أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - فن مصري معاصر في متحف الفن بالعاصمة بون















المزيد.....

فن مصري معاصر في متحف الفن بالعاصمة بون


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 2048 - 2007 / 9 / 24 - 13:20
المحور: الادب والفن
    


على مسافة ثلاث محطات سابواي من محطة قطار بون، المدينة النبض الألمانية الرقيقة، يرتفع مبنى متحف الفن تحفة ًمعمارية تلتف انحناءاتها وزواياها ومساحاتها الزجاجية العريضة في الفراغ هامسة بروح معماري عظيم، ويضم بين أروقته أرواحا فنية عديدة من مشاهير الفن المعاصر على رأسهم نبي الفن ابن ألمانيا الراحل يوزيف بويز. في هذا المبنى، وسط هذا البذخ الفني، يقام معرضٌ لثلاثة عشر فنانا مصريا يمثلون أجيالا ونماذج متباينة في التوجه ووسائط التعبير، ما بين التصوير والفوتوغرافيا والعمل الفراغي والفيديو، تحت مسمى "الحاضر من آلاف السنين" إلى 28 أكتوبر. بالإمكان تقسيم الفنانين في مجموعتين، تنازليا من حيث السن، يفصل بينهما عشر سنوات وتزيد، الأولى من مخضرمي العمر والتجربة الفنية (هدى لطفى 1948, محمد عبلة 1953, جورج فكري 1961، حازم طه حسين 1961، خالد حافظ 1963، أيمن السمري 1965، صباح نعيم 1967)، الثانية نماذج من جيل واعد صعد على لغة الميديا والوسائط الحديثة القافزة فوق المحلي المألوف وإن كانت ماتزال مهمومة، غالبا، (كما حال المجموعة الأولى) بما يفور به الواقع المحلي من نقائض ونقائص واندحارات (وائل شوقي 1971،شادي النشوقاتي 1971، يوسف نبيل 1972، وائل درويش 1975، عماد عبد الوهاب 1976، أيمن رمضان 1980).

بعيدا عن التقييم الفني، يشير هذا الحدث، ضمن ما يشير، إلى انسحاب السجادة من تحت أقدام المؤسسة الرسمية بعد أن نحُلت وتهرأت وفقدت مصداقيتها في الداخل والخارج على السواء بسبب احتكارها طويلا أسماء بعينها وصلت هي وأشكال تعبيرها إلى طريق مسدود وظنت أن في إمكان السلطة أن تمد أجلها، غير مدركة لفقدان الوزن والتوازن أمام المتغيرات العالمية الحديثة؛ إلى جانب رسوخ جاليريهات ومؤسسات خاصة غيّرت المنظر الفني المصري بشكل يكاد يكون جذريا لدرجة أن اليد الطولى في تقديم معظم فناني هذا المعرض كانت لتلك الخاصة مقارنة بالرسمية التي رشحت 60 اسما للمشاركة في الحدث لم يُقبل منهم إلا اثنان فقط. في حين كان أحرى بالرسميين أن يعتبروا صعود هذه الجاليريهات فرصة لتطوير برنامجهم والبدء في العمل الثقافي الشفاف، لا في العمل الذي يراعي المصالح الشخصية الرخيصة والذي هو في النهاية تخريب أكثر منه أي شيء آخر.

لو اعتمدنا الترتيب السابق في استعراض أعمال الفنانين، يكون من حسن الطالع أن نبدأ بهدى لطفي كحالة متفردة خرجت بتجربتها على المنظر في مستهل التسعينيات وهي أربعينية ناضجة التجربة. تدرّس التاريخ والإسلاميات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ما أتاح لها فرصة إثراء منسوجة تأملاتها الفنية بحسٍ واعٍ بالماضي عمّق حسها بالحاضر. المرأة تيمة غالبة على عملها كهمّ، غالبا ما تستخدم له "العروسة" رمزا. أمامنا هنا مشربية، من العرائس المقصوصة من ورق الرسم الأحمر وملصوقة، تغطي حائطا كبيرا وتلضم بذكاء فتلة المرأة في ثقب الاختباء. معروف أن المشربية في ماضيها كانت حجابا ترى الحريمُ منه الشارع ولا تُرى ممن فيه. كذلك عمل فراغي استخدمت فيه مسّاكات الجمر (الماشة) في نرجيلة التدخين، مصنوعة على شكل امرأة فرعونية، تجرح به وضع المرأة كأداة لمزاج الرجل ليس إلا. في حين قدم محمد عبلة أربع لوحات كبيرة من مجموعته "العائلة" تحيل اللامبالاة التي رُسمت بها الشخوص على الإحساس بتفكك هذه المؤسسة المنزلية في مجتمع يتكدس أفراده في مكان واحد (ربما تحديدا بسبب هذا التكدس).
تحكّم عبلة في مستويي عمله: المنظر الفوتوغرافي المطبوع على القماش، والشخوص المرسومة بالأكريليك فوق المنظر. الفوتوغرافيا في خلفية لوحاته أبرزت معالم شوارع وميادين من القاهرة فحصرت العمل داخل جغرافيا ضيقة، لكنه بدا أكثر تعبيرا حين تعامل مع خلفيات ضاعت ملامحها فأفسحت لعائلاته فضاءً لا تحده جغرافيا أو تاريخ بعينه، فضاء هو إلى الحنين للموضوع المعالَج أقرب. بالجوار، قدم جورج فكري لوحتين بحجم متحفي، من كولاج وورق الأرز الملون بدرجات القرمزي، وإن غلب عليهما التجريد فالحس العام يحيل على منظومته الذهنية المرتبطة بتفاصيل الواقع الذي لا يخلو من إشارات تراثية في حرف عربي أو لون ذهبي، يغلفها جو تعبيري حالم. في المقابل، وفيما يشبه حلما متراكب التفاصيل، رصد حازم طه حسين، بالفوتوغرافيا ومونتاج الفوتوغرافيا في طبقات بعضها فوق بعض، الشارعَ القاهري، الوجوه، الملابس، كتابات الحائط، الإعلانات، ليخرج بمجموعة من الصور غطت حائطين في المساحة وبصمَتهما بالفوضى ومتناقضات مجتمع تحكمه عبثية داكنة محروقة الألوان. كذلك خالد حافظ، الذي وضع شهاداته كطبيب بشري داخل جمجمة التشريح وأغلق عليها درج مكتبه ليتفرغ لتشريح ما حوله وانزلاقات مجتمعه في الأحقاب الثلاثة الفائتة توازيا مع خلخلات العولمة. في لوحة عريضة كشريط، جمع حافظ أشكالا عصرية توحي بالاستيراد والاستهلاك وتسلط المادية، رصّها، رسما ولصقا وطباعة، في نسق هيروغليفي طغت دلالته الرمزية على جمالية التصوير فيه. غير أن عمله الفيديو الموزع على ثلاث شاشات متزامنة، تبرق فوق الوسطى كِساراتٌ من وثائق تاريخية مصرية ووجوه ممثلين وأحداث تعود بالناظر إلى تفاصيل الذاكرة الجمعية التي شكّلت هذا البلد، ثم ماءٌ عن اليمين وصحراءٌ عن اليسار، يمسّان برمزيتهما فكرتي الاغتسال والتحرر (من تلوثات ما جرى في ذاكرة الشاشة الوسطى ربما). ثم أيمن السمري، حاضرا في عمل فراغي أكثر منه في مستطيلات لوحاته الضيقة المختصرة غالبا إلى لون واحد أو لونين يتلوّى فوقهما رسم ليدٍ أوتحريف مبالغ فيه لجسد وأحيانا كتابة بخط اليد، يبدو المقروء منها أشبه بخواطر وجودية تخص صاحبها. أما التجهيز الذي علّق فيه صديرية فلاح ولباس عورته في مستويين معكوسين، بمعنى أن اللباس إلى فوق والصديرية إلى الأسفل منه وبداخلهما مصابيح مضاءة، يحيل، كما يقول صاحبه، على فكرة الأرض وضياعها في الحكاية الشعبية الغنائية "عوّاد باع أرضه".
أيّ عار حقا أن يبيع الفلاح أرضه! هل نستبدل الفلاح بالحاكم، والأرض بالوطن؟ لا شك أن الفكرة واردة بل وحتمية. لكن، على أرض لا شرقية ولا غربية، تُحوّل صباح نعيم مسطحات فوتوغرافيتها إلى حقول للرسم والشخبطة، تكاد تختفي تفاصيل اللقطة وراء خربشات التعامل معها كلوحة ليهتز السطح بارتعاشات ترصد الحدث والحركة وجودا وسياسية وذبذبة بين شرق وغرب، بحسٍ يغشاه غياب عنصر ما جوهري. ثم في ظلام قاعة مجاورة، يرصد وائل شوقي في شاشته أجواء ذِكر وغيبوبة واستهلاكية يؤكدها في فيلم آخر له حيث يتجول داخل سوبر ماركت وهو يقرأ "سورة الكهف" ليرتسم سؤال في فراغ العرض: ألم يصبح الفن نفسه سلعة واستهلاكا كما الدين في صيغته السلعوية الاستهلاكية؟ سؤال آخر يرتسم أمام مكعب بحجم ضريح من قوالب الشمع المفرغ، على سطحه نبات الصبار، جسّد من خلاله شادي النشوقاتي صورة لمقابر بلدته حيث تُزرع ألواح ذلك النبات فوق المقبرة لجلب السلام للميت: لماذا الشمع تحديدا؟ غشاء آخر للموت شفاف على عدسة يوسف نبيل. يضفي صاحبها على صوره من تلوين يده بعدا تنبع جماليته من تعبيريته، إذ يرصد وجوده واغترابه في المناظر والمدن لتثقب الصورةُ الحائطَ وكأنها موت ملوّن. الجسد حاضر بعنفوانه وهشاشته، والطبيعة بلا مبالاتها وانفصالها، فيبدو الجسد والمنظر زمنين مختلفين جمعتهما ضغطة حساسة على زناد كاميرا فوتوغرافي موهوب في مقتبل العمر والشهرة.
كذلك يحضر الموت والزمن في عمل وائل درويش الثلاثي الأبعاد تشكّله ثلاثة أسرّة جنائزية ضيقة لا شِيَةَ في مصريتها، حشَر درويش للوقت في مراقدها وجنباتها ساعاتٍ كبيرة ليتساءل المرء: على من تتكّ العقارب، على لأحياء أم على سواهم؟ أمام هذا مباشرة, تتك موهبة عماد عبد الوهاب التلوينية في أربع لوحات كبيرة تحكي عن إمكانياته كمصور أكثر ما تحكي عما يشغله من معني أدبي محنّط في رمزية مألوفة وشخوص مشوّهة سيكون من المفيد لو ساءل راسمها نفسه عن أساسها النظري، إن كانت تخدم عمله أم تضر به. ومن اللون إلى ظلام غرفة مجاورة، حيث تتلوى عدسة فيديو أيمن رمضان من الزجاج الأمامي لحافلة ركاب سائرة فتجعل المشاهد واحدا من الراكبين الذين تناثروا بتمثيل كرتوني على الكراسي، بينما يقود رمضان المشاهدَ - الراكبَ إلى ما لا يعرف أين. غير أن كاتب السطور سيقفز الآن من الحافلة ليتسلل إلى صالة مجاورة ويقف، بدمعة لن تخرج، أمام فن أستاذه وصديقه الراحل ميخائيل بوته الذي علّمه قبل سنوات، على مبعدة ساعة بالقطار من هذه المدينة، ومن دون مواعظ، أن الفن حياة والحياة فن.

يوسف ليمود – بون
النهار اللبنانية
[email protected]

رابط لمادة سابقة عن الفنان المذكور في نهاية النص:
http://www.doroob.com/?p=4152



#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاسبر جونز .. رؤيته وإنجازه الفني في عشر سنين
- Face
- بقعة شمس
- غنائية حب وجودية
- فراغ ما بين الشكل والحرف .. إلى احساين بنزبير
- آرت | 38 | بازل
- السويسري يورج فيدرشبيل في قافلة الأدباء المنتحرين
- جغرافيا افتراضية تتلمس تاريخ الواقع .. رؤية فنية معاصرة في خ ...
- ليس إلا ..
- رضوى عاشور مع هوجو لوتشر بثلاث مدن سويسرية + تقرير السيدة را ...
- فاسيلي كاندينسكي وسنوات مخاضه الروحي نحو التجريد في معرض
- -إيروس في الفن الحديث-
- صوتيات
- تأملات في وجه نجيب محفوظ .. الوصول قبل الرحيل
- بين توماس فريدمان وعمرو خالد .. حوار مع الفنان حمدي عطية وأف ...
- بين الطاقة الجنسية والإبداع
- حجر قابيل
- اللحظة الأخيرة
- خطاب مزموري إلى اسرائيل


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - فن مصري معاصر في متحف الفن بالعاصمة بون