاد الأميركي يدخل في أزمة عميقة هددت استمرار سيطرته على الاقتصاد العالمي. لهذا عنت العولمة بالنسبة للشركات الاحتكارية الأميركية التحكّم في قواعد التنافس، الذي كان يعني السيطرة على منابع النفط وعلى الأسواق (أي احتكار الأسواق بدل حريتها). وبالتالي فرْض "حرية سوق" خاصة بالشركات الأميركية، محمية من منافسة الشركات الأخرى الأوروبية واليابانية. وهنا نحدد سبب الحروب الأميركية، واحتلال كل من أفغانستان وخصوصاً العراق. وميل الدولة الأميركية للسيطرة على مناطق واسعة ضمن مشروع "الشرق الأوسط الموسع".
إذن، هناك تعميم لليبرالية، وهناك احتكار. وفي كل الأحوال فإن الليبرالية هي التي تُفرض على الأمم الأخرى. وهناك ضغوط من أجل فرضها، وهناك حروب ضد الشعوب.
وإذا كانت الحرب تقود إلى الاحتلال نتيجة "التفوق المطلق" للعسكرية الأميركية، وبالتالي تكون المقاومة ضرورة هنا، ودعمها ضرورة كذلك، فإن تعميم الليبرالية يرتبط بالميول لدى الرأسماليات المحلية التي تسعى لإعادة صياغة التكوين المحلي لمصلحة "الاندماج" بالعولمة، لكي تحصل على مكاسب خاصة بها، وتكون هي الوكيل للشركات الاحتكارية الامبريالية. لهذا نجد أن تعميم الليبرالية يتحقق عبر ميل الرأسمالية المحلية إلى إعادة صياغة القوانين، وتغيير آليات الدولة في المجال الاقتصادي، وفرض قوانين تخدم الشركات الاحتكارية ونشاط الرأسمال الأجنبي. وهي السياسة التي كان يفرضها صندوق النقد الدولي على الدول التي وقعت في مديونية كبيرة منذ ما قبل مرحلة ما أسمي: العولمة. هذه السياسة القائمة على تحرير سعر الصرف، ووقف دعم السلع الأساسية، والتراجع عن مجانية التعليم وعن الضمان الاجتماعي، وصولاً إلى بيع القطاع العام وتحرير التجارة الخارجية.
هنا ننتقل إلى سياسات الرأسمالية المحلية في إطار العولمة. وبالتالي إلى تحديد إشكالياتها وآليات مواجهتها. وهنا يتحدد دورنا المباشر في التواصل مع الطبقات والفئات الاجتماعية.
وهنا يمكن تلمّس مسألتان، الأولى: تتعلق بالتهديدات الامبريالية والميل لاستهداف سوريا في شكل ما من الضغوط والتدخلات وربما الحرب (كما كانت مطروحة في وقت سابق). في سياق الدور الامبريالي الأميركي لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية، وتغيير النظم والكيانات. وهي ضغوط واستهدافات لازالت قائمة، وتتراوح ما بين الشد والرخي. وفي السياق ذاته ضغوط من أجل فرض السياسات الليبرالية، قامت بها الرأسماليات الأوروبية في سياق الحوار من أجل الشراكة السورية الأوروبية. وتقوم بها الدولة الأميركية في كل الأحوال.
والثانية: ميول الفئات المسيطرة التي بدأت منذ نهاية ثمانينات القرن العشرين الهادفة إلى "الانفتاح" وتعميم اقتصاد السوق. وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي دون حاجة لذلك، أو ضغط منه نتيجة أن مديونية سوريا كانت لصالح الكتلة الاشتراكية. هذه السياسة التي بدأت بالقانون رقم عشرة لسنة 1991، وتزايدت طيلة التسعينات، لكنها توسعت بشكل ملفت منذ بداية الألفية الجديدة. وتبلورت في منطلقات الخطة الخمسية العاشرة. وبهذا يجري الاندماج بالعولمة رغم كل "التناقضات" السياسية البادية على السطح. ولقد جرى تحرير سعر الصرف، وتحرير التجارة. وتتراجع مجانية التعليم بشكل مضطرد، وكذلك الضمان الاجتماعي. ويخصخص القطاع الصناعي والعام أو يؤجر للاستثمار الخاص. وتضخم نشاط "رجال الأعمال"، وأصبح يهيمن على قطاعات اقتصادية متزايدة.
إذن، هناك ضغوط امبريالية وتهديدات من جهة، وهناك ميل داخلي للخصخصة وتعميم الليبرالية الجديدة، وبالتالي الاندماج بالعولمة الليبرالية المتوحشة. ونحن كمناهضين للعولمة الليبرالية أن نلعب دوراً في مواجهة كل ذلك.
مهماتنا كحركة:
قلت أننا معنيون بتوضيح كل ذلك، وأولاً بوعي ذلك. وبالتالي السعي لتوضيحه لكل المتضررين من العولمة الليبرالية المتوحشة. من أجل تحديد الآليات الضرورية لكي يواجه هؤلاء القوى التي تسعى إلى فرض السياسات العولمية. لهذا تحددت أهدافنا العامة في:
• رفض العولمة الليبرالية المتوحشة، والعمل على كشف أيديولوجيتها، وتوضيح سياساتها.
• رفض الحروب التي تمارسها القوى الامبريالية، لفرض العولمة تلك بالقوة.
• مواجهة الهيئات الدولية التي تسعى إلى فرضها، ورفض كل السياسات التي تقرّها.
• مواجهة تمظهراتها المحلية القائمة على الخصخصة وتعميم اقتصاد السوق، والتخلي عن حق العمل والضمان الاجتماعي ومجانية التعليم.

ولاشك في أن تحقيق ذلك يتحدد في مستويات أربعة هي التالي:
1) دور نظري يتعلق بالبحث في ماهية العولمة، وطبيعتها وآلياتها، والمشكلات التي تجلبها على المجتمعات عموماً، والمجتمعات المخلّفة خصوصاً. وهو بحث في الاقتصاد والسياسة والأيديولوجيا علينا أن نسهم فيه، وأن نستفيد من كل الباحثين في هذا المجال. حيث يجب أن نفهم العولمة أولاً، وأن نفهم آثارها على العالم. وبالتالي أن نحدد الآليات الممكنة لمواجهتها، والأهداف البديلة التي تجعل عالماً بديلاً هو أمر ممكن.
2) دور تثقيفي يتعلق بتطوير وعي النشطاء لكي يعرفوا القضايا التي عليهم أن يعملوا من أجلها، ولكي يستطيعوا ترجمة ذلك في نشاطهم العملي.
3) دور حواري تحريضي، الحوار مع الاتجاهات السياسية والمجتمعية حول العولمة من أجل فهم أعمق بها، وحشدها في الصراع ضد تمظهراتها. وتحريض كل الفئات المتضررة من العولمة (من الليبرالية والحرب) لكي ينشطوا من أجل مواجهتها، وتشكيل الأطر التي تساعدهم على ذلك.
4) دور عملي يتعلق بنشاطات محددة. اعتصامات، مظاهرات، إصدار بيانات، إضرابات، وغيرها من النشاطات الاحتجاجية الممكنة.
هذه المستويات الأربعة الضرورية لنجاح نشاط مناهضة العولمة. والتي تتمركز الآن في دور توعوي
تحريضي، حيث أن الانتقال إلى النشاط العملي يفترض الوصول إلى نشوء أشكال احتجاجية من القوى المتضررة، أو الشعور بإمكانية ذلك. وهذا يفرض بدء التواصل من تلك القوى المتضررة.

حول المهمات:
وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد المهمات بما يلي:
أولاً: على الصعيد العالمي
# توضيح طبيعة العولمة وتبيان أخطارها.
# المشاركة في النشاط العالمي ضد هيئاتها، حسب الممكن.
# مناهضة الحرب والنشاط ضدها.
# التنسيق مع القوى العالمية المناهضة للعولمة.
# التنسيق مع القوى العربية المناهضة للعولمة.
ثانياً: على الصعيد المحلي
• توضيح طبيعة السياسات الليبرالية التي تقوم بها الدولة.
• تحريض القطاعات المتضررة من أجل المواجهة، ضد:
- خصخصة القطاع العام.
- التخلي عن مجانية التعليم.
- التخلي عن الضمان الاجتماعي.
- ارتفاع الأسعار نتيجة تحرير التجارة.
- البطالة الناتجة عن تخلي الدولة عن دورها الاستثماري.
• ممارسة النشاط العملي الممكن، سواء عبر الاحتجاج، أو البيانات أو المظاهرات.
• التنسيق مع الأحزاب والنقابات في هذا المجال.
ولاشك في أن المقدرة على القيام بتحركات شعبية مرتبطة بطبيعة الوضع، حيث تمنع كل أشكال النشاط الشعبي الاحتجاجي. وهذا الوضع هو الذي أوحى بأن وضعنا في تراجع (رغم وجود إشكاليات أخرى). وإذا كنا نسعى إلى معارضة كل السياسة الليبرالية، ونحاول أن نوجد أشكال النشاط الممكنة، فمن الضروري أن نركز على الجانب الدعاوي، وعلى تطوير وعي المشاركين، والتفاعل مع كل القوى المعنية بمواجهة الليبرالية، والاستمرار في مواجهة الخطاب الليبرالي لدى المعارضة، ومحاولة التواصل مع القطاعات الشعبية المتضررة من السياسات الليبرالية لدفعها إلى الاحتجاج، ومقاومة الخصخصة.
نحن لسنا بديلاً عن الأحزاب المناهضة للعولمة الليبرالية، ولسنا بديلاً عن النقابات وهيئات المجتمع المدني، بل نحن نعمل ضمن كل ذلك من أجل توضيح أخطار الليبرالية، والتحريض على التصدي لتطبيقها. كما على المشاركة في النشاطات المناهضة للعولمة الليبرالية ولحروبها الامبريالية.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات الوضع الفلسطيني
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -2
- حول توحيد الشيوعيين في سوريا
- سياسة تقسيم العراق
- المجزرة تكتمل: اقتتال من أجل السلطة يدمر القضية -1
- تنظيم القاعدة في العراق
- اليسار والموقف من حزب الله
- العراق المحتل: عن دور الماركسية في العراق
- القديم في إستراتيجية بوش -الجديدة- في العراق
- حوار مع جريدة النهج الديمقراطي المغربية
- إتفاق مكة -صفقة تقسيم الغنائم-
- القرآن: تحليل للتكوين الاقتصادي الاجتماعي للإسلام
- واليسار الفلسطيني أيضاً
- رد إجمالي على ملاحظات عصام شكري على -نداء الى القوى والأحزاب ...
- الجديد في إستراتيجية بوش الجديدة في العراق
- واليسار الفلسطيني
- أميركا في العراق والمقاومة
- سوريا في الوضع الإقليمي
- خطر الحرب الأهلية في فلسطين
- رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك ...


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سلامة كيلة - ورقة حول مهمات حركة مناهضة العولمة