أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار اسماعيل - حمامة السلام















المزيد.....

حمامة السلام


بشار اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 2053 - 2007 / 9 / 29 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


مغامرات مجنون( حمامة السلام )
الكلاب تعوي على القمر .! هكذا قلت لنفسي عندما سمعت عواء الكلب الذي يعيش في مسكن أحد الفقراء جانب المصح العقلي . ولكن عندما أصبح العواء مستمراً عرفت بأن شيئاً ما يحدث خارجاً ! نهضت من فراشي مسرعاً وتوجهت الى نافذة المهجع المفتوحة في تلك الليلة الصيفية الملتهبة .
نظرت عبر النافذة كانت خيوطاً من ضوء القمر تنير حديقة المصح لتعطي تلك الحديقة كثيراً من المهابة والجمال . لم ألحظ ما يدعوا ذلك الكلب إلى مثل هذا العواء المخيف ،
ولكن كانت هناك حركة يائسة من كتلة بيضاء صغيرة تحت شجرة أشبه ما تكون بشبح مخيف في تلك الليلة المقمرة تحاول أن تدل على وجودها باستغاثة صامته لأي كائن يساهر القمر حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل ..
هرعت مسرعاَ الى حيث مكان تلك الكتلة البيضاء التي لم استطع أن أميزها من علو تلك النافذة ، ولكن عندما وصلت إليها اتضح لي بأنها حمامة رائعة الجمال تحمل في منقارها غصن زيتون لم أرى أشد خضرة منه في حياتي ..
كانت الحمامة و بالرغم من النزف الذي ينضح من أكثر من مكان في جسدها، شديدة التمسك بغصن الزيتون الأخضر …
حملتها بحنان بالغ وصعدت بها الى غرفتي حيث قمت وبسرعة بكل وسائل الإنعاش الى أن عادت لها الحياة بعد أن كادت تفقدها …
نظرت اليّ بعينين حزينتين وكأنها تشكرني على كل ما فعلته لها ثم غفت بعد أن سلمتني غصن الزيتون برسم الأمانة ريثما تصحو من غفوتها التي أحسست أنها بحاجة ماسة إليها …
في اليوم التالي كان غصن الزيتون ما يزال في يدي ، أما الحمامة فقد وقفت على حافة النافذة وهي تنظر الى السماء باحثة عن شيء ما يخيفها ..!
اقتربت منها وسألتها عن قصتها وعن سبب خوفها واضطرابها ؟؟..
أجابت بصوت ناعم جميل سأقص عليك قصتي ومن خلالها ستعرف سبب خوفي واضطرابي ……
جلست أنا بجنب النافذة وبدأت الحمامة بحكاية قصتها ..
قالت: أنا حمامة السلام وعمري بعمر نهاية الخراب الكوني ، عندما غضب الله على الناس الأشرار وأرسل ذلك الطوفان الهائل بعد أن أمر النبي نوح بأن يصنع فلكاَ كبيراً ليحمل فيه الأبرار من أهله ومن كل كائن حي ذكر وأنثى … وعندما غمرت المياه الأرض ولم يبقى فيها ذو رمق أطلق الله روحه التي تجسدت بشكل حمامة والتي هي أنا وأمرني بأن أرفرف بجناحيَ لأحرك الهواء وأجفف مياه الغمر وأعيد الأرض كما كانت ليتسنى لركاب ذلك الفلك الحياة ثانية على هذه الكرة الجميلة . ثم أرسلني بعدها لأجد أول مكان تظهر اليابسة فيه ليكون محط رحال لتلك الكائنات ..

نفذت المهمة بسرعة فائقة وعدت إليه حاملة غصن الزيتون هذا كرمز للسلام الذي عم هذه الأرض المغمورة ،ومن يومها أصبحت أنا وغصن الزيتون هذا سفراء السلام ورمزه الى يومنا هذا ….
لا تستغرب أيها المجنون إذا قلت لك بأنني وبعد أن استقرت الحياة على الأرض وعمل الناس بالزراعة وظهرت الإقطاعيات والملكيات بكل أشكالها وتشكلت الممالك و أسست الجيوش و بدأت الصراعات والحروب ، عملت أشياء يعجز عنها أي كائن حي ففي قمة المعارك كنت أحاور القادة العسكريين من كلا الطرفين المتحاربين شارحة عظمة السلام وجمال التعامل الإنساني وحلاوة العدالة الكونية والتعاون على بناء الإنسان بالفن والشعر والأدب والعلم والثقافة ، كنت أشرح لهم بأن المال الذي يهدر لصناعة الأسلحة المدمرة والتي تقضي على خيرة رجالهم ، لو سخر لتطوير علوم الطب والفلك والفيزياء والزراعة والغذاء لعم الخير على الجميع ولجنوا من خيرات الأرض أكثر ألف مرة مما يجنوه من مصالح كاذبة نتيجة تلك الصراعات التي يحكمها ضعف العقل والتفكير والغباء والأنانية .. صدقني كان أكثرهم يستمع إلي ويقبل بنصيحتي ومسعاي لإحلال السلام ..
عرفت الإسكندر المقدوني وعرفت رمسيس الأول والثاني عرفت موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم عرفت كل قادة المسلمين كانوا جميعاً يحاربون أعداء السلام كي لا يعيثوا في الأرض فساداً ثم يكرسوا دعائم هذا السلام ويعملوا على إحقاق الحق، حتى هتلر وموسوليني عرفتهم وتحاورت معهم … صحيح لم يستمعوا إلى ندائي لوقف الحرب على شعوب العالم ولكنهم كانوا يحترمون وجهة نظري في السلام ويؤمنون بها ولكن دائماً كانت تتحكم بهم ظروفاً خارجة عن إرادتهم وفي قمة ثورتهم وغضبهم كانوا يبدون أشد مظاهر الاحترام والتقدير لي ولغصن الزيتون …..
ولكن في بلادكم الأمر مختلف جداً .فما أن وصلت إلى هذه المنطقة حتى انتابني إحساس غريب من الرهبة والخوف ، فقد كنت أترقب أي نبأ يصل عن قائد عظيم لثورة عظيمة وأحلم كل يوم ألف مرة بلقاء هذا القائد ،وها أنا اليوم في المكان الذي يتواجد فيه ولم يبقى بيني وبين لقائه سوى طلب هذا اللقاء . المهم وافق هذا الرجل الرمز على لقائي وعندما أصبحت وجهاً لوجه أمامه بقيت ولأكثر من دقيقة وأنا أحس وكأنني في حلم .
بدأ حديثه بالتعريف عن نفسه ،قال : أدعى البوم العرفاتي حملت هموم الوطن على عاتقي وأقسمت على تحرير كل شبر من أرضي الحبيبة بالرغم من معرفتي بأن طريق الثورة طريق شائك ووعر ..!
لا أنكر بأنني تلقيت دعماً من كل أشقائي العرب ، وأصبح مخزوني المالي يكفي ليس لتحرير فلسطين بل لشرائها ولكن ظروفي صعبة جداً أيتها الحمامة …!!! ثم دعاني بتهذيب بالغ الى غرفته الخاصة جداً لكي أطلع على تاريخ تلك الثورة العظيمة ، وعندما أصبحنا داخل الغرفة ، استأذن مني وخرج ليقوم بواجبات الضيافة ، أصبحت وحيدة في تلك الغرفة الرهيبة التي كانت سبباً لحالتي التي تراني بها …؟؟!!
بعد أن أطلعت على موجودات الغرفة من صور لرفاق النضال وصور أرشيفية لعمليات عسكرية وصور لشهداء قدموا حياتهم ثمنا" لهذه القضية العظيمة . لمحت زاوية مختلفة تماما" عما شاهدته وعندما اقتربت منها عرفت أنها زاوية أحلامه الخاصة وفي هذه الزاوية رأيت حلمه الكبير والذي كان سببا" في احتقاري لشخصيته السافلة والتي كانت للحظات مضت رمزا" كبيرا" في مخيلتي . هذا الحلم هو تحوله من قائد ثورة عظيمة الى رئيس دولة هزيلة , رأيت في هذه الزاوية كل تفاصيل الخيانة والذل وبيع الأحلام التي طالما حلم فيها شعبه الذي آمن به كما آمن به كل فرد من هذا الوطن العربي الكبير ، رأيت في حلمه لقاءاته مع قادة إسرائيل وكيف كان يتعامل معهم بدونيته التي لم يشعر للحظة بالخجل منها . تغير وجهي فجأة وأحسست بالقرف منه لدرجة أنه عندما دخل الغرفة ثانية" نطق لساني بخطبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام في الوالي الخائن إذ يقول: (( وإذا كان ما بلغني عنك حقا" لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك ومن كان بصفاتك فليس بأهل أن يسد به ثغر أو ينفذبه أمر أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة أو يؤمن على دفع خيانة )) . وما أن سمع هذا القول حتى صعد الدم الى رأسه و استشاط غضبا" وهجم علي بوحشية مخيفة والقاني على سريره الآثم وبدأ باغتصابي بسادية مرعبة حتى هدأت ثورته النفسية كما هدأت ثورته العسكرية بعد اغتصاب أحلام شعبه ثم حملني وألقى بي خارجا" بعد أن انتزع ورقتين من غصن الزيتون الأخضر .
كان الألم يعصف بي من كل جانب ورغم ذلك لملمت نفسي المحطمة وجمعت أوراق الزيتون على غصنها وانطلقت لا أدري الى أين , وفجأة ظهر أمامي غراب أسود لم أستطع أن أميزه في بادئ الأمر لأنه يشبه كل الغربان في هذه الدنيا ولكن عندما أمعنت النظر فيه عرفت أنه الغراب الأسرائيلي .
نسيت بسرعة ما فعله بي البوم العرفاتي وسارعت للترحيب بالغراب كي يتثنى لي أن أقدم عرضا" للسلام علني أفعل من خلاله شيئا" جميلا" لشعوب هذه المنطقة المنكوبة حملني الغراب ومعي غصن الزيتون الى بيته وتحادثنا بالعموميات وقال بأنه قرأ قصتي في التوراة وأعلن أنه على استعداد لتنفيذ ما أمره به احتراما" لكتابه المقدس . شعرت بالسعادة لذلك الاستعداد ورحت اذكره كنوع من الاستعطاف والشعور بالخطأ لمجازر دير ياسين وكفر قاسم وقانا ذكرته بالأطفال والنساء والشيوخ الذي قضى عليهم دون ذنب أو جناية اقترفوها ولكن حديثي جاء عكسا" لما توقعت فقد ظهر اللؤم على وجهه بشكل واضح وقوي ثم وقف غاضبا" وأمرني بالصمت وقبل أن أنفذ أمره قلت له : جعلتم الشيطان في قلوبكم وأصبحتم شركاء له ترون بعينه وتنطقون بلسانه وتقتلون بأظافره ولكن عليك أن تعلم أن الشيطان لا يمكن أن يستمر بشره ولا بد في يوم من الأيام أن تسحقكم عجلة الأيام التي تركبها الشعوب المظلومة . تقدم مني وفعل بي ما فعله البوم العرفاتي عرفت عندها معنى التوحد فقد رأيت الغراب والبوم شخصية واحدة . وهذه قصتي ايها لمجنون.تركت الحمامة غصن الزيتون في يدي وفرت من النافذة معلنة عن تخليها عن تلك المهمة وسلمتني إياها أنا . وقفت محتارا" عما أفعله بهذا الغصن ورحت أتفرس به بإعجاب شديد ولكن شيئا"ما في السماء لفت انتباهي نظرت الى الأعلى ويا لهول ما رأيت فقد كان البوم العرفاتي والغراب الإسرائيلي يحومان فوقي بنزق وينظرون إلى بشبق خفت كثيرا" وركضت باتجاه الحديقة لأحفر لغصن الزيتون عميقا" في الأرض ليختفي ويختفي معه السلام وأحافظ أنا على نفسي من الاغتصاب .



#بشار_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار اسماعيل - حمامة السلام