أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بندق - سوسيولوجيا المسرح الشعري في مصر الحمل الكاذب والحمل المجهض















المزيد.....



سوسيولوجيا المسرح الشعري في مصر الحمل الكاذب والحمل المجهض


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2047 - 2007 / 9 / 23 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


لا عجب إذا ما تأرجح علم اجتماع الفن بين النظريات التي تفسر الظواهر الاجتماعية، ومن بينها ظاهرة نشأة الفنون في التاريخ. ذلك أن الفن لا يخلق من عدم، ولا يعطي ثماره في فضاء مفرغ من متلقين لتلك الثمار. فمن نافلة القوة اعتبار الفن ظاهرة اجتماعية، وليس ظاهرة فردية كالجوع أو التوق لممارسة الجنس. فالفن، حتى وان اعتمد على عبقريات الأفراد المنتجين له، لا شك متفاعل مع بيئته، وعصره بظروفه وسماته المميزة له عن غيره من العصور. ثم هو –أي الفن- لا غرو متفاعل مع سائر الثقافات المتلاحمة بثقافته المحلية، سواء بالغزو والغزو المضاد، أو عن طريق التبادل التجاري بقدر ما تتحسن وسائل المواصلات.
فإذا كنا قد اعتمدنا حتى الآن، على مقولة "النمط الآسيوي للإنتاج" Asiatic Mode of Production بحسبانها أداة تحليل معرفية، من أجل تفسير ظاهرة غياب المسرح الشعري (منذ عصر الفراعنة وحتى العصر الحديث) فإن هذه الأداة المعرفية لقمينة بالتراجع قليلاً، حالما تبدأ حالة جديدة من حالات التغير الاجتماعي، فذلك جدير بأن يجنب الباحث مغبة الوقوع في أسر تأريخية Historiographic جل همها تتبع حدثٍ واحد، حضوراً أو غياباً، أو مؤسسة بعينها (المسرح الشعري في حالتنا) لاستصدار بيان يوضح كيفية تطور ثقافة الأمة، التي هي جماع تطورها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
فما من شك في أن ما أنجزته مدرسة الحوليات Annales على يدي مارك بلوخ، ولوسيان فيبفر، قد أثبتت بأدلة قوية، أن العالم الذي نعيشه إنما يشكل وحدة تاريخية متصلة، وذلك في مواجهة فكرة تقسيم العالم إلى غرب (هو مركز العالم) وإلى شرق يمثل المحيط Periphery، تحكمه قوانين مغايرة. وعلى هذه الحافة المنهجية تتصادم نظريات ماكس فيبر، وماركس، وفرناندو برودويل، مع نظرية سمير أمين، وأندريه جوندر فرنك كلية، ومع نظرية بيتر جران جزئياً. فهؤلاء الثلاثة الأخيرون مع اختلافات منهجية فرعية، وأيديولوجية بينهم، يرفضون فكرة المركزية الأوروبية، وقرينتها "النمط الآسيوي للإنتاج"، بل إن بيتر جران ينحو إلى اتهام الحملة الفرنسية بأنها كانت السبب المباشر في نكسة التطور الرأسمالي الذي كان قد بدأ في عصر المماليك. بل وذهب "فرانك" إلى ان الشرق إنما كان المهاد الحقيقي لنهضة أوروبا، بما حققه من وفرة في الإنتاج عبر العصور، كما ذهب أيضاً إلى القول بأن التاريخ يتحرك في دورات منتظمة، فإذا كانت أوروبا قد فازت بقصب السبق والتقدم –منذ بدأت النهضة من العام 1500 وحتى الآن- فإن العصر القادم سيكون حتماً، عصر الشرق: الصين واليابان والهند وغيرها من الدول ذات العراقة.*
" وفي هذا السياق، يتنبأ حسن حنفي بعودة الإسلام إلى الريادة الحضارية، ضمن هذه الدورة التاريخية الكبرى –راجع كتابه- مقدمة في علم الاستغراب "
... ... ...
... ... ...
وما من شك في أن هذه النظريات التي تجابه نظرية المركزية الأوروبية، إنما تسعى لتوحيد الجنس البشري دون إعلاء جنس على جنس، في معارضة راديكالية لمبدأ الغطرسة؛ إلا أنها تضيق –من ناحية أخرى- حتى لتكاد أن تحصر الوعي بالتاريخ في حتمية اقتصادية، اقرب ما تكون إلى المادية الميكانيكية التي سبق وانتقدها ماركس وإنجلز بشدة. والحق أن المادية التاريخية لخليقة بأن تتفوق على تلك النظريات جميعاً، بما تعنيه من تحليل للطرق التي تتشكل بها المجتمعات، والسياقات التاريخية التي تتحدد في أطرها الأشكال الاجتماعية الكبرى، مثل الدولة، ونوعية السوق، والأديان، وأنماط الإنتاج.. الخ شريطة أن تفيد هذه المادية التاريخية من الانتقادات الموجهة إليها، وأهمها جمود مفهوم المادة Material concept عند مرحلة إنجلز ولينين.
ثمة نهضة إذن بدأت في مصر مع قدوم القرن التاسع عشر، وسواء أرجعت بذور تلك النهضة إلى تحلل الإقطاع العسكري المملوكي (مما أدى إلى ظهور "بعض" ملاك للأرض الزراعية) أو فسرت تلك النهضة بأسباب ومعطيات أخرى أهمها تزايد احتكاك البلاد بالثقافة الغربية عبر وقائع حملة نابليون وما تلاها؛ فإن ما لا شك فيه أن ثمة تغيراً جذرياً قد حدث في البنية الثقافية تناغماً منطقياً لتغيرات البناء التحتي.
فأما ما يتعلق بالبناء التحتي، فلقد ظهرت على الوجه المصري علامات تشبه علامات البلوغ عند الفتى المراهق، شعيرات على الذقن، بثور، خشونة في الصوت.. الخ، على مستوى الاقتصاد ظهر ما يمكن تسميته بصعوبة برأسمالية الدولة (حيث الفصل القانوني ما بين الدولة والحاكم لم يكن موجوداً) ذلك ان الوالي محمد علي الكبير، حينما أدخل –عن وعي- زراعة القطن لتكون منطلقاً إلى تشييد صناعة الغزل والنسيج، إنما كان مدركاً لما يحدثه من نقل لاقتصاد الإنتاج بغرض الاستهلاك أو المبادلة، إلى اقتصاد الإنتاج بغرض إعادة الإنتاج، أساس التصنيع. فكان أن أدار محمد علي البلاد باعتبارها مشروعاً إنتاجياً رأسمالياً يحتاج إلى استيراد التكنولوجيا، واستقدام الخبرات الفنية العالمية (تم استدعاء المهندسين والعلميين والكوادر الفنية، تلامذة المفكر الاشتراكي الطوباوي سان سيمون، لإدارة المشروعات الحديثة) وكان ضرورياً بالمقابل إيفاد البعثات إلى أوروبا بغرض التعلم (أبرزها بعثة رفاعة رافع الطهطاوي) أضف إلى ذلك المطبعة الأميرية التي بدأت عملها بمنطقة بولاق عام 1821، الأمر الذي أسهم بقوة في تشجيع الترجمة والتأليف، وكان ان ازدهرت الكتابة (حاضنة الحضارة ومرضعة الخبرات للأجيال) ازدهاراً لم تعرفه مطلقاً عصور النسخ والتدوين. فكان طبيعياً أن يؤدي هذا كله إلى التعجيل بظهور نخب تتشوف إلى استبدال الوعي القومي/الطبقي بالمعرفة السكونية التقليدية.
ولقد يختلف المؤرخون حول ما إذا كان محمد علي ممثلاً للدولة العصرية الحديثة، أو كان مجرد علامة على انتهاء عصر الإقطاع العسكري المملوكي، ذلك الذي امتد لأكثر من ثلاثة قرون، كان الناس فيها عبيداً لعبيد، لا بالنص القانوني، ولكن من حيث علاقتهم (السلبية) بوسائل إنتاجهم وعلى رأسها الأرض.
وبالطبع فإننا نستخدم تعبير العبودية هنا بالمعيار الموضوعي الذي يعتبر جوهر العبودية قائماً على إحساس الشخص بالاغتراب عن ذاته، حيث الاغتراب Alienation هو قرين استلاب مجمل الطاقات العضلية والعصبية المنتجة للعمل، لحساب الغير.
وبهذا المعيار نفسه يمكن استثناء جماعات من طبقات وفئات اجتماعية مختلفة من وصف العبيد، ترتيباً على نفاذهم من "أقطار" المعدمين إلى "سماوات" التملك، فلقد سمح الوضع المالي المتأزم في أواخر عصر المماليك، ببيع بعض الأراضي الزراعية (بغير تسجيل رسمي) فكان أن احتاز "أولاد الناس" (وهم أبناء جواري السلطان، وأصهار المماليك) حوالي 13% من الحوزة السلطانية وحوزة ديوان الجيوش، بينما تملَّك مشايخ العرب حوالي 8%، وذهب ما يقرب من 6% إلى كبار الموظفين، و5 % للفقهاء وقضاة الشرع، و 1% لرؤساء النقابات والتجار، والأطباء، ولا يدخل في هذا أراضي الأوقاف الخارجة طبعاً عن ملكية الدولة.
بيد أن محمد علي باشا ما لبث حتى أعاد احتكار الدولة لملكية الأرض الزراعية عن طريق إجراءات تعسفية، مثل إلغاء مسموح الفقهاء والمشايخ، ومصادرة أنصبة الملتزمين المتأخرين في سداد الضرائب، ثم انتزاع أراضي المماليك بعد المذبحة الشهيرة، وأخيراً عن طريق مصادرة أراضي الأوقاف (أحباس الرزق، والوقف الأهلي) وهكذا تعثرت عملية الرسملة Capitalization في عهد محمد علي في سياق سياسته المتناقضة بين تحديث للدولة، وارتكاس Setback إزاء الأفراد.
غير أن هذه التفاعلات سرعان ما أسلمت قيادها إلى رائد الإصلاح الحقيقي: الحفيد المستنير للباشا المستبد، ألا وهو الخديوي إسماعيل، الذي عصف بإجراءات جده التعسفية إزاء المسألة الزراعية، فضلاً عن تجاوزه إجراءات عمه الوالي سعيد الإصلاحية، المسماة باللائحة السعيدية عام 1858 (وهي اللائحة التي أعادت مبدأ تملك الأرض) منتقلاً إلى إقرار حق الجميع في شراء وبيع الأرض حال تسجيلها في الشهر العقاري، وذلك بموجب أحكام قانون المقابلة الصادر عام 1871، ومضمونه تحويل الأرض الزراعية إلى "سلعة" Commodity يتم تبادلها في السوق لواضعي اليد، وأصحاب الحيازات الفعلية إذا قاموا بسداد ستة أمثال ضريبتها، دفعة واحدة أو تنجيماً (=بالتقسيط) فكانت هذه السياسة –تعد تعبيراً عن احتدام الأزمة الاقتصادية، ومحاولة جادة لتجاوزها في آن –بمثابة النقلة الحقيقية إلى مشارف الرأسمالية الحديثة.
ولا ريب أن مجرد الوقوف على مشارف الرأسمالية، إنما كان فاتحة لتغيرات هيكلية وبنيوية طالت المجتمع المصري بأسره آنذاك، فالرأسمالية –بجانب عوراتها المعروفة- قمينة بإحلال العلاقات الثقافية المدنية محل العلاقات الثيوقراطية، مما يشعر المرء بقدرته على الفعل، وليس بمفعوليته المطلقة أمام الآلهة. كذلك فإن الرأسمالية إنما تقوم على تأكيد الذاتية الفردية، وتقليص هيمنة العشيرة والقبيلة، وتحد من ذوبان المرء في كيان العائلة (العائلة وليس الأسرة)، وتقود المصالح الرأسمالية إلى مساواة النساء بالرجال (صاحب العمل يطلب التوسع في استخدام العمل المأجور، ومن ثم لا يفرق بين عامل وعاملة) وأما العامل فيطالب –لمصلحته- بمساواة زوجته له في الأجر، لمصلحته كذلك. وفي عالم الرأسمالية النشطة فلا مجال للحديث عن أغلبية دينية وأقلية، أضف إلى كل هذا إعلائها لقيمة الإنتاج المادي والفكري فتشجع الجدة والنشاط والاختراع والابتكار، وتنبذ ثقافة الركود التي تتسم بها مجتمعات ما قبل الرأسمالية (حالة النمط الآسيوي) وفي هذا السياق فإن استبداد الدولة لا غرو يشحب، فالذين يملكون يحتاجون إلى السلطة حماية لملكياتهم. وهذا بالضبط ما دفع طبقة كبار الملاك إلى تشجيع عرابي وضباطه على التمرد بالضد على سلطة الخديوي توفيق المطلقة عام 1881، أي بعد عشرة أعوام فقط من احتيازهم لملكية الأرض بصفة رسمية وقانونية غير قابلة للمصادرة (مثلما حدث في عهد محمد علي).
وكما أشرنا آنفاً، فإن مصر –وإن وقفت على أعتاب الرأسمالية بما جرى فيها من إصلاح غير منكور- إلا أنها لم تتمكن من إرساء علاقات إنتاج تناسب هذا التطور (حتى وإن كان محدوداً) بسبب تجذر ثقافة الطغيان الشرقي، ولأن هذا الإصلاح لم يمتد ليطال الطبقات الشعبية من فلاحين فقراء، وعمال وأصحاب حرف، فهؤلاء جميعاً ظلوا في عداد المُعدمين، ولعل وضعهم هذا منسوباً إلى ملكية وسائل الإنتاج، أن يفسر كيفية وقوفهم موقف المشجع –لا المنخرط- إزاء الحركة العرابية، ولعله كذلك أن يفسر الإخفاق الذي منيت به الحركة. نقول الحركة ولا نقول الثورة، لأن الثورة تعبير عن انخراط جموع الشعب، في عمل يتسم بالراديكالية بهدف إعادة توزيع الثورة، والمشاركة في السلطة.
ومع ذلك كله، فلقد أدى الوقوف على أبواب التغيير في مصر آنذاك، إلى تغييرات مماثلة في بنية الثقافة السياسية والفنية على السواء.
فأما عن الثقافة السياسية، فلقد عرفت مصر أول مجلس نيابي، ذلك الذي تشكل عام 1866 باسم مجلس شورى النواب، ويتضح من اسمه أنه كان شيئاً شبيهاً بالبرلمانات الأوروبية، شبيهاً فحسب، لأنه لم يكن يتمتع بصلاحيات إصدار القوانين، وإنما كان له الحق في مناقشتها وإبداء الرأي فيها ليس إلا. كما أن حق الانتخاب فيه كان مقتصراً على العُمد والمشايخ والأعيان دون سائر الجماهير. فكان طبيعياً أن تتأسس بجانبه جمعيات سرية (مصر الفتاة 1876) من أبناء الجناح العسكري، وأبناء كبار الملاك الجدد، بغرض توسيع دائرة المشاركة، وكان أن قام بعدها الحزب الوطني –علانية- حال عزل الخديوي إسماعيل في 1879 بقيادة أحمد عرابي وعلى الروبي وعلي فهمي ومحمود سامي البارودي، الأمر الذي أدى إلى الصدام المباشر مع قمة السلطة: الخديوي توفيق، ذلك الذي استعان بالقوى الأجنبية، فكان احتلال الانجليز لمصر بعد هزيمتهم لعرابي وجيشه بعد عام واحد من استيلاء عرابي على السلطة عام 1881.
في خضم هذه الأحداث، بات قيام الأحزاب أمراً مطلوباً، وصار للقوى الشعبية هدف تشارك فيه هو جلاء المحتل، وصار على الأحزاب (مثل الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل، وحزب الأمة بزعامة محمود باشا سليمان، ثم حزب الوفد فيما بعد) كان على هذه الأحزاب أن تسعى لكسب تأييد الجماهير لمطالبها وأهدافها. وكان على هذه الأحزاب أيضاً أن تصدر صحفاً تكون لسان حالها، فظهرت "الجريدة" برئاسة الدكتور محمد حسين هيكل تؤيد التحالف مع بريطانيا، وصولاً إلى الاستقلال بالتراضي معها وليس بالضد عليها، وأما جريدة "اللواء" –لسان حال الحزب الوطني- فكانت على العكس تبشر بجلاء المحتل وعودة البلاد إلى أحضان الخلافة العثمانية. وخلافاً للاثنين ظهرت صحف حزب الوفد (التي أشعلت ثورة 1919) تنادي بالاستقلال التام عن إنجلترا وعن الخلافة في وقت واحد، وهو ما آمن به التحالف الوطني بين كبار الملاك، وأصحاب المصانع الجدد، والعمال والفلاحين، فضلاً عن الطبقة الوسطى من الصفوة المثقفة والموظفين والمهنيين كالمحامين والأطباء والمدرسين والمهندسين. وأما جريدة "المؤيد" فتملكها مصري صميم هو الشيخ علي يوسف –استطاع بقلمه الهادئ أن يحصل على أعلى الأوسمة والنياشين، بعكس نظيره الثائر الشعبي عبد الله، الذي عاش مشرداً مطارداً إبان وبعد الحركة العرابية- بسبب مجلاته النارية الطابع مثل "التبكيت والتنكيت" و "الطائف" وغيرهما.
... ... ...
... ... ...
في هذه المرحلة التاريخية المفصلية، كان طبيعياً أن تظهر "ممارسات" مسرحية، تعبِّر فنياً عن المتغيرات الاجتماعية، السياسي منها والاجتماعي، حيث تشكلت الارستقراطية الجديدة (الخديوي وأمراؤه، وضيوفه الأجانب، العابرون والمقيمون، وكبار الملاك الذين حازوا ألقاب الباشوية والباكوية، والوزراء وكبار الساسة) وحيث أصبح فن المسرح - بمعناه الأوروبي- ضمن احتياجاتها، تقليداً للغرب المتحضر، وترفيهاً مطلوباً لذاته؛ فلقد أمر الخديوي إسماعيل عام 1869 ببناء دار للأوبرا، على الطريقة الحديثة، لتكون موضعاً لعرض الروايات باللغتين الايطالية والفرنسية، وتبع ذلك إنشاء تياترو الأزبكية عام 1866 بغرض إقامة الحفلات الغنائية والموسيقية والألعاب البهلوانية والسيرك و.. بعض الروايات العربية التي راح يقوم ببطولتها الشيخ سلامة حجازي، والمطربة ملكة، وبالموازاة بدأت عملية التعريب والتمصير على يدي عثمان بك جلال، الذي ترجم مسرحيتي موليير الشهيرتين "تارتوف" عام 1873 إلى "الشيخ متلوف"، و"طبيب رغم أنفه" - بالاشتراك مع نجيب حداد- إلى"الطبيب الجاهل"، منافساً بذلك يعقوب صنوع (المؤلف الخصوصي للسراي) على الريادة في هذا المضمار.
ومن جهة أخرى، فلقد كان مجرد بناء مسرح على الأرض المصرية، حافزاً قوياً للطبقة الوسطى أن تقدم فنونها. فكان أن نشأت الفرق المسرحية التي تقدم عروضها باللغة العربية. وتعتبر فرقة سليم خليل النقاش الشامية الأصل أول هذه الفرق، وتبعتها فرقة سليمان القرداحي (سوري أيضاً) التي استقرت بالإسكندرية منذ عام 1882 واستخدمت لعروضها مكاناً ملائماً، تحول فيما بعد إلى مسرح زيزينيا. وأما الشامي الثالث أحمد خليل القباني، فكان لفرقته دويّ في الأوساط العليا والوسطى جراء اكتشافه للمطرب عبده الحامولي، والمطربة ألمظ. ومع ذلك كان على المسرح المصري (لنقل شبيه المسرح) أن ينتظر إلى عام 1893 ليلتقي بأول مؤلف مصري يكتب مسرحياته باللغة الفصحى نظماً ونثراً، ذلك هو المحامي إسماعيل عاصم، الذي قدمت له فرقة اسكندر فرح روايته الأولى "هناء المحبين" بعدها توالى ظهور المؤلفين المحليين: إبراهيم رمزي، محمد تيمور، عباس علام، فرح أنطون، أنطون يزبك وإبراهيم المصري، غير أن أغلب هؤلاء لم يكونوا أكثر من مقلدين، وناقلي نصوص وحبكات، تساير حافراً بحافر النصوص التي قرأوها في لغاتها الأجنبية، أما القلة منهم فكانت تكتب أعمالاً أقرب للوعظ والإرشاد منها إلى الفن الدرامي، الذي يبلغ رسالاته بالطريق غير المباشر. وكان على المصريين أن ينتظروا حتى عام 1928 قبل أن يكتب واحداً منهم نصاً درامياً شبه مكتمل الشروط الفكرية والفنية، ذلك هو توفيق الحكيم، " راجع دراستنا عن "توفيق الحكيم" ومأساة تقليد الغرب بكتابنا تفكيك الثقافة العربية – إصدار المجلس الأعلى للثقافة 2003 " وأما النص المسرحي فكان "أهل الكهف" الذي طُبع بعد خمسة أعوام من كتابته، وبعدد من النسخ لا يتجاوز المائتين، ودلالة هذا الرقم الهزيل واضحة. فالمجتمع المصري لم يعد، خلال هذه الفترة مكتفياً بأشكال الحمل الكاذب للدراما الحقة، ولكنه أيضاً لم يكن مستعداً لاحتضان البذرة التي ألقاها الحكيم في الرحم المسرحي (النثري) أو تلك التي ألقاها أحمد شوقي في رحم المسرح الشعري، حين نشر بدءاً من عام 1927 وحتى وفاته عام 1932 أعماله المسرحية الشعرية: مصرع كليوباطرة، قمبيز، مجنون ليلى وعنترة، متأثراً بتراجيديات كورني وراسين.
**
في عصر المماليك كانت تمثيليات الطبيب الشاعر شمس الدين بن دانيال (1238-1311) جنيناً حياً يبشر بميلاد مسرح شعري، فتم إجهاض هذا الجنين لصالح السلطة الشمولية المستبدة، وبدلاً من أن يتطور ذلك الشكل، مثلما تطورت عند الإغريق أغاني التروبادور والميثولوجيا الشعبية لتصير مسرحاً شعرياً على يد العظام سوفكل وآخيل ويوربيد، فإن النظام السياسي المصري المعتمد على الطبيعة الجغرافية النهرية، كان كفيلاً بتحجيم هذا الشكل البدائي للمسرح، قذفاً به إلى الحواري والأزقة (القرقوز) ربما ليكون متنفس بخار للفقراء والمهمشين، ومن ثم يبقى هو أيضاً فقيراً مهمشاً.
إن فن المسرح لا يمكن له أن يولد وأن يتطور إلا إذا احتضنته سلطة ما، رسمية أو شعبية، فطالما كان الفن –ولا يزال- عنصراً من عناصر علاقات القوة. بالنسبة للإغريق كان المسرح تعبيراً عن ديموقراطية النظام (حتى وإن استبعد العبيد والنساء من مباشرة الحقوق السياسية) وفي العصور الوسطى، نشأ المسرح الأوربي في أحضان السلطة الكنسية، ثم ترعرع في قصور الملوك والأمراء، وأخيراً استقل بذاته مع انتصار طبقة البرجوازية على الارستقراطيات المتحالفة على المؤسسات الدينية التقليدية.
أما في مصر –طليعة العالم العربي- فلقد كان ظهور الطبقة البرجوازية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، حرياً بأن يحمل معه الفن الدرامي، المعبر عن حالة التنازع بين طبقات اجتماعية كانت راسخة، وأخرى قامت ناشئة. لكن هذه الطبقات الجديدة ظلت –كما أسلفنا القول- مترددة، ما بين الرغبة بالمشاركة في السلطة، وبين إيثار السلامة، تجنباً للصدام المسلح مع جيش الاحتلال بعد إخفاق حركة عرايي. وهكذا ظل المسرح الشعري، والمسرح بعامة، بمثابة الحمل الكاذب، يعطي ذات الأعراض بغير وظيفة، وبغير وليد حي.
لا تـُـستثنى فترة الثورة (1919) التي قادتها البرجوازية المصرية، من هذا التحليل، وآية ذلك أن قادة هذه الطبقة (وهم المنحدرون من أصلاب الاقطاعيين غالباً) ما كانوا يحلمون بالهبة الشعبية العارمة، التي ذهبت على ما هو أبعد مما كانوا يطالبون به لأنفسهم، فلقد كانت تلك المطالب منحصرة في تحقيق نوع من الاستقلال (تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترف للبلاد بسيادة منقوصة) وتوسيع دائرة سوق الإنتاج والتوزيع ليسمح لهم بالمشاركة في جني ثمار العمل المأجور، من أجل التراكم الرأسمالي المنشود.
ومما يدل على صواب هذا التحليل، العنف الذي واجه به سعد زغلول –زعيم الثورة- تنظيم الطبقة العاملة عام 1924، والاستقالة التي بها تراجع في نفس العام عن مواجهة الإنذار البريطاني بسحب القوات المصرية من السودان (لاحظ أن السودان كان جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية) عقاباً لحكومة مصر على اغتيال البعض للسردار (لي ستاك) قائد الجيش المصري آنئذ، رداً على فشل محادثات زغلول – ماكدونالد بخصوص تأكيد الاستقلال.
فهل كان ممكناً لسلطة كهذه –محاصرة بين ثقافة الإقطاع الماضوية، وبين وجود الاحتلال على أرضها- أن تباشر مهامها التاريخية المفترضة، تنميةً للموارد الاقتصادية، وإقراراً بالحقوق السياسية الكاملة لشعبها، واحتضاناً واعياً للفن الدرامي ذي الغايات الإنسانية العليا؟!
... ... ...
... ... ...
ثمة سؤال آخر ينبثق عن هذا السؤال الأول:
ترى ما الذي كان في مقدور المثقف المصري –وهو ابن شرعي لهذه الطبقة- أن يقدمه للناس فناً وأدباً؟
لقد ابتدأ التأليف للمسرح الشعري –أرقى الأنواع الأدبية- على يدي شاعر كبير هو شوقي، لا مع المد الثوري (1919-1922) العارم، بل بعد انحسار موجته،وتراجع زخمه اعتباراً من عام 1924. فلم وكيف كان هذا التأليف للمسرح الشعري مع مطلع عام 1927؟
ولد أحمد شوقي عام 1870 في أسرة ميسورة، تولى معظم رجالها وظائف في الحكومة، وعملت بعض نسوتها كوصيفات في بلاط أسرة محمد علي، فتمثلت فيه العلاقة العضوية بين البرجوازية المصرية، وأرستقراطية الأكراد والأتراك، الأمر الذي سينعس فيما بعد على موقفه السياسي المتردد بين التتريك والتعريب، بين الدعوة للجامعة الإسلامية، والدعوة إلى الاستقلال. كان أبوه موظفاً بالخاصة الخديوية، وأما هو نفسه فعين كذلك موظفاً بقلم الترجمة في القصر حال عودته من البعثة، التي أرسله فيها الخديوي توفيق ليدرس القانون بفرنسا. وهناك قضى فترة ثرية من 1891 حتى 1893، تعرف فيها على الأدب الفرنسي، وتأثر بكلاسيكية كورني وجاك راسين جنباً إلى جنب رومانسية فيكتور هوجو، وألفريد دي موسيه، ولامارتين. وقد دعاه هذا التأثر إلى تأليف أول مسرحية شعرية (علي بك الكبير) فور عودته إلى مصر، بجانب قصائد مدح الخديوي. لكنه سرعان ما استبعد التأليف المسرحي بمجرد أن تلقى إشارة من الخديوي تشي بعدم الترحيب إلا بقصائد المديح. ويعلق شوقي على هذا في مقدمته للشوقيات (نشرت 1900) قائلاُ :
فصادفت هذه النصيحة من أمير ذكي حليم، هوى في فؤادي مطوي على طاعته، نازل على حكم الشعر والأدب.
ثم عانى شوقي تجربة النفي، لا مع قادة ثورة 1919، بل قبلها بأعوام، حيث نفي إلى أسبانيا (كان يدعوها الأندلس بتذكارات الفتح العربي) فظل هناك من عام 1915 إلى عام 1919 تراوده مخايلات الفتوحات القديمة، بعدها سيكتب شوقي، سعيداً بانتصار تركيا على اليونان، قصيدة مطلعها:
الله أكبر، كم في الفتح من عجبِ يا خالد الترك جَدِّدْ خالدَ العربِ
وخالد الترك هذا كان القائد التركي مصطفى باشا كمال الذي مهد انتصاره العسكري لمعاهدة لوزان 1923، وهي معاهدة لم تكن نتاج "فتح" خالص، بل محصلة لتفاعلات قوى، وترتيبات سياسية، وتوازنات لعبت فيها روسيا الشيوعية دوراً مناصراً لتركيا الحديثة، بالضد على انجلترا ومطالبها الاستعمارية في آسيا الصغرى.
وبالطبع لم يكن هذا ببعيد عن فهم شوقي، لكنه بحكم الموروث الثقافي لأيديولجية الفتح، راح يذكر بفتوحات خالد بن الوليد، وكأن التاريخ يمكن له أن يعود للوراء!
خطوة إذن باتجاه الحداثة، وخطوتان نحو الماضوية. ويتضح ذلك أكثر في غضبة شوقي الشعرية القومية ضد الاعتداء الفرنسي على سوريا، حيث كتب عام 1926 قصيدته الرائعة "نكبة دمشق" بينما يردد دوماً للذين يعتبون عليه مهادنته القصر الملكي الاستبدادية:
أأخون إسماعيل في أبنائه ولقد وُلدت بباب إسماعيلا
وهو بيت في قصيدة قالها شوقي عام 1914 مستنكراً عزل السلطان عباس حلمي الثاني، وظل يردده حتى بعد أن توج أميراً للشعراء عام 1927.
في هذا العام، أحس شوقي– وبعد أن صار أميراً لا تابعاً- أن قد آن الأوان لكي يضرب عرض الحائط بنصيحة (تحذير) الخديوي القديمة، ألا يؤلف للمسرح، وأن يقصر جهوده على تأليف المدائح حسب. أضف إلى ذلك أن البرجوازية –التي كان ينتمي إليها طبقياً- قد نجحت في انتزاع دستور من الملك، وتمكنت من تأليف الوزارات، وكادت أن تحقق مطالب الوطنية في التنمية والاستقلال، لولا تخاذل قادتها، وإيثارهم مبدأ الاعتدال على مبدأ الثورة.
لم تستطع البورجوازية المصرية إذن –لأسباب هيكلية وتاريخية- أن تستبعد الإقطاع عن السلطة، وأن تتخلص من أيديولوجيته الماضوية التراتبية، ولكنها في نفس الوقت لم تتخل عن حلمها المعقول: أن تدرك حداثة الغرب، بانجازاته المادية والثقافية. ومن هنا جاء الاضطراب الكبير المتمثل في أصولية دينية، وتقليدية فكرة وفنية، تجاورها محاولات "تقليد" Imitation محض شكلية لحياة الغرب (أزياء-معمار-أوبرا-سلوك ..الخ) وليس من بأس على الحضارات إن أخذت بأسباب التثاقف Acculuration بمعنى الأخذ والعطاء، التأثير والتأثر، وهذا ما فعلته الحضارة العربية الإسلامية إبان عصور الازدهار. أما في عصرنا الحالي، فلقد بات واضحاً أن المجتمعات العربية –وبعد أن خلت أيديها مما يمكن إعطاؤه- لم يعد أمامها إلا الأخذ، ولم يعد بمقدورها سوى التأثر دون التأثير. وهو وضع من شأنه أن يحدث الحمل الصحيح Right pregnancy لكن دون ضمان لهذا الحمل ألا يتبعه إجهاض Abortion. " وربما يفسر هذا الرأي الانتكاسة الكبيرة لمجريات التحديث القائمة على تقليد الغرب، لدى شباب ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. " وهذا بالضبط سبب إخفاق شوقي الشعري (ومن بعده مسرح عزيز أباظة) ونعني بالإخفاق هنا، عجز هذا المسرح عن التواصل مع الأجيال، علاوة على ظاهرة تناقص عدد مشاهدي عروضه في فترة التأليف ذاتها.
**
يكشف هيدجر، في كتابه "الوجود والزمان" Being and Time عن الخطأ الذي وقعت فيه الفلسفة، حين فصلت الموجود عن الوجود. بينما الوجود لا يعني شيئاً بغير الكائن المنوط به، معرفته وتسميته. ويقف هيدجر عند مسألة التسمية (اللغة) وقفة متأملة. فاللغة نظام سابق على الفرد، وليس النوع، ولكنه النظام الذي لا يكشف عن نفسه إلا للمتكلمين به. غير أنه يعود ليؤكد أن هذه اللغة التي هي أهم عناصر الوجود الإنساني، لا يمكن أن تمثل الواقع في طرفيه (الوجود/المعرفة) لأنها حتماً تفقد جوهرها في الأحاديث اليومية التافهة، والموضوعات المعادة المكررة. لابد إذن من الشعر، لكي تمثل اللغة الوجود، فالشعر وحده هو الكفيل بدمج الذات والموضوع في نسيج أنطولوجي واحد.
ويمكننا في سياق بحثنا عن الأبعاد السوسيولوجية في المسرح الشعري، أن نجادل –بالموازاة مع هيدجر- في أن المسرح باعتباره تمثيلاً Representation للحياة الاجتماعية، لا جرم تعيد لغته الفنية دمج الخاص بالعام، فبغير هذا الدمج يظل الكلام على خشبة المسرح مجرد أحاديث تافهة، ومناقشات عقيمة.
فما هي لغة المسرح الفنية هذه؟ إنها اللغة الدرامية، وتحديداً هي الحبكة Mythos التي بها يصبح للمسرحية نظام، كأنه كائن متوحد. هذه الحبكة هي التي تشيد البناء Structure الذي يشتعل فيه الصراع بين شخصيات منتقاة بعناية فائقة، لتغذي المجرى العام للصراع. ولكي تحسمه في النهاية. الحبكة إذن هي التي تختار الشخصيات الملائمة للحدث، وهي التي تصنع العقدة Plot وهي التي تصعد بالحدث إلى ذروته Climax ثم أنها تهبط به إلى الحل الأخير Denouement. تفعل هذا كله باستخدام الحوار الدرامي المناسب للشخصيات، والقادر على إشعال الصراع، والكاشف عن المغزى الكامن في تضاعيف النص.
إذن، فبغير الحبكة السليمة فلا تمثيل Representation، ولا دمج ولا وجود للمسرحية أصلاً. أما إذا التحمت اللغة الدرامية (الحبكة) بلغة الشعر، فهنا يمكن التحدث عن مسرح شعري حقيقي، وظيفته دمج المتلقي بالمؤلف، ودمج الاثنين بالمجتمع، ودمج المجتمع بالكل الإنساني، والجميع بالوجود في ذاته Being in itself بحيث لا يبقى المرء كائناً منفصلاً عن نبعه الأصلي. وسواء أطلقنا على هذا النبع اسم الإله، أو اللوغوس، أو الفكرة الكلية، أو الإرادة، أو الصيرورة .. الخ، فإن المرء، يعلم في قلبه، أنه إذا لم تتصل ممارساته الحياتية بأي من هذه المعاني، لا ريب تغدو حياته مجرد استهلاك للطاقة بغير تجدد، أي أن حياته، على المستوى المعنوي، تتسرب إلى الفناء المؤكد، فناءاًَ شبيهاً بفناء الحيوانات والحشرات، حيث لا يمثل "فرد" منها نوعه –لغيبة وعيه بذاته- وبالتالي لغيبة وعيه بنوعه، وانعدام فرصته في حل لغز الوجود.
**
فهل يتصور أحد أن تكون "ثقافة" شوقي التي حَصَّـلها صبياً (بباب إسماعيلا) قد أسعفته، لكي يفكر في المسرح الشعري بمثل هذا النحو؟!
فالحبكات التي استخدمها، فضلاً عن ضعفها الواضح، إنما كانت حبكات مستعارة من كورني ودرايدون وكونجريف (د. علي الراعي – مسرحيات ومسرحيون) وشتان ما بين المالك والمستعير. وإذا كان العقاد وطه حسين قد انتقدا شعرية شوقي لتقليديته، وتكرارية معانيه، فإن مندور ذهب إلى ما هو أبعد، إذ انتقد مسرحه، من حيث تمسكه بالغنائية، وعجزه عن تجاوز البيت الشعري التقليدي، لينعكس هذا العجز بهيئة تباطؤ الشخصيات في ميدان الصراع، مادامت مصرة على استكمال البيت بقافيته ورويه، الأمر الذي يصرف الجمهور عن المسرحية لشدة إيحائها بالاصطناع (كتاباه: في المسرح المصري المعاصر، مسرحيات شوقي) أما في الحالات التي ضحى فيها شوقي بفخامة الشعر وجزالته –مثل مسرحية قمبيز- لصالح الدراما، فلقد هبط بالشعر إلى النظم، ومن الجزالة إلى الركاكة (د. كمال إسماعيل- الشعر المسرحي في الأدب المصري المعاصر).
واضح إذن أن شوقي لم يتعامل مع الشعر والدراما إلا بحسبانهما لونين منفصلين، ولم يتعامل مع أي منهما باعتباره تمثيلاً، بل تعبيراً عن أزمة وجودية ومعرفية، حتى ليمكن القول بأنه على المستوى الفلسفي إنما كان تلميذاً غير مشاغب في مدرسة الفلسفة التقليدية، التي تأسست بالإغريق حتى ضعضع أعمدتها مارتن هيدجر، ومن بعده جاك دريدا. ولو أن شوقي ألف أفضل مسرحياته "مجنون ليلى" عام 1967 –بفرض امتداد عمره لهذا الوقت- وقرأ التأويل البارع الذي كتبه عنها ألفريد فرج، " دليل المتفرج الذكي إلى المسرح – كتاب الهلال – فبراير 1966. " لكان قد اكتسب شيئاً من الوعي الفكري والفني من هذا المسرحي المحنك، ولكان قد نسف حبكة روايته نسفاً، مستبدلاً بها حبكة ألفريد فرج (والتي لم تخطر لشوقي على بال) تلك التي تقترح رصد الحالة الشعورية المنقسمة على ذاتها داخل المجتمع العربي، حواضره وبواديه، رجاله ونساءه، مثقفيه وجماهيره، ما بين التعلق الوجداني برمز النبوة (=الحسين) وبين معطيات المرحلة الآخذة في تأسيس الدولة (وهي مرحلة كانت ضرورية لبدء عصر الفتوحات) وعندئذ كان ممكناً أن يفكر قيس على طريقة هاملت : أكون أو لا أكون. لقد رفع "فرج" من موت بطل المسرحية الشوقية، قيس، إلى مرتبة الانتحار الرمزي، وهو ما لا نجد له أثراً في النص، فموت قيس على قبر ليلى، لم يكن فعلاً Action بل رد فعل Reaction على موت الحبيبة ليس إلا. ومن ثم تصبح تأويلات ألفريد فرج لسلوك قيس المضطرب تأويلات تخص الناقد الذكي، ولا تخص الشاعر التقليدي. ولو كان شوقي مرتبطاً حقاً بحركة التاريخ، وهواجس النخب المثقفة المتصلة عضوياً بالجماهير (مازلنا نتصور استمرار حياة شوقي إلى النصف الثاني من ستينات القرن العشرين) لأدرك أن ثمة كارثة قادمة لا محالة، نعني هزيمة حزيران، التي كان وراءها تعلق الشعب وجدانياً بأسطورة البطل المخلص من ناحية، ومن أخرى واقع استبعاده عن المشاركة في صنع القرار السياسي. عندئذ كان حرياً بشوقي أن يحتشد لعمله بحبكة مختلفة تماماً، وربما انتقل بجميعه إلى فكر اليسار، الذي طالما حذر من بوادر الكارثة، قبل وأثناء، وبعد فترة الاعتقال الكبير. أما إذا عدنا بشوقي إلى زمنه الخاص، فإن نفس النقد –وإن بصورة مخففة- سوف يوجه إليه. فلقد كان الانقسام الشعوري قائماً أيضاً لدى جماهير العشرينات، في ظل أسطورة البطل المخلص، بين الإيمان بالزعيم "زغلول" وبين الرؤية الواقعية لطبيعة الواقع الطبقي، وهي طبيعة باتت مكشوفة حال أن ضرب الزعيم مبدأ التنظيم السياسي المستقل، وحال أن تخاذلت الطبقة البرجوازية بأكملها إزاء الاحتلال الأجنبي، وهما الحالان اللذان أديا في النهاية إلى وأد الثورة، وانتهيا إلى اعتبارها حدثاً استثنائياً مدهشاً، إنما غير قابل للاستعادة، بله الاستمرار.
تلك كانت إجابة شوقي "السوسيولوجية" عن السؤال "السوسيولوجي" لماذا كتب مسرحياته "الشعرية" في هذه الفترة تحديداً، وبأي وعي فني كتبها.
**
كان من تداعيات تجميد البورجوازية لثورتها، أن ظهرت –في مجال الفن والأدب- الكلاسيكية الجديدة جنباً إلى جنب تيار رومانسي يبكي على الأطلال، ومن الاثنين جاء عزيز أباظة (بعد وفاة شوقي بعشرة أعوام) ليستأنف محاولة سلفه الكبير، أن يبذر بذرة حية في رحم منكمش ضامر. ومثل سلفه أيضاً بدأ كتابة مسرحياته الأولى "قيس ولبنى" بعد عام من حادث 4 فبراير 1942، ذلك الحادث الخطير الذي كشف عن علة المجتمع الأساسية : إما أن تكون وطنياً فتقبل بحكم الاستبداد، أياً كان رمزه.. والياً، أو سلطاناً، أو ملكاً.. الخ، وإما أن تنزع نحو الديمقراطية فتستعين برمزها (=الغرب) احتلالاً أو تبعية سياسية. ولقد كان ذلك هو المعنى المستتر وراء حادث 4 فبراير. فلقد انقسمت القوى الفاعلة في المجتمع المصري، بين الانحياز للملك فاروق –رمز الوطن- بما يمثله من استبداد تاريخي موروث، وبين الاستعداد لأداء متطلبات الديمقراطية، ولو كان الثمن الاضطرار للتحالف مع المحتل.
كانت معاهدة 1936، التي وقعتها مع بريطانيا حكومة حزب الأغلبية الوفدية، تنص على تحالف مصر مع بريطانيا، فتضع أراضيها وموانيها، ومطاراتها تحت تصرف الجيش البريطاني في حالة الحرب ضد طرف ثالث. وكان الملك فاروق قد أقال هذه الحكومة في ديسمبر 1937 بتقدير منه أن الوفد بتوقيعه على تلك المعاهدة، قد حل مشكلة القضية الوطنية، ومن ثم ضعفت قواه، وغاب عنه أهم عنصر في وجوده السياسي. لكن بريطانيا كانت أعلم من فاروق بحاجتها إلى الوفد، ليطبق لها بنود المعارضة، فكان أن حملته بإنذار فبراير الشهير إلى سدة الحكم، لتخرج جماهير الوفد في مظاهرة حاشدة تحمل اللورد كيلرن –صاحب الإنذار- على أعناقها، تمجيداً لديمقراطيته! ومن جانب آخر، لتتحرك التنظيمات العسكرية والفاشية والدينية بالضد على الديمقراطية "اللعينة"، وكل منها يتقدم بأوراق اعتماده تحت شعار "الحاكم المستبد العادل" الذي سيحرر البلاد من المحتل الأجنبي، ويعيد إليها سالف مجدها، وعظيم ماضيها.
ورغم هذا الاضطراب السياسي الشديد، ورغم احتدام الأزمة الاقتصادية، وتوالي الإضرابات العمالية (احتجاجاً على فقرهم المتزايد وبؤس معيشتهم) وتزايد مظاهرات الطلبة، وصولاً إلى إضراب الشرطة ذاتها (عام 1947) إلا أن شيئاً من هذا لم يشغل بال الشاعر الأرستقراطي البورجوازي عزيز أباظة. كل ما فكر فيه هو إعادة إنتاج ما سبق أن ذكره التاريخ، مثل حكاية "العباسة" أخت الرشيد، وزواجها الصوري الفعلي بجعفر البرمكي، وحكاية "لبنى" التي زوجت برجل لا تحبه، فتوسط الحسين بن علي في أمر تطليقها لتتزوج حبيبها قيس بن ذريح، أو قصة "شجرة الدر" التي ناقش فيها صحة تولية النساء الحكم، وانتهت بتحريم ذلك. أو حكاية الجارية "شفق" في تذبذبها بين حبها لابن الخليفة الفاطمي الناصر، وبين واجبها نحو وطنها الأصلي "نافاريا"، أو حكاية "شهريار" المتذبذب أيضاً بين حبه لشهرزاد وبين الوعد الذي قطعه على نفسه بذبح زوجة كل ليلة.. أو ذكر ما جرى في غرناطة –آخر معاقل المسلمين في الأندلس- وصولاً إلى تأنيب الحكام المسلمين على غفلتهم التي أضاعت عليهم تلك البلاد.
رواية وحيدة كادت أن تصل إلى مرتبة الدراما الشعرية (هي "زهرة" عاشقة زوج ابنتها) لاتكاء عزيز أباظة على حبكة الشاعر "راسين" مؤلف مسرحية "فيدرا" (التي اشتهت ابن زوجها، وحين استعصم منها بمثله العليا، اتهمته عند والده بمحاولة إغوائها) فعند راسين تقوم الحبكة على عنف الحب "الأيروسي" Erotic الذي لا يعرف الندم لانبثاقه من القدر الداخلي (الوراثة ووظائف الأعضاء)، لكن عزيز أباظة سرعان ما يضع الحواجز الجمركية أمام هذا الموضوع "الدرامي" الشائك، فلا نجد أمامنا سوى امرأة شهوانية فاسدة أخلاقياً تعود إلى الله في النهاية. وبينما يؤنب "راسين" الإله "نبتون" –(لسذاجته واستجابته لدعاء والد "هيبوليت" أن ينتقم له من ابنه فيغرقه وهو البريء)، فإن أباظة -بنزعة التقوى ذات الصلة بالتراتبية الاجتماعية- أراد في سياق إدانته لزهرة، أسيرة الدنس والعشق المحرم، أن يجعلنا نتصورها مخلوقة لإبليس، رغم إيمان الشاعر بأنها كغيرها صنعها الإله الحكيم، القادر على خلق أمثالها لعلة لا نفهمها! ولا ريب أن حبكة تقوم على تناقض كهذا، لخليقة بالتمزق. وكيف لا تتمزق حبكة تهمل ما هو واقعي تاريخاً ومجتمعاً، وأنـَّى لشاعر لا يفكر في وضع منظومة القيم موضع المسائلة، أن يتعمق في أغوار النفس البشرية؟! إن ذلك ليتطلب تنمية الوعي الأنثروبولجي بتاريخ الجنس Sex الذي بدأ بالمشاعية الجنسية، واقترن بالتحريم لأسباب اقتصادية، رُفعت فيما بعد إلى مصاف التحريم الديني. وأنـَّى لأباظة أن يجرؤ على ما جرؤ عليه صلاح عبد الصبور فيما بعد (مسرحية مأساة الحلاج) إذ راح يهتف على لسان بطله :"من صنع الموت؟ من صنع العلة والداء؟ من وسم المجذومين؟ والمصروعين؟ من سمل العميان؟ من مد أصابعه في آذان الصم؟ من شد لسان البكم؟ من سود وجه السود؟ من صفر وجه الصفر؟ من ألقانا في هذي الدنيا مأسورين؟ من؟ من؟" ذلك عبد الصبور، أما عزيز أباظة فلم يكن بالشاعر الدرامي القادر على أن يسأل: من صنع زهرة؟ ولهذا فلقد ظل شاعراً غنائياً، اقترب كشوقي من أفق الدراما، لكنه –مثله- لم يقتحمه.
وعلى أحسن الأحوال فإن عزيز وشوقي يمكن لهما أن ينتسبا- بفضل إنتاجهما- إلى الشعر والمسرح، لكن الدراما الشعرية ليست مجرد حاصل جمع، بين الشعر والدراما، إنما نتاج عقل تركيبي جَدْلي، لا يجوز فيه إعطاء أولوية لهذا أو لتلك. هي لون أدبي مستقل، وكيان قائم بذاته، مثل الجسد المتحرك الذي ليس حاصل جمع لأعضائه حسب (وإلا عُدت الجثة شخصاً حياً لاحتوائها على نفس الأعضاء دون نقصان). وكما أن كميات من حديد التسليح والأسمنت والرمال والزجاج والأخشاب لا تسمى منزلاً، فإن الدراما الشعرية لا تسمى كذلك لمجرد احتوائها على أبيات شعرية، وأشخاص يتحاورن فيما بينهم، ومجموعة من الأحداث يمكن لراو أن يحكيها منفصلة. إنما الدراما الشعرية تمثيل فني خاص للمجتمع (بما فيه الشاعر) وللوجود الإنساني، تمثيل يحيط بشبكة من علاقات المخايلة الأسطورية والتاريخية، منسوجة تلك الشبكة بخيوط الحاضر، تعمل على تنمية اقتصاديات الجمال، وقد تتجلى بهيئة بلورة سحرية، تكشف للواقع بللورة بلادته ونقصانه، استفزازاً له أن يتغير. فلا جرم أن يكون "التـَمـَاسُ" بين الدراما الشعرية والواقع المعيش موجعاً وممتعاً، معقولاً ومدهشاً في آن.
إن انتماء الشاعرين شوقي وأباظة لطبقة تراخت عزيمتها مبكراً (فاكتفت بالمراوحة بين تقليد السلف، وتقليد الغرب المعاصر) كان من شانه أن ينعكس على الوعي الإبداعي، فراوحا، مثل طبقتهما الاجتماعية، بين شعرهما التقليدي الموروث، وبين "الشكل" الدرامي الذي استعاراه من أدباء أوروبا –ورثة المسرح الإغريقي، والمسرح الديني، ومسرح عصر النهضة- دون التفات منهما إلى حقيقة أن تقليد لوحة، أياً كان درجة الإتقان فيه لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة اللوحة الأصلية.
ولعل هذا أن يفسر ذلك الإخفاق الذي مُني به الشاعران الكبيران في ميدان المسرح الشعري. ومع أن حملهما لم يكن –كالسابقين عليهما- حملاً كاذباً، إلا أن الإجهاض كان مصيره، لسبب سوسيولجي، هو أن البطن (=ثقافتهما المحلية) التي احتوته، لم تكن مهيأة بعد للحمل والولادة.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور وحيد عبد المجي دمفهوم الليبرالية مختلف عليه وقد استخ ...
- اللبرالية الجديدة..حل مؤقت لأزمة دائمة
- المَحْلُ وما أحاط
- والعكس وما يغشى
- بعد عرفات سيزيف الفلسطيني يبني بيتاً
- مطوي بيميني منشور بيساري
- صفرٌ في الغَلَس
- وعي بالجهل أم تنمية معرفية ؟!
- اللغة .. والثقافة الشعبية المظلومة - مصر وتونس نموذجاً
- تحطيم سرير -بروكروست-
- ثقافتنا العربية أمام خيارين التحول أو التلاشي
- مياه الأمن القومى
- !السلام بين العرب واسرائيل ..كيف؟
- لغة عربية أم لغة مصرية؟
- الكاتب في عصر العولمة
- تفكيك العقاد العقاد مفككاً
- إلى أن تطل عيون المطر.
- الأصولية تلتهم الحداثة
- رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس
- ساعات بين الكتب


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بندق - سوسيولوجيا المسرح الشعري في مصر الحمل الكاذب والحمل المجهض