أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مريم نجمه - من خواطر زوجة سجين سياسي - 8















المزيد.....

من خواطر زوجة سجين سياسي - 8


مريم نجمه

الحوار المتمدن-العدد: 2046 - 2007 / 9 / 22 - 10:20
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


من خواطر زوجة سجين سياسي :
عام 1975 – دمشق
تتراكض الفصول لتحتضن السنين وتنام على كتف التاريخ ... أما الشوق يتراكض كالفراشات إلى اللقاء والتجدد والتحليق فوق حقول الامل... . الأبعاد تتلاشى والأيام تمر ..
لكن الصدمات اليومية التي جابهتني في هذه السنة حفرت في خلايا وأعصاب الجسد أخاديد سمَرتها قساوة المحن ..
ولكنني أرجع لأقول أهلاً للظلم والتعسَف .. والتضحية ... لأن سلاحي في كل ذلك هو الإبتسامة والصبر والعمل , والهزء بالصعوبات والتحدَي , لأننا خلقنا في وسطها ونعيش بينها ..
إن كنزنا في تضحياتنا .. وفي فكرنا ,
لقد حطَمنا ودسنا الظلم والقيد .. لنوَلد الفرح والحرية والكرامة الإنسانية مع كل الذين يعيشون لها و ينادون بها ويدافعون عنها ..!

*
أوَل زيارة أقوم بها لسجن مدينة تدمر 13 / 1 / 1975 :

أبت مذكَراتي إلا أن تزور صحراء البادية التدمرية .. أن تزور أوابد واّثار تدمر التي بقيت رمز انتصار الإنسان على الطبيعة , رمزاً لإنتصار الإنسان على القيد والعبودية والمحتل الظالم .
أنت أيتها الاّثار التدمرية .. تكلمي كيف صمدت وقاومت عنفوان وظلم روما الإمبراطورية الإستعمارية القديمة ..
وأنت ( يا زنوبيا ) المرأة السورية الشامخة .... أتيت اليوم لأزور اّثار مدينتك معابدك وحضارة شعبك التي يسجد ويركع لها الإنسان لعظمة اليد البانية التي شيدت وتشيد على مر الزمن ..
أتيت اليوم لأزورك .. لأستمدّ من عزيمتك ومواقفك الصلبة البشجاعة لتوطيد وحماية استقلال بلادك وثقتك بنفسك وبشعبك وبوطنك الذي أحببته وقدّمت كل شئ في سبيله ..
أزورك اليوم يا زنوبيا ... لأشم رائحة تراب مملكتك التي عصفت بها الكوارث و الزمن ..... لأشحذ منك عزيمة المرأة العربية في وجه الطاغية الذي يبغي الأصفاد وكم الأفواه ..
أكتب الاّن وزوجي المعتقل على بعد أمتار مني , تحجزه الجدران و( الأوامر العسكرية ) الصادرة عن الجزمة الفاشية !؟


أتيت لأزورك يا حبيبي , فحالت دون لقاءنا أوامر الكره والحقد الأسود –
لا بأس يا حبيبي , إن أفكارنا وعواطفنا تتعانق كل لحظة , رغم البعد , رغم الحواجز , والأوامر ..
إن قلبي الذي أعطاك خلجاته مذ عرفتك لا يبخل بشئ , سوف يبقى ينبض للحب والحرية , والحب الإنساني , رغم حجز حريتك , لأن الإنسان الحرَ هو حرَ ولو في السجن , والعبد عبد إينما وجد ..!؟
أنا بقربك ياحبيبي الاّن في ( الثالث عشر من كانون الثاني 1975 ) دون أن تعلم بذلك – ربما فيما بعد تعلم - إني أتنفس في نفس المحيط , وأعيش الماضي بكل تمرَده , بكل انتفاضاته , أعيش تاريخنا الغزير المضئ , أعيش أبطاله الذين قدَموا كل ما يملكون في سبيل أن تسلم ( بالميرا ) .. أن تبقى دمشق .. أم المدن , وكل مدينة يضمها سجن الوطن والوطنيين .. وستبقى تدمر مدينة الجمال والأحرار , وليس مدينة السجون والأقفال ...... بفضل صمود ونضال رفاقنا وثوارنا وأحرارنا .....ولكن سامحيني أيتها الأرض الطيبة لقد ذرفت دموعا على قدميك .. لقد بللَت ترابك بماء العيون – هذه شهادة حب ووفاء للحرية – أهو نتيجة الصدمة التي مررت بها اليوم بسبب منعي من مقابلة زوجي المعتقل هنا في ( سجن السلطة القمعية ) وليس سجنك .. , أم كانت دمعة هي تعبير للخلود والصمود , إنها كلاهما معاً ....!؟


وداعاً يا حجارة ومعابد وأوابد التاريخ البشري , والحضاري والإقتصادي لشعبي العربي في هذه المنطقة بالذات , اّملة أن أزورك مرَة أخرى وأرى سجنك ملاعباً .. وحدائقاً .. ومسابحاً .. وروضات للأطفال ....
أهمسي أيتها الاّثار .. في مسامع حبيبي ليلاً , عندما ينام الحرَاس والجلاَدون, وتنام الأيدي والنفوس المجرمة , أهمسي له بأن كل ما يجول في أفكاره من مشاعر وأحاسيس إحفظها في اللاشعور فهي أوفى مكان لا تطاله الأيدي الأثيمة اللئيمة التي كانت سبب نفيك إلى هنا ,
ولكن لا بأس إنه شئ جميل , فأنا كما أنا , وستبقى ابتسامتي هي هي أملي وهي دافعي لكل ما هو جيد وخير ... وجميل ..!

الألم في الصدر .. في الحجر .. في الورق .. وفي الخبز ..


الذهاب إلى تدمر والرجوع منها شئ سهل وممتع .. قاسي ومؤلم ..
الأثر الذي تركه في قلبي عميق جدا .. عمق إيماني وعقيدتي ومبادئي ... لقد لوَن حياتي .. ومذكراتي .. إنه يوم يضاف إلى قصَة النضال الطويلة التي يكتبها ويعيشها كل إنسان مناضل في سبيل الحق والحرية والثورة في العالم ..
كم هو مؤثر ذاك المنظر الدرامي الذي عشته بكل أبعاده عندما رجعت من السجن وأنا جريحة القلب ودامعة العين وأعصابي مرهقة وتتوقد حقدا وغضبا على سالبي حرية الإنسان الشريف الوطني ... أخذت أمشي وأمشي دون هدف ... تاركة السجن ورائي وحبيبي داخله لم يدر ماذا دار من صدامات بيني وبين هذا وذاك من الشرطة والجلادين الذين منعوني من رؤيتك دون جدوى .. وبعد طول انتظار...: قال أحدهم ممنوعة الزيارة الأوامر هكذا .... !؟
ولكن ما أن حطَت قدماي في مدينة الاّثار مدينة الصمت والتاريخ .. مدينة الصخور والهدوء والشمس والرمال والنخيل المتشامخ والزيتون المقاوم شموخ أبناء شعبي الأبطال ....

رميت محفظتي أرضاً .. وأخذت أناجي ربي بدموع غزيرة , وأناجي حبيبي بكلمات شفهية ونثرية صامتة مخنوقة , لم تخرج من الشفاه لا يدري بها سوى هو وحده ....
بكيت وبكيت .. ورويت تراب الصحراء بدموعي ... لقد أبت دموعي إلا أن تعبر المنازل و الشوارع والطرقات من المدينة إلى الصحراء إلى الرمال العطشى لدموع المضطهدين في وطني ...
أجل كنت وحدي وحدي فقط , لم يدر بي أحد ولم تسمعني سوى الصخور والأوابد الصامتة الخرساء التي تتكلّم فيما بينها بلغتها الخاصة ..!

منذ الفجر وأنا أقطع المسافات .......... مدينة بعد أخرى .. وطيَة تلو طية في البادية السورية ..... تجوّلت قليلاً في سوق تدمر لم أر نفسي إلا وأنا أدخل مقهى صيفياً فقيراً مكشوفاً وكان الطقس معتدلاً كأنه خريف – فنحن في البادية – فلا يعنيها بشئ كانون الثاني - الكراسي فارغة إلا من صاحب المقهى , فأسرع بكوب الشاي الدافئ وصحن اللبن الرائب " الطبيعي " الذي لا غش فيه - لم أذق مثل طعمه في حياتي - الذي لا غش فيه , كان إنسانا طيبا كأبناء شعبي البسطاء الكادحين الذي لم تلوثهم اّثار المدنية الزائفة , وبعد استراحة قصيرة , شكرته فقد حان موعد السفر بالحافلة .. والعودة إلى أسرتي في دمشق " بخفي حنين " .. وفيض من صمود .. لأخفي الألم مؤقتا , أمام والد زوجي وأبنائي .. ........... لأعود بعد شهر في زيارة ثانية أنا وإبنتي سمر ..................... مع الموافقة !؟؟
............


أوَدعك أيتها الصحراء .. أنا والشمس معاً ..
أودَع نخيلك .. زيتونك .. رمزالعطاء والصبر والتحدَي والثبات والصمود ..
أودَعك يا محطات القوافل والإستراحة , والتزوَد والتبادل والعلاقات الثقافية , الإقتصادية , أيتها الأوابد الأثرية , يامن عرقت الجباه , وأدميت الأيادي لتزرعك لتخمَرك , في الأرض الطيبة والصحراء المترامية ..
أسواقك .. شوارع المدينة القديمة .. أعمدتك شاهدة على عصرك الذهبي .. العصر الحضاري .

أودَعك أيتها الصحراء , وأودع حبيبي بين واحاتك الغنَاء ..
أوَدعك أيها الشفق القرمزي وراء تلال تدمر .. وتيجان الأعمدة
حينما أراك , أرى قلب حبيبي , جذور الأرجوان الذي يعانق زهور معبد الحرية والثورة ..
أرى قلب حبيبي بين خيوطك يتوهَج للحب .. والعطاء .. وابتسامة الأمل .. أمل المستقبل .. مستقبل الشعوب التواقة للحرية ...!
لاهاي / 19 / 9






#مريم_نجمه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين نحن سائرون ..؟ عالوعد ياكمَون ..؟
- من كل حديقة زهرة : زراعة - صحة - جمال - 8
- صلاة من نوع اّخر ..؟
- - ( أذكروا المقيَدين , كأنكم مقيدون ) .. لا تنسوا معتقلي الر ...
- من كل حديقة زهرة : زراعة - صحة - جمال - 7
- الدرس الديمقراطي من برنامج مرشح الرئاسة النائب اللبناني بطرس ...
- من الرائدات : الأديبة والمربية .. عفيفة صعب
- - فصفصوا - لحم العراق .. وماذا بعد ..؟
- دور المدرسة في التربية الديمقراطية ..؟
- نساء في سطور ..
- من كل حديقة زهرة : زراعة - صحة - جمال - 6
- الإشتراكية .. وواجب الأمهات في تربية أطفالهن - 2
- الإشتراكية ودور النساء في تربية أطفالهن - 1
- من كل حديقة زهرة : زراعة .. صحَة .. جمال - 5
- معايدة ..؟ من خواطر زوجة معتقل سياسي
- - الجذور - .. كالصفصاف
- مداد الكتابة ..؟
- رسالة حب للوطن
- من خواطر زوجة معتقل سياسي
- دور المرأة في الإنتاج , والبناء الإشتراكي , والدفاع عن الوطن


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - مريم نجمه - من خواطر زوجة سجين سياسي - 8