أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - كريم جاسم الشريفي - أدب السجون السياسية (3)















المزيد.....

أدب السجون السياسية (3)


كريم جاسم الشريفي

الحوار المتمدن-العدد: 2048 - 2007 / 9 / 24 - 13:18
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الشهيد علي ناجي محسن

مواليد محافظة بابل – قضاء الهاشمية – ولد عام 1940 على ضفاف نهر الفرات الذي يّقسم جغرافياً القضاء الى نصفين ، هذا القضاء الذي كان يوماً ما عاصمة العراق الأولى قبل الكوفة وسامراء ، لكن السنيين أرادته أن يكون اطلالاً ، لو لا نهر الفرات وحركة الزراعة والبضائع وتسويقها الى مركز الحلة.
منتصب القامة ، طويل الأطراف، تكسوا رأسه فروةً من الشعر الكثيف ،خليط بين الرمادي والأبيض ، كث الحاجبين ، نحيف الجسم ، في الغالب يرتدي (دشداشة) لونها رصاصي أو بيضاء ، ينتعل صندلاً من الجلد بعد الدوام الرسمي . يعمل معلماً في القرى التابعة الى قضاء الهاشمية وهي عقوبة مقصودة تعّود عليها . لكنه يعتبرها رسالة إنسانية فيها من (الأجر) المضاعف ، لأن التعليم في القرى البعيدة والقصبات النائية والأرياف البائسة فيه أكثر من مدلول انساني رغم الحرمان والجلد للمربي والمعلم . لذلك يعتبر نفسه مؤهلاً وجديراً لهذه التضّحية . يمتطي دراجته الهوائية يومياً كل صباح ، وبعد مشاق يوم عمل يعود الى بيته المتواضع في القصبة القديمة – أي وسط القضاء- يدلف من الباب الخلفية المحاذية للطريق الإسفلتي للشارع ،يقوده ممر طويل مظّلل من كلا الجانبين حيث جدران الجيران العالية تجعل الممر يشبه كهف في جبل صالح للعبادة والأنقطاع والنسك وهذه الجدران تجعل ممر البيت رطب وبارد ، البرودة تجعل كل من يدلف هذا الممر يشعر بالاسترخاء ، في نهاية الممر توجد باحة وسطية على أطرافها شُجيرات متناثرة بشكل دائري وخلف هذه الأشجار توجد نخلات متباعدة عن بعضها البعض ، وعلى يمين الممر غرفه من الآجر والصلصال مشيدة مع غرف اخرى حيث توجد زوجته العصامية وأطفاله الأثنان . يسترخي بعد عناء شديد في يوم عمل ،تتبدد كل منغصات العمل فجأةً،خصوصاً عندما يرى أطفاله مبتهجين مسرورين . أنه أب ودود وزوج عطوف يهتم بتفاصيل الأطفال والزوجة التي سيُكتب عليها النكد بعد الفجيعة . يتناول كتاب قد تم اختياره من قبل . بعد الاسترخاء وتناول وجبة غذاء متواضعة ، يقرأ سطراً، صفحةً ، فصلاً .. يأخذه النعاس يشعر بالحاجة الى الراحة، ثم يركن الى قيلولة تعطيه ديمومة لتجديد نشاطه . أن في أوقات الحر وأيام القيظ ، وأشهر اللهب ، تصبح القيلولة هي الخلاص الوحيد من هذه المعاناة. الدعابة لاتفارقه ، والابتسامة جزء من محياه ، وسامته طاغية على وجهه ، لا أحد يلحظ أستاذ علي بدون تلك الميزات ، الابتسامة بريئة وصادقة يشعر بها كل من مرّ أو شاهد أستاذ علي من أبناء القضاء ، طفل ،امرأة ،شاب ، شيخ ، كبير، أو صغير.. الكل يحترمه لأنه يبادر بالسلام في كل الأحوال والظروف وهذه صفة لا توجد إلا عند القلائل من الناس ، انه سلوك وليس تمثيل أو مراء آت. كان سباقاً ومبادراً في عمل الخير ومتطوعاً لأي عمل اجتماعي طوعي. دمث الأخلاق، له حضور اجتماعي فاعل بين البسطاء والمحتاجين . أغلب الأحيان يحمل كتابا تحت إبطه ً لازال يقرأ بعضاً من فصوله ، أو بين يديه ، يقرأ الفكر الإنساني بنهم ، يقتنص الوقت ، ويتحين الفرص للقراءة رغم جسامة مسؤولياته العائلية ، والأسرية .انه البكر في أسرته وله خمسة إخوان ، وزوجة وطفلين ووالدته تبسط ظلالها الوارف عليهم وتدعوا يومياً أن يحفظهم الباري من المكروه ،والده فارق الحياة في بداية السبعينات من القرن الماضي (سيّد ناجي) سيد معروف بورعه وتدينه وكان بصيراً لكنه يستطيع تميزنا من الأصوات.
كان والدي قريب منه ويركن له بالحديث أثناء اللقاءات العابرة في الشارع أو المقهى ،يداعبه أحيانا وينابزه كلما رآه وحيداً (ها ولك أحمر كافر، ما بيكم حظ ما تكمشون السلطة) !! يفرح أستاذ علي وتنفتح سريرته عندما يرى والدي . أعتقد كان والدي متعاطف معه ويحترمه ويجله لعقيدته وأحياناً يناصره . كانت هذه المنابزات لا تحدث أمام الناس ،ولكن في الخلوات كثيرة وأتذكر مرة كانت أمامي . يعتقد والدي أن المزاح والمنابزة أمام الآخرين غير صحيحة وتُفقد الاحترام. لأن في قضاء الهاشمية الناس محافظة وذات توجه ديني بسيط وليس سياسي مثلما يحدث الآن ،كانت الناس لا تعرف الانتماءات السياسية ، ‘وإنما السلوك هو المعيار الوحيد للهيبة الاجتماعية . بداية السبعينات صعد نجم حزب البعث حيث كان في قضائنا شخص ينتمي الى البعث منذ الستينات (بعثي) سلوكه مقبول والناس لا تعرف الو لاءات الحزبية آنذاك . تسلق هذا البعثي سلم الوظائف الإدارية بعد انقلاب 1968 الذي جاء بالبعثيين بالانقلاب المشهور . وأصبح هذا البعثي صاحب حظوة ورئيس دائرة البلدية في القضاء، بينما كانت رئاسة هذه الدوائر حكراً على الغرباء اللذين ترسلهم الحكومة المركزية للأقضية والنواحي .جاء هذا الشخص وتبوء هذا المركز الوظيفي ، شاعت صفته الحزبية من خلال الوظيفة الإدارية، مع العلم كان حزبياً منذ الستينات . قرر هذا البعثي توسيع تنظيمهم في القضاء وإذا أمكن في النواحي التابعة إداريا إليه – الحمزة الغربي – المدحتية وناحية القاسم . المدحتية كانت واحدة من المناطق الشيوعية حصراً . بدأ الفقراء ينتمون الى تنظم البعث طمعاً بوظيفة أو جاهاً لمغمور أو مركزاً لمعزول اجتماعياً وفعلاً تحققت هذه النبوءات وأثبتها التاريخ بعد عشرين عاماً وركز هذا البعثي على طلبة المدارس المتوسطة والثانوية رغم ان المتخرجين كانوا يُعدون على أطراف اليد ، فضلاً عن الجامعيين وهم قلائل وأغلب هؤلاء الذين فضلوا العمل الحزبي من الجامعيين كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي . بدأ يتوالد ويتكاثر تنظيم البعث حتى أواسط السبعينات ، أصبح له حضور واضح وله نشاطات على الأرض حتى أصبحت خريطة المنطقة واضحة المعالم سياسيا في القضاء . وللتأريخ نقولها ان عزوف الناس عن الانضمام لحزب البعث قبل هذا التاريخ سببه ممارسات الحرس القومي المهينة ، فذاكرة الناس لازالت حيّة وتعرف ممارسات هؤلاء من تعسف وبطش وقتل على الهوية والانتماء الحزبي في عموم العراق ، والهاشمية تحديداً. الانخراط في صفوف البعث ناتج من سيطرتهم على السلطة وبالتالي المنخرطين الجُدد يطمحون بوظيفة أو فرصة عمل . أما الشيوعيين لأول مرة يعملون تحت الشمس بعد أن أمضوا حياتهم خلال الحقبْ الماضية تحت الأرض لانهم ملاحقين من السلطات الملكية والجمهورية إلا في زمن تحالفهم في ( الجبهة الوطنية ) مع البعثيين عام 1973. بدأوا يعملون بحرية وكانت جُل نشاطاتهم اجتماعية وتثقيفية . أستاذ علي ناجي كوجه معروف من الشيوعيين وذاق المرارة ابان الحرس القومي مع رفاقه ، ظهرت نشاطاته للعلن وهو داينموا ومحرك ونشط ومؤثر في محيطه وله حضور اجتماعي لا تخطأه العين ،إضافة الى ثقل وتاريخ عائلته بأعتباره (سيّد ابن رسول الله) وهذه الصفة وحدها مؤثرة في مجتمع محافظ مثل قضاء الهاشميةً ، اضافة الى خلقه المستقيم . وأعتقد انه صاحب رسالة اممية لا يمكن أن تشكل له هذه الصفة أي قيمة اضافية كونه سيد بقدر ما يكون مبادر وايجابي ،يحترم تقاليد المجتمع الذي يعيش به رغم نمطيته وسباته و(تخلفه) . بقى أستاذ علي تحت العقوبة الإجبارية في عمله بالأرياف والقصبات رغم استحقاقه بالعمل في القضاء أو مركز المحافظة لأن سنوات خدمته الكثيرة إذا كانت امتياز ومعيار فهو يستحق النقل على أقل تقدير للقضاء . شعر استاذ علي بأن توجيهات من البعث بأبعاده عن التجمعات الكبيرة ومحاولة إقصائه من التواجد في القضاء ، كان البعثييون يرغبون بل يريدون إقصاء الشيوعيون وأبعادهم جهد الإمكان عن الساحات الشعبية والجماهيرية الى القصبات النائية أو القرى المنعزلة حتى يتخلصون منهم حتى يكون تأثيرهم فاتر وضعيف وغير فاعل ، لان لديهم سحراً بالتأثير على الناس ، وفي نفس الوقت يبقون خارج دائرة التأثير طالما عملهم في القرى ، لان الشيوعيين سحرة بالحضور الاجتماعي (يبلفون ويبلشفون) الناس بسهولة يقول أحد وجهاء القضاء . غادرت الهاشمية والصورة تنذر بسوء الطالع ،والمشهد فيه حشد كبير من الوقائع التي تقود الى الصدام والتصادم والتناحر مع البعثيين ،خصوصاً بعد ما أصبحت جماهيرية الحزب الشيوعي واقع في عموم العراق والهاشمية خصوصاً . بدأ المحبين للحزب والى أستاذ علي ناجي بقصد صفاء السريرة وحسن النية تنبيهه الى المخاطر المحدقة بالشيوعيين لان المنظر لا يحتمل اكثر . لكن استاذ علي مرتبط حزبياً وفكرياً ببرنامج الحزب... والقبادة المتمثلة بالمكتب السياسي هي المسئولة عن القرارات المفصلية . البعض من المحبين للأستاذ ذّكروه بأن مكروه سيقع يشبه ماوقع في عام 1963 أي أن بربرية الحرس القومي السيئ الصيت بأنتقامه ووحشيته وفظائعه ربما ستحدث ثانيةً. نصحوه بالأبتعاد عن الأنظار والأختفاء إذا كان ذلك ممكنأ ولو الى حين ، الحذر مطلوب استاذ علي وعليكم العبرة من التأريخ وانتم ناس علميون أحدهم همس بأذنه . القاعدة البعثية بدأت تزداد بأضطراد ومحاولة تعبئة هؤلاء الجدد في عصابات الأمن والأجهزة الأمنية السرية والعلنية ، وكأنهمم مهيئين الى صولة للقضاء على الحلفاء في الجبهة الوطنية . تخندقوا البعثين الجدد والقدامى لإقصاء الشيوعيين من الساحة والى الأبد وفعلاً هذا ما حصل بكل ألم وحزن وتضحيات . التيار الديني في القضاء بدأ يتنامى خصوصاً في نهاية السبعينات . البعثيون أجلو المنازلة معهم لحين الخلاص من الشيوعيين ودحرهم ومن ثم الالتفات الى المتدينين السياسيين الجدد وفعلاً تم إعدام اكثر من 20 متّدين سياسي خلال ثلاثة أعوام من 1979-1982 من قضاء الهاشمية وحده .وشاهدت البعض منهم معتقل معي في ( القافات) في سجن الخاصة / سجن ابي غريب. ظّل يكابر أستاذ علي وحيداً بهذا المشهد الحالك و(الجبهة الوطنية) على حافة الانهيار والتصدع انها تسير ببطء نحو الانتحار بعد استفراد البعث بالسطوة والسيطرة والتحكم.لكن أستاذ علي ليس من اللذين يتوارون عن الظلام بسهولة ، ولا يفكر بالانزواء عن العاصفة ولا يقبل دوراً ثانوياً بالمشهد على أقل تقدير في منطقته ومحل إقامته ، بل كان يعتقد جازماً ان ميدانه الحقيقي والواقعي هو العلن والظهور أمام الناس ، ظني هذا ناتج من قناعاته كيسوعي مبدئي ومقدام ،عليه الثبات في الظروف الحرجة وفي الميدان والجبهات والساحات والمواقف التي يمتحن المرء بها قدراته وصلابته سواء كان مبدئياً مثل أستاذ علي أو أي شخص له اعتبار اجتماعي يؤمن بعزّ وكرامة. الناس ترصد سلوك الآخرين وتسجل تضحياتهم وتعتبرها المعيار الأوحد كلما كان المرء مقاوماً للظلم والتعسف والإذلال والهوان حسب معايير ارثنا الثقافي كلما يجد الاحترام والتقدير . لا يعتقد ان المواجهة قد تأجلت بل يوجد من يدفعها نحو التصادم ويساهم التعجيل لاندلاع شرارتها. سياسية الحزب حتى العدد الأخير من صحيفة (طريق الشعب) تحاول التهدئة لكن على الميدان هذا مكلف لكل الأعضاء والكوادر الحزبية ، وربما بعض أعضاء اللجنة المركزية لم يحسموا الأمر بعد في توجيه القواعد ويبقى سؤال لينين ماثل ب ما العمل؟ . شددوا البعثيين الخناق على الشيوعيين ومحاولة رصد تصرفاتهم وردود أفعالهم والإجهاز عليهم، استمر الوضع لأكثر من ثمانية أشهر هكذا. جهز نفسه استاذ علي وعزم على التحدي مهما كان الثمن ، لان تأريخه النضالي ومبادئه ،وموقفه الاجتماعي أكثر وأكبر قيمةً من الحياة نفسها ، لذلك هذا التزام لا يسمح له بالانصراف من هذا (القدر) المفروض عليه ومغادرة ساحة المواجهة . بدأت الأستدعاءات من قبل دوائر الأمن المحلية لكل الشيوعيين وأصدقائهم ،حيث سيطر البعث على كل ميراث الجبهة الوطنية وارشيفها وحتى محاضر الاجتماعات الحزبية وكل الوثائق أصبحت بيد جلادة البعث ،وفعلاً استخدموها للتسقيط فيما بعد ضّد الأعضاء والكوادر من الشيوعيين . هنا أخذ الصدام شكلاً عدوانياً مريراً لكل الشيوعيين ، وعند البعض سبب له انهيار مبكر واختصر الطريق على نفسه . لكن مثل استاذ علي دخل بداية لمعركة تحتاج الى أبطال تحرريون ، وأكيد فكر ملياً بين نفسه ورغباته .. الرغبة بالبقاء حياً وبين الاستشهاد من أجل المبادئ ، رغم أن الأمر محسوم عنده . هذا الرفيق المقدام ترجم قناعاته الفكرية مرة واحدة والى الأبد بالاستشهاد ، رغم انه يحب الحياة ولا أعتقد أنه كان يفكر بالعيش مرةً ثانية بعد الموت لان شرط الماركسية شرط علمي وهو يعرف ذلك ومقتنع به. تم استدعاء استاذ علي ورفيقه السيد كاظم داوود بعد حضورهم تأبين زميل عمل لهم . كان رجال الأمن البعثيين يتربصون بهم ، بعد ان أتموا قراءة الفاتحة والعودة الى بيوتهم . تفضل استاذ على الى مديرية الأمن أنت وسيد كاظم مأمور الأمن قال . في تلك اللحظات المشحونة بالترقب بمشاهد الحزن والتأبين .. تأتي أفكار غريبة على المرء أولاً يبدأ يفكر بأصغر طفل تركه ، عاطفة الأبوة والالتزام الأسري ، متردد بين نزعات اللأعودة والغياب المطلق عن الأهل وبين الرغبة العارمة الى كنف الأسرة ، صراع بين رغبات النفس البشرية وغريزتها بالبقاء وبين صرامة المبادئ المميتة انها حيرة مّرة والخيار أمر.. دعنا نرى ماذا سيجري في دائرة الأمن قالها مع نفسه . التفت الى رفيقه هل أنت بخير (أبو جواد ) قاطعه الجلاد ممنوع الحديث انها دقائق وترجعون الى البيت . رجال الأمن كانوا غرباء عن أبناء القضاء ، وكأن النظام مستشعر لهذا الغرض ومتخذ كل الإجراءات ان جلب الغرباء من الجلادة يُضيّع أي فرصة للضّحية بالتعاطف معه.
استاذ علي تفضل .. دخل متثاقل الخطى ، ويعرف ان النهاية ستكون قاب قوسين أو أدنى ، فكر مرات بالإفلات من هؤلاء الأوغاد معتمداً على تجربته وذكائه في مثل هذه الظروف وقراءته للأدب السجون خصوصاً رواية( المبعدون) للركابي. يخشى على اطفاله وزوجته واخوته وأقربائه .. على رفاقه مخاوف مشروعة ومنطقية لمثل هذا المشهد .
- كما تعلم الجبهة انتهت وقادتكم هربوا والكثير من الشيوعيين وقعّوا بالتخلي عن الحزب الشيوعي وانظموا الى (الصف الوطني ) وهذه فرصتك الأخيرة حتى تعود الى بيتك وأسرتك ضابط الأمن قال له هذه الجمل بتهكم وتشفي.
- أنا أعتذر عن التوقيع بالتخلي ،لان الناس في مدينتي يعرفونني شيوعي وبالتالي لا يحترمونني إذا وقعت على قرار 200 لكن يمكن أن أترك النشاط الحزبي وأنا فعلاً تركته . قالها بتمويه حتى يتخلص من إيذاءهم . لم يعطوه الفرصة .
- هذه فرصتك الأخيرة وعيك حسم الأمر توقع أو لا؟ وأردف خيار التوقيع أفضل لك يحفظ أسرتك من اليتم .. سيد كاظم كان ينتظر الدور رغم مبدئيته لكنه كان يخجل من استاذ على لذلك قرر اذا وقع علي سوف ينظر هو في الأمر لان استاذ علي (عضو لجنة محلية) وهو لازال أقل من هذه الدرجة الحزبية .. دعنا نرى المشهد وسوف اقرّر على ضوء نتائج التحقيق مع استاذ علي . أخذه الى غرفة اخرى وإذا استاذ على معصوب العينين تتبعه ضربات الجلادة ، سمع السيد كاظم أنين وضربات وكلمات نابية من الجلادة البعثيين. تجلى له الموقف تماماً بأن استاذ علي لم يوقع وهذا انتصار عليهم رغم الثمن وللأمانة لا أحد يتوقع عقوبة عدم التوقيع الأعدام ..
- قال الضابط لم توقع يا نجس على قرار 200 انك خائن وضد الوطن ؟
- تعذرني لا..! ووقع على الأرض مغمياً عليه خذوه الى الأمن العامة وهناك سيوقع عندما يرى حفلات التعذيب ، قالها بخبث حتى يوهن معنويات استاذ علي.
من هذا تظاهر ضابط الأمن بعدم معرفة سيد كاظم . هذا شيوعي آخر سيدي !
- رأيت كيف ذهب مسئولك الى البيت أنه وقع على قرار 200 وانتهى الأمر به الى الصف الوطني ..
- لا أعرف عن ماذا تتكلم ..
- سوف أشرح لك عن ماذا أتكلم .. أنت شيوعي ولا شيوعي بعد اليوم وعليكم أن تصبحوا بعثيين .. أنا لست شيوعي .. أبن الك..... شيوعيي وسخ .. وقع هنا مثل صاحبك حتى تذهب الى البيت ..
- أوقع عن ماذا .. تنازل عن الشيوعية .. استدار برأسه وكأنها النظرة الأخيرة للتعرف على محتويات الغرفة .. وقع .. لا أعرف الكتابة . أنت ملاحظ ودارس لا تعرف الكتابة .. خذوه مع هذا الكلب الآخر لم يوقع ...
ذهبوا يواجهون مصيرهم المحسوم بسبب عدم التنازل والتوقيع بالتخلي تحت سوط الجلادة البعثيين . واجهوا مصيرهم كأبطال مثل أبطال (ليرمنتوف) انهم استكثروا التواقيع إقتادوهم الى جهة مجهولة ولم يعرف مصيرهم لحد هذه اللحظة سوى شهادات وفاة بدون جثث.
وفاءً لهؤلاء المناضلين .. نعتذر من عوائلهم على عدم مواساتنا إليهم ، أو مساعدتنا لهم . لذلك نطلب من الحزب رد الجميل الى أسر هؤلاء الشيوعيين بأي طريقة . هؤلاء تركوا زوجات عصاميات واجهنّ الجوع والعوز والتيه مع أطفالهنّ لولا عوائل اخوتهم وأخواتهم لكان مصيرهم بائس . طالبت الحزب بشكل شخصي على اضافة هؤلاء الشهداء الى كتاب شهداء الحركة الشيوعية الجزء الثاني ، ولكن لا أحد استجاب الى هذا الطلب وقالوا منظمة محلية الحلة تعرف بهم وهي مسئولة عن ذلك .
أيها الأبطال الشهداء انتم خالدون في ضمائرنا ، وفي ذاكرة شعبنا .. المجد والخلود لكم .. والخزي والعار لجلادتكم...

كريم جاسم الشريفي



#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ((عاقر، لكنها ولدت من ....)) !
- قانون التوازن تكريس جديد للمُحاصّصة الطائفية المقيتة ..
- بين حكومة التأهيلي الدينية والحكومة الليبرالية.
- حقوق الأنسان العراقي بين انتهاكات الأمس وتجاوزات اليوم..
- لماذا نتجاهل الحقيقة والتأريخ..
- روايات في أدب السجون السياسية
- الحاجة الى مرشدّين ومصلحين اجتمّاعيين اليوم أكثر إلحاحاً من ...
- مجتمع مدنّي أم مجتّمع عشائري!


المزيد.....




- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - كريم جاسم الشريفي - أدب السجون السياسية (3)