أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - ثمار الحرية في المجتمع العربي















المزيد.....

ثمار الحرية في المجتمع العربي


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 02:21
المحور: المجتمع المدني
    


احتلت الحرية مكانة جدلية مهمة في المشروع النهضوي العربي الحديث اعتبارا من أوائل القرن العشرين، فقد كان كثير من المفكرين العرب ينظرون بتوجس إلى رياح الحرية الآتية من الغرب على ضوء ما أسفر عنها في اعتقادهم من انحلال أخلاقي وتفسخ اجتماعي بل وحتى استبداد سياسي تجلى في التجارب الأوروبية مثل النازية والفاشية وكذلك في التجربة السوفييتية الشمولية التي ما نتجت بحسب الكثيرين إلا من تسيب فكري أدى إليه انفلات عقال حرية التفكير لدى دعاة تلك المذاهب، كما شكلت الثقافة الإسلامية التي كانت سائدة حينها أحد مسببات هذا الارتياب وذلك الرفض لحرية الفكر والممارسة على اختلاف أوجهها لدى العوام والنخب على حد سواء؛ وذلك لما انطوت عليه تلك الثقافة من قيود وضوابط فرضتها على حرية الفكر والاعتقاد والممارسات تحسبا لما قد يؤدي إليه ذلك من شذوذ أو انحراف محتملين عن مبادئ الدين الإسلامي الذي كان ولا يزال دين الأغلبية الساحقة من أبناء العرب. لكن ذلك لم يمنع المفكر الحداثي عبدالرحمن الكواكبي من أن يتمرد بشدة على الاستبداد ويصفه في كتابه الشهير «طبائع الاستبداد» بأنه صورة من صور استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، في الوقت الذي انبرى فيه الشيخ محمد عبده متصديا له ومدافعا عن فضائل الاستبداد بل ومطالبا بما دعاه بـ «المستبد العادل» الذي كان الشيخ عبده يصفه بأنه الرجل الذي يقدر أن يعمل في خمسة عشر عاما، ما لم نتمكن من عمله في خمسة عشر قرنا وكانت تلك الدعوة متزامنة وفي نفس الاتجاه مع نداء المفكر أحمد فارس الشدياق الذي وجهه من منفاه في اسطنبول طالب فيه بقيام ما أسماه «بالحكومة القاهرة». وبالنظر إلى أن البلاد العربية كانت في سوادها الأعم حينذاك واقعة تحت حكم المستعمرين كان مفهوم الحرية حتى ذلك الحين قد انحصر في التحرر من نير الاستعمار الذي عبر عنه أحمد شوقي في بيته الشهير: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.

استمر الحراك العربي في السير باتجاه التحديث السياسي والاجتماعي مقتفيا آثار فكر جون لوك أو ما يشابهها من مظاهر الليبرالية الحديثة وصولا إلى إقامة المجتمع المدني الحديث على غرار ذلك الذي قام في فرنسا بعد الثورة وكان ذلك متلازما ومتزامنا مع المشروع الدائم يومها الذي كان متمثلا في محاولات الشعوب العربية للانفلات من قبضة الاستعمار الذي كان يوم رحيله المأمول هو اليوم الموعود لإقامة الدولة المستقلة القائمة على أساس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحتى قبل تمام التحرير كان أن ظهرت في بعض البلاد العربية ملامح لذلك المجتمع المنشود، فقد عرفت بلاد مثل مصر وسوريا ولبنان حريات غير مسبوقة في الفكر والصحافة بدأت بوادر نهضة فنية وأدبية لا تنكر، كما نشأت فيها أحزاب سياسية كانت تتنافس في ما بينها ضمن حيز واسع نسبيا من التعددية السياسية وتتداول السلطة بينها عن طريق الانتخاب الديمقراطي وكانت تعد بكثير من البشائر الإيجابية بالنسبة للمستقبل الذي كان للمقادير فيه تدبير آخر، فقد جاءت الأيام بما لم يكن يخطر على بال أحد حينها وكانت النكبة العربية الكبرى في فلسطين في صيف عام 1948 المشؤوم الذي هو للمفارقة نفس العام الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاءت تلك النكبة بمثابة اللطمة التي قصمت ظهر المشروع التحديثي العربي، وجرس الإنذار الذي أوقف نمو المجتمع الليبرالي العربي الحديث في الوقت الذي كانت فيه جميع الدول العربية إما حديثة الاستقلال طرية العود وإما أنها لم تحصل عليه بعد. وكان منعطف النكبة الكبرى وما تلاه من هزيمة للجيوش العربية هو الحد الفاصل الذي انصرفت الشعوب والحكومات العربية مؤقتا عن ترف التحرر المدني الداخلي إلى حين إنجاز مشروع التحرر القومي باستكمال تحرير فلسطين وبناء عليه فقد اجتاحت الأمة العربية ما يمكن أن يسمى بـ «حالة طوارئ شعبية» تمثلت في سلسلة من التغييرات السياسية والاجتماعية أدت إلى تجميد الكثير من الحريات بعد أن باتت المؤسسات العسكرية العربية في صدارة المشهد الوطني العربي باعتبارها الجهة المسؤولة عن تحرير فلسطين الذي تنعقد عليه الآمال في تحقيق الهدف الاستراتيجي في التحرر القومي وصولاً إلى التحرر الاجتماعي.

قادت المؤسسات العسكرية المسيرة العربية إلى سلسلة من التغييرات الهيكلية في البنى السياسية والاجتماعية بعد أن استلمت زمام الأمور في بعض البلاد من خلال حركات عسكرية أطلق عليها جميعاً لقب ثورات استمدت مشروعيتها في كافة الأحوال من فلسطين ومن الوعد بتحريرها الأمر الذي شكل القاسم المشترك بين كل البلاغات رقم واحد التي اخذت في الصدور بعد نجاح كل حركة في الاستيلاء على مقاليد السلطة على الرغم من الاختلافات الظاهرية والمنهجية العميقة بين انقلاب وآخر، وبالفعل فقد حاز كثير من تلك الحركات ولو إلى حين ثقة المجموع الشعبي بناء على ذلك الوعد القومي، والذي في سبيله وتحت عنوانه تركزت السلطات والحريات في أيدي القيادات بشكل أدى الى تناقصها بين أيدي الجماهير التي لم تقم تلك الانقلابات إلا من أجلها وباسمها، تماما وعلى غرار نموذج شتاينر للحرية الذي افترض أن مقدار الحريات في أي مجتمع هو كم ثابت لا يتغير وأن الذي يتغير هو كيفية ومقدار توزيعه بين الفئات المختلفة في ذلك المجتمع، فعندما لا تتوزع الحريات بين فئات الشعب المختلفة بالتساوي فإن ما تحصل عليه شريحة ما من كمية الحرية الكلية يأتي على حساب المتاح من حريات الشرائح الأخرى، وهذا ما حدث بالضبط في معظم البلاد العربية حيث تراجعت أو تقلصت أو انعدمت الحريات العامة ضمن المجتمع الوطني لصالح النخب الحاكمة التي تمتعت بحريات مطلقة وكان أن مورس الاستبداد والتسلط والقمع والديكتاتورية على المواطن باسمه وتحت عنوان المشروع القومي الأكبر وبشرعية العمل على تحرير فلسطين.

أدت سلسلة الهزائم الثقيلة للأنظمة الثيوقراطية الشمولية في العالم العربي بداية مع نكسة حزيران 1967 مروراً باحتلال دولة الكويت وانتهاء بالسقوط المريع لبغداد مؤخراً، إلى الحاق هزيمة كبري لمشروع التحرر القومي برمته كما قادت إلى الانكفاء الداخلي على الذات لكل مجتمع على حدة وانتعشت الشوفينية الوطنية على حساب الانتماء القومي كما تصاعدت اثر ذلك الاصوات المنادية بالاقليمية والعرقية والمذهبية التي لم تكن مجتمعاتنا ولا شعوبنا تستسيغها سابقاً فضلاً عن أن تألفها أو تعرفها، ولعل ذلك من باب الانتقام أو التشفي بانظمة أو بافكار أو معتقدات قومية ربطها رافعوها إما بحسن نية أو بسوء قصد بالقضية التي كانت القضية المركزية حتى عهد قريب.

لعل من المناسب أن نترحم هنا على المفكر الجزائري مالك بن نبي الراحل في العام 1973 الذي انفرد بنظرية القابلية للاستعمار لدى الشعوب العربية حيث افترض رحمه الله ان الاستعمار قد غادر بلادنا بعد أن بذر فيها بذور الاستعباد التي تجعلنا غير قادرين بل وغير راغبين في الحصول على حرياتنا أو المطالبة بحقوقنا حيث أننا كأفراد غير مدركين حق الادراك لماهية تلك الحقوق ناهيك عن كوننا عاجزين عن تحصيلها، وبديهي أن الحرية الشخصية والحريات العامة في طليعة تلك الحقوق ولكن ما هي المفاهيم التي يراد لنا أن نعتنقها حول الحرية؟.

لقد تفضلت علينا الدكتوره الوزيرة كونداليزا رايس واطلعتنا على سر خطير مفاده أن بلادها ومن خلال ادارات متعاقبة اختارت أن تدعم الاستبداد في بلادنا في سبيل الحفاظ على الاستقرار إلى أن اكتشفت مدى فداحة ذلك الخطأ أخيراً وآثرت ان ترتكب فضيلة الرجوع عنه حيث اختارت ان تساند وتدفع في اتجاه الديمقراطية والحرية وذلك عبر تقنية الفوضى الخلاقة التي نرى مظاهرها ونتائجها التي بدأت تلوح بثمارها على الأقل في العراق ويعلم الله إلى أين ستصل بنا وليذهب الأمن والاستقرار إلى الجحيم؟.

من الصعب أن ينسى المرء رمارات الاندهاش والابتهاج على محيا وزير الدفاع الامريكي سييء الذكر رامسفيلد بينما كانت جحافل الغوغاء تمارس السلب والنهب في بغداد وسائر مدن العراق ومن الصعب أن ننسى تفسيره لها بأنها احتفال الشعب بالحرية التي تاق إليها وحلم بها طويلا! هذه هي الحرية التي يريدونها لنا فهل نعرف أية حرية نريد أم سنكون كما توقع وتنبأ لنا مالك بن نبي غير قادرين على أن نريد إلا ما يريدون؟ ولعل من المفيد ان نتذكر ما يقوله جان بول سارتر عن الحرية من أنها ليست أن تريد ما نقدر عليه ولكن هي أن نقدر على ما نريد، فهل نقدر؟ وهل حقا نريد؟.

وتقبلوا مودتي!




#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وماذا بعد فقدان الذاكرة؟
- سقوط زيتونة !
- هل كان يجب أن تموت بدور؟
- الإنسان والغريزة والأخلاق
- نحو فلسفة أخلاقية للاختلاف
- أحداث نهر البارد .. من المسؤول؟
- عاشقة الليل تستأذن بالرحيل
- نحن وعصر المابعديات
- رعاةُ البشر .. فرقوا ولم يسودوا
- ماذا نريد من العلمانية ؟
- الأكراد والعرب .. أية علاقة؟
- التطرف ومنهجية التقديس
- قراءة في إعلامنا الأصفر
- عيدٌ للحب .. ما المانع ؟
- قلبي للبيع
- فلسطين .. بين الموت والحياة
- إعدام صدام .. إحياء ميت
- تهويمة العيد والعام الجديد
- المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه
- ربوني .. وبعرف أهلي


المزيد.....




- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود الباتع - ثمار الحرية في المجتمع العربي